أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاروق عطية - ثورة الجياع على الفرعون بيبي الثاني















المزيد.....

ثورة الجياع على الفرعون بيبي الثاني


فاروق عطية

الحوار المتمدن-العدد: 4236 - 2013 / 10 / 5 - 21:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يظن الكثيرون أن المصريين شعب مستكين قانع بحياته لا يقاوم الظلم ولا يثور، وهذا فهم خاطئ لطبيعة المصريين. حتى المؤرخون المفترض فيهم الحيادية والتجرد قد خانهم التعبير ربما بقصد أو بدون قصد فأساءوا للمصريين. قال المقريزي أن المصريون إذا ساسهم غيرهم أذلاء ويغلب عليهم الجبن. وقال الجبرتي عن الفلاح المصري أنه مع المحتسب أذل من العبد المشتري. حتى علماء الاجتماع المحدثين أيضا قد أدانوا الشخصية المصرية ووصفوها بالخنوع. فجمال حمدان صاحب كتاب "شخصية مصر" قد جاء في كتابه ما يكاد يصل إلى حد الإدانة للشعب المصري حيث يقول أن ثورات المصريين لن تزد عن كونها مجرد هبّات وهوجات وتمردات عاجزة وفاشلة. الكل لم يفطن لحقيقة مصر وتأثرها بما حباها الله من طبيعة، فكلنا نعلم أن الطبيعة الجغرافية للسكان تشكل الكثير من طبائع البشر، والمصريون قد حبتهم الطبيعة بأرض خصبة سهلة الزراعة ونيل متدفق يبعث النماء والاستقرار، فهو شعب زراعي من طراز فريد. يلقى الفلاح البذور في التربة ويظل صابرا حتى تنبت ليقوم برعاية زرعه، فانعكست طبيعة مصر على سلوك المصريين وصاروا يمتازون بالهدوء والوداعة. فهم شعب مسالم طيب ودود صبور جدا ولكنه حين يتعرض للظلم يثور ثورة عارمة. فلم يكن الشعب المصري خاضعاً وخانعاً في يوم من الأيام كما يشاع عنه، بل هو شعب صبور يتحمل الظلم وقسوة الحياة إلى حين، بعدها ينفجر غضباً فى ثورة عارمة حتى ينال حقه وينفذ مطالبه. ثورات المصريين عديدة وقديمة منذ فجر التاريخ وليست وليدة 25 يناير 2011. وفى هذا المقال أسلط بقعة من الضوء على أقدم تورة فى التاريخ المصري بل قد تكون أول ثورة فى تاريخ البشرية، ثورة المصريين على الفرعون بيبي الثاني.

في عام 2281 ق.م، قبل 4294 عاماً من الآن، خرج أجدادنا المصريون القدماء إلى ميادين مصر فى ثورة شعبية عارمة أتت علي الأخضر واليابس، وسميت ثورة “الرعاع أو الجياع”، منددين بحكم الملك الضعيف “بيبي الثاني” آخر ملوك الأسرة السادسة، وهم يرفعون شعاراتهم “تسقط المحاكم، تسقط المعابد، الأرض لمن يزرعها، الحرفة لمن يحترفها والكل سواء.” أضرب الناس عن دفع الضرائب وأحرقوا المنشآت الحكومية واعتدوا على قبور الملوك ونهبوها. انتشر قُطّاع الطرق في كل مكان وسادت حالة من الانفلات الأمني شبيهة بما حدث في عهد الموكوس مرسى, فما أشبه البوم بالبارحة، ففي عهد الموكوس الذى لم يف بتعهداته للشعب وحنث بالقسم وتحدى جميع القوى من جيش وشرطة وقضاء ولم بسمع لغير المحيطين به من الأهل والعشيرة حتى تردت أوضاع البلاد الاقتصادية بصورة غير مسبوقة، وانخفض الاحتياطي النقدي، وتزايد عجز الموازنة، وارتفعت الأسعار بطريقة مجنونة, مع محاولة الحكومة رفع الدعم عن السلع الغذائية والتموينية, وتخصيص 3 أرغفة لكل مواطن يوميا رغم أن السجين يحصل على 5 أرغفة يوميا أقرها له حبيب العادلي – وزير الداخلية الأسبق ونزيل سجن طرة - في عصر الرئيس المخلوع حسنى مبارك, مما حدا بشباب مصر رفع راية التمرد وجمع ملايين التوقيعات لتفويض الحيش بالخلاص من حكم الاخوان الفاشي الفاشل. وكأن شباب التمرد الآني قد استلهم ما حدث في الماضي البعيد، فقد كانت أسباب ثورة الجياع الفرعونية تشبه تقريبا أسباب ثورتنا الآنية.

اندلعت هذه الثورة في آخر عصر بناة الأهرام أو ما يطلق عليه نهاية الدولة القديمة، تعد ثورة “الجياع” في عهد بيبي الثان أول ثورة اجتماعية يخرج فيها المصريون على حاكمهم الذي يعتبرونه حلقة الوصل بينهم وبين الإله. كانت فترة حكم نفر كا رع بيبي الثاني أطول فترات الحكم في مصر القديمة فقد حكم البلاد حوالي أربعة وتسعين عاماً وتوفى عن مائة عام، وكانت أمه "انخسينمينري رع الثانية" وصية عليه في البداية حيث تولى الحكم بعد موت أبيه وعمره لا يتجاوز الست سنوات. وكان حال مصر في بدايات عهده مُزدهر، وفي أواخره شهد العالم أول ثورة في التاريخ. كانت أشهر أعماله في مرحلة الشباب إرسال حملات إلى الجنوب كذلك بعض الرحلات التجارية إلى بيبلوس في الشمال، وكان يرسل البعثات الحربية فى مختلف الأقطار وكان النصر حليفه في مختلف الحروب. وكان لطول مدة حكمه أثره في ضعف الأسرة، وفي النهاية بسبب كبر سنه أصبح غير قادر على كسب طاعة أمراء الأقاليم الأقوياء الذين زادت سلطتهم وتمردوا عليه، ولم يدينوا له بالولاء، وامتنعوا عن دفع الجزية، وظهر عدم الاستقرار وعدم الأمن فسادت الفوضى في كل مكان، وأهملت القوانين وانهار الصرح الاجتماعي، وطرد الموظفين من وظائفهم وزاد السلب والنهب. ولضعف الملك وكبر سنه وذهوله عما يجري وتسليمه بأكاذيب المنافقين من حوله، استقل حكام الأقاليم بأقاليمهم واستبدوا بالأهالي، فرضوا المكوس الجائرة، ونهبوا الأقوات، واهملوا اي اصلاح للري والارض، وانضم إليهم الكهنة حرصا على أوقافهم، يبيحون لهم بفتاواهم الكاذبة كل منكر، غير مبالين بأنّات الفقراء وما يعانون من قهر وذل وجوع، وكلما قصدهم مظلوم طالبوه بالطاعة والصبر ووعدوه بحسن الجزاء في العالم الاخر، وبلغ الياس غايته، فلا حاكم يعدل، ولا قانون يسود، ولا رحمة تهبط. وتزامنت عوامل الطبيعة لتزيد من تفاقم الوضع المتردي ليس في مصر وحدها ولكن على مستوي الشرق الأوسط كله محدثة مجاعة وفقر شديد وهذا ما أكدّه المسح الجيولوجي للعصر الهولوسيني الحديث حيث تمّ تأكيد حدوث ظاهرة انخفاض في منسوب النيل في مصر وكذلك جفاف في عدّة مناطق أخرى على مستوى الشرق الأوسط منها بلاد العراق والجزيرة العربية وشمال أفريقيا ككل. ونتيجة لكل هذه العوامل انطلق الشباب الثائر بين الناس يدعونهم للعصيان ومحاربة الظلم بالقوة، وسرعان ما استجابت الجماهير الغفيرة الى النداء، فحطموا حاجز الخوف والتقاليد البالية، ووجهوا ضرباتهم القاتلة الى الطغاة والظالمين، وسرت النار المقدسة الى جميع البلاد وانطلقت قذائف الغضب الاحمر على الحكام والموظفين ورجال الدين والمقابر. قام المصريون بعمل إضراب عام شمل البلاد وشل حركتها تماماً، واعتصموا في أكبر المعابد كي يلفتوا النظر إليهم، وقاموا ببعض الأعمال التي من شأنها إجبار الملك على سماع مطالبهم كالوقوف على أبواب المعابد والهتاف بصوت عال وانطلق الكثير من المظلومين يدعون الناس إلى العصيان ومحاربة الظلم، فحطموا حاجز الخوف والتقاليد وسرعان ما استجاب باقي الشعب إلى النداء، فـاشتعلت نار الثورة في كافة أنحاء مصر. فانقلبت الأوضاع في المُجتمع رأساً على عقب وانهارت الدواوين والمحاكم ونُهبت سجلاتها وانتشرت عصابات السرقة والقتل، وأفلست الخزانة العامة، ولم يعد أحد يخشى رجال الأمن ولا النبلاء ولا الكهنة ولا الأسر المالكة، ونهب الفقراء الأغنياء واللصوص صاروا أغنياء وأصبح السادة عبيداً وتخلى الناس عن خدمة الطقوس الجنائزية وعجز الناس عن دفن جثث ذويهم فألقوا بها في النيل حتى أصبحت التماسيح ضخمة بسبب التهامها لهذه الجثث، وأصبح السادة السابقون عبيداً لعبيدهم السابقين. وتخلى القوم عن خدمة الطقوس الجنائزية الفرعونية القديمة. وظلت فالطقوس والفراعنة والأهرام والهياكل وكل ما عرفته المملكة القديمة من الأجهزة الفرعونية ثقيلة العبء، شوهت سمعته، وعاشت مصر بلا حُكام لمدة ست سنوات. والجدير بالذكر أن أحداث هذه الثورة قد جاءت في مدونة كتبها مؤرخ اسمه (ايبوير) في بردية بعنوان (صرخة نبي)، وكذلك حسب ما ورد في حجر جنوب سقّارة وهرم بيبي الثاني ونصوص الأهرام التي وجدت في أهرامات عائلة الملك بيبي الثاني في جنوب سقّارة.

.



#فاروق_عطية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا كمان وكمان
- سوريا ومهزلة جامعة الدول العربية
- Home sickness المواطنة ومرض الحنين
- سوريا والخريف العربى
- لصحافة هنا.. والصحافة فى الأوطان:
- ذكريات الزمن الجميل
- يا صديقى كلنا مُغَفّلون
- حكايتى مع الإخوان
- أحموسيسى
- حركة ضباط يوليو 52
- من 19إلى 13 وما بينهما:
- فلسطين وجزاء سنمار:
- الفرق بين الدين والقومية
- فتحطين وحماسطين
- تضافر الجهود فى إخراج فيلم خطف الجنود
- صعيدى عتيد فى بلاد الجليد:
- الهزيان وازدراء الأديان
- البلاوى فى الفتاوى
- النصب .. فن لا يقع فيه إلا المغفلين
- ألقاب ورثناها وألقاب تداولناها


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاروق عطية - ثورة الجياع على الفرعون بيبي الثاني