|
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-18-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4206 - 2013 / 9 / 5 - 21:14
المحور:
الادب والفن
البحث عن الغائب الحاضر -رواية 18- ************************* شيئ لا يصدق لماذا لا أجد سبيلا واضحا للكتابة عن أحمد المخبر ؟ ، مع أن الأمر عادي ، رجل يشتغل في مؤسسة رسمية ويتقاضى أجره من ضرائب المواطنين ، يعيش بين الناس ، يمارس وظيفته ككل الناس ، معرض للانحراف كغيره من الأفراد ، قد يموت في اي لحظة ، وقد يقع له حادث في أي لحظة ، مثله مثل سائر العباد . وقد يعتقلونه أو يقتلونه اذا اقترف أخطاء قد يكون لها تأثير على صورة المؤسسة التي يشتغل بها . وقد يحولونه كبش فداء اذا وقعت القرعة عليه . يعني أن الرجل قد يحدث له ما يحدث لكل الناس ، لكن لماذا أجد عسرا شديدا في الكتابة عن حالته أو تجربته ؟ . موانع كثيرة تنهال وتتمترس أمام طريق الكتابة عن هذه الموضوع . فنجان القهوة لا يزال كما جاء به النادل ، لم أتذوقه بعد ، الساعة تشير الى الثالثة والنصف ، يعني أن جلوسي هنا مضى عليه ساعة ونصف . حتى ذينيك الرجلين لم يعودا في مكانهما ، لقد غادرا المقهى ، هما حتما ليسا من المخابرات ، وجوه جديدة دخلت المقهى ولم أنتبه اليها ، بعض الكراسي لا تزال فارغة ، وأي قرار لم أصل اليه . أحسست ان رأسي يكاد ينفجر ، توقفت قدرتي على التفكير ، لم أحس يوما بمثل هذا الانسداد في أوعية دماغي ، كأن وردة تكدست فوقها أطنان من الرماد ، ولا أمل في عودة وريقاتها الى سطح الأرض . منذ ان اخترت الجلوس في هذه المقهى وأنا لست على ما يرام . ربما لأنني لم أتعود على الخلوة في مثل هذه الأماكن ، فخلوتي لا أجيدها الا في بيتي ، أمام مكتبي أو في السطح . بعض الأمكنة تحمل من العدوانية ما لا يحمله الانسان نفسه ، تضجرنا تملأنا بالحنق والسخط ، تكبل أفكارنا ، تجهز علينا ، كالزائر الليلي اثناء النوم ، أو ما يسمونه بالجاثوم وشلل النوم ونسميه نحن المغاربة بوغطاط ، نحس بالاختناق وبعدم القدرة على الحركة ، نفكر في شيئ بعينه ، لكن حركية التفكير تكون متوقفة جامدة وثابتة . هربت الى هذه المقهى من ضوضاء المقاهي التي أرتادها مع الأصدقاء ، هربت من جلساتهم ومن مواضيعهم التافهة . لكنني الان أحس باختناق شديد في هذه المقهى ، وهذان الرجلان رغم استبعادي انتماءهما للمخابرات ، لكن فكرة انتمائهما لهذا الجهاز الملعون استوطنت ذهني ، انه بالفعل بوغطاط ، لكنه زارني اليوم بالنهار . قضيت ساعة ونصف هنا دون أن أتمكن من الوصول الى قرار يرحمني من لعنة التردد ، من لعنة الدوران داخل رأسي . هل أؤجل كتابة الموضوع الى زمن آخر ، لكن كل شيئ أصبح أسير سرعة ، بوغطاط ، الجاثوم ، شلل اليقظة لايعربد ا لا عندنا هنا ، في هذه الأوطان المنكوبة . الشعوب نفسها مصابة بالخصاء ، لا تنتج ، لا تتساءل ، لا تعترض ، لا تنتقد ، لا تفعل شيئا . السلطة وحدها هي الناهي والآمر ، المخطئ والمصيب ، اذا أخطأت تغفر لنفسها ، واذا أصابت تنوه بما صنعته . ساعة ونصف وأنا هنا ، أتوه في سراديب أفكار معتمة ، أريد وضوح الرؤية ، ساعة ونصف تعادل اليوم سنة ونصف ، ضاعت مني كأني لم أعش منها ولو لحظة واحدة ، التردد عدو الزمن ، وعدو الانسان . الزمن هنا صار بدوره عدوانيا ، لا زمن المقهى يسعفني في أخذ القرار المناسب ، ولا زمن كتابة الموضوع قد يسعفني ، لا بد من تجربة زمن الحانة ، عشرة جعات كافية للوقوف على رأس الجبل . خرجت من المقهى اللعين . المكان الذي لا يستطيع فيه المرء أخذ قرار بسيط كهذا مكان لا يترك فيه انطباعا بالحميمية . قدت سيارتي الى الحانة المعهودة ،حانتي المفضلة ، ذهني لا يركن على شيئ ،لكن عندما خرجت الى حي " مستر خوش " ، كانت الشوارع فارغة ، أحسست بنوع من الراحة ، نسائم الرياح الظليلة رطبت من تفكيري ، بدأت أحس ببعض من اعتدال المزاج ، شغلت الكاسيت ، لا استمع في هذه المرحلة الا للسيدة فيروز ، صوتها يمتص ضجيج المارة وأبواق السيارات ، يخفف من غلوائها وعدوانيتها . عندما اقتربت من كارفور كاليفورينيا ، بدأت أجساد الناس تتكاثر ، وأخذت أعداد السيارات القادمة من كل اتجاه تتزايد ، لا فرصة هنا للتفكير خارج ما يمنحه الفضاء الخارجي من منبهات عليك أن تكون في كامل يقظتك ، كي لا تصطدم او تصدمك سيارة ما . عليك أن تخرج من ذاتك وحميميتك ، لتصد الهجومات الشرسة لمجتمع لا يتحرك الا بأعين عمياء .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سفر في مقهى -الرايس -
-
عالم جديد في طور التكوين -1-
-
وجع بوجهين
-
لماذا تم تأجيل الهجوم على النظام السوري ؟
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-17
-
انا من هنالك
-
أنا من هنالك
-
بعيدا عن السياسة في قلب السياسة
-
البحث عن الغائب الحاضر -رواية-15-
-
انجازات الملك محمد السادس الغائبة
-
شعرية الانفجار عند ايمان الونطدي
-
عندما يصبح الانسان نفسه كذبة كبيرة
-
المغاربة والسياسة
-
اضاءات حول انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة المغربية
-
اللعبة المصرية واحراق المرجعية
-
مصر والاختيار الأصعب
-
غياب المثقف ، والمثقف الانسان
-
البحث عن الغائب الحاضر -14-رواية
-
اليسار المغربي وحدة من أجل موت جماعي
-
عوربة الاقتتال
المزيد.....
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|