فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 4241 - 2013 / 10 / 10 - 22:56
المحور:
الادب والفن
"عاد ..ولم يعد "
حاولت أن أرسم حدود فرحتي ،أو أن أقيس ترددها ، التي فاقت حجم الطوفان وسرعة الضوء، حتى جنوني فقد تعدى صخبه سفينة نوح ، حين تكللت فرحتنا بحصول أخي شهادة الدكتوراه في جراحة الأعصاب وعودته لأرض الوطن ،تاركاً بلاد الثلج ؛ وطال ليلنا بزغاريد النسوة وأهازيج شباب مدينتي الغافية على الفرات .
كل واحد فينا يفكر كيف سيستقبله ؟..ومن هو أول من يدعوه لوليمة السلامة ؟ .. وما نوع الأماني والهدايا التي نهديه؟ ..
ظلت أمي تحلم باحتضان صغير القوم ، والانتشاء بعطره...
ووالدي أحرز مبلغاً من المال ، تجاوز ضعف حصة كل واحد فينا ، مشاركةً منه لفتح عيادة له ..
أما الآخرون فقد اذخر كل واحد منهم حلما أو أمنية للقادم بعد طول غياب...
توجهنا للمطار قبل موعد وصول الطائرة ب 8 ساعات ، احترازاً من هدر بعض الساعات التي تتجاوز زمن خروجنا، لنمر بسلسة التفتيشات الكلبية والآدمية ، والمتبقي قضيناه بقضم الأظافر ، وفرح بنكهة الحزن والفقد .
أعلنت الإذاعة الداخلية ، وصول رقم رحلته ، هرعنا لاستقباله ، وقد توالتنا ساعات مقيتة ،وانتظارات سقيمة وقلق عنيف تراه على وجوه صغارنا قبل كبارنا ، خوفاً من فقدانه هو أيضاً ، لكن خرج جميع ركاب الرحلة، ولم يخرج هو..
ووصلت الرحلة الموالية، ولم يخرج أيضا ..
خر جسد أمي أرضا ، تحلى أبي بصبر لم أعهده ولا أخبر مداه من قبل ، لكمات مدمية تلقتها جدران صالة الانتظار من قبضات أخوتي ، فزعاً على أخينا الصغير ، جاء الليل ولم يخرج من رحم أي طائرة من الطائرات التي كانت تحط واحدة تلو الأخرى...
أخذ أبي ابناء عمومتي وأخوتي وقفل عائداً للبيت ، خوفاً من أن يحدث ما لا يحمد عقباه ، بعد أن طلب من والدتي أن تسأل هي عن العائد الذي لم يعد؟؟؟ ، على أن لا نبرح ، أنا و أختي وزوجة أخي مقاعدنا ، وانتظرنا والدتي إلى أن خرجت إلينا بصمت محزن مبك... وفي صمتها قرأنا ألف دلالة ومعنى...
قبل أن نغادر صالة الانتظار تقربت منا أمي ،طالبة أن نُقبل زوجة أخي ونهنئها بسلامة الوصول، وأن نخرج قبلها ... وفي خارج الصالة كان جارنا مؤيد بانتظارنا، وقد ذهل من صبر أمي وجلدها في موقف كهذا، وصارت ملامحه رمادية كروحي...
لكن ما إن وطأت أقدامنا السيارة، حتى أجهشت والدتي بالبكاء.. قالت: يقولون لي (حجية) لاتخافي عليه، هي فقط إجراءات أمنية.. تشابه بالأسماء.. في الغد قبل أن تشرق شمس الصباح ستجدينه بين أحضانك..
لكنه لم يعد.. وبقيت أحضان أمي تشتاقه، كما نشتاقه نحن جميعاً...
وحدها القبور تتوالى على عائلتي بالمجان...
____________________
من المجموعة القصصية " حرائق حرب "
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟