|
قراءة في مفهوم الديمقراطية الشرق أوسطية
أشواق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 1151 - 2005 / 3 / 29 - 11:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تبدو الدولة الأميركية من خلال ما تقرضه في مشروعها ( الشرق الأوسط ) و كأنها حاملة القيم الديمقراطية و بأنها ستستخدم كل قوتها المرتكزة على جيوشها و ضغوطها المستندة إلى جبروتها من أجل تحقيق هذا الهدف الإنساني النبيل لاسيما بعد أن توضح أنه في المنطقة العربية تعيش شعوب بربرية أو هي قريبة ، تعاني من أنظمة مستبدة فبحسب الاستنتاج الأميركي المرتكز على أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وجد أن التكوين الإسلامي في هذه المنطقة يؤسس لنشوء الإرهاب ، وأن مجمل القيم المستندة للدين الإسلامي تنتج الإرهاب والذي أصبح على ما يبدو ( بحسب التعبير الأميركي بعد الخطر الشيوعي ) الخطر الوحيد الذي يهدد المدنية الحديثة و القيم التي تقوم عليها الحضارة ، ( الديمقراطية و الحرية ) ، نعم لقد اكتشفت أمريكا المنبع الذي يولد الأصولية (التي كانت تدعمها و تدربها ) في هذا العالم و هو الأمر الذي يفرض عليها أخلاقيا أن تخلص العالم من شرورها . و في الجهة المقابلة من هذا تضع الدولة الأميركية كل جهودها القائمة و المرتكزة أساسا على قوتها من أجل فرض اقتصاد السوق في البلدان التي تحتلها أو في البلدان الأخرى التي يجب عليها التكيف مع اقتصاد السوق و بالتالي فإنها تكرس السيطرة الخارجية على الاقتصاد المحلي و تكرس عمليا النهب للفائض المحلي الأمر الذي يقود إلى تعميق حالة الإفقار التي تعيشها الشعوب لا إلى رفع مستوى معيشتها كما تتدعي أميركا . ان مشروع الشرق الأوسط الكبير بصيغته الأميركية يركز على ما سبق كمرادف للديمقراطية و الحرية و تمكين المرأة و تحديث نظام التعليم ، بما يقتضيه ذلك من التكيف مع شروط منظمة التجارة العالمية و على إطلاق حرية الخدمات المالية و كف يد الدولة في المجال الاقتصادي ، و التعامل مع الرأسمال الأجنبي على قدم المساواة مع الرأسمال المحلي بل و حمايته و تمييزه الأمر الذي سيؤدي حتما إلى توسيع حالة الإفقار و التهميش و البطالة و من ثم الرفض و النقمة و التوتر الاجتماعي و الصراع الطبقي . في هذا الوضع يصبح من الطبيعي جدا أن لا تكون الديمقراطية التي ترفعها أميركيا كشعار سامي تريد أن تفرضه و تعممه على الشعوب التي لم يسمح لها ( بحسب التعبير الأميركي أن تمارس يوما الديمقراطية ) هي شكل السلطة التي تعمل على فرضها بل تميل إلى تأسيس أنظمة استبدادية جديدة ضمن صيغة جديدة مرتبطة بالمافيات المحلية المتشابكة مع الشركات الاحتكارية الامبريالية ، فاحتكار الاقتصاد و نهب الفائض لا تتوافق مع الديمقراطية لأنها تؤسس لتفاقم الصراع و حدته ، و هكذا ستبدو الديمقراطية و إزالة الطغاة ( حسب تعبير جورج بوش ) مدخلان للنهب الاقتصادي و غطاء للسيطرة و الاحتلال و لتأسيس دكتاتورية جديدة ، الأمر الذي يفرض تحديد الهدف الإيديولوجي من الخطاب الديمقراطي و المغزى الذي يسكنه حيث سيبدو انه ليس للتحقيق أو أن جدية ما تحكم تحققه . انه خطاب له أهدافه الخاصة البعيدة عن مضمونه و المناقضة لها و في هذا الإطار يمكن لنا تلمس مستويين : الأول : رغم أن تاريخ الدولة الأميركية حافل بدعم الدكتاتورية و رغم أن الدولة الأميركية لازالت تغض النظر عن انظم استبدادية بل و تدعمها في كثير من الأحيان فسنلحظ أن الخطاب الديمقراطي قد استخدم في مواجهة المنظومة الاشتراكية طيلة القرن العشرين ، و سيبدو الجانب الإيديولوجي واضح في هذا المجال حيث سيكون الهدف هو الإفادة من حركة واقعية تسعى للقرمطة من اجل تفكيك الدولة الاستبدادية و ذلك لدفعها للتكيف ضمن شروط إلغاء دور الدولة الاقتصادي و الانفتاح المطلق على السوق و القبول بكل الآليات التي تفرضها الشركات الاحتكارية الامبريالية ، وهنا يكون الخطاب الديمقراطي هو خطاب تفكيك و تدمير لا يترافق و آليات بناء فالديمقراطية هنا ليست مقصودة بذاتها ، بل هي لا تعدو أن تكون أكثر من خطاب إيديولوجي يخدم أغراض السيطرة الاقتصادية و النهب الاقتصادي ما دام يستخدم ككاشف لنقاط ضعف . الثاني : إن الهدف الأخر هو تشويه الديمقراطية ذاتها و افتعال كل مكنونات الشك في الخطاب الديمقراطي كونه خطاب امبريالي تطرحه جهات امبريالية و يعبر عن أهدفها ، و السبب الذي يفترض اللجوء إلى التشويه هو أن النضال الديمقراطي يكشف زيف ذالك الخطاب ، و لأن الديمقراطية الواقعية تتناقض مع المصلحة الامبريالية لأنها تسمح بكشف كل السياسات الامبريالية و آليات النهب الامبريالي و هذا الوضع من شأنه أن يقود إلى تفكك الحركة المناهضة للسيطرة و الاحتلال و إلى هيمنة قوى سلفية من السهولة مواجهة خطابها كونها استبدادية و رجعية ...الخ ، و في الوقت ذاته تسهيل تأسيس سلطة استبدادية تابعة حيث تكون الديمقراطية قد أصبحت مجال رفض و خارج النشاط الواقعي . هنا يصبح الخطاب الديمقراطي ملتبسا و مجلب شك ، و تصبح القوى الديمقراطية مجال تشكيك كما يصبح النضال من اجل الاستقلال مرتبط بالاستبداد و النضال من أجل الديمقراطية مرتبط بقبول السيطرة الخارجية الأمر الذي يعزز الخطاب الامبريالي ذاته و يؤسس لممارسات و تصورات تعيق صيرورة التطور حيث الديمقراطية مسألة أساسية فيه و الوعي الديمقراطي جزء مهم في العقلانية الضرورية لتحقيقها . إذن المشروع الديمقراطي الأميركي ليس لتطبيق و هو غطاء لسياسات السيطرة و النهب و تعمية على الحرب التي تشنها الدولة الأميركية على العرب و العالم و هو المموه لتلك السياسة و هذه الحرب ، الديمقراطية ليست الهدف الامبريالي كما أنها ليست السبب في الحروب التي تخوضها الدولة الأميركية و لن تكون نتيجة من احد نتائجها إنها ضحية تلك الحروب من كل ما سبق نستطيع القول إن أميركيا تهدف من خلال ما تسميه بالاصطلاح الشرق الأوسط و ما تتدعيه من تشجيع الممارسة الديمقراطية في هذه المنطقة و تغيير النظم الحاكمة من نظم شمولية إلى نظم دستورية كل ذلك يهدف إلى أمرين أوضحت الفكرة الأميركية أحدهما و هو حماية الولايات المتحدة من خطر الإرهاب و التطرف ، أما الأمر الثاني الذي لم توضحه الفكرة فهو تامين مصادر النفط و ما يتعلق بتدفقه الطبيعي و كذلك سلام إسرائيل و أمنها ، و مهما كان الأمر و على الرغم من أن العرب لم يرفضوا أي تحولات ديمقراطية من حيث مبدأ الفكرة بحسب ما قاله أستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون برهان غليون ( بل نحن الذين كنا و ما نزال نتهم الدول الغربية بخيانة مبادئها باستمرار بدعم الاستبداد و النظم اللاشعبية في المنطقة و لا يمكن أن نطالبهم اليوم بالعودة عن خطابهم في تعميم الديمقراطية بالمنطقة ) إلا أن الحقيقة التي لا يمكن العبور من فوقها هي كيف تريد الولايات المتحدة من شركائها أصحاب الأنظمة الشمولية الذين دعمت بعضهم بل و في مرات عديدة خلقتهم أن يتخلوا عن أملاكهم الوهمية ( العباد و البلاد ) لينخرطوا في التصحيح الديمقراطي
يبقى أن نقول لأنفسنا الشرق أوسطية بالمفهوم الغربي لا ترى في هذه المنطقة من العالم و لا تريد أن ترى ديمقراطيات على صورتها و إنما ديمقراطيات كيانية ضعيفة و أنظمة ملكية دستورية توارثية يمكن التحكم بها من خلال آلة الدولة .
إن الادعاء الأميركي بالالتزام بنشر الديمقراطية بما ينطوي هذا الكلام على الاعتراف بالتعددية السياسية و نشر الحريات السياسية و عودة الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب المعارضة يفضح ما تتدعيه أميركا بالديمقراطية و يثبت صحة ما أوردناه مسبقا بناء على : 1 – إن المبادرة الأميركية لنشر الديمقراطية هي مبادرة انتقائية سبق للحكومات العربية أن جربتها في المنطقة ، فهذه المبادرة لا تنفتح على المعارضة الإسلامية خوفا من وصول الإسلاميين إلى الحكم . 2 – إن التجربة الديمقراطية الأميركية في العراق متعثرة و هو ما صرح به الرئيس الأميركي نفسه و ذلك على الرغم من التبشير الكبير بأن يصبح العراق نموذجا يجب أن تحتذي به بقية الدول العربية . 3 – إن المساعي الأميركية لنشر الديمقراطية تصطدم مع نزعة الرئيس إلى تغيير العالم الإسلامي عنوة إلى جنة الديمقراطية مع أن العالم الإسلامي لا يريد أن يدخل هذه الجنة بضربات الهراوة. 4 – برأينا يبقى السؤال الأهم في إطار هذه المبادرة و هو كيف يمكن للمحتل أن يصبح شريكا في إطار التحول الديمقراطي المنشود ؟ .
إن شعوب المنطقة العربية و مهما تكن معاناتها من غياب الديمقراطية و الشفافية يصعب عليها أن تصدق أيديولوجيا الديمقراطية و الحداثة الموعودة تحت وطأة حروب الغزو و التدمير و سياسات القهر و الترويع من نوع ما تجري الآن في فلسطين و العراق .
#أشواق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلاقات السورية – الأميركية
-
النفط العراقي و الخصخصة القادمة
-
العلاقات السورية اللبنانية
-
ألية وضع الخطة المالية في المشاريع الاستثمارية
-
قضايا الإصلاح في العالم العربي
-
عراق ما بعد الانتخابات
-
منتدى المستقبل و الاصلاح في العالم العربي
-
الملـف النفطـي في العراق
-
العلاقـات الأميركيـة – السوريــة
-
قراءة في قانون محاسبة سوريا
-
قراءة في الواقع الحالي و المستقبلي لشركة مايكروسوفت وورد
-
قراءة في مشروع الشرق الاوسط الكبير
-
قراءة في الزيارة المرتقبة للرئيس السوري إلى روسيا
-
قراءة في عالم محمد أركون
-
منتدى المستقبل مهادنة مؤقتة بين الإصلاح السياسي و الإصلاح ال
...
-
قراءة ثانية في مشروع الشرق الاوسط
-
قراءة في مفهوم الديمقراطية الشرق أوسطية
-
قراءة ثقافية في مشروع الشرق الأوسط الكبير
-
النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية
-
قراءة في العلاقات الاميركية - الاسرائيلية
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: مخاوف في الصين بشأن عدم القدرة على التنبؤ بسياس
...
-
شيخة قطرية تعلق على فوز ترامب: الله يكفينا شرهم
-
النصر والهزيمة.. صور من أجواء خطابي ترامب وهاريس
-
الهجرة إلى أميركا في عهد ترامب.. ما الذي سيتغير؟
-
ترامب يبدأ اختيار أعضاء إدارته قريبا.. وبعض الأسماء حاضرة
-
تحليل لـCNN: عدم اليقين بشأن سياسة ترامب تجاه حرب أوكرانيا ي
...
-
كامالا هاريس تعترف بالخسارة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
...
-
الرئيس لا يحاكم.. جهود لإغلاق قضيتين ضد ترامب قبل تنصيبه
-
إجلاء مرضى من غزة للعلاج في الإمارات ورومانيا
-
سبعة أشياء -سيفعلها- ترامب كرئيس
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|