أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سامح عسكر - مشروع الحوار القروي(2:6)















المزيد.....

مشروع الحوار القروي(2:6)


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 4213 - 2013 / 9 / 12 - 11:09
المحور: المجتمع المدني
    


الدين هو مكون ثقافي عند أهل القرية، وهو الذي يرسم محاور الشخصية القروية، وهو المُغذّي الأول لأبعادها، وهذا يحدث عبر الطقوس اليومية للدين والقيم القروية المتفاعلة مع تلك الطقوس، كمثال أن النساء في القرية لم تعتاد الصلاة في المساجد، وهذا بخلاف أهل المدينة، فالنساء يذهبون إلى المساجد، وهذا يتسق مع أعراف وقيم أهل القرية التي تحظر الاختلاط حين التعرض للدين، بينما لا يوجد ذلك في المدينة، وبذلك تصلح مسألة الاختلاط كمادة حوار بين أهل القرية، وكذلك ماهية تلك الطقوس وشعائر الدين التي يمارسونها وفق قيمهم وأعرافهم وحقيقة علاقتها بالدين.

أنا لا أزعم اختلاف الطقوس بشكل كلي أو جزئي بين أهل القرية والمدينة، ولكن أزعم أن الدين –كمعتقدات وطقوس-هو مرهون بممارسة الناس له في واقع اجتماعي متغير..أيا كان ذلك حتى في المدينة نفسها سنجد تلك الاختلافات، وكذلك القرية ،فالوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو البيئي قد يفرض على الناس تعدد طقوسهم وتنوع ممارساتهم للدين، لابد لأهل القرية أن يتعرضوا لتلك الأشياء ويضعونها مادة للحوار، فالغالب على أهل القرية هو وحدة صورتهم عن الدين، ومع ذلك هم لا يلحظون تلك الاختلافات، وكما قلت فغالبية أهل القُرى هم أسرى لشيوخ السلفية والإخوان الذين خلطوا ما بين الدين والعقيدة والأخلاق، حتى صار قبول أي اختلاف-حتى لو في الشعائر أو الطقوس-هو أمر مرفوض ويُثير الشُبهات.

جانب آخر لابد من مناقشته هو حقيقة موقف أهل القرية من النظام السياسي الديني، والذي تمثل في نظام الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي، فالقرية المصرية لم تختلف عن المدينة في هذا الجانب، وهذا يعود بالأساس –وكما أشرت في السابق-إلى قضية الهوية، فجماعة الإخوان قد خلقت لها واقعاً اجتماعيا ودينياً وسياسياً خاصاً في قلب المجتمع المصري، ولم يُفرقوا بين القرية والمدينة، ولكن كان نشاطهم أكثر في القرية لتعدد مشاكلها من الفقر والأمية وتردي الأوضاع الخدمية والمعيشية، فأصبح جمهورهم أكبر في تلك المناطق الريفية القروية، ولكنه كان جمهوراً يعاني من مشاكل الهوية، فأصبح أتباعهم بين ساعة وأخرى هم أعداء، والسبب كان لقوة منطق المنافس وإظهار جماعة الإخوان وكأنها متمردة على المجتمع المصري، فلم يقوى الأنصار لنفس العامل الذين جاءوا من أجله وهو عامل المال والعلم معاً.

ففور ظهور فشل الإخوان في الجانب المالي وعدم سد حاجة هؤلاء الفقراء حينها تساوت الرؤوس، وعادت الصورة المنطبعة في الوعي واللاوعي القروي مرة أخرى، تلك الصورة التي أسسها نظام حُكم عبدالناصر الشعبي، وهو حُكم أصاب الوجدان القروي في الصميم، وهو الذي أنتج لنا الفلاح المعاصر بكل إمكانياته، فكان ولابد أن تكون للرؤية الناصرية للجماعات دورها في الكيان القروي.

ولكن لا زالت أحد عيوب القرية هي السلبية وعدم الانطلاق الذي يمكنهم من صنع المبادرة أو تقدمها، فالإبداع في تلك المناطق قليل أو معدوم، بينما المدينة تتمتع بتلك المزايا ،وهي التي أخذت زمام المبادرة بالانقلاب على النظام الديني الإخواني... لذلك كان انقلاب القرية على الإخوان متأخراً عن المدينة، ولكنه كان أشد عنفاً وضراوة تمثل في شبه محاكم تفتيش على الفكر الإخواني، وهو العيب الذي كنا ولا نزال نرصده ونحذر منه، أن بذور الإقصاء -ومن ثم بذور الإرهاب- هي موجودة في القرية للعوامل التي سبق الحديث عنها.

فالإرهاب والإقصاء ليس محصوراً على فئة المتدينين المنحرفين، ولكنه يطال كل من يُقصي غيره بحُجة الحق والباطل والخير والشر وإلى ذلك من غايات هي نسبية في تحققها عند الإنسان..نعم هي مُطلقة في ذاتها ولكن حين يتصورها الإنسان فلا تكن مُطلقة إلا بشروط أهمها توافر .."البعد الإنساني"..فيها، وهو الذي يعني توافق البشر جميعهم على هذا الحق وهذا الباطل، عدا ذلك فالمفروض أن تكون هناك مساحة قبول عامة للآخر يتحرك الإنسان من خلالها ليتعايش ويُنتِج.

أزعم أن أهل القرية هم أقل دراية بهذا البُعد الإنساني من أهل المدن، فالنسيج القروي لا تتعدد فيه أوجه الخلاف لسيطرة طبقة.."المهتمين السلبيين"..عليه كما سيأتي شرحه ، وكذلك كون الأخلاق لدى القرويون ظاهرية، أي أنها لا تشترط الإحساس الداخلي وتعبيره عن ذات الإنسان، فيُمكن للفاسد-حينها- أن يكون خلوقاً لدى أهل القرية بمجرد ثراءه أو تعدد أعماله الخيرية والاجتماعية، والسبب أن نسبة الفقر في الريف المصري هي أعلى من معدلاتها في المُدن، وأينما وُجِدَ الفقر سيُوجَد الاستغلال والتسلق والتزلف وتلك السلوكيات المنحطة، فالقيود على الأخلاق في الريف عاجزة لطبيعة القرية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك لشيوع رأي الفقهاء فيما بينهم على أنه دين، وكلما اختلف الفقهاء سيختلف أهل القرية.

لذلك أرى أن الخلاف في القرية المصرية هو أعمق من مثله في المدينة، فالتواصل المدني يصنع إدراكاً عقلياً من الناحية النظرية، وطَبقاَ لطبيعة المدينة الصناعية يتحول هذا الإدراك النظري إلى عملي بسرعة أكبر من حدوثه لدى القرويين، بمعنى أن المدني يتعرض لتجارب حياتية نتيجة لتواصله مع فئات المجتمع المختلفة إضافة إلى الأجانب، ولكن القروي لا يمتلك تجارب تؤسس لديه مرحلة إدراك عقلي نظري مبكر، وفي غالب الأحيان يأتي في سن متأخرة، فيصنع هذا الفارق لديه يقيناً مزعوماً يتصادم به مع أول رأي آخر به مَسحة من المنطق، لذلك أقول أن مجتمع القرية عملياً هو أغبى من مجتمع المدينة، والغباء ليس فطرياً ولكنه صنيعة لليقين الزائف.

فكلما زاد اليقين في مكان ما –من حيث العدد والكمّ- سيزداد الغباء بالضرورة، لأن الذكي لا يتقين بسهولة، فتجريده للأشياء لا يملكه أحداً سواه، وقياساته وسؤالاته دقيقة وشجاعة، بينما الذي يسارع إلى اليقين هو في الحقيقة يسلك مسلك واحد من اتجاهات البشر ويغفل عن أخرى قد يكون الحق أو المنطق فيها، وأعظم الشواهد الدالة على ذلك هو أن الحروب في المجمل تكون بين .."يقين ويقين"..إلا لو كان هناك شك فسيكون السلام، بينما السلام هو حالة افتراضية ساكنة تطرأ عليها الحرب، وهذا يعني أن اليقين بالأصل هو نتيجة لمجهود وسلسلة تبني وتشد بعضها بعضا فيما نسميه.."المذهب".

هذا لا يعني أن مجتمع المدينة شكاكاً أو مقدار اليقين لديه قليل، فالمصريون قد.."تريفوا"..-نسبةً إلى شيوع قيم الريف في المدينة-منذ عقود، وبالتحديد منذ عصر الانفتاح الساداتي الذي أعقبته الهجرة التاريخية من الريف إلى الحَضَر، فلم يجد المهاجرون سوى العشوائيات والمناطق الشعبية، بينما ظلت الأحياء.."المتمدنة"..على طبيعتها دون تغير ملموس، وإن كان هناك تغييراً طفيفاً أصاب الشكل، إلا أن جوهر.."التمدن"..في تلك المناطق قد حافظ على أصالته، ومع ذلك فالمدينة بتمدنها ومناطقها الشعبية والعشوائية هي بالأصل تمتلك فرص التواصل أكثر من القرية، لذلك قلنا أن مجتمع المدينة أذكى من مجتمع القرية نسبةً إلى تواصله الذي يخلق لديه انفتاحاً حراً على الأفكار.



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع الحوار القروي (1:6)
- السوق الكيماوية والسوق النووية
- ما بين الزلزلة والطوفان..!
- إنهم يريدون هدم مصر
- رسالة من حزب الكنبة
- ملاحظات في الشأن التركي
- الجماعات الدينية بين الإكراه والاختيار
- سليمان القانوني وصبغة صفوت حجازي
- الدولة الإخوانية عمرها 500 عام!
- قناة الجزيرة ودورها في صناعة الإرهاب..
- لماذا لم أكن أرتاح للشيخ محمد حسان؟
- دين الله لا يحمله كذاب
- عقدة الاضطهاد عند الإخوان(3)
- عقدة الاضطهاد عند الإخوان(2)
- عقدة الاضطهاد عند الإخوان
- الإخوان والأمن القومي المصري دونت ميكس
- الأزمة الثقافية بعد رحيل الإخوان عن السُلطة
- درس في عدل عمر بن عبدالعزيز
- رسالة في ثنائية الإلحاد والسلفية
- رسالة في التفكير


المزيد.....




- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...
- -العفو الدولية-: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريك ...
- صحيفتان بريطانيتان: قانون ترحيل اللاجئين لرواندا سيئ وفظيع
- قبالة جربة.. تونس تنتشل 14 جثة لمهاجرين غير شرعيين
- بعد إدانتهم بـ-جرائم إرهابية-.. إعدام 11 شخصا في العراق
- السعودية وقطر تُعلقان على تقرير اللجنة المستقلة بالأمم المتح ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سامح عسكر - مشروع الحوار القروي(2:6)