أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - روبير البشعلاني - مأزق اليسار















المزيد.....

مأزق اليسار


روبير البشعلاني

الحوار المتمدن-العدد: 4224 - 2013 / 9 / 23 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حتى قوات الأمن الداخلي المولجة بحفظ النظام العام في بيروت قد كبّرت من حجم القوى اليسارية اللبنانية وبالغت في قدرتها على تعبئة شارعها. فقد حرّكت عدداً من الأفراد يفوق بعدة مرات عدد المعتصمين «الوطنيين» ضد التلويح الأميركي بغزو سوريا في الساحة المواجهة لمبنى الأسكوا. ففي بداية شهر أيلول دعت «القوى والأحزاب الوطنية والتقدمية والشعبية والديموقراطية والاشتراكية والشيوعية» وعدد من الشخصيات المستقلة والنقابات والجمعيات والنوادي الجماهير الشعبية اللبنانية إلى النزول بقوة إلى الشارع والتحرك والاعتصام أمام السفارات المعنية بالعدوان على سوريا الوطن.
اللافت في هذا الحدث أن عدد الذين لبوا نداء الواجب لا يساوي حتى عدد الموقعين على الدعوة إلى التظاهرة. كان الحضور هزيلاً جداً. لنقل بصراحة إن تحرك «الأحزاب» بكل صفاتها المذكورة أعلاه قد فشل. أغلب الظن أنها مشكلة الداعين الذين دخلوا منذ زمن طويل بمأزق رؤيوي وسياسي جعلهم مجرد أعداد مهمة بدون قوة ولا فعالية.
مأزق قد يكون منبعه خطابا يتميز بالغموض والتشوش وقلة التماسك. لا أولوية واضحة فيه ولا مهمات واضحة. انتقال من الأجور إلى النظام الانتخابي إلى الطائفية والعلمانية إلى مجابهة الاعتداءات الخارجية، من دون وصلة واضحة بين المواضيع، أو من دون تدرّج للأولويات بينها. تردّد في الملف السوري انعكس من دون شك ذلك اليوم في الفشل بتحريك الشارع، شارعه، حول القضية الوطنية. فلقد صار من قبيل السذاجة الاستمرار في نكران الأزمة التي تمر بها هذه الحركة السياسية اليسارية.
التيار العلماني اليساري اللبناني منقسمٌ على ذاته. منقسم بالضبط حول القضية الوطنية. متفق على كل شيء باستثناء المسألة الوطنية. متفق على العلمانية لكنه غير متفق على الوطن. متفق على النظام الانتخابي لكنه غير موحد إزاء العدو. تجمعه الديموقراطية لكنه عاجز عن تكوين رؤية واحدة للدولة المستقلة. ضد الطائفية عامة لكنه مع الطائفيين بسبب موقف كل منهم من القضية الوطنية تحديداً. التيار الليبرالي موقفه واضح وتعبئته كاملة. موقفه من القضية الوطنية عامة وبصرف النظر عن الموضوع السوري محسوم نهائياً. محسوم إلى حد لم يعد يعتبر معه العدوان الخارجي قضية تستحق النضال والمواجهة. بالعكس.
لوهلة، بدا الوضع السوري كما لو كان هو بالذات المسؤول عن «سوء التفاهم» بين التيارين. وأن الخلاف بسيط لا يتعدى التباين في وجهات النظر المتعلقة بقطبي الصراع السوري. طبيعة النظام السوري الاستبدادية ومطالبة المعارضة بالديموقراطية بلبلتا في البداية مواقف التيار الآخر في اليسار اللبناني. بدا الأمر وكأن الصراع السوري في الداخل هو الموضوع فارتبك البعض. لكن مجريات الصراع في المنطقة بينت مع الوقت أن الأمر يتجاوز بكثير المسألة السورية الداخلية وتعقيداتها.
موقف التيار الليبرالي العلماني من الوضع السوري ليس بالنتيجة إلا جزءاً من منظوره إلى مجمل القضايا التي تقسم العالم العربي اليوم. برأيه ما يجري ليس إلا انتفاضات شعبية تعكس رغبة الجماهير في إنجاز «التحول الديموقراطي» الذي عجزت الأنظمة القومية عنه. وهو يظن أن إعطاء الأولوية للمسألة الوطنية لم يكن من قبل هذه الأنظمة إلا حيلة لكي تقمع شعبها. ويظن بعضه أن الديموقراطية وحدها تستطيع أن تبني بلداً قادراً على تسلم مقدرات المسألة الوطنية. ولذلك هو غير مقتنع بالمقاومة الوطنية في لبنان ويعتبرها خروجاً على السلم الأهلي وعلى التوافق اللبناني وعلى الدولة ككل.
إسقاط الحكم في العراق، كما في ليبيا، من قبل قوى خارجية لم يثر لدى التيار الليبرالي اليساري أي استنكار أو استغراب ما دام «التحول الديموقراطي» هو الهدف. بالعكس. سُلّم أولوياته مختلف تماماً. القضية الوطنية بالنسبة لهذا القسم من التيار العلماني ذريعة الحكام الاستبداديين والأولوية يجب أن تعطى للمسائل الديموقراطية والاجتماعية والحقوقية الداخلية. لا بل يعتبر أن الغرب، عدو الأمس، شريكه في الديموقراطية. التغيير الديموقراطي بالنسبة له عملية ممكنة في ظل الهيمنة الغربية لا بل بمساعدتها.
نقطة الخلاف إذاً تتعدى «التباين السوري» لتطال مجمل النظرة إلى القضية الوطنية وإلى سُلّم الأولويات في التصويب السياسي. العدو لم يعد واحدا، بالتالي لا الحليف ولا الصديق. العلمانية بقيت المشترك شبه الوحيد. وبعض القضايا الحقوقية والمطلبية. صار المشترك بين التيارين أشبه بالضمان الاجتماعي الذي كان «المشترك الوحيد» بين ديغول والماريشال بيتان، أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا.
وإذا كان التيار العلماني اللبناني الليبرالي قد حسم موقفه من هذه القضية حسما نهائيا وواضحا، معتبراً القضية الوطنية ملهاة الشعوب العربية، والعدو السابق حليفاً، فإن التيار الآخر لا يبدي دقة في تعيين أولوياته وتحديد طبيعة الصراع في المنطقة كما يراها. فتراه مثلاً يتابع العمل مع التيار الأول على قاعدة «المشترك» كما لو تابع ديغول، في مثلنا السابق أعلاه، العمل مع بيتان في موضوع الضمان الاجتماعي.
الاجتماعي (العدالة الاجتماعية) غلب على كل شيء في قراءة هذا التيار اليساري للصراع في المنطقة. «صورته» عند الجمهور الواسع هي كذلك، جماعة العدالة. اعتقاده بأن الرأسمالية أنهت سيطرتها على الأنماط السابقة جعلته يعتقد اننا في دول ناجزة التكوين، مستقلة، يمكن التغيير فيها من دواخلها. الأدبيات اليسارية لم تتوقف يوماً عن الحديث عن الامبريالية وعن الهيمنة والتبعية لكنها تبدو في استنتاجاتها للمهمات وكأنها لم تلحظ أن الهيمنة الامبريالية ليست فقط اقتصادية بل احتلال من نوع جديد ومعاصر. لم تلحظ، كما أظن، أن الهيمنة تمنع التغيير الداخلي على قاعدة هيمنتها. الهيمنة تمنع بالأساس بناء الدولة أصلاً وكل ما يتصل بها من أشكال حكم وديموقراطية وحق وقانون. فكيف يمكن بناء مشروع «وطني ديموقراطي» وعدالة في بلاد مجزأة قصداً لكي تنفجر جماعاتها عند أول تغيير اجتماعي جدي؟ كيف يمكن البناء على مهمات داخلية غير مرتبطة بالمهمة الأساس: التحرر الوطني من الامبريالية؟ كيف يمكن هضم مقولة فلسطين مسألة «الشعب الفلسطيني» وحده عندما نكون واعين أن خلق هذا الكيان الردعي ـ المخفر ـ مرتبط حصراً بمنظومة النهب الامبريالي للمنطقة ككل؟
التيار اليساري «الاجتماعي» اجتماعي جداً لكن خطابه «الوطني» مشوش وضبابي. مفهومه للقضية الوطنية غير واضح أو موسمي مرتبط ببعض الأحداث العدوانية المباشرة كالاحتلال. لم يُدخِل في وعيه بعدُ أن البنية التابعة بنية محتلّة أيضاً وبالتالي فإن مقاومة التبعية مسألة وطنية قبل أن تكون اجتماعية. القضية الوطنية هي أولى المهمات ولا تنحصر باحتلال الأرض فقط ومقاومة المحتل. ولذلك تراه بدون أولوية واضحة وبدون تصويب سياسي حاسم ودقيق. لا يريد أن يتخلى عن «جناحه» الآخر ظناً منه أن بإمكانه الجمع بين القضيتين معاً. فتتفاجأ بمشاركته «الجناح الليبرالي» في معارك هذا الأخير كما لو كانت معاركه. لا بل يعلن أنه «يتفق معه ببعض الشؤون لكنه يختلف معه فقط بـ«الإشكال السوري». وكأن «الإشكال» السوري تفصيل بسيط يساوي أي شأن مطلبي محلي أو ما دون.
حتى في الموضوع السوري تراه متذبذباً في عرض موقفه النهائي. فهو يريد هنا أيضاً أن يجمع القضيتين معاً. فهو ضد النظام ومع مطالب «الشعب» الديموقراطية وضد العدوان الخارجي في آن معاً. مع «الشعب» والثورة وضد قيادة الثورة المرتبطة بالخارج الامبريالي. كأن الثورة شيء مجرد عن قيادتها أو كأن العدوان الخارجي ضد مجهول لا ضد النظام. موقفٌ يعكس وعياً غير محدد لـ«الوطني» كأساس للصراع الرئيسي مما يجعله موضوعياً عاجزاً عن التصدي لقيادة الصراع ومكتفياً بالأدوار الثانوية.
مثل التيار العلماني «الاجتماعي» اللبناني هنا مثل اليسار السوري أيضاً الذي يظن أن بإمكانه الاتفاق مع «جبهة النصرة» حول الضمان الاجتماعي، أو مع الأميركي على زيادة الأجور. أغلب الظن أن معاناة هذا التيار تعود إلى ضبابية عدم حسمه لسلّم الأولويات ولمساواته ما بين المهمات والتحديات نتيجة فهم غير دقيق لطبيعة الصراع. فالمصيري الوطني عنده يساوي أي مطلب داخلي. لأنه ربما يظن أن الوطني مسألة استثنائية موسمية لا تطرح إلا خلال مقاومة العدو عندما يحتل أرضاً. أما في أوقات السلم العادية، أي أثناء الهيمنة، فإن «الوطني» يتراجع لحساب مشاكل الداخل، للاجتماعي. منظومة النهب الخارجي التي تجوّف البلاد من مواردها وتمنعها، بواسطة استراتيجية التجزئة والناطور القرابي على دولة ـ البئر والنهب والدكان والمخفر، من بناء وحدتها ودولتها المستقلة العيّيشة لا يراها احتلالاً ولا مسألة وطنية.
في ذهن اليسار العربي إجمالاً تراتبية تضع مهمة التغيير في كل قطر عربي على حدة على رأس المهمات ثم تعود بعدها إلى توحيد الأمة، كأن توحيد الأمة حاجة ثقافية جمالية لاحقة لا شرط واجب أولي لنجاح عملية تجميع مواد الدولة ووضعها في خدمة بنائها. أو كأن بناء أي شيء ممكن على قاعدة اللعب على جزء فقط من الملعب.
باستمرار هذا الخطاب الغامض، الاجتماعي، والوطني الموسمي، لن نتفاجأ بعد حين من انتقال هذا اليسار من الشلل الجزئي إلى الشلل النهائي ومن بقاء قيادة الصراع الحقيقي بعيدة عن أم الصبي الحقيقية التي وحدها تستطيع أن تعيد اللحمة إلى النسيج المجتمعي المتفسخ. اليسار ضرورة لإعادة إحياء مشروع الدولة العربية التوحيدي بديلا من صراع القرابات الطائفية القاتل.



#روبير_البشعلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد القصير: نابليون ضد بونابارت
- غَزْلُ الأوهام أو الخروج من المأزق الطائفي
- صعلوكيات/ ولكن من هو العدو ؟ أسرائيل فقط ؟؟؟؟
- صعلوكيات/ -الارثوذكسي- نعمة أم نقمة على لبنان ؟
- اليسار إبن تركيبته الإجتماعية
- السياسوية -علم- الرغبات
- صعلوكيات / -إعلان دمشق- وجبهة النصرة : زواج العقل ؟
- فلسطين ,كرسي القش و-سفريات ابو عساف-
- الثورة الخرساء في سوريا ليست من اجل الحرية
- الطائفة مقولة فلسفية أم جسم اجتماعي قرابي حديث ؟
- اليسار شلح السوري يخوِن اليسار الفرنسي
- الاستبداد والحرية اوهام العمران البشري
- صعلوكيات / بيان من أجل الدولة العربية
- صعلوكيات/ الرأسمال الشكلي الطائفة و-الواسطة-
- صعلوكيات / نقطة على فاصلة جهاد بزي
- صعلوكيات/ يتحدثون بلغة السماء ويأخذوننا الى الجحيم
- صعلوكيات/ الربيع العربي : ثورة الصعاليك
- صعلوكيات: النخب الشبابية بين مطرقة الطموحات وسندان الاجتماع ...
- صعلوكيات : لماذا يريد الاميريكيون الديمقراطية في الشرق الاوس ...
- الطائفة : مشروع ديني ام سياسي ؟


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - روبير البشعلاني - مأزق اليسار