أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أشواق عباس - قراءة في قانون محاسبة سوريا















المزيد.....


قراءة في قانون محاسبة سوريا


أشواق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1089 - 2005 / 1 / 25 - 12:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لقد شكل قانون محاسبة سوريا الذي أصدرته الإدارة الأميركية مرحلة جديدة من مراحل التورط الأميركي في صراعات وأزمات الشرق الأوسط , ضمن سياسة تحقيق مصالحها أولا و تحقيق مصالح إسرائيل ثانيا ، بعيدا عما تتدعي بأنه يرتبط بنشر الديمقراطية ( التي تزعم بأنها تحمل لواء نشرها في العالم أجمع ) أولا ، و ببرنامج الشراكة في المنطقة و الذي ما برح وزير خارجيتها السابق كولن بول يطلقه أينما حل عشية الحرب على العراق ثانيا (1 ).
لقد أكد صدور هذا القرار قناعة العرب (و التي باتت تزداد يوما بعد يوما) لاسيما بعد التهديدات الأميركية المتتالية للعرب و المسلمين بعد حوادث الحادي عشر من أيلول بان أميركا انتقلت إلى مرحلة الشراكة الميدانية مع إسرائيل من خلال انخراطها المباشر في معركتها ضد العرب في فلسطين و لبنان و العراق و سوريا بعد أن كانت مقتصرة فقط على تقديم الدعم والتأييد السياسي واللوجستي "لإسرائيل" و هو ما تتولى الإدارة اليمينية في البيت الأبيض تنفيذه من خلال خلق مستنقع من الحروب والكراهية والمواجهات وفرضه على المنطقة, عبر مزيج من سياسات ترجع إلى الحقبة الاستعمارية والحرب الباردة وتوسيع دائرة الحرب على الأرض العربية بهدف نهائي واضح هو فرض إسرائيل كقوة رئيسية مهيمنة في المنطقة العربية (2) .
فقراءة العقوبات المقرة بموجب هذا القانون تشير بوضوح إلى المصلحة الصهيونية من وراءه فالإرهابيون المقصودين في التقرير الأمريكي هم حركات المقاومة الفلسطينية التي للصهاينة مصلحة في إضعافها، وسحب القوات السورية من لبنان معناه ترك لبنان تحت رحمة إسرائيل تغزوها وقتما تشاء.. أما القيود على البرامج الصاروخية السورية فهدفه الأول حماية أمن إسرائيل حيث لم يعد يهددها -بعد انتهاء القوة العراقية- سوى الصواريخ الإيرانية والسورية! (3)
وبما أن العداء الأميركي و من خلفه العداء الإسرائيلي هو في الأصل عداء يرتكز على رفض ثورات التحرر الوطنية عامة والعربية بشكل خاص والمعادية للصهيونية بشكل أخص وهنا المنطقة المحظورة التي وجدت فيها سوريا.
فمنذ انتصار ثورة آذار المجيدة وانتهاجها أسلوبا وطريقا ينحى عن الخط الصهيوني الإمبريالي ابتدأ العداء يكبر والمخططات تحاك فما حرمان سورية من الحصول في أوقات كثيرة على التقنية العصرية والتجهيزات العسكرية والمدنية المتطورة إلا مرحلة من مراحل محاسبة سورية ، و ما الحصار الاقتصادي الخانق الذي طبقته الولايات المتحدة الأميركية خلال عقد الثمانينات و أوائل التسعينات (الذي شمل حتى الأدوية وأغذية الأطفال فضلا عن سواها من السلع الأساسية ) إلا مرحلة من مراحل محاسبة سوريا، لقد عملت الإدارة الأميركية و منذ عدة سنوات على وضع و صياغة الآلية التي تحاسب بها سوريا عند عدم رضوخها و هذه الآلية تتخذ اليوم صيغة قانون رسمي داخلي صادر عن سلطة تشريعية في هذه الدولة بحق دولة عربية بهدف النيل من مواقفها المبدئية الثابتة تجاه القضايا العربية العادلة وإجبارها على القبول بتسوية سلمية قسرية بعيدا عن مبادئها المرتكزة على مرجعية مؤتمر مدريد للسلام وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة .
أن السياق العام لهذا القانون يضعه ضمن سياسة تيار اليمين الجديد البارز حالياً في الولايات المتحدة الأميركية،و الذي جعل من سياسة الولايات المتحدة الأميركية وتعاطيها مع العالم، ظاهرة مرضية لا مثيل لها في تاريخ العلاقات الدولية (4)
وبقراءة لما يتضمنه هذا القانون نرى أنه ليس إلا وسيلة ضغط وابتزاز ضد سوريا تستهدف ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول : بعث رسائل تهديد للدول العربية كي تخضع أكثر وأكثر، والثاني: تمهيد الساحة الدولية وتهيئتها لتقبل أي عدوان على سوريا، سواء من إسرائيل أو أمريكا، واعتباره أمرا طبيعيا؛ لأنه صدر ضد دولة صدرت ضدها عقوبات، وتعتبر دولة مارقة كالعراق (5)
فمجرد إقرار مثل هذا القانون سيعني طياً لصفحة "الوساطة" الأميركية لصالح إلغاء عملية السلام، وهذا بلغة الإستراتيجيات خطأ يصل حد الخطيئة لأن الإدارة الأميركية هي الراعية الرسمية لعملية السلام ، وهي لم تأت بها كرمي لعين أحد إنما انعكاسا لإستراتيجية المصالح الأميركية التي تنطلق من ضرورة إخماد مناطق الأزمات وخصوصاً ذات البعد الاستراتيجي بالنسبة لها كمنطقة الشرق الأوسط ، لاسيما أمام إقرار العقلانية السياسية بأن ما يمكن التقاسم حوله والتوافق عليه لا يجوز أن يكون وسط اشتعال أو أن تستبدل الأداء السياسي بأداء آخر فيه شيء من "الصراع التناحري" الذي قد يهدد في سياقه المصالح الإستراتيجية.
وبهذا تكون إدارة "عابرة" في تاريخ هذه الدولة قد طوت إستراتيجيتها في سياق بنائها لإستراتيجية "مواجهة" مع الإرهاب وباستخدام عناصر أيديولوجية، ومما يؤكد أن ثمة اختراقاً في هذا السياق أن المشروع الذي طالب مساعد وزير الخارجية الأميركية الكونغرس بعدم إقراره وطيه لأنه يعقد العلاقة مع سوريا قبل نحو ستة أشهر، لم تكن صورة عرض جون بولتون الخطية مطابقة له ولا حتى مطابقة لموقف الرئيس الأميركي جورج بوش التي عرضت قبل نحو أسبوع من طرح المشروع أمام المداولة الرسمية في الكونغرس ، فقد أكد الرئيس الأميركي في إحدى حملاته الانتخابية أنه لن يسمح لأعضاء في الكونغرس أن يعقّدوا العلاقة مع دمشق، وكرر الأمر نفسه في مجلس الأمن القومي.
كيف تم التصويت على هذا القانون
بعد محاولتان فاشلتان خلال السنتان الماضيتان لتمرير مشروع هذا القانون (لم تنجحا بسبب رغبة الإدارة الأميركية آنذاك بعدم تصعيد الموقف مع سوريا والمحافظة على نقاط اتصال في مكافحة الإرهاب) ، صادق الكونغرس الأميركي بمجلسيه (النواب والشيوخ) عليه و بغالبية كبيرة جداً هم 71 عضوا من مجلس الشيوخ من أصل 100 و262 عضواً من أصل 435 عضواً في مجلس النواب
وتوصل الكونغرس الأميركي إلى ما يلي (6 ) :
يجب على الحكومة السورية بشكل فوري ومباشر وغير مشروط قطع علاقتها نهائياً مع الإرهاب وأنصاره وإغلاق كافة المكاتب المفتوحة لأعوانه مثل حماس، حزب الله، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة.
سياسة الولايات المتحدة مع سورية ستكون على الشكل التالي:
- تعد سورية المسئولة بشكل مباشر عن كافة العمليات الإرهابية التي يقوم بها حزب الله، والمجموعات الإرهابية الأخرى، سواء في سورية أو في المناطق اللبنانية المحتلة من قبل سورية.
- الولايات المتحدة ستعمل على منع سورية من نشر الإرهاب ودعمه واستخدام أسلحة الدمار الشامل.
- سكرتير البيت الأبيض سيحافظ على إدراج سورية بقائمة الإرهابيين حتى تتوقف عن دعمها لهم، وأن تجعل سياستها متوافقة مع سياسة الولايات المتحدة.
- الولايات المتحدة لن تعمد إلى تقديم أي مساعدة لسورية حتى تنفيذ ما سبق.
- وفي حال اتخاذ الرئيس قراره بما يخص سوريا تقر التصديقات التالية:
1 - سيمنع تصدير أي مادة لسورية وستحرم من الحصول على تخصص للتصدير والتجارة وسيلغى اسمها من أي قائمة تجارية.
2- سيمنع الرئيس أي مساعدة مقدمة من قبل الولايات المتحدة متضمنة القروض والديون أو أي مساعدة مالية مهما كان نوعها أو أي عمل أو استثمار للولايات المتحدة بداخل سورية.
3-سيمنع أي استثمار لما يسمى ما وراء البحار.
4-سيفرض عليها اثنين أو ثلاثة من التصديقات التالية:
- منع تصدير أي مواد لسورية (عدا الطعام والدواء).
- منع استثمار أو أي تنقيب للولايات المتحدة داخل سورية.
- منع الدبلوماسيين السوريين في واشنطن وممثليها في هيئة الأمم المتحدة كذلك في نيويورك من السفر لمسافة تزيد على 25ميلاً ضمن نطاق واشنطن.
- تقليص المبادلات الدبلوماسية بين سورية والولايات المتحدة.
- وقف أي صفقة تجارية أو أي معاملة بخصوص الملكيات المتعلقة بالحكومة السورية حتى تأذن الولايات المتحدة.
- المذكرة التالية ستكون مقررة من قبل الرئيس بموافقة الكونغرس:
تتوقف الحكومة السورية عن دعم الإرهاب وكل من يمت له بصلة أمثال حماس، حزب الله.
- الحكومة السورية تسحب كافة قواتها وجيوشها بما فيها قوات حفظ السلام وكل ما يتعلق بذلك من الأراضي اللبنانية.
- توقف الحكومة السورية تطوير الأسلحة.
- توقف الحكومة السورية عن مخالفة أي قرار صادر عن الأمم المتحدة.

ثم أعقب ذلك عرض الكونغرس الأميركي لمجموعة من البلاغات أصدرها الرئيس الأميركي جورج بوش في العشرين من أيلول 2004 (7)
1 - القرار القائل أن كل دولة، بأي مكان، تتخذ أي قرار بشأن أي قضية فهي أمام أحد جبهتين إما معنا وإما ضدنا، وضدنا تعني الإرهاب.. وباعتباره من الآن فصاعداً أي دولة تساند الإرهاب بأي شكل من الأشكال ستعتبر معادية بشكل خاص لأمريكا.

2 - الحكومة السورية في الوقت الحالي ممنوعة من تلقي أية مساعدات من أمريكا بسبب مساندتها للإرهاب
3 - على الرغم من إقرار الولايات المتحدة بإدراج سورية بقائمة الموالين للإرهاب، وعلى الرغم من عدم الشك بهذا الأمر، إلا أن أمريكا لا تزال تضع اعتباراً لسورية أكثر من باقي الدول التي تنهج نهجها.
4 - المجموعات الإرهابية حددت بالفئات التالية: حزب الله، حماس، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (الجبهة العامة)، معسكرات التدريب، كافة المناطق المحتلة من قبل سوريا في لبنان، والتي تتم فيها عمليات التدريب وتتلقى الدعم من إيران عن طريق سورية.


الذرائع الأميركية في إصدار هذا القانون

اندفع المسئولون الأميركيون في حملة اتهاماتهم ضد دمشق التي تعددت مجالاتها بالقدر الذي افتقدت فيه عناصر الأدلة و الإثبات و الموضوعية لتبرير إصدار قانون المحاسبة هذا بالمبررات التالية :
- اتهام سوريا بامتلاك أسلحة الدمار الشامل .
- تخزين أسلحة الدمار الشامل العراقية في سوريا .
- اتهام دمشق بتقديم معدات عسكرية للعراق في حربه مع التحالف الأميركي البريطاني .
- تسهيل مرور المتطوعين للقتال إلى جانب القوات العراقية في سوريا .
- فتح ملفي (الوجود السوري في لبنان) ، و ( دعم الإرهاب) .
- إيواء دمشق لمسئولين سابقين من رموز النظام العراقي في أراضيها .

المطالب الأميركية من سوريا بموجب هذا القانون :
- وقف دعمها للمقاومة اللبنانية و انسحاب قواتها من الأراضي اللبنانية و تصفية حزب الله و دفع الجيش اللبناني إلى الحدود لضمان امن شمال فلسطين .
- تسليم رموز النظام العراقي السابق الموجودة في دمشق .
- السماح بفرق التفتيش الأميركية بالدخول و التفتيش في سوريا .
- إجراء تعديلات على اتفاقية الطائف لتأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفاء أميركيا في لبنان .
- إغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في دمشق .
- انخراط دمشق دون تردد في الحملة الأمرواسرائيلية على الإرهاب و الانتفاضة و المقاومة العراقية .

العقوبات الأميركية ضد سوريا في حال عدم التنفيذ بموجب القانون :
و أمام هذه الضغوط وهذه المطالب أعلنت أميركيا جملة من العقوبات تضمنها القانون الذي أصدرته لمعاقبة سوريا في حال عدم امتثال دمشق للمطالب الأميركية
- منع الصادرات الأميركية إلى سوريا باستثناء السلع الغذائية و الدوائية .
- منع الشركات الأميركية من الاستثمار في الاقتصاد السوري .
- تقييد حركة الدبلوماسيين السوريين و خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين .

قراءة متأنية لهذا القانون بين صيغته الأولى و بين تعديلاته
إن الوقوف على مدى صدق السياسة الأميركية و جديتها عند إقرارها لهذا القانون من جهة ، و مدى موضوعية هذا القانون من جهة منا يتطلب دراسة نقطتان أساسيتان هما :
1 – واضعي هذا القانون
إن القارئ لهذا القانون سوف يجد لجهة مدى موضوعية هذا القانون بأنه لا يتمتع بالشرعية المتعارف عليها في العلاقات الدولية ، فمجرد معرفة واضعي هذا القانون و من يقف وراء يصبح بإمكانه معرفة ماهيته و أهدافه .
فمن يقف ورائه هم أبرز المؤيدين لإسرائيل في الكونغرس الأميركي ( والذي يجسد طروحاتهم اليمين الأميركي البارز حاليا في الولايات المتحدة الأميركية و التي كانت قد ابتدأت و تبلورت منذ العام 1996 من خلال التعاون بين معهد أميركا أنتربرا ومعهد هدسون وكلاهما ممثل لليمين الجديد) وهم يعملون بشكل متواصل لجعل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في خدمة الأهداف الإسرائيلية وعلى حساب العلاقات العربية الأميركية ، وبالتالي فإن إقرار هذا القانون الذي يشكل إرهاصاً لرياح عصابية في حملة مكافحة الإرهاب وخدمة أيدولوجية من تيار اليمين الجديد لإسرائيل ومحاولة لاستبدال العصا بالسياسة في سياق غير سياسي إطلاقا، سيعني إنهاء لعملية السلام (8) .
هذا القانون كان قد ابتدأ من خلال مجلس النواب حيث عهد وضع صيغة مشروعه الأولي إلى إليانا روز ليتنين، وهي أميركية كوبية محسوبة على الحزب الجمهوري وترأس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط في لجنة العلاقات الدولية بالكونغرس ، و التي و بالرغم من عدم معرفتها بشكل جيد لمنطقة الشرق الأوسط فقد أصبحت رئيسة اللجنة الفرعية عن الشرق الأوسط المؤلفة من 18 عضو ، وتظهر ليتنين كمحركة للقضايا المتعلقة بالشرق الأوسط وهي تجهل عنها الكثير بدليل أنه قد تم طرح اسم الرئيس السوري بشكل خاطئ عدة مرات في جلسة المناقشة، في وقت يقوم فيه الذين كانوا وراء ترأسها لهذه اللجنة في هذا المكان بطرح قضايا كوبا في مكان أخر ضمن الكونغرس، وهي لعبة تبادل أدوار باتت معروفة للقاصي والداني كإحدى أساليب العمل في الكونغرس الأميركي
وإيليانا هذه كانت قد ترأست لجنة من 18 عضواً لمناقشة القانون لكنه لم يحضر لمناقشته قبل عرضه على التصويت إلا أربعة أعضاء من مجلس النواب ( و هو ما طرح الكثير من التساؤلات حول جدية الاهتمام التي تحظى به القضايا المطروحة للتصويت من قبل أعضاء الكونغرس ،وهو ما أعطى أيضا انطباعا قويا كذلك بأن لجنة الشرق الأوسط في لجنة العلاقات الدولية ليست معنية كثيراً بالأمر من حيث المناقشة، وهي مستعدة للتصويت عليه إذا كانت الرياح السياسية والانتخابية والمصلحية تقر ذلك. ) و هم نفس النواب الذين كانوا قد طلبوا منها مسبقا رفع مشروع الاقتراح مقابل تبني قضايا كوبا و الأعضاء الأربعة هم لانتوس _ غاري - إغريمان _ و أليوت و هذا الأخير هو من لعب الدور الأساسي بوضع و طرح الصياغة الأولية لهذا القانون و هو المعروف بنشاطه في اللوبي الصهيوني و الذي سعى جاهدا لإقراره بدفع من رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الذي استطاع النجاح بفضل الضغوط التي مارسها على الإدارة و المجتمع الأميركي في استصدار هذا القانون رغم التحذيرات الكثيرة التي تقدم بها عدد من المسئولين في البيت الأبيض و الخارجية الأميركية للإدارة الأميركية و بالرغم كذلك من التصريحات الكثيرة التي ألقاها العديد من المسئولين الأميركيين و التي أشادت بتعاون سوريا مع أميركيا في ملف الإرهاب و تحديدا الجماعات الإسلامية المتطرفة التي على علاقة بتنظيم القاعدة و هو ما أعطى مؤشراً على أن هذه القضية لم تحظ باهتمام ذلك المجلس ولكن اللعبة بدأت تكبر في إطار ما يمكن تسميته كرة الثلج المتدحرجة .

2 – قراءة فعلية في هذا القانون :
أن إصدار الولايات المتحدة الأميركية لقوانين تعطي بموجبها الحق لنفسها في معاقبة دول أخرى تحت ذريعة أن سياساتها تتعارض مع مصالحها أمرا ليس بمستغرب في ضوء التطورات الأخيرة للسياسة الخارجية الأميركية ، لكن ما يجعل من هذا القانون حالة استثنائية هو التعديلات الأميركية التي صدرت عليه لاحقا و التي عدلت عمليا الكثير من نصوصه لاسيما و أن هذه التعديلات أقرت بشكل رسمي في كل من مجلسي النواب والشيوخ و هو ما يؤكد بشكل واضح أن المطلوب من القانون لم يكن أكثر من إرسال رسالة ضغط إلى دمشق ليس إلا ( 9 ) .

 التعديل المتعلق بشطب الربط بين حزب الله والقاعدة .
حيث تم شطب الفقرة التي كانت قد سبقت و أقرت في مجلس النواب و التي كانت تنص على «توسيع الجهود ضد حزب الله» وهي ما كانت تعتبر إشارة حربية مباشرة و تم استبدالها بالصيغة الخطابية التالية «أن يتطرق الرئيس في تقريره للكونغرس حول تقييمه للسياسة السورية إلى كيفية زيادة الجهود ضد حزب الله وغيره من التنظيمات التي تدعمها سوريا» كما تم إلغاء الربط و المقارنة بين كل من حزب الله و منظمة القاعدة لأن الربط السابق كان يعني إلزاماً للولايات المتحدة الأميركية بحرب ضد حزب الله وبالتالي سوريا، والبقاء في حدود ما يسمى في القانون «زيادة الجهود ضد حزب الله وضد غيره من التنظيمات التي تدعمها سوريا في إشارة إلى الجهاد وحماس» .
 التعديل الذي تضمن تغيير الصيغة التي أقرها مجلس النواب في القانون المذكور والتي كانت تقول بأن الولايات المتحدة (يجب أن تعطل قدرات سوريا على دعم الإرهاب الدولي) و هو ما كان يعني إطلاق يد الحرب الأميركية ضد سوريا لتصبح الصيغة الجديدة (إن الولايات المتحدة الأميركية سوف تعمل على حرمان سوريا من هذه القدرات)، والعمل على الحرمان شيء ووجوب تعطيل قدرات سوريا شيء آخر، فالأولى ذهاب نحو الحرب والثانية تعني الاكتفاء بممارسة ضغوط باتت بمثابة عادة مزمنة في العرف السياسي الأميركي مع الطرف السوري.
 التعديل الذي شمل إلغاء الفقرة الأولى في صيغة مجلس النواب والتي تعتبر أن كل دولة تأوي أو تدعم الإرهاب بمثابة نظام معادي، إن إلغاء هذه الفقرة يُعتبر بمثابة تخفيف لحدة القانون، و هو ما يعني أن هذه الصيغة الجديدة تطوي صفحة اعتبار سوريا دولة مُعادية بما كان يستتبع ذلك من ضرورة قيام أميركيا برد عدوانها المزعوم عسكرياً، لاسيما أذا اخذ بعين الاعتبار التعديل الذي رافقها للفقرة التي كانت تحمِّل سوريا مسؤولية العمليات التي يقوم بها حزب الله وغيره من التنظيمات المزعوم أنها إرهابية! والتي قيل أن لها مكاتب أو معسكرات تدريب أو منشآت في سوريا، وهو أمرٌ كان يمكن أن ُيعتبر بمثابة تغطية من قبل شارون للربط بين العمليات الاستشهادية وتوجيه ضربات إلى دمشق .

 كذلك التعديل الذي طال الفقرة التي كانت تربط بين رفع العقوبات على سوريا وانسحابها من لبنان لتتحوّل إلى «التذكير بالدعوة إلى ربط إلغاء القانون بالإشارة إلى قرار مجلس الأمن رقم 520 الخاص بالاحترام الكامل لسيادة لبنان وحرمة أراضيه ووحدته واستقلاله السياسي». ونلفت هنا إلى أن صلاحيات الرئيس الأميركي في التعليق للبنود ورفعها تلغي هذه المادة من الأساس!.
و هو ما عني لجميع مراقبي العلاقات الأميركية السورية أن الهدف من هذا القانون هو هدف سياسي وهذا يعني أنه لم يهدف إلى إحداث تأثيرات على المستويات الأخرى أكثر من وضع دمشق تحت الضغط كي تستجيب للمطالب الأميركية ، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يلي :
- علينا أن نتذكر انه ليس بين الولايات المتحدة الأميركية وسوريا علاقات تجارية من النوع الذي يعتد به أو من النوع المؤثر إذ لا تزيد قيمة واردات الولايات المتحدة الأميركية من سورية عن 112.4 مليون دولار وسوريا تأتي في المرتبة 94 تجارياً مع الولايات المتحدة حيث لا تزيد صادرات الولايات المتحدة الأميركية إلى سورية عن 269.4 مليون دولار معظمها أجهزة منزلية _ قطع غيار _ تبغ _ الكترونيات وما شابه ذلك - التزامن بين إقرار قانون المحاسبة وتعيين سفيرة جديدة لأميركا في سوريا مع زيارة وفد الكونغرس إلى سوريا وتأكيده على ضرورة التحاور. ولا بديل إطلاقاً عن الحوار ، لاسيما و أن مجرد تعيين سفيرة جديدة للولايات المتحدة الأميركية في دمشق يعني رسالة ضمنية مفادها أنه ليس كل بنود القانون قابلة للتنفيذ، لاسيما أن التعديلات المذكورة آنفاً تمنح الرئيس ما هو بالأصل لديه من حيث اختيار ما يشاء وتوقيف وتعليق ما يشاء .
- ومن الناحية القانونية أعطت الولايات المتحدة لسلطتها التشريعية صلاحيات تتجاوز اختصاصها الموضوعي، وأعطت لنفسها الحق بأن تشرع قوانين تتعلق بمحاسبة دول أخرى. لا بل تتدخل حتى في تفاصيل الحياة الداخلية للدول وعلاقاتها مع بعضها "العلاقات السورية اللبنانية" وهذا خرق واضح لمبدأ سيادة الدول وهو المبدأ الأساس في العلاقات الدولية والقانون الدولي .
- ثم كيف يجوز لدولة ما وبقرار منفرد منها أن تحاسب دولة أخرى تتمتع بالسيادة وهي عضو في منظمة الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن الدولي .
ومرة أخرى المطلوب هو ضغط سياسي على سوريا كثمنً عليها دفعه لقاء التعليق أو الرفـع .

يبقى أن نقول أخيرا :
يبقى أمامنا أخيرا أن نلقي الضوء على الآثار التي ستترتب على تطبيق هذا القانون ( في حال تطبيقه بشكل فعلي ) إذ لا يعقل أن يعمل ممثلو الكونغرس لأشهر وأن تدفع قوى متطرفة مرات عدة باتجاه إقرار هذا القانون إذا لم يكن يحقق لها فائدة تتمثل بإلحاق ضرر بسوريا.
من قراءة نص القانون يبدو واضحاً أن البنود ذات الأثــر الاقتصادي المباشرة محدودة جداً. بل، على العكس، فإنها رقمياً ذات تأثير سلبي على الولايات المتحدة الأميركية ..فالميزان التجاري في السنوات الأخيرة يميل لمصلحة الولايات المتحدة وهناك مستوردات سورية تفوق التصدير بحوالي 190 مليون دولار في السنوات الثلاثة الأخيرة ، بالإضافة لعدم وجود ممتلكات أو استثمارات للحكومة السورية في الولايات المتحدة ، والطائرات السورية لا تصل إلى أميركا، ومعظم الاستثمارات المباشرة هي لشركات أميركية تعمل في حقل النفط والغاز وحققت (ومؤمل أن تحقق) أرباحاً كبيرة تعيد تحويلها إلى مقرات إدارتها الرئيسة.
لكن في حال توقيع الرئيس الأميركي للقانون واختياره اثنين على الأقل من الخيارات المتاحة له في نص القانون فإن الضرر الذي سيصيب سوريا ليس مما هو منصوص عليه في القانون بشكل مباشر بل من التأثيرات غير المباشرة له والتي منها (10) :
1- التأثير النفسي على المستثمرين: فصدور القانون سيضع صورة سورية في مستوى غير محبب لدى المستثمرين، فالقرار قد يؤثر على قراراتهم في الاستثمار في سوريا.
23- إن صدور القانون سيزيد من معدل (مخاطر البلد) وهو عامل مهم جداً في تحديد معدل الإقراض المصرفي لذلك البلد ويدفع باتجاه زيادة فوائد الإقراض بشكل كبير، ما يعسر عملية فتح خطوط الائتمان وتوفير سيولة للتجار أو للمستثمرين في سوريا.
4- الأهم والأخطر في القانون إذا ما ضغطت القوى المتطرفة في الولايات المتحدة على أوروبا لممارسة ضغوط اقتصادية على سورية وتلك ستكون عملية معقدة وصعبة بسبب أن أوروبا هي الشريك التجاري الأول لسوريا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
1 - الموقع اليكتروني www.alarabalyaowm.com تاريخ 10/10/2004 .
2 - المرجع السابق
3 – محمد جمال عرفة ، موقع اليكتروني www.syrianlaw.com ، تاريخ 15/تشرين الثاني / 2004 .
4 - الموقع الاليكتروني www.alarabalyaowm.com ، مرجع سابق .
5 -محمد جمال عرفة ، مرجع سابق .
6 - الموقع اليكتروني www.syrianlaw.com ، تاريخ 9/ت2/ 2004 .
7 - الموقع الاليكتروني www.syrianlaw.com ، مرجع سابق .
8 - عماد الشعيبي ، الموقع الاليكتروني www.aljazera.com ، تاريخ 5/11/2004 .
9 – عماد الشعيبي ، مرجع سابق .
10- الموقع الاليكتروني www.syrianlaw.com ، مرجع سابق .



#أشواق_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في الواقع الحالي و المستقبلي لشركة مايكروسوفت وورد
- قراءة في مشروع الشرق الاوسط الكبير
- قراءة في الزيارة المرتقبة للرئيس السوري إلى روسيا
- قراءة في عالم محمد أركون
- منتدى المستقبل مهادنة مؤقتة بين الإصلاح السياسي و الإصلاح ال ...
- قراءة ثانية في مشروع الشرق الاوسط
- قراءة في مفهوم الديمقراطية الشرق أوسطية
- قراءة ثقافية في مشروع الشرق الأوسط الكبير
- النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية
- قراءة في العلاقات الاميركية - الاسرائيلية
- قراءة في قانون محاسبة سوريا
- الانتخابات العراقية بين الواقع و المطلوب


المزيد.....




- روسيا والصين تتبادلان وجهات النظر بشأن الدفاع الصاروخي
- بيسكوف: الهدنة ليست هدفنا بل نسعى إلى سلام شامل بعد تلبية شر ...
- البيت الأبيض يصدر استراتيجية لمواجهة كراهية المسلمين والعرب ...
- أمام وقف إطلاق نار هش.. لبنان يواجه تحديات إعادة الإعمار
- وزير العدل اللبناني: هناك 725 معتقلا لبنانيا في السجون السور ...
- بيدرسن يتوجه إلى دمشق في -أقرب وقت ممكن-
- الكرملين: تصريح ترامب ينسجم مع رؤيتنا لأسباب التصعيد في أوكر ...
- مصر تحذر اسرائيل من الغطرسة
- محافظة مصرية تتعرض لهزة أرضية
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع إلى ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أشواق عباس - قراءة في قانون محاسبة سوريا