أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - بلبل لبنان الذي طار














المزيد.....

بلبل لبنان الذي طار


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4245 - 2013 / 10 / 14 - 00:41
المحور: الادب والفن
    


حين خمدَ الجسدُ العليل، دقَّتْ طبولٌ، شقشقتْ عصافيرُ، طارتْ فراشاتٌ، حوّمتْ ملائكةٌ، وانطلقتْ سهامٌ كيوبيدية من قلوب العشاق تسألُ: "هل رحلَ اليومَ عن دياركم بلبلٌ صدّاح؟ ما أفدح خسارتكم أيها الساكنين أرضَ الفقد! إنّا حملنا الجسدَ الواهنَ إلى حيث عالم أجمل من عالمكم! فاحزنوا ما طابَ لكم الحَزَن، واصنعوا بلابلَ جديدة تواسيكم! بلبلُ دياركم الراحلُ عنكم، تمنّى علينا أن ينهارَ الجسدُ فوق مسرحكم الأرضي، وهو يُغنّي، مثل فارس يطلبُ الشهادةَ في ساحة الوغى، أو باليرينا بولشوي ترفضُ أن ينام الجسدُ الراقص نومتَه الأخيرة إلا بعدما يَخفُتُ صدى آخر نغمة في "بحيرة البجع" أو "كسّارة البندق" أو "جيزيل". لكننا رأينا أن نحمل الجسدَ ليحيا، لا ليموت، فوق خشبة مسرح سماوي، جمهورُه نوارنيون، لا يعرفون سوى الحب. تركناه لكم اثنين وتسعين عامًا، وحان الوقتُ لنستردَه ونسعدَ به في عليائنا، مثلما ابتهجتم به في دنياكم. اطمئنوا أيها الأرضيون على وديعتكم التي نحملها فوق أجنحتنا صوب السماء. فعندنا في الفردوس، ننتخبُ الأرواحَ الجميلة، لتسكن ديارنا الأبدية، وننتخبُ الأصواتَ العذبة، لتُطوّفَ على شواطئ أنهارنا الكوثر، حاملةً قيثاراتِها الفرعونيةَ وحناجرَها الذهب، فتُبهجُ المؤمنين. فقيدُكم هو مِنحتُنا منذ اللحظة. فإن مَسَّكُم شوقٌ إليه، مُدّوا أعناقَكم نحو السماء، وأصيخوا السمعَ، وأنصتوا إليه يشدو في رحاب الصالحين."
طار الكروانُ الجميلُ الذي لن تجودَ الحياةُ بمثله، إلا بعد دهورٍ طوال، علينا أن نحياها صامتين عن الغناء، بعدما سكتَ الطائرُ المُغرِّدُ، ليهرب إلى حيث تفرُّ العصافيرُ إلى عالم أنقى، فلا تعودُ أبدًا إلى عالمنا الذي يسكنُه الشقاقُ والتناحرُ والظُّلمُ. أسمعُ الآن ديارَ لبنانَ، ودورَها وربوعَها وضِياعَها وجبالَها، وأسمع الأكواخَ الصغيرةَ على ضفاف النيل، تسألُنا: "راحوا فين حبايب الدار؟"، فلا نعرفُ أن نُجيب.
ذات مساء، أمسكَ العودَ ورنّم: "الليلُ يا ليلَى يُعاتبُني/ ويقولُ لي: سلِّمْ على ليلى/ الحبُّ لا تحلو نسائمُه/ إلا إذا غنّى الهوى ليلى"؛ فتمنّت كلُّ البنات أن يحملن اسم: "ليلى"، حتى وإن غاب "قيسٌ" فلا يكتب الشِّعرَ في عيونهن وجدائلهن.


رحل الكبيرُ الذي نِصْفُه لبنانيٌّ، ونِصفُه مصريّ، وبقيةُ أنصافه، إن كان ثمة، فرنسيةٌ وبرازيلية، لا أعرفُها. رحل الذي جمع صوتُه بين الجبيلة والحنوّ! كيف فعل؟ قلّما يجتمعان! رحل بعدما قال: "إذا مصرُ قالتْ: نعم، أيّدوها/ وإن أعلنتْ لاءَها، فاسمعوها"؛ فأيدنا المحبّون، وسمع لاءاتنا الثوريةَ الجميعُ.
رحل بعدما ترك لنا هرمًا هائلا من النغم العذب. فنَمْ، يا وديع الصافي، ملءَ جفونك عن شواردها، بقدر ما منحتنا من بهجة وشجن، حين شدوتَ للحُبِّ والفقد، والأوطان.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراسلات أدباء مجانين
- لماذا نحب؟ وكيف نكره؟
- الست مبسوطة، أغنى امرأة في مصر
- سيدني، وتعويذة الفراعنة
- العذراءُ في بيتي!
- النورُ في نهاية النفق
- وثالثهما الشيطان
- ازدراء الأديان فى شريعة الإخوان
- نجاح جمعة الحسم
- القبض على -الصوابع- وحذاء المرشد
- انتي مش أمّ الشهيد، انتي أرض
- حين أغدو إلهةً
- أنا صهيبة... أنا خفيت
- كم هرمًا من الجثامين تكفيكم؟
- خواطرُ على هامش الدماء
- مسلمو أمريكا وأقباط مصر
- الأطفال والصوفة والأقباط، كروت الإخوان
- أسود صفحة في كتاب التاريخ
- أم أيمن، وأم الشهيد
- هل أنت إرهابيّ؟


المزيد.....




- صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم -الماديون-
- كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟ ...
- الممثل عادل درويش ضيف حكايتي مع السويد
- صاحب موسيقى فيلم -مهمة مستحيلة- لالو شيفرين : جسد يغيب وإبدا ...
- دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم
- افتتاح معرض -قفطان الأمس، نظرة اليوم- في -ليلة المتاحف- بالر ...
- -نملة تحفر في الصخر-ـ مسرحية تعيد ملف المفقودين اللبنانيين إ ...
- ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها
- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - بلبل لبنان الذي طار