|
خدمة الديون بين الاندماج و الخصوصية - الجزء الثالث
أشواق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 1203 - 2005 / 5 / 20 - 07:42
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أسباب المديونية تبدو الصورة واضحة في بداية السبعينات حينما بدأت جذور أزمة الكساد التضخمي في الدول الرأسمالية تفرز بشكل واضح ثمارها في مجال تباطؤ و تدهور معدلات النمو الاقتصادي ، وزيادة البطالة و ارتفاع معدلات التضخم ، و عجز في موازين المدفوعات . ثم يأتي انهيار النظام النقدي الدولي و تعويم العملات الأجنبية القوية و ما نتج عنه من اضطربا في الأسواق العالمية النقدية . و أمام معاناة الأقطار العربية بحكم تبعيتها اضطرت و خاصة غير النفطية للاقتراض المستمر من المصادر الخارجية لتطوير خدماتها الأساسية ، و توفير الاستثمارات الضرورية لمشروعاتها الإنتاجية ، و تمويل ميزان حساباتها ، إلا أنها وجدت نفسها أمام مشكلة أصبحت اعقد جذورا و أصعب حلا ، و هي مشكلة المديونية (الديون الخارجية) المترتبة عليها و المتعاظمة باستمرار ، نتيجة ما يترتب من زيادات ضخمة على الدين الأصلي ، و الناجمة عن العجز عن السداد ، مما يجعل البلدان النامية غير قادرة على دفع و خدمة هذا الدين و فوائده و في اغلب الأحيان تقطع هذه الدول المدينة جزءا كبيرا من دخلها القومي و من ناتج هذا الدخل بالعملة الصعبة للوفاء بالتزاماتها تجاه الدول الدائنة ، لتخفف عن كاهلها عبء الفوائد لا أكثر طمعا بالحصول على قروض خارجية ، إلى أن باتت تراوح في مكانها ، و دخلت التنمية فيها حلقة مفرغة فهي تسدد الفوائد لتستقرض من جديد و هكذا . و هنا سنقوم بتقسيم الأسباب إلى نوعين: 1 – أسباب داخلية مسؤولية المدينين . 2 – أسباب خارجية و مسؤولية الدائنين . و قبل كل ما يمكن ذكره علينا أن نقر بحقيقة أن الاقتصاديات العربية كافة غنيها ووسطها و فقيرها ، هي اقتصاديات معتمدة اعتمادا كبيرا على الخارج ، و الذي يصل كثيرا إلى حد التابع للاقتصاديات المتقدمة . أولا : الأسباب الداخلية و مسؤولية المدينين في تفاقم مشكلة المديونية : لابد قبل التكلم عن هذه العوامل أن نقر بحقيقة أن التأثير القوي للعوامل الخارجية على مديونية العالم العربي يعود أساسا لوجود قوى و عوامل داخلية ساعدت بشكل أو بأخر في إقرار آثارها بشكل أكثر فاعلية و قوة . فمن البديهي أن تكون هناك علاقة مشتركة بين هذه الأخطار داخليا و تلك الأخطار خارجيا ، مما يعني أن المسؤولية ليست أحادية الجانب بل هي مسؤولية مشتركة لكلا الجانبين. و أهم هذه العوامل : 1- الأخذ بسياسات الإحلال محل الواردات و التوسع في عملية التراكم : و ذلك من خلال زيادة معدلات الاستثمار في قطاع السلع الاستهلاكية المعمرة بشكل خاص ، و هذا يتطلب استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج لهذا النوع من النمو التوسعي نتيجة لعجز دول العالم الثالث عن إنتاجها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الاستيراد ، و بالتالي تعاظم المديونية و بمعنى أكثر إيضاحا الاعتماد المتزايد على العالم الخارجي ، و العجز عن تعبئة الفائض الاقتصادي ، و الارتباط القوي و المباشر بين ما حدث من نمو في الديون الخارجية للبلدان النامية و بين التوسع الذي حدث في فجوة مواردها المحلية ، و هي الفجوة القائمة بين معدل الاستثمار القومي و معدل الادخار المحلي أو تلك التي تناظرها بين الواردات و الصادرات . فأمام ظروف الإقراض الميسرة و انخفاض أسعار الفائدة في فترة السبعينات ، وجدت معظم البلدان العربية في الاقتراض الخارجي بديلا لجهود الادخار المحلي . فعلى سبيل المثال في عام 1992 بلغ ما أنفقته الدول العربية غير النفطية 28.5 مليار دولار ، في حين لم يتجاوز حجم مدخراتها المحلية و الوطنية نحو 5.8 مليار دولار . أي أن الادخار لم يغطي سوى 5.5% من الاستثمار ، و هنا إذن يتم اللجوء إلى التمويل الخارجي إذن أساس المشكلة يكمن في عدم فاعلية السياسات المالية و الاقتصادية في توجيه الأموال نحو الاستثمار المنتج ، و ليس في ضعف المدخرات لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الجزء الأكبر من القروض يتجه نحو شراء المعدات العسكرية و لتمويل مشاريع ضعيفة الإنتاجية . أما فيما يتعلق بتزايد الفجوة في الموارد المحلية ، فسببه تزايد نسبة الاستهلاك المحلي قياسا بمعدلات التزايد للناتج المحلي نتيجة التزايد السكاني من جهة ، و التبذير في الإنفاق الحكومي بشكل مستمر في الدول العربية من جهة أخرى ، و لاسيما و أن الإنفاق العسكري يستنزف القدر الأعظم من العملات الصعبة ،و بالتالي تزايد الديون ، فالدول العربية تستدين لتمويل نفقاتها العسكرية . 2 – نمط التنمية الاقتصادية السائدة فيها : و الذي اتسم بالفشل و العجز ، فالتجارب التنموية في الأقطار العربية اعتبرت التنمية مرادف للوصول إلى مستويات المعيشة المرتفعة للدول الرأسمالية بغض النظر عن ظروف الدول العربية وواقعها، ووضع العملية التنموية فيها ، فانتهجت سياسات معينة لتوفير سلع استهلاكية زمنية يستهلكها فقط ذوي الدخول المرتفعة ، و عندما اصطدمت هذه السياسات بطرق مسدودة لجأت نحو الانفتاح في ظل واقع يتسم بعجز متزايد في موازين مدفوعاتها ، مما أثقل من الديون عليها عندها بدأت هذه السياسات بالتخبط فتارة لجأت إلى التكنولوجيا المستوردة على اعتبار أنها جاهزة للإنتاج مباشرة (إقامة المشاريع بطريقة المفتاح باليد ) ، متناسية أن ذلك يحتاج إلى خبرات هي حتما مستوردة أيضا ، أي أن ما ستخرجه سيعود بالديون المتزايدة ، و هذا طبعا دون مراعاة وضع البلاد الأمر الذي ساهم في تكريس التبعية ،و تارة أخرى قامت هذه لسياسات باعتصار القطاع الزراعي بسحب الفائض منه لوضعه في خدمة القطاعات الأخرى ، كل ذلك على حساب تطوره و حرمانه ، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تناقص حجم الفائض فيه ، مما اثر سلبا على الحجم المخصص للتصدير مما أسهم في زيادة العجز في ميزان المدفوعات ، بل أصبح استيراد المواد الغذائية يستنزف نسبة هامة و متزايدة عبر الزمن من العملات الأجنبية لاسيما أمام التزايد السكاني ، و ارتفاع الأسعار العالمية للأغذية ، اخذين بعين الاعتبار أن اغلب هذه المواد المستوردة أساسية ، أي لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها كالحبوب مثلا . الأمر الذي هدد الأمن الغذائي ، و قد حاولت بعض الدول المدينة معالجة هذا الوضع من خلال إنتاجها مثلا لنماذج التصنيع الإستراتيجية إلا أن ذلك شكل عبء على ميزان مدفوعاتها بسبب : - استيرادها للسلع الوسيطة و قطع الغيار و براءات الاختراع . - تخلف هذه الصناعات أمام التقدم التقني عالميا و بالتالي فشلها في أسواق المنافسة . - تحولت هذه الصناعات إلى غطاء ترفي الأمر الذي خفض المدخرات ، أي أن فشل السياسات التنموية في الدول العربية كانت له أثارا وخيمة جدا على تفاقم أزمة مديونيتها . 3 – الفساد الإداري و تهريب رؤوس الأموال : فقد كشفت أزمة المديونية الخارجية على أن تطور هذه الأزمة كان مقترنا بوجود فساد إداري ضخم في أجهزة الدولة . الأمر الذي أدى إلى نهب جانب كبير من القروض الخارجية التي كانت تحصل عليها هذه الدول ليعاد تهريبه للخارج و إيداعه في حساب من استولوا عليه ، فقد قدر إجمال حجم الأموال التي يمتلكها مواطنو البلدان العربية ذات العجز المالي في الخارج بنحو 220 مليار دولار ، الأمر الذي أدى إلى إحداث ضغوط شديدة على موازين المدفوعات و قدرة هذه الدول على الوفاء بأعباء ديونها الخارجية . ففي الوقت الذي من المفترض أن تتجه فيه القروض لخدمة العملية التنموية و زيادة المدخرات المحلية ، نجد أن النسبة الأكبر منها تعود على شكل تدفقات في رأس المال إلى الخارج ، و بالتالي فان القدرة على خدمة الدين تقل بشكل كبير بحيث يصبح من المتعذر إعادة الإيرادات المتحققة على الموجودات في الخارج . 4 – التدهور المستمر في قيمة عملات البلدان المدينة في مواجهة عملات البلدان الدائنة : الأمر الذي ساهم في زيادة القيمة النسبية لرقم المديونية من جهة ، و من جهة ثانية اضعف من حصيلة الصادرات للبلدان المدينة مما زاد في قيمة فاتورة الواردات الخاصة بها . 5 – التضخم المالي : فجميع الاقتصاديات العربية تعاني من ظاهرة التضخم ذات الخصوصية و التعقيد . فهو ناجم عن العوامل السابقة من جهة و كون هذه البلدان عاكسة لآلية التضخم الرأسمالي المعاصر من جهة ثانية . فهناك علاقة بين التضخم و تزايد الديون . فالتضخم يؤثر على ميزان المدفوعات لأنه يضعف القدرة التنافسية لصادرات الدولة في السوق العالمية ، فيشجع الاستيراد و يضغط على سعر الصرف للعملة المحلية ، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور و هروب الرساميل مما يؤدي إلى تفاقم العجز في ميزان المدفوعات و بالتالي الاستدانة و الاقتراض . و حتى في الحالة المعاكسة أي اثر المديونية على التضخم ، فهي تعمل على إزكاء قوى التضخم ، فعندما يرتفع معدل خدمة الدين فان ذلك يؤثر على قدرة البلد المدين على الاستيراد ، و بالتالي الضغط على الواردات لاسيما أمام زيادة أعباء الدين ، و بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار عالميا الأمر الذي يؤدي إلى نقص العرض منها و بالتالي ارتفاع أسعارها محليا . 6 – غياب السياسات السليمة للاقتراض الخارجي : فعندما بدأت الدول العربية بعملية الاقتراض و الاستدانة لم تكن لديها رؤية صحيحة حول كيفية و آلية و حدود و مجالات الاستخدام السليمة و الرشيدة لهذه القروض ، و قدرتها التسديدية و الائتمانية . أي انه لم يكن لديها إستراتيجية سليمة للاقتراض الخارجي مما أدى إلى وقوعها في أخطار جسيمة و كبيرة ، ساهمت بشكل أساسي في تفاقم هذه الأزمة و تأزمها، و تتجلى هذه السياسة فيما يلي : - لم تؤدي القروض إلى حدوث أي زيادة في الطاقة الإنتاجية للاقتصاد القومي ، و ذلك بسبب اعتماد هذه الدول على تمويل وارداتها من السلع الاستهلاكية مما لم ينتج أي مورد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من اجل تسديد أعباء القروض . - عدم وضع دراسة واضحة و دقيقة للفترة الزمنية للاقتراض،و التي يحتاج خلالها الاقتصاد القومي للتمويل ليبدأ بعدها بمرحلة النمو الذاتي ، أي لم تكن لدى تلك الدول المدينة أية رؤية حول تطوير قدرتها على النمو الذاتي ، فكان من ابرز ما نجم عن ذلك أن الأقطار العربية أفرطت في الاستدانة الأمر الذي ادخلها ضمن نطاق المرحلة الانفجارية . - عدم مراعاة وجوب التزامن بين بدء التسديد للقروض و فوائدها ، و بين بدء فترة إنتاج الطاقات الإنتاجية الجديدة التي مولت بها هذه القروض ، فقواعد الاستدانة تقتضي بوجوب تساوي فترة السماح مع فترة بداية الإنتاج و بالتالي فان عدم مراعاة الدول العربية لهذه القاعدة أدى إلى وقوعها في أخطاء كبيرة ، و لاسيما أمام الحاجة لتدبير الفائض المطلوب لخدمة أعباء هذه القروض . - عدم وجود هيئة أو جهاز مركزي في تلك الدول المدينة على المستوى القومي تكون مهمته مراجعة شروط القروض و ما قد ينجم عنها . - من الأسباب التي زادت الأمر تعقيدا، الأخطاء التي ارتكبت في تقييم المشروعات ذات التمويل الأجنبي و لاسيما المقارنة بما تحصل عليه من امتيازات و العائد الذي يعود على المستوى القومي . يتبع ...
#أشواق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خدمة الديون بين الاندماج و الخصوصية - الجزء الثاني
-
خدمة الديون بين الاندماج و الخصوصية - الجزء الاول
-
اسباب نشأة المديونية الدولية
-
الاسرائيليين و هوس الكلام
-
مالذي يريده الاخوان المسلمين بالتحديد
-
كيفية وضع دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع
-
من اين يبدأ الاصلاح
-
قراءة في مفهوم الديمقراطية الشرق أوسطية
-
العلاقات السورية – الأميركية
-
النفط العراقي و الخصخصة القادمة
-
العلاقات السورية اللبنانية
-
ألية وضع الخطة المالية في المشاريع الاستثمارية
-
قضايا الإصلاح في العالم العربي
-
عراق ما بعد الانتخابات
-
منتدى المستقبل و الاصلاح في العالم العربي
-
الملـف النفطـي في العراق
-
العلاقـات الأميركيـة – السوريــة
-
قراءة في قانون محاسبة سوريا
-
قراءة في الواقع الحالي و المستقبلي لشركة مايكروسوفت وورد
-
قراءة في مشروع الشرق الاوسط الكبير
المزيد.....
-
شاومي تصدر وحش الفئة الاقتصادية!!.. سعر ومواصفات هاتف Xiaomi
...
-
كيف يمكنك -توفير المال- بتعديلات بسيطة على نظام حياتك؟
-
الكل هيلبس دهب وهيشخلل .. سعر الذهب اليوم بتاريخ 13 أكتوبر 2
...
-
ألمانيا.. شركات الطيران تشتكي ومخاوف من تراجع جاذبية البلاد
...
-
خبراء يحذرون من تداعيات سلبية لبرنامج ترامب الاقتصادي
-
صراع الشرق الأوسط يهبط بأسواق المنطقة.. والسوق السعودي يرتفع
...
-
-إي آند الإمارات- تسجل سرعة 5G الأعلى عالمياً
-
مسؤول سعودي: البحر الأحمر شريان أساسي للتجارة العالمية
-
هيئة قناة السويس: ندرس الدخول بشراكات لتنفيذ استثمارات جديدة
...
-
يديعوت احرونوت: مصلحة الضرائب الإسرائيلية تقدر الأضرار بالمم
...
المزيد.....
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
المزيد.....
|