أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - سوادين















المزيد.....

سوادين


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4226 - 2013 / 9 / 25 - 20:36
المحور: الادب والفن
    



كان سالم الحداد رجل طويل أسود بقامة مديدة ونحيف حتى شبهه البعض بمحراث الخبازة يمتهن صناعة ادوت الفلاحة ومستلزمات الحقل في مدينته الغافية على نهر الفرات ,ليست مدينة كالتي نعرف ولكنها قرية تجمعت على نفسها حتى صار لها اسواق وحارات وفيها مقر للحكومة وبعض الدوائر الصغيرة ,المثير فيها برغم كونها ممتدة على طول النهر الذي تفرع اكثر من مرة أن مركزها يعج صباحا بكل أنواع الحياة.
مسالمة كانت هذه المدينة حتى كأنها كما يصفها سالم بالكلبة الخنيثة لا حراك حقيقي فيها بعد أن يهرع القرويون خارجين منها قبل أنتصاف النهار منهم من يسلك الطريق عبر عربات الخيول وأخرون عبر الطرادات النهرية والقليل فقط من يستقل سيارات الفورد المحدبة التي تحملهم كأنها سفينة نوح , يبقى فقط سكانها يجوبون شوارعها المتربة والضيقة عصرا كل يوم منهم من يتخذ ضفة النهر مكانا أثيرا وخاصة المعلمون والمدرسون وبعض الموظفين , أما غالبية الحرفيين فتراهم يأخذون من المقاهي القديمة مجالس تصنف على حسب أعمالهم , أهمهما مقهى حبيب العجمي للكسبة ومقهى كريم للمكارية وعمال البناء , أما قهوة عويز فهي لسواق سيارات الاجرة وعمالهم.
سالم الحداد ليس من رواد المقاهي فهو يبقى في محله بين اكوام الحديد والخشب حتى العصر يعود بعدها وخاصة في أيام الشتاء ليمارس طقسه المعتاد مع ربعية العرق المستكي الذي يبعث في أرجاء داره الضيقة رائحة نفاذة توحي للجيران أن مهرجان سالم اليومي على الأبواب , ومن الطريف أنه حتى أولاده لا يعرفون بالتحديد ما يفكر به من شغب أو كيفية التصرف معه لكنهم جميعا يترقبون.
تكون الإثارة حامية عندما يحضر عباس صهر سالم ورفيق دربه الذي أمتد لأكثر من نصف قرن فهما متشابهان بكل السلوكيات لكن يجمعهما تناقض غريب ,فعباس أبيض اللون قصير ممتلئ قليلا ومن أصول لا يعرفها أهل المدينة , كما أن عمله لا علاقة له بعمل سالم فهو يشتغل في تنظيف مخازن مراحيض البيوت وينقلها بواسطة حاويات معدنية تعلق على خشبة توضع بتوازن على رقبة عباس ليرميها ليلا في مجرى النهر المتدفق سريعا نحو الجنوب.
الليل هو مملكة عباس وسالم وهي كرنفالهم اليومي يترقبون بعيون متابعة مسجد المدينة عندما تترك جنازة أحد الموتى فيه للصباح ,لذا فكثيرا ما يحرص ذوى الموتى على المبيت في الجامع أو احضار اقفال كبيرة لغلق باب الجامع الذي يبقى مفتوح دوما للمنقطعين عن قراهم وأهليهم ,قد تسنح الفرصة للرجلين أحيانا أن يسرقوا جنازة احد الموتى ليطفوا بها في شوارع البلدة ليلا وهم يرددون عاليا لا إله إلا الله ثم يعودوا بها بعد أن يأخذهم التعب إلى الجامع وأحيانا يتركوها في مكان ما ويذهبوا لبيوتهم وهم يترنحوا ثملين.
لم تنفع معهم اجراءات الشرطة بحقهم نظرا لكونهم في غالب الاحيان يتذرعون انهم لا يتذكروا ما فعلوا أوان السبب هي الخمرة المغشوشة التي يشربونها ,وقد تساهل الناس أمرهم فقد وجد البعض منهم أن عملهم لا يخلوا من ظرافة ,حتى أن الأستاذ عبد الرضا وهم من الشيوعيين في المدينة كان يعلل ذك لزملائه من المثقفين أن فعلهم يعبر عن ردة فعل طبقية تجاه المجتمع المرتبط بالإقطاع والملاكين وإنهم يمثلون رفض الشغيلة للعلاقات اللا إنسانية التي تسود المنطقة, في حين يرى أحد المثقفين الليبراليين أن سالم وعباس يمثلان رفض المجتمع لمظاهر التدين البالية.
لكن الرجلان لا يلتفتان لكل هذه المبررات ويمارسان طقوسهم المعتادة مع كل مصيبة تصيب المدينة او ريفها بوفاة شخص ويجدا في ذلك نوعا من أداء الواجب ,حتى عندما تحاورهما يقولان أن لله كلفهم بذلك وأنهم لا يستطيعان الذهاب مع المشيعين للمشاركة بسبب نظرة الناس لهم بأنهم نجسين على الدوام ويرفضان أن يوصف العرق على أنه نجاسة إنه طاهر مثل ماء الإسالة , يعتبان كثيرا على أهل المدينة عندما لا يشكرونهم على المعروف ... إنها مدينة جاحدة منافقة ككلبة خنيثة , هذا هو ردهم المعتاد.
غاب الرجلان منذ ثلاثة أيام وكأن المدينة تفقد أحد عناوينها المهمة , زوجة سالم أولاده متحيرين من اعتكافه بالبيت متدثرا بلحافه يرفض أن يأكل ويرفض أيضا أن يتناول ربعيته المعتادة , تساءل الجيران عن غياب سالم والزبائن ينتظرون ,منهم من ذهب للدار يسأل عن بضاعته , الجواب كان دوما لا ندري ماذا أصاب الرجل ,حتى جاره المضمد أبو سامي حاول أجراء الكشف الطبي عليه إلا أنه ممتنع عن ذلك وبإصرار لا يفهم منه شيء, الغريب في الأمر أنه عندما يذهب لقضاء حاجته يسير بجنب الحائط ممسكا بيد زوجته العجوز المتهالكة إنه مذعور بحق.
صاحب اختفاء سالم اختفاء عباس أيضا ولا يعلم أحد أين يجده , لا خبر أكيد عما جرى ولا يوجد هناك تفسير واضح لما يدور , لكن حديث المدينة المتنقل عبر الأفواه أن سالم الحداد( تسودن) , وحده أبو الزعر يعرف القضية ويرفض الحديث خوفا من أولاد سالم ,كان ابو الزعر إنسان بالهيئة ولكنه جني حقيقي بكل تصرفاته بالرغم من أنه يشتغل صبي صانع عند أحد القصابين لكنه كان مشاغبا محترفا لا يمكن الإمساك به فهو سريع الافلات والتفلت بجسمه الصغير الذي لا يتناسب مع عمره حتى إنه أعفي من أداء الخدمة العسكرية لكونه غير مؤهل بدنيا لها ,لكنه من مصادر الشغب في المدينة فلا تجد مشكلة تحدث إلا كريم ابو الزعر أحد أبطالها.
تسلل أبو الزعر ليلا إلى الجامع وسحب أحد التوابيت لمنتصف الساحة كما يوضع عادة الاموات متغطيا ببردة خضراء منتظرا مرور الرجلين الذين تفاجأ بهذا الوضع وهم يعلمان جيدا أن لا أموات في المدينة هذا اليوم ,قال عباس لسالم وهو لا يكاد ينطق الكلام صحيحا من ثقل الشراب, إنه سيد هيا بسرعه ,حملاه وكان خفيف المحمل ( الف رحمة على روحك سيد) وطفقا يخوضان بشوارع المدينة وكريم يراقب الوضع من فتحة التابوت التي لم يغطيها شيء منتظر أن يمرا بطريق مظلم كي ينفذ ما بذهنه, وما هي الا لحظات وهم بقرب دار الخبازة السودة ,كان الطريق مظلما وأرض الشارع أختلط فيها الطين مع الماء الأسن الأسود , أحتار الرجلين بالعبور أنزلا التابوت من على رأسيهما ليتدبرا الموقف, ما أن أستقر التابوت على الأرض خرج كريم أبو الزعر من التابوت مرتديا كفنا أبيضا صارخا بوجههما... إنهما يفران بجنون.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عنزة جاسم
- دار دور
- حلم في الف ليلة وليلة
- العقل وأشكالية التعقل بين النص الديني والواقع
- حكاية الثقافة في العراق
- قيامة منصور4
- القيامة في وسط المدينة3
- المدينة والقيامة 2
- أنا والقيامة الأتية 1
- عطش الذاكرة
- حدود هوية الأنا والأخر
- التجربة الإسلامية الحاكمة . _ نماذج ورؤى _ج3
- التجربة الإسلامية الحاكمة _ نماذج ورؤى _ ج2
- التجربة الإسلامية الحاكمة. نماذج ورؤى _ ج1
- السرقة الشرعية حلال والسرقة الغير شرعية حرام.
- العقل المصنوع والنفس الإنسانية
- الحرية نظرة الدين الحقيقية
- مستقبل الحرية ومسئولية النخب
- العقل والإيمان
- تحديث الإسلام لا لأسلمته الحداثة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - سوادين