مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)
الحوار المتمدن-العدد: 1203 - 2005 / 5 / 20 - 10:50
المحور:
الادب والفن
يبدو أن الفيلم الكردي ( الكيلومتر صفر ) المشارك في المسابقة الرسمية لدورة مهرجان كان السينمائي الـ58 سيثير ضجة ولغطاً كبيرين على خلفية ما يطرحه مخرجه الكردي هنر سالم من أفكار ومشهديات عن العلاقة الكردية العربية في عراق حقبة صدام إضافة إلى أنه الفيلم الوحيد من الشرق الوسط في المسابقة الرسمية في ظل غياب تام للسينما العربية .
لا يبدو أن الأفكار الموظفة بلغة السينما دخيلة علينا من كوكب آخر . فالمخرج يقدم كما سبق وقلنا عراق صدام وهذا كفيل بإظهار العلاقات اللاصحية في المجتمع العراقي . حيث بلغت عملية التكسير المجتمعي على يد النظام السابق حداً لا يطاق . والفيلم إنما يقدم عينة من الواقع العراقي السابق في هدره لكل القيم والعلاقات والأخلاق في سبيل ديمومته , إن الأنظمة التسلطية الشمولية تعتاش على التناقضات والحساسيات بين مواطني دولة رعبها . وهذا كفيل بإغداق نوع من المصداقية على فضاءات الفيلم والتعامل معه كعمل إبداعي بعيداً عن الاعتبارات السياسية القائمة في عرف بعض المثقفين العرب على بنوة الفيلم للعلاقات الكردية – الأمريكية بعد دخول الأمريكان إلى العراق .
بداية الاحتفاء العربي بالفيلم تبدو ملفتة ومتوقعة , فالروائية والناقدة السينمائية المصرية غادة عبد المنعم تبدأ متابعتها لمهرجان كان المنشورة في مجلة أفق الثقافية الانترنيتية يوم 17 أيار من فيلم الكيلومتر صفر مدشنة المتابعة بمانشيتات تحريضية على الفيلم وبالتالي على الأكراد , وهي لعمري بعيدة كل البعد عن لغة السينما في قراءتها لفيلم سينمائي ورغم أنها تتحدث في متابعتها عن مخرجين آخرين مشاركين في المسابقة مثل الياباني ماساهيرو كوباياتشي والأمريكي فان جاس سانت والاسترالي ميشيل هينكه إلا أن المانشيتات التي تتصدر متابعتها تلك هي كالتالي :
- كان يبدأها بالهجوم على عصر صدام .
- مذكرة تفسيرية لأسباب كراهية الأكراد لعراق ما قبل أمريكا .
- هينر سالم يدعو لدولة كردية مستقلة حررتها الولايات المتحدة .
- كان يحتضن فيلما ( ليس كارثة ) لمخرج عراقي يدعو إلى قيام دولة كردستان .
- هل نتوقع فوز هينر الذي يغازل أمريكا بإحدى جوائز كان .
ولا شك أن العبارات : الهجوم على عصر صدام , كراهية الأكراد للعراق , دولة كردية مستقلة , قيام دولة كردستان , ومغازلة أمريكا هي كلها عبارات تنتمي إلى حقل السياسة لا غيره ونستطيع الجزم أن الناقدة تحولت إلى محللة سياسية أكثر منها فنية في معرض قراءتها للفيلم الذي يبدو أنه لم يقدم لخيالها العروبي الجامح أيما خدمة . إلى متى يتم التعامل مع الثقافة الكردية بحقولها الفنية والأدبية بمنظورات سياسوية لا تخدم لا العرب ولا الأكراد , متى تترجل ثقافة التخوين وعقدة المؤامرة عن كاهل بعض المثقفين العرب فيبدأون النظر إلى المسائل والموضوعات بمنظورات ديمقراطية مبنية على احترام الرأي الآخر والتعددية الثقافية التي هي عامل إغناء لدول المنطقة كافة إذا أخذت بأسبابها .
ولا مبرر كذلكم الأمر لمخاوف الناقدة السينمائية المصرية من خطاب الفيلم الداعي بقناعتها إلى قيام كردستان مستقلة , فالمثقف الكردي والشارع الكردي أيضا يعانون كما إخوانهم العرب من الأحزاب الكردية التي لا تمثل نبض الشارع . فالشعب الكردي يطالب باستقلال كردستان بينما سياسيوهم يتحدثون عن الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو الحقوق الثقافية والسياسية والاجتماعية . مهما كان خطاب الفيلم ودعوات مخرجه يبقى ذلك نوعا من حرية التعبير عن الرأي , أما إذا كانت الناقدة العزيزة ترغب في نصب نفسها شرطيا على أفكار الآخرين فهذا موضوع آخر .
والمخرج الكردي لا يقدم مذكرة تفسيرية لشرح أسباب كراهية الأكراد لعراق صدام . بل يقدم مجازاً سينمائياً يحتضن مستويات لا تحصى اجتماعية , سياسية , ونفسية ترتقي بخطاب السينما العراقية إلى حقبة الديمقراطية الوليدة بعد كل ذلك الدم والمقابر والمبيدات البشرية وإن كانت تلك الديمقراطية في طور التأسيس وليست ناجزة تماما .
وتمضي الناقدة لتقول : "وعموما فإن ميل مهرجان كان للاحتفاء بالأفلام ذات البعد السياسي وتغليب القضية السياسية على المستوى الفني عند الاختيار للمسابقة الرسمية أمر لا شك فيه حيث أكده المهرجان مرارا في دوراته السابقة " . وتستحضر دليلا على صحة رأيها من المهرجانات السابقة فيلم المخرج الإيراني محسن مخملباف الذي فاز فيلمه / قندهار / بإحدى جوائز كان لعام 2001 وهذا لا يعيب أي فيلم , فلا يمكن فصل الثقافة عن السياسة ولا يمكن فصل الفن عن السياسة . الفنان والشاعر والروائي هم أصحاب مواقف من العالم ومجرياته ولا يمكنهم الانفصال عنه وقطع حبل السرة معه وإلا لن يعبروا عن شيء ولن تبقى ثمة موضوعات تذكر للكتابة وصنوف التعبير الأخرى .
الأمر لا يتوقف عند محسن مخملباف , هنالك الكثير من المخرجين الذين قدموا رؤى سياسية في أفلامهم , وفي دورات مهرجان كان السابقة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : سميرة مخملباف , أمير كوستاريتسا , بهمن كوبادي
تورد الناقدة أن " الفيلم يعود بنا للثمانينات من خلال فلاش باك حيث يعيش الشاب الكردي اكو مع طفله وزوجته ووالدها ويعاني اكو من اضطهاد الحكم له كأي كردي آخر حيث تقتحم قوات الجيش منطقته ويقومون بإذلاله وقتل من لا يروق لهم بشبة انتمائه للمناضلين الأكراد " . أليس هذا تعبيرا صائبا عن عراق الصوت الأحادي حيث الاضطهاد كان في ذروته , فأين خطأ المخرج هنر سالم , ثم ألا يمثل فيلمه والحالة هذه قطعة من الواقع العراقي .
وفي الفيلم " نشاهد العلاقة التقليدية بين العربي والكردي في - عراق صدام حسين - فالسائق العربي لا يخفي تعاطفه مع الجندي الكردي لكنه أيضا يكن له كل الاحتقار الذي تعلمه منذ الصغر وعلى الجانب الآخر يشعر الكردي بالخوف والاحتقار والكراهية والرغبة في الانتقام الممزوجين ببعض التعاطف والحب تجاه السائق العربي " . ألا يعبر هذا الفيلم بالتالي عن أزمة المجتمعات العربية والمجتمعات الأخرى في الجوار . كلنا يحمل فيروس هذه العلاقة التقليدية الحاضنة لتناقضات خيالية وثنائيات الحب والكره . ألا يبدو طرح الفيلم جديرا بالاحترام إذ يعبر عن المسكوت عنه أو اللامعبر عنه وسط ترسانات أفلام القطاع الخاص والقطاع الحكومي في الدول العربية , والتي لا تحتفي بأيما اختلاف وخروج على نمطية النص السينمائي والخروج على السرب . في البيئة المصرية أليست هنالك تناقضات بين القبطي والمسلم تستدعي أحايين كثيرة تدخلات أمنية لحراسة المساجد والكنائس مثلا .
وبرأي الناقدة أن القضية الكردية هي التي ستؤهل الفيلم لنيل جائزة من جوائز المهرجان لا الفيلم ذاته فالأكراد ومخرجهم هنر سالم يغازلون أمريكا في العراق وفي مهرجان كان السينمائي وهذا كفيل بسعفة من السعفات الكثيرة في كان .
#مصطفى_اسماعيل (هاشتاغ)
Mustafa_Ismail#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟