أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الشيدي - دوائر














المزيد.....

دوائر


فاطمة الشيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1206 - 2005 / 5 / 23 - 11:37
المحور: الادب والفن
    


لم تحب الألعاب يوما ما البسيطة منها والمعقدة ، كان الشرود الذي يعقد ذاكرتها بذيل وهم طري ومتناسق الملامح يعيق قدرتها على التركيز ( الورق / الدومينا / الشطرنج والأتاري والألعاب الإلكترونية ) كانت تمثل خيبة مرتقبة وأكيدة لذلك لم تجازف للدخول معها في معترك اللعبة .
فقط كانت لعبة تركيب المربعات والأشكال هي الوحيدة المغرية لها ، ربما لأنها لا تحتاج الطرف المقابل ، فقط هي وأشباحها ، وكائناتها الغيبية التي تملي عليها اقتراحاتها .
شكلت طائرة / قطار / ورجل آلي ، لماذا هذه الأشكال فقط ، ترددت الأسئلة ، هي تركت خيوط الإجابة معلقة في السدرة التي تتوسط فناء الدار ، وفي حنجرة العصافير التي تتقافز عليها .
ربما لأنها تحتاج الرحيل ( السفر ) وتحتاج كل وسائله وأشكاله ، فهي لم تؤمن يوما بخرافة الوطن وشجن الأرض التي تتجذر في الأعماق ، لعلها لاتحب هذا التجذر فكرة الطفو أعمق بالنسبة لها ، لعلها معادل للحرية ، وللإجتثاث .
و تحتاج رجلا آليا كهذا فقط ، تحتاج أن تغير له قدميه حين تأكل الغرغينيا أصبعه الكبير ، وتحتاج أن تغير يديه أو تخلعها حين يفكر في البطش بها لأنها ترفض أن تقدم لها وجبة دسمة تزيد من نسبة الكرسترول ، أو ترفض أن تخلع بأمره الكعب العالي الذي سيجعل لها أجنحة تجعلها أكثر خفة ، أو حين ترفض أن تتحول إلى دمية مخنوقة الصوت .
وتحتاج أن تغير عينيه حين يمل منها ويفكر في أخرى ذات بشرة بلا لمعة وأنف أقصر ، وتأتي له بعينين جديدتين لم تشبعان بعد من لون شعرها ، والنمش الموزع بلا عناية في وجهها ، والحزن الذي يسافر بلمعة في ضوء مقلتها.
أختها جعلت من المربعات بيتا ، وكائنات صغيرة ، ارتعبت من الذيول التي قد تقيد خطواتها المثقلة ،لتجر كائنات من الوهن معها ،كانت تعتقد أبدا أن ظلها أثقل من ظل البشر ، ظلها كبير وواسع ومتعدد ، رفضت أن يكون لها بيت يحد مساحة ظلها الواسعة ويلملم بقعه التي يتخللها الضوء في أماكن ثابتة ، لا تحب الثبات ، يصهر ظلها في غياب مقنن ولايمكن أن يكون الغياب إلا ممتدا .
يخيفها الليل ، ستقضيه في القطار ، النوم في القطار يقتل الوحشة ، في القطار ستتلصص على أحلام الموتى ، وتنتزع أحاديثهم الجانبية ، ستدس أحزانها في جيوبهم المنتفخة أو تلقي بها من نافذة القطار ، ظلها الذي يتحد معها في الليل سيشاغب الأرواح ويوزع ضحكاته الشبحية من نوافذ القطار ليكتحل الصبح برعاف الطبيعة بعد الشروق .
أختها علقت على الجهة اليسرى للبيت قنديل ، لكنها تحب كائنات العتمة والصمت فلاتحتاج سرجا فقط تحتاج أجراس تعلقها في كل مكان كي تغني حين تغازلها الريح وتلتهم أصوات الوحشة التي تمد مخالبها لتحفر الحزن الذي ينام بلا غطاء داخلها .
كل ما تحتاجه هو السلام تلك الكذبة البيضاء التي تتمنى أن تتقنها وخطواتها تقرع الفراغ بهدوء .
بغتة تشعر بأن كائنات كثيرة تسكن تحت جلدها الأملس ، كائنات ملونة ومتعددة الأحجام والأشكال ، سلاحف وخفافيش وغربان ، تشرب من دمها وتأكل من فوضى أمنياتها ، الفوضى الكذبة المنمقة التي تحتاجها لتبدو أكثر منطقية ومراوغة في آن .
كانت تستجيب لإحساس فطري لديها لتكوين أشكال الدوائر ، لم تكن تحب الأضلاع ،قالوا لها أنت خلقت من ضلع أعوج ،كانت ببلاهة تتسائل من أيها الأكثر إعوجاجا خلقت ، حين تزدحم الكائنات الظلية التي داخلها تحاول إحصاء الجهات ، لكنها لم تتعلم في طفولتها الغاصة بالرعب لعبة عد الأضلاع ، لأن كائنات الموت التي صادرت برعب مسيج سذاجة طفولتها كانت بلا أضلاع كان دائرية الروح والجسد ، حتى (عبدالله) كان دائريا ومكورا حتى في آخر لحظاته التي بدأ الهزال يقتات على جسده البض والصغير ، وجهه الطويل لم يكن له أضلاع كان قطعة من النور ، النور لا أضلاع له ، له شعاع كعيني عبدالله الرائعتين ، وكف الموت التي شاهدتهما تغور في صدره وتقطف روحه الخضراء بصمت ، لم يبكي كانت تراقبه ، بل ابتسم براحة عرفت بعد سنوات لماذا تلك الابتسامة .
المقبرة التي تقطن إلى جوار بيت سقى ورودها الصغيرة بالحنان و بالرعب كانت مستطيلة ، لكن الرعب الذي كان يسري بقوة جيشية في عروقها حين تلمح سنواتها الأربع ظل ميت يحكم عليه بالنفي تحت أرض رطبة ليأكل الظلام ويشرب الوحدة ، كان يمنعها من عد الأضلاع للمقبرة أو للخشبة المربعة والملقاة بإهمال خارجها ..



#فاطمة_الشيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهوة الضوء.. شرك الفتنة
- علامة تعجب! : حول قضية المرأة أيضا
- على أطراف الغربة
- الهند : جواب وحيد لأسئلة كثيرة
- كائنات الموسيقى
- قناطر العبور
- ملائكة النرد / كائنات القيح
- فواصل الوهم
- تيــــــــــــــــه
- الحرب والسلام
- تسونامي : الموت الجمعي لايصلح للبكاء


المزيد.....




- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الشيدي - دوائر