أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جواد بشارة - دردشة في باريس بين جواد بشارة و الباحث الفرنسي المتخصص بالإسلام الشيعي بيير جون لويزار عن العراق بعد عشر سنوات من سقوط النظام الصدامي-:















المزيد.....

دردشة في باريس بين جواد بشارة و الباحث الفرنسي المتخصص بالإسلام الشيعي بيير جون لويزار عن العراق بعد عشر سنوات من سقوط النظام الصدامي-:


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 4240 - 2013 / 10 / 9 - 15:02
المحور: مقابلات و حوارات
    



بيير جون لويزار غني عن التعريف فهو صاحب الكتاب المرجعي الكبير دور رجال الدين الشيعة المراجع في تأسيس الدولة العراقية الحديثة وهو عبارة عن أطروحته لنيل الدكتوراه، وكتاب المرجعي الآخر عن العراق الذي حقق رقما قياسيا في المبيعات وصدر قبل حرب إطاحة صدام حسين بقليل في يناير 2003 وهو "المسألة العراقية" ، وهو صديق مقرب جداً للنخبة المثقفة العراقية المقيمة في فرنسا وصديق شخصي لي أنا بالذات، وهو مدير أبحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية. أقام عدة سنوات في عدد من الدول العربية في الشرق الأوسط كقطر ومصر وسورية والعراق وهو يتقن اللغات الفرنسية والانجليزية والعربية والفارسية، وهو كذلك مؤرخ للإسلام المعاصر في تلك البلدان، ويهتم على نحو خاص بالمذهب الشيعي ومؤسسة المرجعية الشيعية وهو أستاذ جامعي وباحث في مجموعة المجتمعات والأديان والعلمانية وهي مؤسسة بحثية في باريس ملحقة بالمدرسة العليا للدراسات التطبيقية. كان اللقاء بمناسبة مرور عشرة أعوام على الغزو الأمريكي للعراق من قبل التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية لاحتلال العراق وإنهاء النظام الديكتاتوري الذي يقوده صدام حسين. ومنذ ذلك الوقت أي سنة 2003 إلى يومنا هذا في أواسط العام 2013، لم يخرج العراق من حالة الفوضى وعد الاستقرار والعنف الطائفي والإرهاب الإسلاموي التكفيري الذي يضربه في كل يوم، وما زال العنف الداخلي الدامي مستمراً على خلفية الفساد المستشري ومحاباة الأقارب والمحسوبية والمنسوبية والحزبوية الطاغية على كافة المستويات في مفاصل الدولة والمجتمع العراقيين بالتوازي مع تفاقم الصراعات والخلافات والمواجهات بين المكونات الثلاث الرئيسية لبنية المجتمع العراقي وهم الأكراد والعرب الشيعة والعرب السنة إلى جانب أقليات دينية أخرى كالصابئة والآشوريين والكلدانيين والأزديين والشبك الخ. يسيطر الأكراد على الجزء الشمالي من العراق حيث تتمركز أغلبية سكانية كردية ويتمتعون بحكم ذاتي حقيقي كامل وبشبه استقلالية دائمية ويبدو أنهم عازمون على نيل استقلالهم الناجز والكامل عن طريق الانفصال وإعلان دولتهم المستقلة، فيما العرب السنة الذين كانوا في سدة الحكم طيلة عقود طويلة يشعرون بالتهميش منذ سنة 2003 ويعبرون عن غضبهم تارة بالتظاهرات وتارة بالاعتصامات وأحياناً بأعمال عنف وعمليات إرهابية تحدث باسمهم على يد تنظيم دولة العراق الإسلامية التابع لتنظيم القاعدة الإرهابي بالتعاون والتنسيق مع بقايا وفلول حزب البعث الصدامي بقيادة عزت الدوري وبتشجيع تركي وأردني وتمويل قطري وسعودي وهابي. الجهة المستهدفة من هذا الحراك المعارض بكافة أشكاله هو نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء والتحالف الشيعي الكردي الذي يملك الأغلبية البرلمانية ، علماً بأن المالكي يواجه معارضة ومناورات هي أقرب للمؤامرات ضده حتى من داخل التحالف الوطني الشيعي من جانب مقتدى الصدر وكتلة الأحرار التابعة له وكتلة مواطن التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي بقيادة عمار الحكيم وريث عبد العزيز الحكيم وعمه محمد باقر الحكيم على رأس المجلس الأعلى الذي يطمح لقيادة شيعة العراق وأخذ منصب رئاسة الحكومة من حزب الدعوة المنافس له بقيادة نوري المالكي. العراق في حالة ضعف وهشاشة بادية العيان وعرضة لتأثيرات وتداعيات الأزمة السورية في وقت تخوض كل من إيران وتركيان حرب نفوذ إقليمية مسعورة خاصة داخل العراق من خلال أنصار وأتباع محليين لكلا الدولتين يتصارعان بالوكالة لحساب الدولتين الإقليميتين الجارتين للعراق. ونظرا لكون العراق دولة منخورة ومنهكة جراء سنوات طويلة من الحصار والمقاطعة الدولية وعدة حروب دموية مميتة خاضها نظام صدام، بات من السهل اختراقها سياسيا واقتصاديا ومخابراتياً مما أفقد حكومتها السلطة الحقيقية والانسجام والتماسك الداخلي بين مكوناتها وبالتالي عجزها عن فرض نفسها كلاعب إقليمي محايد ذو نفوذ وتأثير على مجريات الأحداث المحيطة به. ولفهم ما يحدث حالياً في العراق لا بد من العودة إلى أسس وأصول الدولة العراقية الحديثة لمعرفة عجزها وعدم قدرتها على تجاوز أزمتها الحالية المستعصية على الحل كما يقول بيير جون لويزار.
يقول بيير جون لويزار بهذا الصدد: لو أخذنا التطور التاريخي بعين الاعتبار يمكننا تمييز دولتين عراقيتين، الأولى هي الدولة الناجمة عن ثورة 1920 والثاني هي تلك التي تكون وتمحورت حول دستور 2005. وهناك بين الدولتين نقاط تشابه كثيرة تشير إلى استمرارية ملموسة وحقيقية تمس مكانة الدولة في تاريخ البلد. وعليه يتعين علينا أن نسجل أهمية العامل المهم المتمثل بالتدخل الأجنبي الذي حدث قبل نشوء الدولتين، أي التدخل العسكري البريطاني والأمريكي على التوالي. فالدولة العراقية الأولى هي كيان من صنع استعماري يعود إلى فترة الانتداب البريطاني على وادي الرافدين والذي فرض في أعقاب الحرب العالمة الأولى في إطار تفكيك الإمبراطورية العثمانية. وكانت الدولة الأولى نتاج الجمع بين ولاية البصرة وولاية بغداد ومن ثم ألحق بهما ولاية الموصل فيما بعد. وكانت القوى المحتلة في الحالة الأولى وفي الحالة الثانية أيضاً، قد أولت اهتماماً خاصاً في تبرير حضورها المباشر على أرض العراق بذرائع نقل الحضارة والمدنية باسم حق الشعوب في تقرير مصيرها كما قيل سنة 1920، ونشر الديموقراطية ومبادي حقوق الإنسان كما أشيع سنة 2003. بيد أن الإدارة الأمريكية فوجئت منذ الأسابيع الأولى لتدخلها العسكري بعقم هذه الأطروحة وعدم فعاليتها ونجاعتها وجديتها فمخططيها الاستراتيجيين ومنظريها لم يتوقعوا أن انهيار نظام صدام حسين سوف يترجم ويقود حتماً إلى انهيار الدولة العراقية الأولى ومؤسساتها ودستورها سواء ما كان عليه في العهد الملكي أو ما آل إليه في العهود الجمهورية المتعاقبة, فبعد سقوط نظام البعث انهار الأمن وانتشر الحواسم في كل مكان لسرقة ممتلكات الدولة ومؤسساتها الحكومية وشاع الانفلات الأمني واختفت الآلة الأمنية الرادعة وتبخرت السلطة المركزية فنهبت الوزارات وهرب العسكريون بمختلف مراتبهم إلى بيوتهم في جو من الخوف والهلع والفوضى ولم يكن هناك من يستطيع أن يتحدث أو بتفاوض بصورة شرعية باسم الدولة وبات على الأمريكيين أن يفكروا ببناء دولة عراقية جديدة من الصفر على انقاض الدولة العراقية الأولى وسط حالة من الفوضى والخراب المادي والمعنوي والنفسي وإلا سيتحول العراق إلى دولة فاشلة أو إلى اللادولة ، أي مجرد شعب وأرض ورحلة نحو المجهول. وهذا يعني أن مؤسسات الدول في العراق مرتبطة في تكوينها ونشأتها بمراحل الاحتلال ولم يكن لها تأثير حقيقي، إلا عن طريق القوة والعنف والسطوة المسلحة، على الصراعات العرقية والدينية والمذهبية التي تنهش نسيج المجتمع العراقي. من المتفق عليه كما يعتقد بيير جون لويزار من خلال نقاشنا حول العراق، أن أي قوة احتلال تجد امتدادات لها داخل البلد المحتل، وفي حالة العراق، وجدت قوى الاحتلال هذه الامتدادات داخل المكونات العرقية والطائفية المتناحرة لأن مؤسسات الدولة القائمة لم تنجح في تجاوز وامتصاص وتذويب الصراعات الطائفية والعرقية والمذهبية والدينية بل على العكس ساهمت في تعزيزها وترسيخها في جسد المجتمع العراقي. عندما حلت الإمبراطورية البريطانية محل الإمبراطورية العثمانية استندت، على غرار الباب العالي العثماني، على نخبة مدنية وعسكرية مذهبية سنية وبعض الشخصيات الدينية وشيوخ الطرق الصوفية والاقطاعيين وملاك الأراضي. وجميع هؤلاء حافظوا على امتيازاتهم التي كانوا يمتلكونها تحت الحكم العثماني حيث كان السنة متواجدون في البيروقراطية الإدارية وقيادات الجيش العثماني واحتفظوا بمواقعهم القيادية على رأس الدولة العراقية الأولى لغاية 2003. وفرض البريطانيون منذ وصولهم كقوة محتلة نموذج دستوري للدولة ـ الأمة، وتعاملوا مع أيديولوجية القومية العربية، أو بالأحرى مفهوم العروبة، بالرغم من غرابة هذه النزعة وعدم تجذرها في المجتمع العراقي آنذاك. فهذه الأيديولوجية تستبعد الأكراد وكذلك الشيعة المتهمين بالتبعية الفارسية أو الإيرانية من مفاصل الدولة القيادية وتعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية والثالثة. كيف حصل هذا ولماذا وهل من المعقول والمنصف الاستناد على أقلية على حساب الأكثرية؟ يفسر بيير جون لويزار ذلك بالقول: بات من الواضع بعد مراجعة الوثائق التاريخية أن السنة الحاملين للجنسية العثمانية هم الذين منحوا أتوماتيكياً وبصورة آلية الجنسية العراقية الجديدة بعد تأسيس الدولة العراقية الأولى في حين تعين على باقي المكونات وخاصة الشيعة أن يتقدموا بطلبات وأن يثبتوا عراقيتهم للحصول على الجنسية العراقية. فارتياب الشيعة بالسلطة الجديدة وبكل السلطات المركزية السابقة له أسباب وجذور تاريخية. فهم لم يعترفوا بشرعية السلطان، الخليفة العثماني وتمتعوا بشبه استقلالية ذاتية لا سيما في الأرياف حيث يتمركز غالبية الشيعة في ذلك الوقت وغياب الجيش العثماني الدائم هناك حيث كان يكتفي بالقيام بحملات دورية تكون أحياناً دموية لكنها منتظمة لفرض هيبة الدولة العثمانية وسلطتها. وكان النظام الأمني في الأرياف تؤمنه ما يشبه الميليشيات العشائرية التي لا تتلقى أوامرها إلا من قبل شيوخ العشائر وآيات الله العظمى المراجع الشيعة المتجمعون في المدن الشيعية المقدسة النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء. حتى أن الكثير من الشيعة رفضوا دفع الضرائب للدولة العثمانية فهم يدفعون الخمس من عائداتهم ومداخيلهم للمرجعيات الدينية الشيعية الذين يجسدون السلطة الدينية والدنيوية البديلة والموازية لسلطة الباب العالي. فالشيعة يشعرون أن السلطة المركزية في العهد العثماني بنيت على أسس طائفية صريحة ومتعمدة أرادها وفرضها السلطان العثماني لذلك عارضها الشيعة ورفضوا حتى تأدية الخدمة الإلزامية في صفوف الجيش العثماني. ومن ثم تواصلت هذه السياسة تحت الاحتلال البريطاني وتبناها علانية وصراحة نظام البعث الصدامي مع فرق أساسي وهو أنه عامل الشيعة بدونية وبأنهم مواطنون من الدرجة الثانية هم والأكراد واضطهدهم ومع ذلك فرض عليهم الضرائب وحارب مراجعهم وأرغمهم على تأدية الخدمة الإلزامية وزجهم في الصفوف الأولى في حروبه العبثية.. وتأكيداً لرؤيتي الشخصية أن هذا النهج في بناء المؤسسات تحت راية المحتل الأجنبي يساهم في تعزيز وترسيخ وتعميق التفرقة الطائفية ويكرس المحاصصة الطائفية منذ 2003، اتفق معي بيير جون لويزار على أن السلطات الأمريكية المحتلة لم تتمكن من الاعتماد على الأقلية السنية كما كان الحال في العد العثماني والاحتلال البريطاني والعهدين الملكي والجمهوري السابقين فقلبت المعادلة بعد سقوط النظام البعثي الصدامي وانحازت للمكونات الأخرى ذات الغالبية العددية كالشيعة والأكراد الذين كانوا مستبعدين ومهمشين ويشكلون أغلبية في المعارضة العراقية إلى جانب بعض الأحزاب العلمانية المعارضة ولديهم ميليشياتهم الخاصة . عادة يكون الأمر أسهل على قوة الاحتلال الاستناد على أقلية لحكم الأغلبية لأن العكس واختلال توازنات القوى سيجعل الأقلية تشعر بالتهميش والاقصاء من قبل الأغلبية المستحكمة بالسلطة . وهكذا بنيت الدولة العراقية الثانية على أساس طائفي وإثني حتى وإن لم ينص على ذلك صراحة في الدستور العراقي إلا أن واقع الحال يشير إلى أن الدولة العراقية الثانية هي دولة محاصصة طائفية وإثنينة على غرار الدولة اللبنانية. فكل المراكز القيادية والرئاسات الثلاث للجمهورية والوزراء ومجلس النواب وزعت على هذا الأساس المحاصصاتي فلكل رئيس نائبين من المكونات الأخرى يختلفان عن انتمائه فإذا كان الرئيس كردي فيجب أن يكون لديه نائبان سني وشيعي عربيان وإذا كان عربي سني فلديه نائبان كردي وشيعي وإذا كان شيعياً فعليه أن يحاط بنائبين سني وكردي. والحال ن الأكراد يصوتون لصالح المرشحين الأكراد والشيعة يصوتون لصالح المرشحين الشيعة مع استثناءات قليلة والسنة يصوتون لصالح مرشحين سنة. فمن السهل الوقوع في فخ الطائفية والمحاصصة ولكن من الصعوب الخروج أو التخلص منهما.
كانت النية المعلنة من جانب قوات الاحتلال هي عدم تسليم السلطة لطرف أو مجموعة أطراف متحالفة على حساب طرف آخر أو مجموعة أطراف متحالفة أخرى وعدم العمل بمبدأ الأغلبية الانتخابية بل وفق مبدأ المشاركة والشراكة والتوافق الوطني وتمثيل الجميع في كافة مرافق السلطة أي حكومة وحدة وطنية لكنها على ما يبدو رؤية طوباوية مآلها الفشل والاخفاق نظرا لتعقيد الواقع العراقي وعمق الخلافات المستأصلة في الشركاء السياسيين والأهم من ذلك كله فقدان الثقة كلياً بعضهم في البعض الآخر وضعف الانتماء الوطني أو الشعور بـــّ العراقية أو الانتماء للعراق" والولاء للطائفة والقومية والحزب قبل الولاء للوطن مما خلق حالة من الانغلاق والانسداد السياسي الدائمة والتي يصعب الخروج منها وأتاح الفرصة لبقايا النظام السابق وللقوى التكفيرية الإسلاموية المسلحة أن تخترق النسيج الاجتماعي العراقي بحثاً عن حاضنة اجتماعية لها مستغلة الشعور بالإحباط والتهميش لدى البعض. فحتى لو بدا ظاهرياً أن كل الأحزاب والكتل السياسية والمكونات الاجتماعية ممثلة في السلطة إلا أن واقع الحال يقول أن القوي ينهش الضعيف ويلجأ للقوة الذاتية والميليشيات المسلحة الخاصة به لفرض وجهة نظره على الآخرين ولتحقيق المكاسب المادية والمعنوية والسياسية التي يريدها. وكمثال على ذلك ، ومن داخل التحالف الشيعي، لاحظنا كيف أن ميليشيات مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري وكتلة الأحرار، من خلال ذراعها المسلح جيش المهدي، تحدت سلطة رئيس الوزراء نوري المالكي زعيم حزب الدعوة ورفعت في وجهه السلاح بمجرد ظهور خلافات معه على كيفية إدارة شؤون الدولة ، وعند انتهاء المواجهات المسلحة بين الطرفين بمساعدة وتدخل القوات الأمريكية، تراجع الصدر واتباعه شارك في الانتخابات التشريعية وفازت كتلته بمقاعد في مجلس النواب وبعدد من الوزارات الخدمية وغير الخدمية ومع ذلك يشن هجوماً مسعوراً ضد الحكومة وكأنه معارضة وليس شريكاً في الحكم. أما الدستور العراقي فهو معضلة أخرى لأنه مليء بالتناقضات والغموض وقابل التأويل لنصوصه حسب أهواء ورغبات الأطراف المتخاصمة فالكل يلجأ للدستور ليثبت صحة رأيه وهو دستور فيدرالي اتحادي كما هو معروف ومن هنا يمكننا القول باستحالة اصلاح النظام الحالي لأن جميع الأطراف المشاركة فيه تجد مصلحتها في هذا الوضع الشاذ. إن هذا الواقع السياسي الفريد من نوعه وهذا النمط من الأنظمة، بما فيه جهاز الدولة الذي بني عليه، يشرع الأبواب أمام النزاعات والصراعات الإثنية والعرقية والمذهبية والطائفية والدينية داخل الموزاييك المجتمعي العراقي ، وهو هش بما فيه الكفاية لكي يكون قابلاً للاختراق والتأثر بالصراعات اٌثنية والدينية والعرقية الدائرة في المحيط الجغرافي للعراق لا سيما الحرب الأهلية في سورية حيث يلعب الجانب الطائفي دوراً جوهرياً فيها، وهذا ما يفسر وقوف حزب الله اللبناني وإيران وبعض القوى المسلحة الشيعية العراقية إلى جانب بشار الأسد في حين يساند بعض الوزراء والسياسيين السنة العراقيين رسمياً وعلنياً تنظيم الإخوان المسلمين أحد أهم وأكبر الجماعات المسلحة في المعارضة السورية إلى جانب الجماعات الإسلامية المسلحة السلفية والتكفيرية التي تخوض حرباً مسلحة شعواء ضد نظام الأسد . ويمكننا القول أن مختلف الأطراف ومراكز القوى في طهران تتواجه فيما بينها بالوكالة من خلال الميلشيات التي تدعمها أي إن طهران تدعم كافة الأفرقاء والأطراف والميليشيات المسلحة رغم الاختلافات الجوهرية الموجودة فيما بينها. وأمام هذه اللوحة التي رسمتها حسب رؤيتي للواقع السياسي العراقي تساءل بيير جون لويزار عن تبعات وتداعيات التفكك السياسي الطائفي القومي جغرافياً على العراق في حالة انهيار العلمية السياسية. وتطابقت وجهتا النظر بيننا حول كون العراق كان وما يزال اليوم مقسم مجتمعياً وعرضة للاستقطابات الدينية والعرقية والمذهبية والطائفية ويعاني من شرخ كبير بين مكونين أساسيين له هم العرب والكورد وهذا واضح جغرافياً. ويتميز المكون العربي بالتركيبة العشائرية البدوية والتنافر المذهبي بين الأغلبية السكانية الشيعية والأقلية السكانية السنية التي باتت تتجذر أكثر فأكثر اليوم بسبب الخطاب الطائفي الطاغي في لغة السياسيين العراقيين. ويتجسد ذلك حتى على مستوى التجمعات السكنية في الأزقة والأحياء داخل المدينة الواحدة فضلاً عن مدن بأكملها وقعت ضحية لهذا الفرز السكاني الطائفي وما يترتب عليه من مآسي وتهديد وتهجير وتطهير مذهبي منظم وممنهج . فبينما كانت نصف بغداد سنية قبل عام 2003 باتت اليوم في غالبيتها شيعية بعد أن أتيح للشيعة المجيء والإقامة فيها الأمر الذي كان ممنوعاً في زمن النظام الصدامي السابق. اما الأحياء التي تتعايش فيها وتتجاور المكونات المختلفة من شيعة وسنة وأكراد وغيرهم، فإنها تعاني من توترات مستمرة. وكذلك تجرأت مدن بأكملها بالمطالبة بالفيدرالية أسوة بما حققه الكورد في كردستان العراقية سواء في المناطق الغربية للعراق ذات الأغلبية السنية أو في المناطق الوسطى والجنوبية ذات الأغلبية الشيعية. وهذا يذكرنا بما حدث في لبنان إبان الحرب الأهلية الأمر الذي جعل من الصعب التوصل إلى حلول سياسية مرضية للجميع. لذلك نعتقد أن العراق سيظل منطقة غير مستقرة وعرضة للاهتزازات والقلاقل وعدم الاستقرار لفترة طويلة من الزمن لا سيما بعد حدوث ما يسمى بالربيع العربي وما أفرزه من تداعيات وانعكاسات ومعطيات جديدة جيوبولتيكية، فليس مستبعداً أن تجتاح الأزمة السورية العراق وتهدد توازنه الهش القائم حالياً، وربما سيقود ذلك إلى تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث متناحرة وضعيفة قد ترتبط ببعضها في نوع من الكونفدرالية .



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المليشيات المتشددة في سوريا: الدروس العراقية والليبية
- قراءة في الجذور التاريخية للانقسام الشيعي السني في الإسلام ر ...
- المحطات الخفية في رحلة الكون المرئي
- الجولة ما قبل الأخيرة لمباراة العلم ضد الدين:
- حرب المخابرات سترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد
- لبشر وكائنات السماء الأخرى في الكون المرئي : معضلة الاعتراف ...
- مهمة التلسكوب الفضائي بلانك تلقي ضوءاً جديداً على صيرورة الو ...
- برهان شاوي بعيون باريسية
- رؤية بانورامية موجزة لتطور النظريات الكونية من بداية القرن ا ...
- صيرورة الكون المرئي وماهيته من الأصل إلى الكل الحي
- البنية الهندسية لهيكيلية الكون الكلي
- عرض لكتاب الدكتور جواد بشارة الكون الحي
- رحيل الذات
- رؤية فرنسية غير رسمية للأزمة السورية
- تراتيل المدينة المقدسة
- جحيم اللقطاء
- مقدمة لجغرافية الكون المطلق
- صرخة المنفى
- الثنائية الأبدية
- مقابلة مع الدكتور جواد بشارة أجراها عارف فكري


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جواد بشارة - دردشة في باريس بين جواد بشارة و الباحث الفرنسي المتخصص بالإسلام الشيعي بيير جون لويزار عن العراق بعد عشر سنوات من سقوط النظام الصدامي-: