مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)
الحوار المتمدن-العدد: 1209 - 2005 / 5 / 26 - 10:23
المحور:
الادب والفن
تبدو قراءات المحدثين للشاعر الكردي أحمدي خاني نوعاً من الفكر السلفي الحديث الذي يصنع ارتباطاً وهمياً غير ممكن بين عصرية المعرفة وعصرنة التراث . فهؤلاء المحدثون يقومون بعملية استدراج مفاهيم المرحلة التاريخية السابقة إلى المرحلة التاريخية الراهنة على ما بين المرحلتين من تفاوت في ملكات الفهم والوعي . ولا غرابة ثم في ادعاءهم أن خاني هو رائد القومية الكردية . إن ذلك نوع من التنصل من تاريخية الإبداع وتاريخية الفكر .
إذا اتخذنا من الخاني شيخاً للطريقة القومية ومنظراً لها , يكون لذلك أبعاده المفرطة في الوهم , فالأفكار القومية لم تظهر في أوروبا إلا بعد مائتي سنة من وفاة خاني . ثم أن الفكر القومي هو نتاج التطور التاريخي الذي تشكلت مضامينه وتتشكل من وحدة التقطع بين التغيرات الكمية والتغيرات الكيفية في مسار الحركة الدائمة للتاريخ .
إن التعامل مع خاني بوصفه مفكراً وفيلسوفاً يفسر إلى حد كبير هذا الشطط وهذا التخبط الواسع الطيف في ثقافتنا الكردية فلا نعرف ماهية خاني كمفكر وكيف يمكننا تصوره فيلسوفاً على أن الأمرين مختلطان إلى حد ما فهنالك فكر منهجي وهنالك فكر فلسفي .
لا يمكننا أبداً نصب خاني فيلسوفاً أو حتى مفكراً لأن ذلك يخل بشروط المنطق الكتابي , فقراءة واحدة لخاني كفيلة بإبرازه شاعراً استند على التراث الكردي قبله وحوره وفق مقتضيات الشرط الإسلامي لمجتمعه وكتب بذلك نصاً حاملاً لمعارف كان يعيشها مجتمعه الكردي أو سمع بها ذلك الحين .
/ مم وزين / هو نص حامل لا غير , ولا يمكننا اتخاذ تلك الآراء والأفكار الواردة في المتن دليلاً أو إشارة على أن خاني فيلسوف ...لماذا ؟.
لأن الآراء والأفكار التي تدب في ثنايا النص الخاني إنما هي أفكار دينية في غالبيتها وإن كانت هنالك عناصر فلسفية فهي قريبة إلى الدين أكثر منها إلى الفلسفة لما تشتمل عليه من روح مثالية وذاتية وميتافيزيقية وهذا شأن الأفلاطونية المحدثة . ثم أننا إذا كنا نريد خاني فيلسوفاً لوجب أن نلمح في كتابته المفاهيم والأحكام والاستنباطات والاستنتاجات , فطريق المعرفة العقلانية غيره طريق المعرفة الحسية . اللغة الفنية المجازية لا تنتج أبعاداً عقلانية ولا تنتج فلسفة أو وجهة نظر فلسفية , لأن طريق الفلسفة يمر عبر المناخات العقلانية واللغة العقلانية .انطلاقاً من ذلك كان هيغل يدعو إلى الأخذ بوجهة النظر التي تهتم بالفلسفة لا بالعناصر الفلسفية الداخلة في نسيجها ولا بالأفكار الكامنة المستترة في الأساطير وما /مم وزين/ إلا تطويراً مبدعاً لملحمة كردية قديمة موجودة بصياغات شفاهية مختلفة لدى وكتابية لدى جملة شعوب فهي والحالة هذه مشروع إعادة كتابة من وجهة نظر أخرى .
العمل الأصل / ممي آلان / عمل ملحمي أسطوري قديم يعبر عن الروح الجماعية الكردية في حين أن / مم وزين / مطولة شعرية تتكىء على إرث مبدعها الفكري ومخزونه الهائل من الأفكار والرؤى الدينية والفلسفية المثالية بمقارباتها الصوفية , ويكتفي خاني بعرضها كخلاصات متراكمة في لا وعيه الثقافي فقط لا غير .
إن غياب الفكر الكردي منذ القديم وغلى الآن وغياب المفكرين الأكراد كذلكم الأمر هو ما يولد لدينا هذا الجنوح المطلق نحو اتخاذ الشعراء مفكرين وفلاسفة ...الخ .
حيث يتحول المؤلف الواحد إلى تعددية إبداعية , فنكتشف في حالة خاني أنه شاعر وصوفي وإنسان ومفكر وفيلسوف . كل هذه الصفات الخلاقة تجتمع في شخص مبدع واحد . ذلك يفسر ما أسلفناه من غياب كل شيء لدى الأكراد غير الشعر فيتوجب البحث بالتالي عن خزان قومي هو بمثابة المنقذ ليس إلا .
لم يك يؤرق خاني مسألة الهوية القومية الكردية في طرحه عن ضرورة وجود أمير كردي وإمارة كردية . كان خاني يجري نوعا من القياس بين الحالة الكردية والحالات الأخرى في الجوار وذلك لا يعدو أن يكون نوعا من الغصات التي تسكن هواجس الشعراء , فهذا الطرح شعري , وليست هنالك منظومة وعي قومي وراء تطلعه فبعض التجارب الكردية العسكرية في عصرنا الحديث تثبت بما لا يدع مجالا للشك افتقار الأكراد إلى هذا الوعي القومي.
إن المشكلة في المحاولات المدعوة – تجاوزاً - فكرية أنها تتوفر على ثمة تناقض بين وفروق واضحة بين النظرية والتطبيق , وفي أحايين كثيرة تأتي الخلاصات رافضة ومنافية للتنظير وهذا ما يؤكد مرة أخرى رأينا في كونها كتابات مزاجية لم يتمكن أصحابها من الإلمام بمفردات المنهج الذي يتبعونه وهي في غالبيتها مناهج مدرسية ليس إلا .
هل نقول مثلاً : أن كل كتابنا الذين وقفوا على شخصية خاني وإبداعه لم يرصدوا أبدا العلاقة الجوهرية بين حركة النشاط الفكري وحركة النشاط الاجتماعي أو تغافلوا عنه . هنالك من طبقوا المنهج في دراستهم للتراث الكردي , لكن إلى أي مدى وفقوا في قراءاتهم الممنهجة , أم كانت مسألة المنهج مجرد سطح تختبىء تحته قراءات تبسيطية . ما نعلمه أن المنهجيات تلك سارت بنا إلى مزيد من مظاهر التقديس والتصفيق . المنهجيات تلك تحولت إلى مجرد عملية طواف نظرية حول تلكم الأعمال التراثية التي حولوها بقراءاتهم الرجعية إلى مجرد أبنية فارغة وأصنام كتابية لا غير .
ثم , هل يمكن النظر إلى كتابات الشعراء الكرد القدامى وورود عدة لغات بين طيات نصوصهم على أنها غنى أسلوبي أم أنها مجرد ظاهرة أسلوبية . ألا يمكننا اعتبار ذلك خضوعا من الثقافة الكردية للضعف والانحطاط الذي ولده التاريخ الكردي تحت سطوة الاحتلال الدائم لأراضيه .
إن اللغة متوازية مع المجتمع على مر تاريخها , واللغة تكتسب غناها من غنى البنى الاجتماعية التي تعيش هذه اللغة بين ظهرانيها . لا نستطيع تجريد اللغة من ناسها , من مجتمعها , من تاريخها . بذا تتحول اللغة إلى مجرد بناء هش متصدع لن تفلح أبدا في تقديم الحالات والرؤى وإبداع كينونة ثقافية لأيما شعب , ولا ننكر أن ضعف المجتمع وضعف تاريخه سيلحق أذى مزمنا بلغته أيضا فالسياسة تغتصب اللغة , وتردي الحالة الاقتصادية يغتصب اللغة , وخلخلة البنى الاجتماعية وفواتها الحضاري يغتصب اللغة .
ولا أحد يتطرق إلى مسألة إدراج أبيات باللغة العربية أو الفارسية أو التركية في ثنايا النصوص الكردية في مرحلة خاني وقبله وبعده . هل هذا نوع من المثاقفة . بماذا خدمت هذه الأبيات الدخيلة النص الكردي . هل خدمته وظيفيا وكيانيا . ماذا أضافت إليه . ألم تك صرخة لا صدى لها ولا منفعة منها وورودها كعدم ورودها . ألم تكن هذه الظاهرة الكتابية من سمات الحقبة العثمانية في المنطقة ومنها كردستان ؟...
هنالك حضور هائل للغات الجوار ونصوص شعوب الجوار وأفكارهم في ثنايا النصوص الكردية لتلك المرحلة , وقراءة لملحمة خاني / مموزين/ كفيلة بإبراز شواهد عديدة على ذلك . هل تشهد نصوص وكتابات شعوب الجوار أيضا توظيفا لجمل كردية في متونها . لا أظن مستندا على قراءاتي للتراث العربي الشعري وغير الشعري . إن أحمدي خاني يحتاج إلى تعامل مختلف معه بعيدا عن الأحلام الكردية وأيديولوجيات الأحزاب الكردية وبعيدا عن الحالة النفسية الكردية وتراكماتها .
#مصطفى_اسماعيل (هاشتاغ)
Mustafa_Ismail#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟