أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار البلشي - وقت أن صاح الديك














المزيد.....

وقت أن صاح الديك


عبد الستار البلشي

الحوار المتمدن-العدد: 4189 - 2013 / 8 / 19 - 18:15
المحور: الادب والفن
    


فى الصباح علمنا أنها ماتت، نعم ماتت.. نفس المرأة التى كنا نقف بجوار شباكها ليلة أمس.

كنا نتراكض فى شوارع البلدة وحواريها كالخيول التى فكت أعنتها، نزلزل سكينة الهزيع الأخير من الليل ونملأ البلدة صخبا وحياة، ناشرين فى أركانها الأمان بقدر ما كنا نقض مضاجع النائمين فيها.
مجموعة من الصبية الصغار كنا، تحديدا ثمانية؛ خمسة منا تتراوح أعمارهم ما بين التاسعة والحادية عشرة وثلاثة كبار بالكاد بلغوا سن الحلم. موزعين بالتساوى على فريقين، لكل فريق قائد هو الأكبر سنا.. نلعب "التهريبة"، وهى لعبة شبيهة بـ "الاستغماية" لكن الغالب عليها خلافا للأخيرة المطاردة لا التخفى. ينطلق فريق ليتبعه أفراد الفريق الآخر ـ بعد مدة محسوبة متفق عليها ـ فى مطاردة لا تنتهى إلا بإمساك الفريق الأخير لأفراد الفريق الأول أو نجاح هذا الفريق فى الإفلات والعودة إلى أرض الملعب التى اصطلحنا على تسميتها بالأم - ربما لأنها تضمنا إلى صدرها بعد غربة المطاردة إذا عدنا فائزين - وهى عادة ما تكون جدار أحد البيوت التى توفر لنا الفوز بمجرد لمسها، ودور الفريق المطارد هو الإمساك بنا قبل الوصول إلى الأم.

قطعنا أزقة البلدة وحواريها ركضا والفريق المطارد على إثرنا.. وعندما تجاوزناه بمسافة كبيرة حتى أننا لم نعد نراه خلفنا. ورغبة منا فى تضليله ولأن التعب كان قد هدنا ، فقد يمننا شطر منطقة عادة ما تكون غارقة فى الظلام لضيق حاراتها وتشعبها، طلبا لالتقاط أنفاسنا والتماسا لبعض الراحة.
أخذنا نتسكع على مهل فى الحوارى الضيقة المعتمة متحسبين.. حتى جذب عيوننا شباك واطئ يتسرب من خصاصة نور باهت، وقفنا بجواره قليلا، وبعد أن هدأت أنفاسنا انتبهنا إلى صوت تأوهات صادرة عنه، كانت واهنة فى البداية ثم تصاعدت بوتيرة ثابتة. تسمرت أقدامنا وملنا بآذاننا إلى الشباك لعلنا نعرف كنه الصوت، ويبدو أننا كنا مستغرقين فى ذلك بكاملنا، حتى إننا لم ننتبه إلى الفريق الآخر - الذى كان يقترب منا خلسة - إلا عندما أحدق بنا. لكن كان من الواضح أن وقفتنا المشدوهة قد انعكست عليهم على نحو ما, حتى إنهم بدلا من المبادرة بالإمساك بنا أخذوا يزاحموننا فى وقفتنا ويصيخون بآذانهم إلى مصدر التأوهات، التى سرعان ما رآها الصغار منا تأوهات إنسان ينازع سكرات الموت، فيما رآها الثلاثة الكبار تأوهات امرأة تتفجر بنشوة الجماع، بل كانوا على يقين من ذلك؛ حتى إن كبيرهم لم يكتف بالسخرية منا نحن الصغار، بل فضلا عن ذلك فقد رفع سبابته أمام وجهه هامسا فى حزم: هس، عندما علت همساتنا القلقة على إنسان يموت. ثم لم يلبث أن أنزل سرواله ومعه بقية الكبار، وأخرجوا أعضاهم وأخذوا يعبثون بها ـ على مرأى ودهشة منا، وغياب كامل منهم ـ ولم يتوقفوا حتى أفرغوا شهواتهم على الأرض فى نفس الوقت الذى توقفت فيه التأوهات.


وخلافا لكل مرة شهدت فيها طرقات البلدة رجوعنا، فقد عدنا هذه المرة مشيا لا جريا، هادئين بلا صخب ولا حتى كلام، وانتهى اللعب. فبدلا من الرجوع إلى الأم لنستأنف اللعب من جديد عدنا إلى بيوتنا.
كان الصغار منا مثقلين بقلق غامض يخالطه شىء من ألم، فيما كان الكبار مستسلمين لاكتشاف جديد، تفتقت عنه أجسادهم ولم يسبق لهم اختباره.

وعندما أشرقت الشمس جمعتنا حقيقة واحدة، حقيقة أنها ماتت، نعم ماتت نفس المرأة التى ظنها الصغار - فى الليلة الفائتة - تصارع الموت ، فيما أيقن الكبار بأنها كانت تبالغ فى معانقة الحياة.



أعجبني



#عبد_الستار_البلشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سالم
- العرس
- مطاردة
- حكاية الرجل و النمر الذى تحول كلبا
- صباح باللبن


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار البلشي - وقت أن صاح الديك