أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - روبير البشعلاني - السياسوية -علم- الرغبات















المزيد.....

السياسوية -علم- الرغبات


روبير البشعلاني

الحوار المتمدن-العدد: 3992 - 2013 / 2 / 3 - 00:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ولّى الزمن الذي كان الفكر العربي يتناول فيه المجتمع بكليته، فقد انتقل الى السياسي - الجوهر المطلق حيث الدولة والسلطة والديموقراطية والعلمانية والقانون والمدنية، مقولات مجردة، يمكن البحث بها باستقلالية تامة عن أي مجتمع، فهي صالحة لكل زمان ومكان كما يؤكد لنا علماؤها العرب. فقد عدنا إلى عصر الثنائيات الزجلية من نوع الاستبداد - الحرية، والحرية - الممانعة، والإسلام - العلمانية، من دون البحث في خلفياتها وأسبابها. ابتعد الفكر عما هو ممكن في لحظة تاريخية معينة الى ما هو الأفضل والأجمل والأحسن في "السوق" الفكري العالمي. انتقلت السياسة من علم صراع القوى الاجتماعية الى علم اقتناء سلع المفاهيم السائدة عالمياً. أول ضحايا هذا الانتقال كان الفكر النقدي في العالم العربي.
يتصدّى الفكر السياسوي العربي لمسألتي الدولة والسلطة بدون فهم أساساتهما الاجتماعية الاقتصادية وبما يجعل المثقف "حراً" ليبرالياً وقادراً على إسقاط أوهامه ورغباته على التاريخ البشري فيرى علمانية هنا، وفي حال امتعاض الزبون، مدنية هناك، وفصل سلطات على اليمين، وديموقراطية على الشمال، وعدالة في الوسط وحقوق إنسان من فوق، وكل ما شئت. "ينتقي" أفضل ما درسه في الكتب، "يستذوق" كما لو أن الاجتماع البشري من حوله قد قرأ مثله في الكتاب نفسه. يقفز فوق القرابات من قبائل وعشائر وطوائف من دون إعارتها القليل من اهتمامه المركز على إصلاح الدولة والذي تكفيه الإرادوية لكي يستنبط الحلول من فوق، من عندها، متناسياً غياب أبسط شروط بناء الدولة، اي المواطن الفرد لا الجماعة.
وسواء أعاد ممثلو هذا الفكر أسباب انسداد السياسة في بلادنا وغياب الدولة والديموقراطية الى عوامل ثقافية دينية أو شمولية معاصرة (الأنظمة الاشتراكية) فإن الجميع متفق على أن العلة محصورة في الدولة. وكأني بالجميع ينطلق، بوعي أو عن غير وعي، من فرضية ضمنية تنهض على فكرة استكمال الرأسمالية الغربية هيمنتها على بلادنا. العلة إذاً تكمن في عدم انسجام الدولة مع قاعدتها الاقتصادية الحديثة، في تأخرها وفي عدم التطابق بين البنى الفوقية والبنى التحتية كما كان يقال في "اللغة الخشبية" الماركسية.
عدم التطابق يُسأل عنه السياسي بالمبدأ لذلك حصر الفكر السياسوي همه في هذا الجانب، باحثاً عن العوائق التي تمنع الدولة الشرقية "المريضة" من التفتح والتألق أسوة بشقيقتها في الغرب الديموقراطي. فرضية هيمنة الرأسمالية على عمراننا البشري قادت الى هيمنة شبكة مفاهيم القراءة الرأسمالية الغربية للدولة وبالتالي الى هيمنة القراءة "السياسوية" العصرية. الدولة هي المريضة في بلادنا وكل هم الأطباء، من مفكرين وسياسيين، ينصبّ اليوم على معالجة المرض. والمرض بالتحديد ليس موجوداً في الدولة كمحتوى اجتماعي، إنه أمر محسوم ضمنياً، بل فقط في شكلها الاستبدادي. ومن هنا صعود أسهم الديموقراطية في بورصة الأفكار العربية. دواء الاستبداد الديموقراطية.
لم يعد مهماً معرفة مضمون الاستبداد في بلادنا وبخدمة أي قوى اجتماعية يجري استخدامه، ولم يعد من المهم معرفة ما هي القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة بالديموقراطية. المهم أن "الشعب" يريد الديموقراطية، الدواء. التعمية والتعميم صارا من دعائم الفكر العصري، السياسوي. غير أن هذا النوع من التفكير "المختبري"، المتماسك من الداخل، المتفاجئ بالوقائع الاجتماعية والسياسية جعل المشروع الديموقراطي يتكسّر في كل مرة على صخرة البنى الاجتماعية المتقادمة التي سرعان ما تطوف على السطح كي تعيد إنتاج الاستبداد من جديد. ففي كل مرة نحاول إصلاح أعطال الدولة تفوح عِقَدُ الاجتماع من جديد لتذكرنا بقدمها وقراباتها وعصبياتها وغلباتها غير الدولتية. فنعود الى نقطة الصفر.
الاصطدام بالحقائق الاجتماعية العنيدة. لا "بقايا الوعي" كما كان يُظن، يحيل الفكر السياسوي الى أشلاء. فإذا سلمنا جدلاً بان الاقتصاد في بلادنا رأسمالي، فهل يمكن أن يكون اجتماعه قرابياً غير رأسمالي وغير طبقي؟ وطالما أن الاجتماع قرابي فالعلة تطال العمران البشري كذلك ولا تقتصر فقط على السياسي. لكن كيف يمكن للرأسمالية في الاقتصاد ألا تنعكس في الاجتماع؟ ما هو هذا النوع من الرأسمالية؟ أي كيف يمكن أن تهيمن الرأسمالية بدون القضاء على البنى القرابية التي تعيق بناءها وبدون نشوء طبقات اجتماعية على أنقاضها؟
بمعنى أوضح، وبحسب هذا الفكر، صارت بلادنا مركبة من نظام رأسمالي الاقتصاد، قرابي الاجتماع، شمولي السياسة. وبأي حال صار لزاماً عليه في هذه الحالة أن يبرر رأسماليةًً تقوم على الريع، أو على ربح لا تنتجه طبقة، و"قرايب" تسيطر على الاجتماع لكنها تعفُّ عن الاقتصادي، ومستبدين "سياسيين" يقعون في مكان غامض ما بين الطبقة وبين القرابة. بلوغ التناقض الداخلي هذا الحد يدفعنا الى الشك بقدرة فكر كهذا على الإحاطة حتى بالمشهد السياسي.
ولعل السبب الذي جعل من الدولة وأشكالها لدى أصحاب الفكر السياسوي عندنا ليس فقط اساس التخلف والانسداد بل جوهر العلة هو عدم فهم إطارها، العمران البشري الذي يعطيها معناها الحقيقي. الجهل بقوانين الدولة القرابية عندنا جعل الفكر "العصري" يزدريها فلا يرى فيها غير المرض. وبدلاً من أن يقوم بوصفها وتحديدها راح يطلق في استبدادها من الشتائم والنعوت ما يمكن أن يؤلف معجماً مستقلاً كاملاً "في شتم الدولة القرابية".
لكن البعض ممن تنبّه الى الورطة الفكرية للسياسوية في تناقضاتها وفي قصورها على السياسي سعى إلى ربطها بتاريخها لكن استعمال العدّة النظرية القديمة إياها لم تتح له التقدم كثيراً. وبدلاً من اللجوء الى إعادة فحص الفرضيات الأساسية اكتفى بعمليات رتق نظري بين الواقع المعيوش والواقع الموهوم المتصوّر. يسجل لأصحاب هذه المحاولات، نجاحهم على الأقل في تعيين مكامن العلل وضرورة المعالجة.
الرتق هذا توصّل إلى "مفاهيم" جديدة مثل الإقطاع السياسي والمارونية السياسية والشيعية السياسية والإسلام السياسي والطائفة - الطبقة والعائلات السياسية والبيوتات والبورجوازية الكومبرادورية الخ.. مقولات لفظية بلا محتوى اجتماعي فعلي تشير كلها الى مأزق الفكر السياسوي في فهم طوفان القديم في الحاضر وتمازج القرابة بالـ"زناكيل" (الأغنياء بالدارجة وهي تركية الأصل)، الدين بالسياسة، الطائفة بالدين، الطبقة بالطائفة، والعائلية بالسياسية إلخ. بنى "غريبة عجيبة" استعصت على "العلم" السياسوي المأخوذ بالدولة، الغربية منها على وجه الخصوص. وكلما كانت الظاهرة الاجتماعية عصية على الفهم زادها نعتاً بـ"السياسية" متوهما فك السحر.
المعضلة الحقيقية التي تجاهلها هذا الفكر كلياً بتشديده على شكل الدولة الإستبدادي دون غيره، بالرغم من أهمية ذلك، هي تحديد علاقة هذه الدولة بعمرانها البشري بعد دخول الغرب الرأسمالي الى بلادنا، والتحولات التي أصابت بنية تمثيلها الاجتماعي، وهذا لعمري لا يمكن بدون الجواب أولا على الاشكالية التالية: هل أنهت الرأسمالية فعلاً هيمنتها على أنماط إنتاجنا السابقة بشكل كلي وصار بالإمكان قراءة مجتمعاتنا على اساس "علمها" وادواته سواء كان العلم بورجوازياً ام غير بورجوازي؟ فإما أن الرأسمال الغربي قد نجح في صهر مجتمعنا في نمط انتاج جديد يقوم ناتجه أساساً على مفهوم الربح وإما أن الريع ما يزال هو الشكل الرئيس للغلة وعندها من المشكوك فيه أن يكون قد حصل انتقال من عمران بشري الى آخر. ولا أفضح سراً هنا إذا قلت إن الدولة ليست هي نفسها في الحالتين، لا من حيث التمثيل البشري ولا من حيث الأهداف ولا من حيث التركيب ولا الشكل.
بالطبع لا يطرح الفكر السياسوي على نفسه مثل هذه الأسئلة لأنها لا تدخل في إطاره النظري ولا في حقل اختباراته. ولأن دولته دولة الجوهر الخالص القائم فوق التاريخ، تراه ينهض بمشروع دولة قانون وعدل وحقوق لكن بدون حامل إجتماعي محدد لها. تراه لا يعين قوة أو مجموعة من القوى الاجتماعية لها مصلحة في حمل هذا المشروع. يتوجه به الى الجميع، أي نحو لا أحد. منهج يتناول السياسة كما لو كانت جسماً منفصلاً صالحاً أو "متصالحاً" مع الغرب بلغة اليوم. كما لو كانت عينة في مختبر علمي يقيم عليها التجارب الداخلية من أجل الوصول الى استنتاجات "علمية" محكمة، لكنها غير ممكنة التطبيق لغياب قوى اجتماعية تحملها بسبب من مصلحة بها.
وبعد أن تحلق السياسوية في الاستذواق تصل الى الحل العملي الإجرائي وتجد نفسها بلا أجسام اجتماعية ترتدي أفكارها ومشاريعها فتروح تسقط على قوى المجتمع القرابية، دينية كانت أم رحمية، أحلامها ورغباتها في التغيير الديموقراطي وبناء دولة القانون الرائعة كأن القرابات تهيم بالدولة التي تساوي بين الناس كمواطنين. أليست العاصفة هي ما حصده ويحصده أصحاب هذا الفكر في لبنان الحرب الأهلية الأخيرة وفي العراق وفي اليمن مؤخراً وفي سوريا حالياً والحبل على الجرار.
السياسوية تبشر بأجود ما وجدته في "السوق" العالمية وعندما تفشل، وهذا ما يحصل بالإجمال، تلعن التخلف والمتخلفين، الطائفة والطائفيين، الذين ينأون بأنفسهم عنها وعن خيراتها فيما يستمر المجتمع، هو، في الصراع الفعلي بين قواه الحقيقية ضمن الشروط التاريخية للعمران البشري.



#روبير_البشعلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صعلوكيات / -إعلان دمشق- وجبهة النصرة : زواج العقل ؟
- فلسطين ,كرسي القش و-سفريات ابو عساف-
- الثورة الخرساء في سوريا ليست من اجل الحرية
- الطائفة مقولة فلسفية أم جسم اجتماعي قرابي حديث ؟
- اليسار شلح السوري يخوِن اليسار الفرنسي
- الاستبداد والحرية اوهام العمران البشري
- صعلوكيات / بيان من أجل الدولة العربية
- صعلوكيات/ الرأسمال الشكلي الطائفة و-الواسطة-
- صعلوكيات / نقطة على فاصلة جهاد بزي
- صعلوكيات/ يتحدثون بلغة السماء ويأخذوننا الى الجحيم
- صعلوكيات/ الربيع العربي : ثورة الصعاليك
- صعلوكيات: النخب الشبابية بين مطرقة الطموحات وسندان الاجتماع ...
- صعلوكيات : لماذا يريد الاميريكيون الديمقراطية في الشرق الاوس ...
- الطائفة : مشروع ديني ام سياسي ؟
- صعلوكيات : الدولة بين الطائفة والراسمال الشكلي. رد على سياسو ...


المزيد.....




- لقاء وحوار بين ترامب ورئيس بولندا حول حلف الناتو.. ماذا دار ...
- ملخص سريع لآخر تطورات الشرق الأوسط صباح الخميس
- الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
- هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يخرج التدريس من -العصر الفيكتو ...
- دراسة تكشف تجاوز حصيلة قتلى الروس في معارك -مفرمة اللحم- في ...
- تدمير عدد من الصواريخ والقذائف الصاروخية والمسيرات والمناطيد ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /18.04.2024/ ...
- -كنت أفكر بالمفاتيح-.. مؤلف -آيات شيطانية- يروي ما رآه لحظة ...
- تعرف على الخريطة الانتخابية للهند ذات المكونات المتشعبة
- ?-إم إس آي- تطلق شاشة جديدة لعشاق الألعاب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - روبير البشعلاني - السياسوية -علم- الرغبات