عن الدخول الثقافي بالمغرب

خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 4222 - 2013 / 9 / 21 - 18:33
المحور: المجتمع المدني
    

عن الدخول الثقافي في المغرب
**********************
من أوجب الواجبات على المثقف في أي بلد أن يسائل ويهجس ويتداعى للمشهد الثقافي في بلده . وقد كتب بعض مثقفينا عن الدخول الثقافي في المغرب . وليس مدهشا أن يلتقي الجميع ويتفق حول فراغ مواسم الدخول من أي بعد ثقافي ، وهي قاعدة أصبحت ثابتة في مغرب الجفاف والجفاء الثقافيين والاقصاء المعرفي المثمر .
مجتمع مستلب ومغترب لا يمكن أن ينتج الا سمات الاستيلاب والاغتراب ، ففي المجتمعات الحيوية لا يمكن للمشاهد المتفاعلة مع الحقل الثقافي الا ان تصب في نهر الثقافة وترفده ، مع ما لهذا النهر من تدفق وانسياب وفيض . لكن العكس هو الحادث في المغرب الثقافي . ليس لأن الثقافة كفت عن الانجاب ، فالمتابعة الموضوعية لما ينتج من أعمال أدبية وفنية وعلمية ، كفيلة باعطاء حقنة من الانعاش والأمل ، لكن تفعيل واحتضان هذه الأعمال يظل هو الغائب بفعل فاعل .
فعلى مستوى النشر هناك فوضى وهيجان لا تخطئهما العين ، وان كان دون المستوى المأمول ، ودون الجودة المطلوبة . لكنه دليل صحي على وجود انتاج ما . غير أن عملية الاحتفاء بالمطبوعات يسودها نوع من الاستغباء والانحطاط المعرفي .
وهو ما يؤشر عليه بالملموس غياب المثقف عن الزمن الثقافي ، مما يعني غياب الوعي بمدلول الثقافة نفسها وبدورها الطليعي وببعدها الحضاري . وهنا لابد من الوقوف عند مفهوم البعد الحضاري ، لأنه يطبع المثقف بمسؤولية تحمل ثقل النهوض بأمته ، وهذا ما لم يعد يؤمن به أي مثقف مغربي ، على الأقل على مستوى النظرية والعمل ، أما النوايا فنتركها للأعلم بها .
والنهوض هنا ليس يمعنى اخراجها من الظلمات الى النور ، أو ادعاء القدرة على تحويل بوصلتها من جهة التخلف الى جهة الازدهار ، بل يكفي أن يحمل مشعل بروميثوس بما تحبل به بلاده من ايجابيان ومن ثمرات يانعات ، انه هنا يقوم بدور ساعي البريد الأمين ، او الرسول الأمين ينقل صورة بلده ، يقف على امراضه وعلله ، وعلى مكامن قوته ، وهو فعل جليل ، يكفيه اخلاص ودقة القيام بهذا الجهد ليزيح عن كاهله وزر التغني بالزيف والانحطاط والتهميش والتواطؤ مع أمراء الظلام .
فعلا كما كان عبر عن ذلك عبد الحميد عقار ، ليس لنا تقليد الدخول الثقافي بالمغرب كما هو الشأن عند الآخر الغربي ، لكن هذا لا يعفينا من خلقه وابداعه ، أليست لنا مؤسسة ثقافية رسمية هي وزارة الثقافة ؟ ، أليس لنا مؤسسات مدنية ثقافية على رأسها اتحاد كتاب المغرب ؟ ، وجمعيات بالجملة ؟ ومثقفو الدعم المخزني ؟ ، ومنشورات ومطبوعات وقنوات تلفزية ؟ ألا يستحق كل هذا مشهدا احتفائيا يليق بالثقافة المغربية ؟ .
جميع من كتب عن حالة الدخول الثقافي يجمع أننا نعيش ازمة ثقافية ، الا قليلون ممن ربط بعضهم تقليد الدخول الثقافي كبوابة اشعاعية يتم فيها الاحتفاء ووضع برامج ومشاريع ثقافية مستقبلية وبين المعرض الدولي للكتاب ، والفرق واضح بين الاسمين والحدثين . ولا يحتاج الى عناء الشرح وتوضيح الفروقات .
ما يهمنا هو السؤال عن البعد الثقافي كانشغال بمؤسسة لها هياكلها وحسها الوجودي وتفاعلها القيمي برهانات ومنتجات المغاربة على الصعيد الرمزي الذي اصبح عند الدول الأخرى من أقدس القيم . وهنا يحضرني مثال أحد الأصدقاء الذين زاروا مؤخرا بلجيكا ، فارتاد مكتبة في العاصمة بروكسيل ، وتفاجأ بصف من البلجيكيين طويل ، فربط في ذهنه هذا الانتظار المتعطش لانبلاج باب المكتبة التي لم تكن قد فتحت ابوابها بعد ، فظن صديقي أن مناسبة هذا الطابور تتعلق بالدخول المدرسي ، لكنه سرعان ما اكتشف أن الأمر لا علاقة له بالدخول المدرسي ، بل هم في انتظار أن تفتح المكتبة ابوابها لاقتناء كتاب ما ، خاصة وأن المكتبة متخصصة في بيع الكتب القديمة .
بينما مكتباتنا تظل أبوابها وبهوها ، فارغين طول السنة ، وعندما تدخل لمكتبة ما يخيل اليك أنك تدخل مكانا مكتوب على بابه ممنوع الدخول .
ان الثقافة لا يمكن أن تنهض من الفراغ ، من تهميش الفعل الثقافي ، وانتظار الوزارات والمؤسسات المعنية بتفعيل هذا الحقل الحيوي . انها مسؤولية المثقفين انفسهم . هم من يقع على عاتقهم الزامية النهوض بهذا الحقل الخطير الذي يتم تهميشه وتغييبه عمدا . أما البكاء على الأطلال فتلك مهمة قام بها اصحابها خير قيام ، وتعليق اخفاق ثقافتنا على المؤسسات الرسمية هو من باب تحصيل حاصل ، لكن لماذا يتنصل المثقفون من مسؤولياتهم الشخصية والجماعية فس هذا الشأن ، وهنا وجب التساؤل حقا ، والبحث عن سبل وطرق لابداع أشكال وانماط جديدة للحراك الثقافي بالمغرب .

#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل