عمال مناجم ايميني : عزلة قاتلة في ظل تعدي أرباب العمل وقمع الدولة

المناضل-ة

الحوار المتمدن-العدد: 1086 - 2005 / 1 / 22 - 08:21
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

يشكل قطاع المناجم اقدم الأنشطة الصناعية بالمغرب ، ويحتل مكانة كبيرة على مستوى التشغيل يعمل به قرابة 60 ألف نصفهم تقريبا بالفوسفاط فمنذ بداية القرن الماضي ركز المحتل الفرنسي على ثروات باطن الأرض خاصة الفوسفاط ( خريبكة) والرصاص والزنك ( زليجة، احولي ، جبل عوام) الحديد(الريف ، ايت عمار) والمنغنيز( ايميني) . وقد كان المستعمر مدركا لأهمية هذا القطاع ولهذا السبب تم انشاء المكتب الشريف للفوسفاط سنة 1920 و مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية في دجنبر 1928 . ووضعت الطبقة الحاكمة نصوصا مثل ظهير 8 يوليوز 1957 و24 دجنبر 1960 (قانون المنجمي) من اجل تنظيم الاستغلال ومراكمة الأرباح على حساب عرق العمال وجوع عائلاتهم. ويعاني عمال هذا القطاع من استغلال رأسمالي في شروط بالغة السوء وبأجور الجوع، ومما يكرس هذه الأوضاع سمة التشتت التي تطبع عمال هذا القطاع مما يجعل شغيلته فريسة سهلة لهجمة الرأسمال وصلت حد التشريد الجماعي، كما حدث في جرادة وجبل عوام في السنوات الأخيرة. وسنعرض هنا نموذجا لهذه الهجمات من خلال مأساة عمال مناجم ايميني وعزلتهم أمام الوحش الرأسمالي وجهاز دولته.

--------------------------------------------------------------------------------



1- تعريف عام بالموقع:

تقع مناجم ايميني بالجنوب الغربي لإقليم وارززات على بعد 50 كلم وهي المصدر الوحيد والمهم بالمغرب لمادة ثاني اوكسيد المنغنيز المصدر الى كل من فرنسا والمانيا والولايات المتحدة الامريكية . وقد انطلق نشاط استغلال هذه المناجم عام 1928 ويعود استثمارها الى الشركة الشريفية للدراسات المعدنية وهي شركة مجهولة الاسم رأسمالها 24 مليون درهم تتوزع كما يلي: 43 % مكتب الابحاث والمساهمات المعدينة 20% مينينغ فرانس mining france و32 % لـcomicog و2.5% لمجموعة أونا بالإضافة الى مساهمين آخرين منهم ورثة الكلاوي.

2- بنية العمال والشروط العامة للاستغلال:

يشتغل بالمنجم حوالي 179 عامل ، 25 تقني وإطار متوسط و5 أطر عليا حسب إحصاءات 2001 غير انه باعتماد أرقام 2003 يتضح ان العدد انخفض الى 134 عامل و14 تقني واطار متوسط و5 اطر عليا. ويشتغل اغلب العمال بباطن الأرض في ظروف قاسية ومحفوفة بالمخاطر حيث تساقط الصخور والاختناق بالغازات وخطر التعرض لآلات الجر داخل المنجم والمتفجرات، لينضاف المرض المهني الى جانب الباترونا وحوادث الشغل. فغالبا ما يتعرض العمال لمرض السيلكوز الذي يسببه كثرة الغبار والذي يصيب الجهاز التنفسي للمحتكين بالسيليس حيث ان انظمة تنقية القصبة الرئوية تصبح عاجزة عن اداء وظائفها في استفراغ الجزئيات المعدنية مثل السيليس ، وياخذ عند ظهوره شكل سعال جاف يتحول الى ضعف تنفسي مزمن وفي المرحلة الاخيرة ، يعجز المريض عن المشي واحيانا عن الكلام. كما ان له مضاعفات على القلب . كما يصاب العمال بالرومتاتيزم، هذا مع العلم ان ابسط وسائل الوقاية مفتقدة بحرمان العمال من الخدمات الصحية بل تم اغلاق المستوصفات الموجودة بقريتي بوتازولت وتيمقيت ابتداء من 15 سبتمبر 2001 وتسريح رئيس المصلحة الطبية دون تعويضه بآخر بتاريخ 1 يوليوز 2002 الشيء الذي يشكل خرقا سافرا لمدونة الشغل التي تلزم ( كما ظهير 8 يوليوز 1957من قبلها ) المشغل باستقدام طبيب متخصص في طب الشغل ، لان الرأسمال لا يبالي بصحة العمال مادام الجيش الاحتياطي رهن إشارته. وقد لا تنتهي محنة المنجميين عند انتهاء يوم الأشغال الشاقة في باطن الأرض بل تنتظرهم معاناة أخرى اثناء تنقلهم الى مقرات سكنهم اذ ان الشركة أوقفت وسائل نقل العمال لتنضاف الى مصائب غياب الانارة والحرمان من الماء الشروب وتأخير الأجور والترحيل /الافراغ القسري من السكن والطرد…

3- من الاستغلال البشع الى التشريد والتجويع

ليست الرأسمالية هي الاستغلال وما يصاحبه من بؤس وافقار فقط، بل ايضا خطر البطالة المحذق في كل حين. فاستقرار الشغل وهم في نظام اقتصادي محكوم بالمزاحمة بين الرأسماليين وبقراراتهم الفردية وبتلاعباتهم بمصير العمال بتنسيق مع جهاز الدولة البرجوازية. وأزمة مناجم ايميني نموذج فاقع لمساوئ هذا النظام . فبعد عقود من الاستغلال قامت الشركة بتشريد حوالي 180 أسرة . فتماشيا مع إلغاء أدوار الدولة الاقتصادية والاجتماعية وتمليك الأملاك العامة لصالح القطاع الخاص، المتزامن مع الانهيار المقصود لمكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية مثلما هو شان مكتب الوطني للأبحاث البترولية ووتعزيز استفادة المجمع الاحتكاري اومونيوم شمال افريقيا (أونا) والمستثمرين الاجانب بشروط تتعدى التشجيع على الاستثمار او التحفيز على التنقيب ( حيازة منجم كماسة الغني والمربح من طرف أونا) ، قدم مدير مناجم ايميني مقدماته الادعائية حول الازمة المزرية للشركة مصرحا بانها دخلت في برنامج الخوصصة في 1993 لكن تستحيل خوصصتها لانها في حالة إفلاس( ديونها سنة 2000 تقارب 48 مليون درهم)، وطرح ضرورة تقديم برنامج تقويمي للشركة باتخاذ اجراءات وتدابير جريئة. !! واصدر يوم 28 اكتوبر 2002 مذكرة حول العمل الجزئي وخفض الاجور.ب50% بعد أن تقدم بطلب الى العمالة لتسريع جزئي للعمال بنسبة 50% لتكييف وضعية الشركة مع الوضع الجديد نظرا لارتفاع النفقات الاجتماعية التي تشكل حسب تصريحاته 70% من النفقات العامة ولوجود خلل في الانتاجية بحيث ان 90% من العمال مصرحون بأمراض مهنية، هذه المقدمات هي التي ستشكل مبرر الهجوم الكاسح على حقوق العمال و أسس عيشهم واستقرار عملهم .

الأوضاع العامة الآنفة هي خلفية مطالب العمال المستمرة لتحسين شروط استغلالهم والتي دفعتهم الى خوض عدة نضالات( إضرابات ، مسيرات، وقفات…) ستتوج باعتصام العمال البطولي منذ ديسمبر 2002 الى يونيو 2004 . وفي خضم هذه المعركة المديدة تعرض العديد من المناضلين للطرد والمحاكمات وتلفيق التهم وعانى فيها العمال الأمرين بسبب ضربات الشمس وسوء التغذية وقلة/ انعدام ماء الشرب وانعدام الخدمات الصحية وعجزهم عن شراء الأدوية، وبعد ان طرقوا جميع الأبواب من قائد المنطقة وعاملها الى الوزير الأول والديوان الملكي ، وبعد استنفاذ ما وفروا وباعوا ممتلكاتهم وأثاث منازلهم، ولم يشبع التضامن اللفظي جوع أطفالهم، وتبخر حلمهم في التضامن العمالي وبعد خيانة بيروقراطية نقابتهم اثر مناورات المكتب الجهوي للاتحاد المغربي للشغل والإقالة الانفرادية لاحد المناضلين من طرف الكاتب الجهوي للاتحاد المغربي للشغل قام العمال بانسحاب جماعي ( 134 عامل ومستخدم و38 عاملا غير مرسم) من ا م ش والتحقوا بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، ورفضت سلطات امرزكان تسلم ملف تأسيس المكتب النقابي الجديد.

و بدأت رحلة مأساوية جديدة اشد ضررا بمصالح العمال، اذ تم بتاريخ 15 إبريل 2004 تنفيذ هجوم على 134 معتصما من طرف 14 عاملا من ام ش مدعومين من أعضاء المكتب الجهوي لام ش و120 شخص عاطل تم استقدامهم بتواطؤ من السلطة على ظهر شاحنة بكذبة انهم سيشاركون في فيلم مقابل 100 الى 500 درهم

في نفس اليوم قامت الإدارة بقطع الإنارة على قرى بوتازولت واوكوك وتمقيت ، وعندما اتصل نقابيو كدش بالقائد قال ان 120 شخصا سيعودون الى وارزازات.

هولاء نزلوا الى محيط المنجم مصحوبين بالكاتب الجهوي لام ش مسلحين بالهراوات والقضبان الحديدية والسكاكين. شرح لهم المدير المحلي للمناجم ان مهمتهم الحقيقية هي اقتحام المنجم بالهجوم على العمال وان عليهم البدء برشق النساء والأطفال لإثارة غضب العمال . وتم تراشق بالحجارة واصابة عامل من ام ش يدعى اجمد بركوني بجرح في يده ونقل الى المستشفى بوارززات و أجريت له عملية جراحية مشيوهة أعلنت وفاته يوم 24 ابريل 2004 .

دعا المكتب الكونفدرالي الى تنظيم اضراب عام في كل القطاعات تنديدا بالهجوم وتضامنا مع المعتصمين، لتتلوه محاصرة القرى المنجمية والمعتصمين من طرف القوات المساعدة والدرك الملكي والكلاب… هكذا تم تفجير المعركة العمالية من الداخل وفتحت أبواب الإدارة المحلية للشركة ليستانف 10 عمال من ام ش عملهم بجانب عشرين عاملا مياوما بدعوى صيانة مرافق الشركة، ليعلن العمال عن فك الاعتصام واستئناف العمل من يوم 14 يونيو2004 . غير انه بدل ان تجد المشاكل طريقها الى الحل ازدادت حدة حيث نفذ ترحيل واسع تحت التهديد لسكان قرية بوتازولت ، حوالي 111 اسرة منهم 17 أرملة وتزايدت المتابعات القضائية وتسريح المناضلين. تقديم 14 عاملا امام النياة العامة بالمحكمة الابتدائية بتهمة الضرب والجرح والسرقة واستعمال السلاح الأبيض وعرقلة حرية العمل (هكذا نفذ وعد اتفاق 30 ابريل مع النقابات بتعديل الفصل 288 من القانون الجنائي) . وتوبع منهم 9 ثلاثة منهم في حالة اعتقال . بعد وفاة البركوني اعلنت الفمحكمة الابنتدائية عدم الاختصاص و أحيلت القضية على الغرفة الدجنائية بمحكمة الاستيناف. وضع الملف بين يدي قاضي التحقيق الذي امر باعتقال اربعة عمال إضافيين من كدش واكد نفس التهم. وما زال رهن الاعتقال والمتابعة القضائية كل من خويا محمد ، محمد ازنكوط ، حسين نباش، عبد الرحمان ايت ابراهيم ، بوتلات محمد ، حمو ايت ابراهيم.

4- التجربة والدروس المستخلصة :

ضعف التضامن: قبل انطلاق الاعتصام وقبله طالب عمال مناجم ايميني من خلال بياناتهم و دعواتهم الى الرأي العام ومن الجماهير العمالية في كل مواقعها التضامن معهم في محنتهم ، وهذه الصيحات وحدها كافية لتبيان ضعف التضامن الواجب لمعركة من هذا الحجم. لقد كان واجبا على مناصري قضية النضال العمالي التجنيد بكل الوسائل لدعم هذه المعركة ابتداء بالدعم المادي وتكوين لجان تضامن في كل المواقع العمالي والتضامن بالإضراب … وبقي الدعم في يعض الاستثناءات القليلة لفظيا الى حد كبير، وتم استبدال التضامن الفعلي باسوأ أشكال الاستجداءات والاستعطافات عبر دعوات ونداءات إنصاف العمال من قبل أعدائهم الطبقيين.

والإعلام؟ برهنت هذه المعركة كسابقاتها العديدة الحاجة الملحة الى إعلام نقابي مناضل بما هو أداة من أدوات النضال الطبقي، إعلام يكون وسيلة لتثقيف النقابيين والتشهير بأوضاع الاستغلال وبوصلة توجه النضالات. فلقد كان النزر القليل من أخبار الجرائد بكائيا ولم يتجاوز التقارير الفارغة من كل مضمون طبقي ومقالات لا تنفك تتحدث بلغة ومنطق أرباب العمل عما اسمته ازمة الشركة وضرورة انقاذ ما يمكن انقاذه .

ماذا بصدد القيادة؟

لم تفلح القيادة النقابية المحلية في تحويل هذا النهوض الى نهوض واع ومنظم وواسع . فردها على الهجوم كان باهثا اذ انحصر كما هو الحال دوما في المراسلات الاستعطافية الى السلطات وبرقيات بصدد الخروقات المتكررة لادارة الشركة . فما الغاية من ذلك؟ فلو كانت الغاية اخبار الوزراء والسلطات بماساة العمال وتشريدهم فلا داعي لذلك لان لكل وزارة مصالحها الخارجية وللدولة جهاز مخابراتها التي تعفي ايا آخر من تلك المهمة . وان كان القصد اثارة " شفقة " من هم في الفوق فهذا وهم لان الرأسماليين هم أعداء الطبقة العاملة. فالواجب هو تحويل مناورات الإدارة وصنيعتها الى مادة للتشهير وسط العمال بهدف رفع وتيرة وعيهم بأعدائهم بدل إفساده بجعل العدو حكما! وبذر الأوهام حول إمكانية ثني الإدارة وخدامها عن هجماتهم وتنكيلهم بالعمال من خلال التباكي والاستجداء، فركض البيروقراطية وراء سراب المساعي والحوار بإحلال سياسة مصالحة طبقية و" سلم اجتماعي" محل مهمتها الأصلية المتمثلة في النضال الحازم عن مصالح العمال لا تأثير له غير إضعاف النقابة موضوعيا، اذ تدوس بأقدامها يوما بعد يوم مشاعر وقناعات العمال في ضرورة التنظيم النقابي ، اكثر من هذا قامت القيادة بتفجير المعركة عبر شق صفوف العمال (الهجوم سالف الذكر)

أبانت المعركة المعزولة لعمال مناجم ايميني عن واقع أزمة الحركة النقابية المغربية وعن قصور وضعف المنتسبين لخط النضال الطبقي وتطرح على جدول أعمالهم حزما ومجهودات جبارة في طريق بناء نقابة مكافحة .

وكما قال شقيق المناضل النقابي والحقوقي المعتقل خويا محمد، الذي قام بجهد إعلامي محمود على شبكة انترنت لم يقم به الكدشيون محليا ولا وطنيا: " هل تجعلنا اعتقالات النقابيين ومناضلي حقوق الإنسان جناة؟ اننا جميعا معنيون … فمجتمعنا ليبرالي اكثر فاكثر. لا يستفيد من الثروة غير الأغنياء. الاستغلال مبني على الإقصاء والتحكم والقمع. و أصبحت حماية الحقوق المؤسسة على التضامن والتقاسم عرضة للاتلاف. النتيجة ان عدد متناميا من الأشخاص يهوي كل يوم آلي الفقر والإقصاء. لا يمكننا ان نترك هذه الأوضاع اللاإنسانية والوحشية، التي تدوس الحق في الشغل وفي الاحتجاج وفي الحياة ، تمر لا مرئية(…) بوجه أخطار العولمة الاقتصادية التي يفرضها النظام الليبرالي ، بات بقاؤنا متحدين وتعزيز فعلنا أمرا لا غنى عنه اكثر من ذي قبل.

فلنقاوم أجمعين هذا المجتمع الذي لا دافع فيه لوجود العدالة غير إعادة إنتاج ما هو قائم وليس إنتاج الجديد ، وحيث ما زالت المساواة الاجتماعية مجرد كلمة."

عماد.

24 اكتوبر 2004


نونبر 2004
المناضل-ة عدد: 2

#المناضل-ة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات