لاتشتموا العراق . . . رجاءً ..!

علاء مهدي
(Ala Mahdi)

الحوار المتمدن-العدد: 4233 - 2013 / 10 / 2 - 17:18
المحور: المجتمع المدني
    

مرَّ العراقيون عبر سنوات طويلة بظروف أقل ما يقال عنها أنها كانت قاسية وظالمة ومدمرة بنفس الوقت. وتكاد المقارنة بين ماحدث للعراق والعراقيين خلال القرن الماضي وحتى اليوم، وبين الفترات العسيرة والحالكة التي مروا بها عبر التأريخ، تكون مقارنة غير متكافئة على الإطلاق. فالدمار الذي أصاب كل شئ ذا قيمة في العراق اتى ليس على البنى التحتية والحضارية للوطن فقط بل شمل الموروث البشري بصورة مباشرة وكان من نتيجته أن يصبح العراق أحد أهم اكبر المصدرين للمهجَّرين والمهاجرين في العالم عبر بضعة عقود من الزمن ولازال.

أختلفت ظاهرة الهجرة العراقية في اسبابها عن الهجرات العربية التي كانت على الأغلب تعود لأسباب إقتصادية أو بحثاً عن عالم جديد لحياة أفضل، في حين أجبر العراقيون على الهجرة من العراق سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حتى باتوا يركبون الصعاب ويعرضون أنفسهم وعوائلهم للموت غرقاً أو قتلاً والحوادث على ذلك كثيرة. فبعد أن كانت الدول المجاورة للعراق هي الدول الأكثر إستقبالاً للهجرة العراقية الخجولة في حينه وتمثل اقصى نقطة يمكن أن يفكر بها المهاجر العراقي حتى منتصف القرن الماضي، أصبحت أستراليا وجزر الباسيفيك النائية أمل العديد من العراقيين الهاربين من ظلم الحكام والأنظمة وجورهم وإضطهادهم.

ولايفوتنا أن نذكر أن تدفق العراقيين الهاربين إلى دول الجوار وبقاءهم فيها على امتداد سنوات قد تطول، لحين إيجاد الوطن الجديد، أثر على طبيعة الشخصية العراقية للفرد والجماعات حسب ظروف بلد التواجد فترك أثراً واضحاً على تصرفاتهم ، عاداتهم وتقاليدهم وممارساتهم وأفكارهم. ناهيكم عن تعرضهم للإبتزاز والضغط من قبل سلطات تلك الدول على المهاجرين مستغلين ضعف مواقفهم القانونية كونهم لايحملون مستندات قانونية وليس هنالك دولة تحميهم وتدافع عنهم.

فالكثير من العوائل العراقية المهجَّرة والمهاجرة تعرضت لعمليات إبتزاز وإستغلال لأسباب عديدة وكان لابد للعديد منها أن يستسلم للضغوطات التي وضعت عليها بغية إستغلالها لتحقيق مصالح ذاتية أو إستخباراتية أو دولية مما أثر بصورة مباشرة على تصرفات بعض أفرادها، وهذه ظاهرة يمكن ملاحظتها بصورة دقيقة من خلال العديد من التصرفات التي لم يكن العراقيون ممارسين لها.

والهجرة العراقية أيضاً، لم تكن تقتصر على طبقة إجتماعية أو ثقافية أو قومية أو طائفة معينة إنما شملت مختلف مكونات المجتمع العراقي الطبقية والثقافية والدينية. لذلك نرى أن آلاف العوائل العراقية التي أضطرت للهجرة إلى اقاصي العالم وما وراء البحار قد واجهتها صعوبات تتعلق بإختلاف الموروث الحضاري والديني والدنيوي. فباتت الإزدواجية في التصرفات الحياتية اليومية ظاهرة للعيان. فلم يعد مستبعداً أن يكون أحدهم يسارياً وعلمانياً خارج منزله وهو على عكس ذلك في داخله، أو ان تكون نصرته للمرأة تفوق ماقدمه لها قاسم أمين لكنه خبير بإضطهادها على مختلف المستويات عندما تضمه وإياها الجدران الأربعة.

أكثر من أربعة ملايين مهجَّر ومهاجر عراقي يعيشون في دول غربية وعربية وإسلامية وغير إسلامية ، لكل واحد منهم قصة تحكي هجرته ، لكل منهم وجهة نظر تختلف بإختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها لما حدث لهم وكيف حدث ولماذا حدث. لا أعتقد أن احداً سيتمكن من تحديد وحصر اسباب هجرة هذا الكم الهائل من العراقيين المختلفين في انتماءاته القومية والدينية والثقافية والسياسية دون دراسات ميدانية تشمل نسبة كبيرة منه.

ثلاثة عقود مرت منذ أن بدأت الهجرة العراقية بصيغتها التي يمكن ان تُعَّرفْ بكونها هجرة. . . كثيرٌ منا تمكن من أن يتأقلم مع الوضع والحياة الجديدة ولو بالنسبة للبعض منا – على مضض -. كثير منا أنسجم مع الحياة الجديدة رغم الصعوبات العملية التي صادفتنا، والتي منها ان الكثير لم يتمكن من ممارسة الأختصاص الذي درسه وعمل بجدارة من أن أجل الحصول عليه.

قد لانتفق على أسباب الهجرة ، وقد نختلف في قناعاتنا السياسية ، وقد نكون على مفترق طريق في معتقداتنا الدينية والطائفية ، وينطبق الحال على الحالة الثقافية والإقتصادية والشخصية ، وكذلك الإهتمامات الأخرى بضمن ذلك اتباعنا للموروث الحضاري العراقي أو تبني موروث الوطن الجديد، الذي نعتز به كل الاعتزاز ونثمن عاليا سياسته الرشيدة في التعدد الثقافي. قد نختلف في كل ذلك لكننا يجب أن نتفق على كون العراق هو الوطن الأم الذي نهلنا من حضارته وثقافته وخيراته فنتوقف عن شتمه لأنه أكبر منا جميعاً.

#علاء_مهدي (هاشتاغ)       Ala_Mahdi#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل