أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار البلشي - رحلة صيف














المزيد.....

رحلة صيف


عبد الستار البلشي

الحوار المتمدن-العدد: 4199 - 2013 / 8 / 29 - 20:21
المحور: الادب والفن
    


فى هذا الوقت من اليوم، ما بين الظهر والمغرب، وفى الاتجاه من مرسى مطروح إلى الإسكندرية يبدو الطريق الساحلى واسعا بالقياس إلى عدد السيارات التى تسلكه. كما أن استقامته فى أجزاء كبيرة منه تجعله مكشوفا لمسافات بعيدة تضمن لك إن كنت تقود سيارة عليه عدم المفاجأة، خصوصا وأن العمران على يمين هذا الاتجاه يكاد أن يكون معدوما و عن شماله يمتد الاتجاه المعاكس إلى مطروح فاصلا بينه وبين القرى السياحة الممتدة فى خط متصل يحجب البحر بطول الطريق تقريبا. الأمر الذى يشكل إغراء لا يقاوم للسيارات التى تستخدمه، حيث تنطلق فى سرعات مجنونة يتعذر عليك معها التحقق من نوع أو مواصفات أى هذه السيارات فيما لوعن لك ذلك.
سيارة واحدة كنت تستطيع ليس فقط التحقق منها، بل والتحقق من ركابيها أيضا. كانت تقل رجلا وامرأة. الرجل يقودها ولسان حاله يقول لباقى السيارات التى تتخطاه كالريح: هنيئا لكم الطريق شبه الخالى بكامله، ودعوا لى فقط المساحة التى تشغلها سيارتى الصغيرة. وكان من الواضح أنه آثر الالتزام بالحارة اليسرى من الطريق بعد أن اكتشف ـ رغم قلة السيارات ـ أنها الأسلس والأكثر أمنا من باقى الحارات. أما المرأة فقد ألقت رأسها على مسند مقعدها، الذى فردته قليلا للخلف مشكلة منه مع المقعد زاوية منفرجة، فى استرخاء، وقد أسبلت جفونها على أسبوع من أجمل أيام عمرها.


*****
من وقت لآخر كانت المرأة تفيق من سكرتها على يد زوجها وقد نزلت على فخذها العارى بضربة خفيفة، وهو يهتف بها: إصحى يا عمنا، فتنظر إليه لبرهة من طرف عينها، ثم نكاية فيه تعود ـ باسمة ـ إلى وسنها، فيلتفت عنها ضاحكا. ليعاود بعد هنيهة ذات الحركة ليتلقى منها نفس رد الفعل. وفى المرة الأخيـرة انفجرت ضـاحكة، عندمـا لم يكتف بضربهـا بل أخـــذ يروح ويجئ بيده فى حركة سريعة على فخذها. و بما يشبه الغضب نحت يده وشدت ثوبها على ساقيها وهى تصرخ به: أووف.. اعقل بقى. فأقسم ضاحكا أنه لن يتركها تنعم بلحظة واحدة من النوم حتى نهاية الطريق. فضحكت ضحك من لا حيلة له وهتفت فى تأفف: رذل. ثم لم تلبث أن مدت يدها اليسرى إلى يمينه الممدودة إليها وتخللت بأصابعها أصابعه وهى تقول:
ـ لا تنس أن تشكر مصطفى على هذه العزومة.
فرد مهونا:
ـ يا ستى لا تشغلى بالك، هو يستحق الشكر لاشك، لكن لا تنسى أننا السابقون بالفضل.
فشدت على يده قائلة:
ـ شاليه مصطفى تحفة، والأسبوع كان أشبه بالحلم، ما رأيك فى تكراره كل صيف؟.
فضغط على أصابعها بأصابعه حتى صرخت، وهو يقول:
ـ قولى يا رب.

حاولت أن تسحب يدها من يده، فتمسك بها بلطف، فاستسلمت له.
باعد ما بين راحة يده وراحة يدها مع الإبقاء على تشابك الأصابع، وأخذ يرسم بإبهامه دوائرا فى الفراغ بين الكفين، فيما كانت عيناه مثبتتان على الطريق أمــامه. فــردت عليه برســم دوائر مماثلة من إبهامها، مــرة بعكس
حركة إبهامه وأخرى فى نفس الاتجاه، حتى اعترض إبهامها بإبهامه بحركة مفاجئة موقفا هذه اللعبة، فقرصت ظاهر يده محتجة، فسحبها متأوها وهى تضحك فى مرح.

*****

فى غمرة لهوهما لم ينتبها لفترة للسيارة التى كانت تسير خلفهما مباشرة دون أدنى مسافة تذكر، أيضا لم يسمعا نفيرها الذى طال كاشفا عن كم الحنق ونفاذ الصبر الذى تلبس سائقها من السرعة البطيئة لسيارتهما.
الحارتين الوسطى واليمنى كانتا خاليتين تماما، لكن الواضح أن سائق السيارة الأخرى قد ركب رأسه وصمم على تجاوزهما من الحارة اليسرى التى كانا يسيران عليها.

عندما أفاق الزوج على النفير العالى المتصل للسيارة خلفه ولمح خلو الطريق عن يمينه، عراه قليل من الضيق الذى سرعان ما ذاب فى غمار اللحظة التى يعيشها، وحلت بدلا منه حالة من العبث المشوب بالمشاكسة، وبعناد اللاهى استمر فى طريقه. بل زاد على ذلك بانحرافه أكثر تجاه اليسار، عندما لاحظ فى المرآة إصرار السيارة على تجاوزه من هذه الجهة. وفى النهاية وحسما لهذا السجال الذى طال أضاء الإشارة اليسرى لسيارته ليكشف للسيارة الأخرى عن نيته فى عدم تغيير الحارة التى يسير عليها. ثم ابتسم وقد تملكه حس طفولى بالنصر، عندما أبصر السيارة الأخرى تنحرف فى يأس إلى الحارة الوسطى للطريق.
وعندما أصبحت السيارة إزاء سيارته لفت نظره أنها تسير بنفس السرعة التى يسير بها كمقدمه للتحرش به، فالتفت عنها حتى يتفادى غضب سائقها و ما قد يصبه عليه من شتائم، متظاهرا بالانشغال بالطريق أمامه.
فلم ينتبه إلى زجاج هذه السيارة وهو ينزل إلى الأسفل لتبرز منها فوهة رشاش، انطلقت منها بمجرد بروزها دفعة كاملة من الطلقات على سيارة الزوجين، تلقت الزوجة معظمها فى أماكن متعددة من جسمها، فماتت على الفور. فيما تلقى الزوج ـ الذى كان يحجبه عن الرشاش جسـم زوجته ـ رصاصتين. اسـتقرت إحداهما فى صدره والأخرى فى فخذه الأيمن.
و قبل أن تنطلق السيارة الأخرى بعد ذلك كالبرق، كان آخر ما ارتسم منها على شبكية عين الزوج, قبل أن يفقد وعيه، أنها فضلا عن كونها سوداء اللون فإنها معتمة الزجاج ولا تحمل لوحات معدنية



#عبد_الستار_البلشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيس حكايات
- طقوس ما قبل الخروج من المنزل
- العائد
- الموت فى الظهيرة
- وقت أن صاح الديك
- سالم
- العرس
- مطاردة
- حكاية الرجل و النمر الذى تحول كلبا
- صباح باللبن


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار البلشي - رحلة صيف