أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - المناضل-ة - ميلاد حركة الكادحين دون ارض ونضال -الناس معدومي الأرض- المديد -1















المزيد.....


ميلاد حركة الكادحين دون ارض ونضال -الناس معدومي الأرض- المديد -1


المناضل-ة

الحوار المتمدن-العدد: 1198 - 2005 / 5 / 15 - 12:04
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


عندما كان ُيعلن ان الحركات المتحدرة من الأوساط القروية تسير الى تفككها او تسلم نفسها الأخير [1] ، شهدنا انبجاس حركة الكادحين دون ارض على الساحة السياسية البرازيلية والتي أصبحت إحدى أهم الحركات الاجتماعية بأمريكا اللاتينية. ولا غنى ، اجل محاولة فهمها، عن عودة إلى أصولها. تلك الأصول الملازمة لسياق التفاوت الاجتماعي الحاد القائم في البرازيل.
قد يقول البعض إن هذه الحركة تعود إلى نهاية سنوات 70. ويعتبر آخرون سنة 1984 ميلادا للحركة مع انعقاد مؤتمرها الأول في ولاية بارانا Parana جنوب البلد. وثمة أيضا من يعترفون بظهورها في سنوات 90 فقط ، لاسيما 1997 عندما نظمت مسيرة الكادحين دون ارض نحو برازيليا (العاصمة الفيدرالية) . لكن ثمة إجماع على ان مسار حركة الكادحين دون ارض يندرج في استمرار حركات النضال من اجل الأرض التي سبقتها من جهة، ويمكن من جهة ثانية فهمه بما هو تعبير بالوسط القروي عن الحركات الاجتماعية الحضرية التي تكاثرت في نهاية سنوات 70 في النضال ضد الديكتاتورية العسكرية. كما ان ثمة إجماع على اعتبار النضال ضد وضع التفاوت الحاد أساسا للحركة.
الأصول: الاقتلاع والطرد من الأرض
خلال القرن العشرين أدى هدف جعل البرازيل بلدا عصريا إلى تهجير" قسري" للسكان القرويين نحو المدن من جهة، والى إفقار من حاولوا البقاء فيها من جهة أخرى. كانت تلك لحظة توسع الرأسمالية البرازيلية بشكل متزامن وخاضع في الوقت ذاته لسيرورات اعم من تأزم النظام الرأسمالي العالمي وتوسعه.
أصابت أزمة 1929 اقتصاد البرازيل بقوة مخفضة الصادرات، ومنها بالمقام الأول صادرات القهوة، مضخمة المخزونات ومخفضة الأسعار. دفعت المصاعب في القطاع الزراعي حكومة فارغاس "المؤقتة" الجديدة إلى الانخراط في التنمية الصناعية كمخرج من تبعية البرازيل للخارج. وستخلق الحرب العالمية الثانية الشروط الدولية الضرورية لتحقيق هذا المشروع. وأدى نقص المواد المصنعة إلى إحلال الواردات وتطوير الصناعات الوطنية. وسيجرى توجيه الاستثمار بوجه خاص نحو قطاع صناعة الحديد. وتقوت الشركة الوطنية لصناعة الحديد لاحقا بفضل تمويل أمريكي شمالي. كانت تلك حقبة "حسن الجوار" مع أمريكا اللاتينية من قبل الأمريكيين. وسيستفيد منها فارغاس الى حد بعيد. هكذا أسس شركة Vale do Rio Doce بقصد استغلال وتصدير المعادن، و انشا أيضا المجلس الوطني للبترول بهدف خفض تبعية البرازيل في هذا القطاع.
وكان لتحويل البرازيل إلى اقتصاد" عصري" عواقب على الكادحين. شهدت تلك الحقبة هجرة كثيفة إلى المدن. وبسرعة ارتمى العمال الجدد في حركة اضرابية قوية تعرضت لقمع عنيف. وقد قام فارغاس خلال مدة حكمه المديدة (2) بدور" ملتبس" إزاء العمال (3). وسن ما يعرف بـ "تدعيم القوانين حول العمل" الذي يضمن استقرار الشغل وعطلة نهاية الأسبوع وتقنين عمل الأطفال والنساء والعمل الليلي. كما أحدث الاحتياط الاجتماعي ( نظام التقاعد) والدفتر المهني ويوم عمل من 8 ساعات. لكنه سن أيضا منذ 1931 قانونا حول التنظيم النقابي نص على وجوب مصادقة وزارة العمل على النقابات، أي التحكم في خطوات الحركة العمالية الفتية. من جهة ثمة تشريع عمل في صالح العمال بقصد نيل دعم الجماهير الشعبية، ومن جهة أخرى تحكم الدولة في النقابات.
وقد ابرز الانقلاب الذي قام به فارغاس عام 1937 مراميه الفاشية. منع الأحزاب السياسية و أقام الرقابة على وسائل الأعلام، واحدث وزارة الصحافة والدعاية التي ستستعمل وسيلة للدعاية ولمخاطبة العمال مباشرة. على هذا النحو نشأت صورة " أب الفقراء". وسيستعمل فارغاس كل الوسائل لمنع تأثير اليسار على العمال. وتم حظر الحزب الشيوعي حتى 1945 مع إزاحة فارغاس. فتح خلع فارغاس إمكانات تعبئة جديدة ضد الاوليغارشية البرجوازية السائدة دوما. وقد حصل الحزب الشيوعي في انتخابات 1945 على نتائج بالغة الدلالة. لكن الخط السياسي المعتمد كان خط التحالف مع البرجوازية الوطنية المعادية لفارغاس. وتمثل المشكل في كون أي من اقسام البرجوازية لم يبد استعدادا للاقتراب من الشيوعيين. وكان للبرجوازية التجارية-المالية فضل أكبر في التبعية للامبريالية، لا سيما الأمريكية الشمالية، وكان ذلك يؤدي الى تبني مواقف معادية اكثر فاكثر للشعب على الصعيد الداخلي. كما لم يكن قسم البرجوازية الصناعي مستعدا لتقديم تنازلات للعمال المعبئين. فراهنت استراتيجيا على الحرب المقدسة التي شنتها الولايات المتحدة على " التوتاليتارية السوفياتية" (4) . فباسم الديمقراطية دافعت على تركز الملكية العقارية، لكنها منعت الأميين من التصويت وقمعت الإضرابات وكل أشكال دفاع العمال عن مصالحهم الطبقية الآنية. حسب الميديا " كانت القوى المعادية بشكل صريح للديمقراطية ممثلة لمجموع الطبقات السائدة . واكتست إزاحة فارغاس نفسها في اكتوبر 1945 شكل انقلاب بما في ذلك بمبرر ان الديكتاتور اصبح عاجزا عن وقف المظاهرات العمالية والشعبية التي اندلعت تلك السنة " (5)
مرحلة النزوع التنموي الكبيرة (6)
خلال هذه المرحلة بكاملها سيعامل اليسار المسألة الزراعية كمسالة ثانوية. فوحدها الطبقة العاملة كانت تمثل عاملا ايجابيا تاريخيا. بدا هذا الموقف يتغير في سنوات 50 حيث اصبح الهجوم البرجوازي اكبر وحيث بدا الفلاحون يتنظمون .
مثلت سنوات 50 لحظة توتر كبير بالبرازيل. وستشهد تحولات اقتصادية واجتماعية ستطبع حياة البلد إلى الابد. وهكذا بدا عهد جديد حقيقة عند تولي Juscelino Kubitschek حكومة الجمهورية في 31 يناير 1956 . فسعيا الى توفيق مصالح رجال العمال والساسة والعسكر والإجراء الحضريين أطلق الرئيس النداء الى النزعة التنموية بهدف مواصلة تحديث البرازيل بمده بالصناعات الأساسية وبمواد الاستهلاك المستديمة. كان برنامج الرئيس يجمع خمس قطاعات : الطاقة (43.4% من الاستثمارات) والنقل (29.6 %) والأغذية(3.2%) وصناعة التعدين(20.4%) والتعليم (4.3%). وتطلب هذا البرنامج من البرازليين عقلية جديدة. كان الرئيس يقول إن تصنيع البلد ليس معجزة فلا غنى عن ميلاد عقلية صناعية. وسيشهد النمو المتسارع الاوج في صناعة السيارات التي كانت ياو باولو مقرها. انتج البرازيل من 1957 الى 1960 150 321 سيارة وهم ما عادل 30% من العدد المرتقب. وكان الرئيس يقول " استيقظ البرازيل" . وكدعم لمشاريع التصنيع المكلفة جدا اختار الرئيس دعوة الرأسمال الأجنبي ( تميزت أيضا تلك الفترة بأولى مباحثات حكومة البرازيل مع صندوق النقد الدولي )، وستكون سيطرة الشركات متعددة الجنسية على القطاعات الصناعية الكبرى النتيجة الكبرى والمستديمة لـ"الاختيار الحيوي" لسنوات 50. فمتعددة الجنسية تتحكم بالفعل منذ تلك الفترة في الأنشطة العصرية ذات المردود العالي بالبرازيل.
وفي المناطق القروية كانت زراعة المحصول الواحد والمناطق الواسعة المخصصة لتربية الماشية قد حلت بسرعة مكان الزراعة المعاشية. وشهدت نوعا من " الثورة التكنولوجية " . وستقوم الحكومة بحفز مالي لتحديث الزراعة بإدخال المكننة وانتشار الاستغلاليات الكبرى المخصصة لتربية توسعية للماشية تحتاج قليلا جدا من اليد العاملة. تم إحلال الآلات والماشية محل الإنسان. وكانت النتيجة المباشرة لهذه السيرورة "إخلاء قسري لسكان القرى. تعرض الفلاحون وأسرهم لنزع الملكية وطردوا. وسيؤدي تركز الأراضي بقصد تربية الماشية والزراعة الأحادية لقصب السكر، في مناطق مثل ولاية ساو باولو، الى هجرة قروية بأحجام هائلة. وستساعد أرباح الدولة على تحويل مجموعة صغيرة من الملاكين المتوسطين والكبار الى "مقاولين زراعيين عصريين" بينما ُطردت أغلبية الناس من الأرض وأجبرت على العمل في الصناعات الجديدة.
أدى المشروع القومي الشعبوي للرئيس كوبيتشيك إلى تدعيم النزعة التنموية، و أتاح ازدهار شكل من الرأسمالية الصناعية بالبرازيل. واستتبع إعادة تحديد لعلاقة التبعية مع الولايات المتحدة الأمريكية. كان الموقف تركيبا لمعاداة للامبريالية شفوية وسياسة خضوع اقتصادي لامشروط للأخ الكبير بالشمال. كما كان لمشروع النزعة التنموية "جانب اجتماعي" موجه بالخصوص لمحاولة كبح التعبئات التي احتدت بوجه خاص في بداية سنوات 1960 مع الوصول الصاخب لخاو غولار إلى السلطة. كان هذا الأخير الوريث المباشر لسياسات فارغاس الشعبوية. وأدى تسلمه الرئاسة إلى غليان بالبلد وشهد اليسار أخيرا إمكانية مشاركة انشط (بشكل شرعي وبالتالي مرئي) في تطبيق مشروع تغيير اجتماعي.
دخلت الطبقات الشعبية بسرعة سيرورة تعبئة مع طاقة كامنة معادية للامبريالية بقوة. لكن بدل مشروع تغيير جذري اختار اليسار " تكتيك حلول ايجابية". كان يتضمن سياسة خارجية مستقلة لكن دون قطيعة، وتنمية مستقلة وتقدمية للاقتصاد الوطني، مع إجراءات إصلاح زراعي لصالح جماهير الفلاحين، ورفع مستوى معيشة الجماهير وتعزيز وتوسيع الديمقراطية. اكتست هذه الأهداف شكل "إصلاحات أساسية : زراعية، بنكية، إدارية ، حضرية، جبائية، انتخابية، الخ. وكان مفترضا أن تتبعها إجراءات أخرى . اختار غولار سياسة لا تقوم على القطيعة بل على التوفيق وذلك مع كافة الأطراف قدر الإمكان.
بهذا المعنى كان سن قانون نظام العامل القروي عام 1963 وسيلة لتلطيف العلاقات مع عمال العالم القروي، لان البرجوازية كانت تخاف تفجر انتفاضة في القرى بحفز من رابطات الفلاحين بتأثير من الحزب الشيوعي.
مثل ذلك النظام مكسبا للعمال بما أدى اليه من ثورة حقيقة في علاقات الشغل. فمبقتضى هذا النص احصل العمال القرويون على وضع تعاقدي مع نفس حقوق عمال المدن. كان يرمي إلى إلغاء علاقات المحاباة والتبعية التي اخضع لها العمال بفعل استغلالهم أراضي "سادتهم" مقابل يدهم العاملة. وفي الواقع أدى النظام إلى تعزيز قواعد الرأسمالية الزراعية البرازيلية. استثار ردا عنيفا من كبار الملاكين الذين اختاروا، إزاء الأعباء الجديدة الواردة في ذلك التشريع، طرد من بقي يعيش في أملاكهم من عمال.
وسيواصل انقلاب 1964 خط النزعة التنموية على نحو أشد سلطوية. في مرحتله الأولى سعى هدا النظام إلى تعزيز نفسه بشكل رئيسي عبر تحييد الحركات الشعبية. قام الانقلاب بوقف رابطات الفلاحين وتنامي التنظيم النقابي المتجه نحو اتحاد نقابي مستقل والمظاهرات الشعبية وحركات الطلاب وجرى قمع أنشطتها. فبمبرر إشاعة النظام والاستقرار، تدخلت الدولة من جديد في الحياة النقابية. وجرى منع كل تعبة اجتماعية، ومنها طبعا الإضرابات، وجرى اعتقال اغلب القادة الشعبيين الأكثر نشاطا، وعذبوا أو اضطروا إلى اللجوء إلى المنفى. وتم في هذه السيرورة إبعاد العمال والفلاحين من كل مشاركة في القرارات السياسية. و حتى الأحزاب السياسية ُمنعت على حين غرة واضطرت إلى الاندماج في نظام حزبي ثنائي مناسب للنظام القائم. ترتبت عن ذلك سنوات مطبوعة بالتعسف والقمع من طرف فرق كوماندو من البوليس والعسكر تدعى " فيالق الموت".
كانت الديكتاتورية العسكرية مرحلة " المعجزة الاقتصادية"، المطبوعة بـ"نموذج تنمية" مبني على تركيز الأراضي وتوسيع الصناعات الغذائية والتراكم السريع للرأسمال ( تنامي القروض الدولية) وبيع الثروات الوطنية بأبخس الأثمان والأشغال الفرعونية(سدود عملاقة، طرق عابرة لغابات أمازون، مصانع نووية،الخ). وكان ذلك كله مرفقا بفرط استغلال الطبقة العاملة. وحسب خبير الاقتصاد سلسو فيرتادو لم يستفد زهاء نصف السكان باي وجه من مكسب الإنتاجية المحقق خلال تلك الفترة. كما تجدر الإشارة إلى أن فترة الاستثمار تلك كانت مطبوعة بنمو أسي للدين الخارجي.
قدمت أزمة البترول في سنوات 70 عناصر مواصلة مشروع النزعة التنموية. قرر العسكر الاستثمار في مصدر طاقة بديلة: الكحول (من قصب السكر). ُشرع في هذه الخطة المسماة برو الكول سنة 1975 بدعم مالي (قروض) من البنك العالمي، مما أتاح تقديم منح هامة لكبار المنتجين. على هذا النحو اتسعت المساحة المخصصة لزراعة قصب السكر من 1.9 مليون هكتار سنة 1975 إلى 4.3 مليون هكتار سنة 1988، أي بنسبة 126% . وكانت عواقب ذلك على استغلال الأرض بالغة. ففي ولاية ساو باولو، أزاح قصب السكر مزارع الأرز والفاصوليا والذرة والمنيهوت والبطاطا، وهي الزراعات التقليدية التي كانت بيد صغار المنتجين. مع هذه التحولات في علاقات الإنتاج زادت المصاعب بوجه الفئات القروية تفاقما. وبقدر ما لم تترك للعمال القرويين إمكانية زراعة تؤمن قوتهم، كانوا مكرهين على التحول شيئا فشيئا إلى أجراء يبيعون قوة عملهم للرأسمال مقابل الحد الأدنى الضروري للبقاء. وفقدوا شخصيتهم بما هم ناس قرويون. واصبحوا مجرد أناس مضطرين للقيام بأي شيء يتيح بقاءهم، أيا كان بالقرية أو المدينة. هكذا تشكل" فائض" من السكان: قسم كبير من الوافدين إلى المدينة لا تشغلهم الصناعة الناشئة بفعل نقص في التأهيل، واصبح هؤلاء العمال الذين لا عمل بديل لديهم خاضعين لطريقة استغلال جديدة. وجب عليهم لقطع قصب السكر، بعد أن اصبحوا سكان مدن، أن يعودوا الى الأرض، لكن في شكل عمل هش ومؤقت ومقاولة من باطن ... سيتحولون الى boia fria [7] . انهم برولتاريون مشغلون في أعمال زراعية من طرف منشآت وسيطة لتشغيل اليد العاملة تجندهم في المدن لتنقلهم إلى المزارع خلال مدة عقد العمل المحدود دوما. وبالموازاة استثمرت مجموعات اقتصادية-مالية كثيرة في شراء الأراضي، لا لزراعتها بل للمضاربة لأن ندرة الأرض رفع سعرها.
شهد أولئك العمال ما يفوق نزع الملكية الرأسمالي كما وصفه ماركس. لقد عاشوا اجتثاتا حقيقيا. فنمط حياتهم هو الذي انتزع منهم وعوض بنمط البرولتاري الزراعي، ذلك" العامل الذي لم يعد يعيش في ملكية من يشتري عرضيا قوة عمله مقابل اجر" [8] سيعمل هؤلاء الشغيلة لصالح ملاكين في أماكن مختلفة في مواسم مختلفة ومن ثمة ضرورة (غير نادرة) إلى التنقل نحو مناطق أخرى. اصبحوا عمالا رحلا كالذين تكلم عنهم لينين[9] في تحليله لتطور الرأسمالية في روسيا.
ابرز كتاب عديدون،بدءا بماركس، وجهي سيرورة البلترة. فهي ناتجة عن فصل العمال عن وسائل إنتاجهم وعيشهم وفقد قدرة تحويل الطبيعة بوسائلهم الخاصة. لكن البلترة لا تعني حتما خلق فرص عمل جديدة مطابقة للعمال المنتجين اليدويين. إننا إذن إزاء تناقض موضوعي ملازم للسيرورة. فمن جهة ثمة عدد كبير من المنتجين المباشرين مفصولين عن وسائل إنتاجهم واصبحوا بروليتاريين، ومن جهة أخرى لا تجد هذه البروليتاريا ذاتها مكانا في دائرة الإنتاج. يشير بعض الكتاب ، منهم اريغي، انه ليس ثمة ما يدل على وجوب ان يكون للعامل انشغالات خاصة (عمل يدوي مثلا) للتأهل بصفته بروليتاريا "(10) ليس التمييز بين ما يمكن ان نسميه بروليتاريا بالمعنى الواسع وبروليتاريا بحصر المعنى محددا بصفة نهائية.انه يتوقف الى حد بعيد على النضالات الاجتماعية، لكنه متوقف أيضا على شكل التكنولوجيا الخاص بكل مرحلة. يميل التمييز إذن إلى البروز على نحو ما كتمايز بين مختلف التشكيلات الاجتماعية وحتى داخل كل منها. يشير الان بير إلى ذلك بالحديث عن " التجزئ" في إعادة تشكل البروليتاريا بدءا من سنوات 70.
مد وجزر الحركة الاجتماعية
في حالة البرازيل كان ثمة خلال تلك الفترة سيرورة بلترة قوية جدا بكلا دلالتي الكلمة. ففي سياق "المعجزة البرازيلية"، اتخذت تلك السيرورة شكل تمفصل بين سيرورة قوية من نزع الملكية وبلترة بالمعنى الواسع وتطور كثيف للرأسمالية الصناعية على قواعد تايلورية. هكذا شهدت بعض مناطق البلد نموا عدديا لبروليتاريا مركزة بقوة لن تتأخر عن تطوير جملة نضالات اجتماعية هامة. لم تسبق تلك النضالات بل على العكس كانت الى حد بعيد متزامنة مع نضالات بعض قطاعات البروليتاريا بالمعنى الواسع. بإيجاز، شهدنا ميلاد الوجه الاخر "للمعجزة البرازيلية": الجماهير الحضرية الواسعة المحتاجة الى تلبية حاجاتها الأساسية، وبوجه خاص حركة عمالية فتية وقوية كان زعمائها متحررين من المعيار الشعبوي القديم القائم على التبعية للدولة(12). كان هذا الاندفاع الجديد للنضالات العمالية العامل الرئيس خلف خلق اتحاد نقابي للعمال CUTمستقل عن السلطة وكفاحي. كما ولد ذلك الحزب الذي كان فعلا في تلك الحقبة حزب عمال. كانت انشغالات كلاهما مركزة على المشاكل الحضرية. في الواقع كان حزب العمال المتشكل ، وكذا أحزاب يسارية اخرى، نسبيا بفعل الأصول الحضرية للمناضلين، قليل الاهتمام بمسألة الأرض وبوضع معدومي الأرض (13)
ساهم سقوط الجدار في 1989 في فشل هدف إيصال قائد عمالي الى السلطة. وبالتدريج وضع وصول كولور الى السلطة الحركات الشعبية في موقف دفاع، ولم تعد هذه قادرة حتى على صون حقوق انتزعت بسنوات نضال مديدة. وانعدمت شروط تعبئات جديدة. على العكس استسلم قسم كبير من الناس وعادوا الى النزعة الحرفوية .
كانت تلك لحظة إعادة تشكل خطوط معركة البرجوازية البرازيلية التي كان فشل الديكتاتورية العسكرية قد زعزعها. وجرى تطبيق السياسات النيوليبرالية دون مشقة: خفض نفقات الخدمات العمومية ، وإعادة إرساء معدل بطالة "طبيعي" ( جيش احتياطي للعمل بقصد كسر النقابات)، وتطبيق مرونة الأجور، الخ. ومع الحكومة التالية ، حكومة فرناندو اينريكي كاردوزو، ستبلغ البرجوازية الكبيرة ما عجزت عنه في عهد كولور. وكانت المرجعية الديمقراطية المستمدة من علاقتها مع الأممية الاشتراكية تؤمن لها أيضا في البداية ثقة قطاع هام الى حد ما من العمال. وستواصل المشروع النيوليبرالي بالدفاع عن الخصخصة، ونزع تقنين الأسواق، وخفض نفقات الدولة مع الحقوق الاجتماعية، وبوجه خاص بالهجوم المباشر على حقوق العمال. وبات ُينظر الى المنظمات بما هي مخلة بالنظام الاجتماعي وسيتعرض مناضلوها للمحاكمة والعقاب كمجرمين.
وفي تلك الأثناء لم يكف التفاوت عن الارتفاع، وبلغ تركز المداخيل والتركز العقاري نسبا خارقة: الدخل السنوي لـ10% الأكثر غنى يمثل 30 مرة دخل 40% الأكثر فقرا. وتحوز 10 % الأكثر غنى 53% من الدخل الوطني و93% من الملكية. هذا علاوة على انه في سنوات 90 تعممت علاقات الشغل الهشة : 94% من 418 الف فرصة عمل المحدثة عام 1999 كانت أنشطة بلا عقود عمل. (14)


يتبع بالعدد المقبل


Renata Goncalves

مجلة كاري روج Carre rouge عدد 29 ابريل 2004

تعريب: المناضل-ة



--------------------------------------------------------------------------------

احالات:

*- انه التعبير المستعمل في ترجمة كتاب خاو بيدرو ستيديل وبرناردو مانسانو فرنانديس "الناس معدومي الارض: مسار حركة معدومي الارض والنضال من اجل الارض بالبرازيل." باريس نشر le temps des cerises 2003 .
راجع بهذا الصدد ايريك هوبسباون : l age des extremes: histoire du court 20 siecle - Editions complexes-Monde diplomatique - Paris 1998
كان وصول فارغاس الى السلطة نتيجة انهيار ما سمي سياسة "القهوة بالحليب" أي تناوب اوليغارشيات القهوة بولايات ميناس وساو باولو على السلطة.
تمكن المقارن مع خوان بيرو الارجنتيني التي عايش فارغاس. انظر تحليل Francois Chesnais et Jean Philppe Dives : que se vayan todos ! le peuple argentin se souleve . Editions Nautilus , Paris2002
Lucio Glavio de Almeida ‘’ Insistence desencontro;o PCB e a revolucao burguesa no periodo 1945-64



#المناضل-ة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استمرار التعبئة الشعبية ضد السياسية الصحية المعادية للكادحين ...
- أصل اضطهاد النساء وطبيعته
- ميثاق النساء العالمي من اجل الإنسانية
- اطلاق سراح مناضلي مناجم ايميني المعتقلين ظلما وعدوانا
- المجرمون مفلتون و المناضلون في السجون
- و أخيرا تفتح أرشيفات أجهزة القمع...في البرازيل
- ملاحظات حول الوضع في الأرجنتين إثر انتفاضة ديسمبر 2001
- مخطط -الشراكة من أجل التقدم والمستقبل المشترك مع دول الشرق ا ...
- الرأسمالية والامبريالية والحقوق الانسانية
- اليسار الاشتراكي الموحد: خط سياسي توافقي دفاعا عن الرأسمال و ...
- الوجه الآخر للعراق: نقابيون يقاومون
- المنتدى الاجتماعي المغربي: بين مسايرة المنطق النيوليبرالي وا ...
- احتداد صيرورة إفقار الفلاحين الكادحين وتعميق التبعية الغذائي ...
- اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية ...
- مشروع قانون تأسيس الاحزا ب : قانون حزب التسبيح بحمد النظام ا ...
- عمال مناجم ايميني : عزلة قاتلة في ظل تعدي أرباب العمل وقمع ا ...
- البيكتروس : حركة معطلين كفاحية وجذرية بالأرجنتين
- نساء العالم الثالث في ظل العولمة ، نتائج متناقضة


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - المناضل-ة - ميلاد حركة الكادحين دون ارض ونضال -الناس معدومي الأرض- المديد -1