أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية















المزيد.....


نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4222 - 2013 / 9 / 21 - 12:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يلعب التراث في البلاد العربية خاصة المشرقية والمغرب منها دورا اكبر منه في الغرب الامبريالي . ويعود ذلك الى جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والروحية ، ترتبط في المقام الاول ، بخصوصية مسيرة الوطن العربي التاريخية بالمقارنة مع الغرب الرأسمالي ، ولا سيما بكون بلدان آسيا وإفريقيا لم تشهد مثيلا للثورة البرجوازية ، التي دشّنتْ عصر تطور الرأسمالية في اوربة .
فعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ، لم تعرف البلاد العربية انقلابا " برجوازيا " حقيقيا . لقد ظلت تسيطر هنا الاشكال التقليدية لما قبل الرأسمالية في تنظيم الحياة الاقتصادية ( غلبة القوى المنتجة الطبيعية على القوى المنتجة التي خلقها العمل ، وغلبة العمل الحي على العمل المتكدس ، وهيمنة العوامل ما قبل الصناعية على العوامل الصناعية ، وتوجه الانتاج الى الاستهلاك المباشر عوض خلق الدورة الاقتصادية الاستثمارية .. ) والاجتماعية ( غلبة العوامل الشخصية على العوامل الشيئية والسلعية النقدية والحقوقية ، والدور الكبير للخلايا المحلية الاولية – المشاعة ، العشيرة ، القرية .. لخ ، وما يتصل بذلك من هيمنة الكلي على الفردي ، وشيوع مختلف اشكال التعاضد والتكامل و المساواة ... ) والسياسية ( سيطرة النزعة البتريركية الابوية في معاملة الاسرة ، الجماعة والأفراد ، والتنظيم الذاتي للخلايا الاولية ... ) .
وعلى الصعيد المؤسساتي لم تشهد البلاد العربية مجابهة بين المؤسسات الدنيوية والدينية ، ولم يتوصل الى فصل هذه عن تلك ، الى فصل الدولة والمدرسة ضمنا عن الكنيسة ، والى تكريس هذا الفصل تجسيدا لمبدأ " اعط ما لقيصر لقيصر وما ل الله ل الله " . لم يتحرر الدنيوي من الديني ، الزمني من الروحي ، تحررا من شأنه ان يطلق للدنيوي العنان في التطور الذاتي ، بعيدا عن الاطر اللاهوتية التي تحد من ديناميكيته ، ومن قدرته على مواكبة الحياة العامة بالمجتمع .
وعلى الصعيد الروحي لم تعرف اديان البلاد العربية ( الاسلام ، المسيحية ، واليهودية ... ) مثيلا لحركات الاصلاح الديني الاوربية ، التي كان لها الباع الاطول في تذليل الفهم اللاهوتي المتحجر للدين ولعلاقته بالحياة ، في تحطيم الاطر الدينية القروسطوية التي تحد من فعالية الانسان ، وتكبح قدراته الخلاقة ، وفي اعادة تأويل الدين ومعتقداته تأويلا يتفق مع متطلبات العصر الجديد ، في فهم الدين فهما نقديا ودنيويا ، يؤكد على قيمة الحياة الدنيا والنجاح فيها ، ويشجع المبادرة الفردية ويباركها ... لخ
ولكن الابعاد الحقيقية لهذه الخصوصية ، ونتائجها الجوهرية ، كانت ، الى حين ، متوارية عن الانظار . صحيح ان البلاد العربية شهدت ، في مرحلة الاستعمار ، تمسكا عتيدا بتراثها وتقاليدها وماضيها ، ولكن هذا التمسك ’نسب الى ردود الفعل على المساعي الهادفة الى محو الشخصية القومية والوطنية لشعوب المستعمرات ، والرامية الى زرع القيم الاوربية ، والروحية منها خاصة ، على حساب القيم التقليدية المحلية ( نشاط حركات التبشير المسيحية ، وإشاعة للغات الاوربية ، ولا سيما الفرنسية والانجليزية ، بديلا عن اللغات الوطنية والقومية .. ) . كما واعتبر مجرد لون من الحنين الى الماضي ، الذي يمثل في وعي الشعوب المستعمرة ( عصرا ذهبيا ) ، عصر الازدهار الحضاري والسيادة الوطنية والقومية ، الذي انتهى بحلول الاستعمار ، وما رافقه من تبعية ’مذلة ومذلة بغيضة ، فكان البعض يرى في الابتعاد عن القيم التراثية والدينية منها خاصة ، سببا اساسيا في انحطاط المجد السالف ، والخضوع لنير الاستعمار الغاشم .
وصحيح انه تحت راية التراث ، ولا سيما منه المثالي والديني ، اندلع الكثير من حركات التحرر الوطني ، من الهند شرقا وحتى المغرب غربا ، وكان للرموز التراثية الدور الاول في تعبئة الجماهير وحشدها للتصدي للاستعمار . ولكن الردة التراثية كانت ’تقيّم عادة على انها مجرد ظاهرة عابرة ومؤقتة . فبعد نيل معظم البلاد العربية استقلالها السياسي ، تراءى وكأن الموجة السلفية قد بلغت ذروتها ، وحققت مآربها ، وأخذت بالانحسار والقهقرة . فمن الآن فصاعدا ’ظنّ ان شعوب هذه البلاد سوف تسير على طريق العصرنة والتحديث الذي يفترض الاخذ المتزايد بالمؤسسات والقيم العصرية الغربية ، وتخليا تدريجيا عن الموروثات التقليدية .
وفجأة ، وبدون سابق انذار ، حدث ما لم يكن بالحسبان او يتصور على بال ابدا ، فلم تؤت العصرنة ولا التحديث ثمارها المرجوة ، حتى باءت بالفشل الذريع ، وجاءت موجة تراثية سلفية اخوانية ، عمّت البلاد العربية في السبعينات من القرن الماضي ، وكانت الثورة الايرانية اقوى اعاصيرها . وعلى عجل ، وفي شرق وغرب الوطن العربي على السواء ، بدأت اعادة النظر في الحسابات الماضية والتخمينات السابقة ، وانبرى الباحثون لتفسير ماذا حدث ، والتنبؤ بما سوف يحدث ، والاستفادة من دروس الفشل واستخلاص العبر منها . وكانت مسألة المؤسسات التقليدية والقيم التراثية في طليعة القضايا التي تغيرت جذريا في اطار ما كان يعرف ب " نظرية العصرنة " او " سوسيولوجيا التطور " المعاق .
فقد اخذ انصار هذه النظرية التي تبلورت في الخمسينات من القرن الماضي ، ينطلقون من المعارضة المطلقة بين التقليدي والعصري ، ويرون في العصرنة مرادفا ل " الغرْبنة " ، اي اخذ المجتمعات التقليدية العربية والأسيوية والإفريقية بالنموذج الغربي في التطور . فالعصرنة ، كما يقول السوسيولوجي الامريكي مور ، تعني " التحويل الشامل للمجتمع التقليدي ، او ما قبل العصري ، الى ذلك النمط من التكنولوجية والبنى الاجتماعية ، الذي نجده في بلدان الغرب المتطورة ، المزدهرة اقتصاديا والمستقرة سياسيا " . ويتطلب هذا التحويل الشامل تذليل التقاليد والموروثات كافة ، الاقتصادية والاجتماعية والروحية ، باعتبارها امورا محافظة وسلبية ورجعية ، تقف عائقا على طريق التطور ، ولذا ينبغي تقديمها قرابين على مذبح العصرنة .
وجاء فشل العصرنة ، الذي لاحت بوادره منذ اواسط الستينات ، فطرح ضرورة اعادة تقييم كل القيم . وشمل هذا بصورة رئيسية ، النظرة السالفة الى التقاليد باعتبارها العائق الاساسي على طريق انتقال البلدان العربية الراكدة الى الحالة " العصرية " . وكان مؤلف ايزنشتادت " التقليد والتغير والعصر " الصادر عام 1973 ، إيذانا بانعطاف حاسم في رؤية السوسيولوجيين الغربيين لمسألة التقاليد والقيم التراثية .
فقد بين واقع التطور الاجتماعي في البلدان العربية ، ان التقاليد ليست عامل اعاقة دوما وابدآ ، فبوسعها احيانا ، ان تساعد في البناء والعصرنة ، وان الاطاحة بالأشكال التقليدية لا يضمن تطور مجتمع عصري جديد ، قادر على الحياة ، و أن تدهور المؤسسات التقاليدية كالأسرة والمشاعة والمؤسسات السياسية ، قد يؤدي الى انتشار الفوضى والجريمة السياسية ، وأن العصرنة في بعض البلدان ، مثل اليابان وانجلترا ، قد تمت بنجاح تحت راية الرموز التقليدية ، حتى والنخب التقليدية وفي حالات عديدة ، عندما كانت الدفعة الاولى على طريق العصرنة تتم من قبل النخب المعادية للتقاليد ، كانت هذه الجماعات سرعان ما تلجأ الى احياء الجوانب والرموز التقليدية في الحياة الاجتماعية . وهنا يمكن ان نفهم لماذا الغرب راضي عن طقوس البيعة في المغرب ، ولماذا لا يبدي اعتراضا على تقبيل يد الملك ، ولماذا يعتبر المغرب دولة ثيوقراطية ، امارة للمؤمنين ، يحكمها امير للمؤمنين ، ثم يمكن ان نفهم لماذا تقبل الاحزاب السياسية المحسوبة على المدرسة ( الاشتراكية ) و ( الليبرالية ) المغربية بالتقاليد المغربية في الحكم وفي تدبير شؤون الدولة ، كما نفهم لماذا يتعامل معنا الاوروبيون كدولة تجمع بين الاصالة ، التراث والقيم ، وبين المعاصرة التي تجمع المؤسسات العصرية الموجودة في الغرب . وهنا يمكن كذلك ان نفهم سبب ارتباط الامة بالملك ليس كملك ، بل كأمير للمؤمنين يجسد التاريخ ، التراث ، الهوية ، الموروث الايديولوجي ، ووحدة الامة ، ويمكن ان نفهم مغزى خطاب الملك الاخير الذي اكد فيه انه لا ينتمي الى اي حزب ، بل الحزب الذي ينتمي اليه هو المغرب .
وفي ضوء الدراسات العيانية والميدانية اتضح ان مسيرة العصرنة التي يعني بها التطور الاقتصادي في المقام الاول في البلاد العربية ، مثل اليابان ، تختلف جوهريا عنها في بلدان اوربة الغربية وأمريكا الشمالية واستراليا . ان الاخلاص للإمبراطور وللملك والأسرة المالكة ، وضعف الحركية العمودية ، وشيوع علاقات الولاء شبه الاقطاعية بين الرؤساء والمرؤوسين ، والتوجهات الجماعية التعاونية عامة ، هي التي ضمنت نجاحات عمليات العصرنة ( التصنيع ) في اليابان ، في حين ان هذه العوامل نفسها كانت ، في بلدان الغرب ، من معوقات التقدم الاقتصادي والاجتماعي . لذا فان التركيز على التراث في البلاد العربية يعتبر حافزا على التقدم مثل اليابان ، ولا يمكن اعتباره عرقلة في مسيرة التقدم والعصرنة وشيوع القيم الحداثية ، اذا لا يمكن ان نسقط النموذج الغربي على المغرب او السعودية او الاردن ... لخ ، ولافروف وزير خارجية روسيا العظمى سبق ان صرح مؤخرا بضرورة احترام خصوصية البلاد العربية التي تميزها عن باقي الخصوصيات التي تميز وتطبع مجتمعات اخرى غير عربية .
واذا رجعنا مثلا الى الهند الغارق في التقاليد ، سنجد ان المؤسسات التقليدية – نظام الطوائف المغلقة ، والعائلات الموسعة وغيرها ، التي كانت تعتبر من قبل ، ظواهر ثابتة ومستقرة ، وبذلك تكون مناوئة للعصرنة ، وللتطور الاقتصادي خاصة ، لا تتعايش جنبا الى جنب مع المؤسسات العصرية ، فحسب ، بل انها تتكيف وفقا لمتطلباتها ، تتغير وتتبدل ، حتى تغدو قنوات هامة لنقل العصري وسط مجتمع تقليدي .
واذا رجعنا الى منطقة جنوب شرق آسيا ، سنجد ان التقاليد لعبت في مجرى التطور التاريخي ، دور الناقل للتغيرات السياسية ، مما يدحض ويفند التصور عن التقاليد كعامل ركود في الحياة السياسية ، وهو ما مهد في المنطقة للحوار الهادف بين الماضي والحاضر ، اي المزاوجة بين الاصالة وبين المعاصرة لحفظ الوحدة ولحمة الامة . وفي هذا يعبر هانتنغتون عن تبدل الموقف من التقاليد ودورها في تطور بلدان العالم الثالث عامة ، فيشير الى "أن النظرة الى التقليد والعصري على انهما امران متناقضان بالضرورة ، صارت تبدو نظرة مفرطة في التجريد ، وبعيدة عن الواقع " . كما ان اخفاق الحكومات والنخب " العصرية " في البلدان العربية والإسلامية ، كان نتيجة الجهل بالتقاليد او رفضها .
ان الرجوع الى الماضي وتراثه وتقاليده يأتي ، في الكثير منه ، تعبيرا عن اليأس من اللحاق بالأمم المتقدمة " العصرية " . فتجربة العقود التي اعقبت الاستقلال ، بينت الصعوبة البالغة في ردم الهوة الفاصلة بين البلدان النامية ومنها الدول العربية ، وبلدان الغرب المتطورة ، فالتعويل على النماذج والقيم الغربية في الاقتصاد والسياسة ( الديمقراطية البرجوازية ، البرلمانات ... ) و الثقافة ( تقاليد التنوير البرجوازي ) لم يؤت اكله ولا ثماره ، وخيّب الآمال المعقودة عليه ، هذا ناهيك عن ان الغرب نفسه يعيش ازمة حادة ، اقتصادية واجتماعية وروحية ، فتجتاحه موجة من التشكيك بضم التكنيك والعلم والعقل ، لا سيما في ظروف تفاقم مشكلة البيئة والطاقة والرعب النووي ، وراح الكثيرون في الغرب يتوجهون نحو الشرق ، يستلهمون منه " صوفيته " و " روحانيته " و " تعاونيته " و " تكامله مع الطبيعة " ... لخ وبذلك تزعزعت المسلمة التقليدية عن المجتمع الغربي البرجوازي باعتباره قدرة ، وباعتباره نموذج التطور التاريخي وقمته . فإذا كان الغرب نفسه غير واثق من مستقبله ، فعلام الاقتداء به ؟ ولماذا السعي نحوه ؟ . وبالمقابل ، فان صعوبة سلوك الطريق البديل – النهج الاشتراكي – تدفع للتفتيش عن طريق ثالث ، ليس بهذا ولا بذلك ، يستلهم الماضي عادة ، قيمه وتقاليده .
ان مثل هذا الرجوع الى التراث ليس مرده اليأس فقط . فاذا كان التمسك بالتراث والحرص عليه ، في مرحلة النضال من اجل الاستقلال الوطني ، قد ارتبط بالرد على المحاولات الاستعمارية الرامية الى محو الشخصية الوطنية لشعوب المستعمرات ، وأذابتها في امة الدولة – المتروبول ، فان التمسك اليوم بالتراث والتقاليد ، وبالموروث الايديولوجي وبالتاريخ والأصل والقيم المميزة ، يأتي في اطار التوجه العام ، على النطاق العالمي نحو المحافظة على الهوية الثقافية والأصالة الحضارية . فلحين من الزمن كان يطغى على الاذهان ، ويلهم الكثيرين ، وبغض النظر عن اختلاف مواقعهم الايديولوجية ، التطلع الى عالم واحد جديد ، وحضارة كونية شاملة . اما اليوم واليوم بالذات فراحت تبرز ، وعلى نحو متزايد ، ضرورة الابقاء على الاصالة الثقافية والحضارية ، بحيث لا يتم التوحيد الحضاري على حساب التنوع الثقافي . وفي جو كهذا ، تسود فيه الدعوة الى حوار الحضارات وتعايشها ، بدلا من تذويب بعضها في الآخر ، وفي ظروف لم تعد فيها الحضارة الغربية تمثل بوصلة النجاة ومرفأ الامان ، يكون التوجه الى الماضي وتراثه امرا طبيعيا على طريق الاصالة والمعاصرة الحضارية والثقافية
، خاصة وانه كان ولا يزال لبلادنا حضارتها المجيدة وماضيها العريق . فالى متى سيظلون يجترون مطلب الملكية المشلولة ( البرلمانية ) ما دام هذا الغرب لا يرى في الاقتداء بنموذجه خلاصا للازمة الثقافية والحضارية الراسخة في عقول المستلبين والمنبهرين بشيء يرفضهم ولا يعترف بهم كطابور خامس مستعد للحفاظ على ثوابته الاوربية الغير القابلة للعيش في بيئة مختلفة ومتميزة تجعل من التعايش ، و ليس الاملاء ، خارطة طريق ، تجمع بين الاصالة والحضارة والتراث ، وبين العصرنة ، بما لا يتعارض مع الثوابت الوطنية والتاريخية ، وبما لا يصطدم مع الموروث الايديولوجي للأمة المغربية .
ان هذه الحقيقة تشكل الارضية الصلبة التي كان على حركة 20 فبراير دراستها بتعمق قبل حراكها الذي كان مطبوعا بالارتجالية وبعدم التنظيم وبعدم تقدير النتائج التي صبت كلها في المجرى المعاكس لمطالب الحركة ، قبل ان تتسلل لها ما يسمى بالتنسيقيات الحزبية التي لعبت دورا رئيسيا في افشال الحركة ، وتحريفها عن المسار الذي حاولت ان تحصر نفسها فيه ، خاصة وان العديد من هذه التنسيقيات حاولت اسقاط مشاكلها التنظيمية والإيديولوجية داخل الحركة ، كما وجدتها فرصة لا تعوض في استقطاب عناصر جديدة لملئ الفراغ التنظيمي والهيكلي الذي تعاني منه هذه الحركات ، فكان ان اختلطت المشاكل الحزبية ( المزاوجة بين اللبراليين والماركسيين والاشتراكيين الديمقراطيين ) وبين الاتجاهات الاسلاموية وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان ، ووصل التناقض والزواج غير الطبيعي حين حاول النهج الديمقراطي وبأسلوب انتهازي يتناقض مع ثوابت التنظيم ، التنسيق مع اكبر عدو للديمقراطية ، العدل والإحسان ، بل واعتبار الجماعة محور اساس في اي حراك حالي ومستقبلي للقضاء على نظام المخزن .
ان هذه الحقيقة ، الارضية الصلبة التي تجاهلتها حركة 20 فبراير ، هي التي يجب ان تكون مصدر الهام " حركة انفاس الديمقراطية " ومن لف لفها من التنظيمات التي تدعو الى الملكية ( البرلمانية ) المشلولة . ان السؤال الذي يجب طرحه في هذا الباب : كيف محاربة الموروث الايديولوجي المغربي الذي عمر لأكثر من الف وخمسمائة سنة ، وأصبح لصيقا بالثقافة التحتية ، ويشكل التمايز بموجب الحق في الاختلاف في السياسة الدولية ، وليس محاربة البناء الايديولوجي التراثي الرجعي القروسطوي الذي يعمل ليس على قلب الدولة ، بل يعمل على اجتثاث كل حركة سياسية تناهضه وتقف في طريق برامجه الرجعية . ان القول بالملكية ( البرلمانية ) المشلولة في الحالة المغربية ، يجانب الصواب والعقل والمنطق ، بل ومن خلال المعطيات المتوفرة بالساحة ، ان هذا المطلب الاوربي يعتبر انتحارا لأصحابه عن طيب خاطر . ان السؤال الاساس هو : لمن تريدون تقديم المغرب على طبق من ذهب ؟ فإذا كان حزب العدالة وللتنمية اليميني قد حصد ما مجموعه 107 مقعد بالبرلمان في الانتخابات التشريعية الاخيرة ، وهو نصر لم يسبق لأي حزب ان حققه في تاريخ الاستحقاقات الشعبية بالمغرب ، فماذا كان سيكون الحال ، لو اشتركت جماعة العدل والإحسان ، ومعها السلفية النصية والتكفيرية في الانتخابات ؟ اليس الوضع سيكون تكرارا مكشوفا لما آلت اليه الجزائر حين فازت " جبهة الانقاذ الاسلامية " بالانتخابات ، وهو ما كلف الجزائر حربا اهلية ذهب ضحيتها اكثر من مائة وعشرين الف شخص ؟
ان اعتماد ( الديمقراطية التحتية ) ، الانتخابات ، لتغيير الموروث والتراث الايديولوجي بواسطة حسم صناديق الاقتراع ، وفي الحالة المغربية ، يشكل خطرا على وحدة الامة وعلى مستقبل الدولة والوحدة الترابية . ان النتيجة ، وفي فوز تيارات الاسلام السياسي ، ستكون بناء دولة فاشية غارقة في الرجعية والقروسطوية ، تنتصر لمنطق السيف وليس لمنطق العقل ، مع الافراط في قطع الرؤوس والأيادي والأرجل والرجم بالحجارة حتى الموت ، وكأن لا يوجد في الاسلام غير هذا الممارسات الاجرامية التي اساءت الى الاسلام قبل ان تسيء الى المسلمين .
ان التراث والحضارة والأصل لا يتعارض مع العصرنة العقلانية والحكيمة ، كما ان هذه الاخيرة ( العصرنة ) لا تتعارض بالمطلق مع الاصل ومع التراث ، بل ان كل منهما يكمل الاخر ويتفاعل معه في اطار التعايش السمح والايجابي . اما اتباع التطرف ، سواء باسم الدين في التصور الرجعي ، او باسم الليبرالية او الماركسية في صورها العدمية ، يقدم خدمة لأعداء القضايا العربية والإسلامية الذين يتربصون الشر بالجميع . فالى متى الاستمرار في تكرار الاخطاء بعينها ؟ فإذا كان ( المؤمنون ) لا يلدغون من الحجر مرتين ، فان مشكلة ( مؤمنينا ) انهم يلدغون الف مرة .
إفادة لها علاقة بالموضوع : لنفرض جدلا ان اصحاب نظرية دك التراث وتحطيم الموروث الايديولوجي المغربي ، رغم انهم قلة قليلة ، قد تمكنوا من فرض اختيارهم الايديولوجي التغريبي ، وأصبح المغرب بموجب ذلك دولة اوربية مثل الملكية في هولندة او اسبانيا او انجلترا .. لخ ، وان الانتصار قد حصل لاتجاه القطع مع الاصل والتاريخ والهوية والحضارة ...لخ . فان السؤال هنا : هل يوجد في البلاد الاوربية منظمات انقلابية تهدد الدولة ووحدة الامة ، تسيطر على الشارع ، وتستغل الهامش الديمقراطي لبلوغ نظام فاشي قروسطوي رجعي يعارض الديمقراطية ؟ واذا كانت الانظمة السياسية الاوربية ترتكز الى القواعد العامة التي تعتبر من الثوابت الاساسية التي لا يمكن بأي حال من الاحوال الانقلاب عليها ، مثل اعتماد الانتخابات في الوصول الى الحكم الذي تتداوله الاحزاب بشكل ديمقراطي ( اغلبية تحكم وأقلية تعارض ) ، فهل يسمح المنطق بقبول الديمقراطية التحتية الشعبية ، اي الانتخابات ، إذا كانت ستأتي بأحزاب فاشية وشمولية تنتصر لمنطق السيف وليس لمنطق القانون والعقل ؟
في مثل هذا الحال ، ودرءا لجميع المخاطر المحدقة بسلامة الدولة ووحدتها ، ووحدة الامة ، وتفاديا للحرب الاهلية والفوضى والاضطرابات ، تصبح الانقلابات العسكرية التي يقودها ضباط وطنيون مثل مصر ، وتزوير الانتخابات ، مسألة ليس فقط مشروعة ، بل تعتبر واجبا شرعيا لإبعاد الخطر ودفع الضرر صونا لمصلحة الوطن والعباد .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنزيل الماركسية
- تذليل المفهوم القروسطوي للدين
- فشل اردوغان والاخوان في محاولة بعث الفاشية العثمانية
- المثقف الماركسي والوعي الطبقي
- دفاعا عن سورية وليس عن الأسد
- الإتجار بالديمقراطية البرلمانية
- الديمقراطية وترويض القدرة السياسية في المجتمع
- الاخوان الفاشيون
- الإستعارة في اللغة السياسية
- - امرأة عند نقطة الصفر -
- الطب والامبريالية في المغرب
- حين يصبح الانقلاب والتزوير مشروعا
- منظمة -- حزب -- تيار
- ادوات اشتغال المخزن
- دراسة تحليلية لماهية المخزن -- المخزن عقيدة وليس مؤسسة .
- جدل عن غياب العاهل محمد السادس خارج المغرب
- الطريق الاستراتيجي الثوري للدولة الفلسطينية
- المسار الاعرج لمنظمة ( التحرير ) الفلسطينية
- بين جبهة وجبهة خمسة وثلاثون سنة مرت
- برنامج حركة 3 مارس


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية