أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - أنسنة الوجود الكوني















المزيد.....

أنسنة الوجود الكوني


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4243 - 2013 / 10 / 12 - 22:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أنسنة الوجود الكوني
كان حلم الإنسان الأول ودوما هو العودة إلى الجنة مما يعني لديه العودة للذات الأولى الذات التي يعي حدودها الإنسان من خلال النظر دوما إلى السماء وانتظار الساعة التي يعود فيها إلى دار هجرته الأولى, باحثا عن ما يبرر وجوده في الأرض ولماذا؟ وما الطريق الذي يجعل من الأرض جنة عوض تلك التي فقدها أباه الأول عندما تخلى عن وعيه عن ذاكرته؟, يفتقد الأشياء التي تجعل منه إنسان كوني ينتمي للوجود والوجود ينتمي إليه طبعا هنا المقصود الوجود الكوني في حدود الأرض والسماء التي يعرفها وليس تلك التي يجهل حدودها ويجهل كيفية قياسها وكيف يقيس ما يجهل.
إن الأبدي أو اللا زمني عند الإنسان المفكر الإنسان الذي يصنع الوعي هو الآن والآن لا يمكن أن يفهمه إنسان واقع في شباك الزمن ضائع بين أبعاده يريد أن يعبر إلى المستقبل والمستقبل لديه كائن مجهول لأنه ليس في حدود سلطته فمرة يعيد السلطة للسماء ومرها يرجعها لحركة الزمن إن تحرير الفكر من الزمن يتطلب العمل الواعي واستحضار الذاكرة الزمنية، لكن العقل بحاجة إلى محفزات وبحاجة للذاكرة وبحاجة لبرمجة تربط الذاكرة والحافز بالزمن وهذا لا يمكن رسمه إلا عندما يستوعب العقل سيرورة الاستمرارية التي هي الذاكرة ليس الذاكرة الحديثة فقط وإنما النفسانية أيضا, فمادامت الذاكرة تعمل ليس بوسع العقل أن يفهم ما هو موجود إلا من خلال ربط الوعي بالزمن لكن عقل الإنسان وكيانه كلَّه، يصير خارق الإبداع، سلبي التنبُّه عندما يفهم مغزى الإنهاء، لأنه بالإنهاء ثمة تجدد، بينما في الاستمرارية هناك الموت التحلل عندما نربط السيرورة بشكل مضطرد وباتجاه واحد دون أن نعي أن هناك وجه أخر يشكل القطب الثاني من الكون القطب الثاني من المغناطسية الكونية التي تريد التحرك والانفعال.
إذن الإنسان مشتت بين التمسك بحلم العودة أو العبور والتجاوز نحو المستقبل الذي يصنع من الأرض جنته الضائعة, هذا السعي هو في الحقيقية محاولة منه لعكس تصوره عن الجنة على واقعه الكوني ولذلك لا يمكنه التخلص من هذه الثنائية ما لم يحقق حلمه بالكامل هذا الحلم الذي ترسخ بالأنا الواعية التي تفكر دوما كيف يمكن أن يترجم الحلم إلى واقع لكي تسعد به, إنه المثالية المطلقة وهو الجانب الأخر من الأنا الطبيعية مقابل ما هو مادي يمثل بسعيه لتأمين حاجة الوجود الآني الذي يضمن له إمكانية الاستمرار بالإيمان بالحلم.
يمثل جانب الحلم جانب الحب جانب الخير جانب التعلق بالله الجانب الميتافيزيقي فإذا كان ثمة محبة ستسعى للخير والنور والتسامح، وستعرف ما هو الله ولا حاجة لك إلى سواك ليخبرك به إنه الأبدية اللا زمنية نفسها إنها الخلود بالحب وعند غياب المحبة نريد أنا أخرى لنفرغ بها شحنة الكراهية شحنة الرفض شحنة الجهل، لو كنا نحب حقاً هل تعرفون أي عالم مختلف كان يمكن لهذا العالم أن يكون؟ ينبغي أن يكون فيه حقاً أناساً كونيين بمعنى أن تتطابق فيه الأنا الطبيعية مع واقع يجسد لنا سعادتنا في الأشياء، في الناس، في المثل ينبغي أن نكون سعداء حقاً وبالتالي لا ينبغي للأشياء وللناس وللمثل اللا طبيعية والمتجردة من البديهيات أن تسيطر على حياتنا إنها كلها أشياء زائفة لا تنتمي لنا ولأننا لا نحب ولأننا لسنا سعداء نستثمر في الأشياء اللا حقيقية للتعويض وللثأر من الأخر ومعتقدين أنها ستمنحنا السعادة وإحدى الأشياء التي تمنع من أن نستثمر فيها هي الله هو الجانب الميتافيزيقي من الأنا.
وحده الإيمان بالجانب الروحي الموافق والمتسق مع الجانب المادي والذي يسير بتوازن مبني على السعي نحو الكونية التناظرية هو القادر على إعادة التوازن للأنا والأخر لأن هذا العامل وحده الذي يفرض شروط العايش بينهما دون تضاد ودون تزاحم مهلك, على عكس تلك الدعوات والرؤى والفلسفات، القاصرة عن إدراك الجوهر الإنساني الذي يربط بين كل نفس بشريّة وأخرى بخلاف ما يبني الدين هيكلية الذات ،وهي ما دلّت عليه حكمة الدين في نفخ الروح الإلهية بالكائن الأول آدم هذه الروح المقدّسة تسري في كل منا، وهي نفس الروح ومن نفس المصدر الإلهي، ولولا هذه النفخة ما كان يمكن أن نؤمن بأحادية الأنا كحقيقة مطلقة لأن إيماننا أسسا قائم على ازدواجية المادة (الطين) مع الروح (النفخة) ولا دليل لدينا مقبول عقلا ومنطقا إلا وتدل على وحدة العناصر والمصادر الكونية للإنسان وللبناء العضوي له مادّة وروحاً ونظم وآليّات وراثيّة لبناء الشخصية والنمو النفسي وهي التي تشكل مشترك جوهري واحد لتشابه الوجود الإنساني دون النظر كونه مختلف بيئيا أو شكليا أو من زوايا الخصائص الملحقة الأخرى أنه إنسان كوني فعلا ولكن بأنا وأخر.
هذا الجانب الفاعل الذي يكبح جنوح الأنا المدمرة المتزاحمة مع الأخر من أن تبسط قدرها وقوتها لم يكن في الحقيقية إلا حلا كونيا من حلول ترجمة أن يكون الكون إنسانيا ويكون في ظل هذا الوضع أن يكون الإنسان كونيا أيضا, إن الفهم الخاطئ لحقيقة الجوهر الإنساني للأنا الجوهرية ،والذي ظهر في مفهوم الأنا والآخر المتزاحمان والذي يبنى على مقولة العبد والسيد كانت خلاصة ما لتسوية ما دمويّة بوقائعها بين الجماعات المتناحرة ابتعدت عن التناظر والمثلية وأمنت بالتناحر والاستعباد متكئه على حسها الحيواني في النفس الثانية وتأثيراتها اللا واعية على الأنا.
وقد أدى التعلق الشديد بمبدأ المزاحمة والاعتداء على الأخر من خلال تقديم حرية الأنا على حرية الأخر التسبب في إعطاء الطابع الفلسفي والحضاري وتبريره للحملات الصليبية مثلا وغيرها من الحملات الغربية والشمالية والتي أدت إلى إبادة شعوب مسالمة وحضارات أصيلة كما شاهدنا كيف تم تبرير تدمير وجود وحضارة وكيان ثقافي يمثله الهنود الحمر في الأمريكيتين والشعوب الأصلية في أستراليا.
ولم يُعطَ هذا المفهوم معنى ذات طابع إيجابي إلا في الفلسفة الشرقية والجنوبية تلك الفلسفة التي تجعل من تجاوز الأخر على الأنا الشرقية عامل استعادة للوعي واستعادة للتوازن المفقود بينها وبين طبيعتها الأول فيقول الدكتور عبد الجبار الرفاعي في حوار سابق معه عن نظرة المجتمع الشرقي ويأخذ مثالا عنه المجتمع الفيتنامي (فقد استمر هذا المجتمع طوال نصف قرن يقاوم الاستعمار الفرنسي ثم الاميركي، وتعرض للتدمير والابادة، ثم تحررت فيتنام وانتهت المقاومة، ووجد المجتمع الفيتنامي نفسه خارج منطقة الحرب، فانشغل بإعادة البناء والتنمية، ولم ينشغل بإعادة انتاج الكراهية للمجتمعات الغربية، والعلم والمنجز التكنولوجي الحديث مقاومتهم وقتالهم لم تكن منبعاً لكراهية المجتمعات الغربية، وانما وجد نفسه بكل سهولة يمكن ان يتعاطى مع العلم الغربي والمجتمعات الغربية، من دون عقدة، أو مشكلة، واستمرت حياته بشكل طبيعي (لكن بالمقابل نرى العناصر الدافعة في المجتمع الأمريكي بعد أحداث 11 أيلول أنتج مزاج كراهية لا محدودة للآخر لم تتوقف عن تبرير قتل الملاين وتدمير مجتمعات كامله لا لشيء إلا لإحساسها بالخطر من المزاحمة من عدم تقيد الأنا بمفهوم الحب الذي أرساه الدين أي ما صنعه الله, إنه استثمار لا أخلاقي لواقع الكراهية.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت هناك فرصة تأريخية مهمة عندها يتوقف الاستعباد والمتاجرة بالرقيق خلال عهود واستغلال الأخر بالاستعمار بكافة جوانبه لما سببت تلك الكراهية من مأسي وويلات على شعوب تحركها فكرة المنازعة والمزاحمة فكرة أن أكون أو لا تكون أنت ,فكرة قادها رجال يؤمنون أصلا بالدين ويتغنون بأن الله هو الذي أيدهم ونتذكر مقولة هتلر الشهيرة (لابد أن أشكر الله الذي ألهمني قيادة ألمانيا) هذا الدين الذي لا يتورع أن يقتل الألاف من الناس بتبرير واهي أنهم يزاحمونني هكذا بنت الأنا الغربية صراعها مع نفسها وقادت العالم للكراهية وهي أنا متشابه فكيف يكون تصرفها مع الأنا الأخرى التي تناظرها في نفس الفهم.
لقد أيقظت نتائج الحرب العالمية الثانية الضمير الإنساني بدافع أخلاقي وديني ومثالي نظرا لضخامة الجرائم التي حدثت في حق الإنسان والكون الأرضي فظهر مفهوم التعاون الدولي لحل الأزمات وتجلى مفهوم القطبية الثنائية الشرقية الغربية وكان معولا أن يسعى جادا لأن يكون حلا كونيا مثاليا, لكن روح الحقد والكراهية لم تلبث أن نمت بوجه جديد أكثر عمقا وأشد أثرا هو مفهوم الحرب الباردة التي بنيت قواعده على مفهوم توازن الرعب توازن الحرية والذاتية لكلا الطرفين بل وحتى هذا المفهوم لم يوقف الحروب ولم ينجح حتى هذه اللحظة في تداركها أيضا.
إن الغرب في هذا المفهوم يقول الشيء ويفعل عكسه ،فهو من جانب يقر بالأنا وبالآخر ويدعو إلى علاقة إيجابية بينهما ولكن لن ولم يتخلى عن مفهومها المتأصل مفهوم المزاحمة والتضاد والرغبة في حريته هو لا حرية الأخر فكيف يتم له أن يفعل ذلك والحوافز والدوافع لم تتبدل لم يجعل من حقيقة كون الدين يعني الحب يعني التناظر والتماثل وهو لا يؤمن بذلك؟ إن الأنانية الفردية والأطماع موجودة في كل وكل شخص أناني ما لم تقومه وتضبط فاعليته معيارية ومرجعية تضع حدود للأنا, هذه المعيارية لم ينجح بها سوى الدين رمز الحلم بالسعادة والحرية الكونية (الجنة والنار) ذلك المتيقظ الكامن في النفوس على النحو الذي لا يمكن تجاوزه حتى عند أشد الناس إلحادا به .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أغنية لبغداد ,بين نعمانك وكاظميك
- المال العام بين النزاهة والابتزاز
- ضياء الشكرجي والخروج من الشرنقة.
- ام هاشم
- الورود لا تنمو بين الصخور .
- أدلجة الأختلاف وشرعنة التبديل
- قسما يا وطني بحروفك الأربع
- دكان جدي _ قصة قصيرة
- الدين والضرورة
- أعترافات ما بعد الموت
- كلام على ورق
- أحلام العم عطية
- سوادين
- عنزة جاسم
- دار دور
- حلم في الف ليلة وليلة
- العقل وأشكالية التعقل بين النص الديني والواقع
- حكاية الثقافة في العراق
- قيامة منصور4
- القيامة في وسط المدينة3


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - أنسنة الوجود الكوني