أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فرات محسن الفراتي - رسائل التعري.. علياء المهدي فعلتها بمصر والفيمن يجتحن أوربا















المزيد.....

رسائل التعري.. علياء المهدي فعلتها بمصر والفيمن يجتحن أوربا


فرات محسن الفراتي

الحوار المتمدن-العدد: 4179 - 2013 / 8 / 9 - 09:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لازلت اشعر بقشعريرة البرد تتصاعد الى عنقي عندما اتذكر اجواء ذلك اليوم.. فعلى الرغم من ارتدائي للمعطف الثقيل ولكومة من الملابس السميكة الا انها لم تشفع لي كي اشعر بالدفىء المنشود وسط برودة الاجواء القارسة.. ولم تكن الايام الاخيرة من ايلول كما عهدتها بالشرق الاوسط نابضة بالدفىء بل كانت قاسية البرودة هنا في العاصمة السويدية استوكهولم، درجة الحرارة انخفضت حتى 12 درجة تحت الصفر، وصفير الرياح لا يعلو عليه سوى جلدها لوجهي.. قررت الابتعاد عن الجسر الفسيح العابر فوق بحيرة هيلجندوشمان الصغيرة حيث ما عدت اقوى لفحات هواءه القاسية فسارعت للانعطاف نحو يمين الشارع لآستتر قليلاً من عصف الرياح الباردة بمبنى البرلمان السويدي الذي انتصب ببنيانه الفخم المهيب بلا جدران تعزله عن الشارع الذي اسير فيه.. اطبقت يداي على بعضهما متلمساً بعض الدفىء وسرت قليلاً مقترباً من الساحة الفسيحة امام البرلمان حيث يتواجد العديد من المتظاهرين الذين كثيراً ما تألفهم بلافتاتهم الملونة وتقاسيمهم الصامتة ومطالبهم المختلفة.. الا ان ما شاهدته هذا اليوم كان استثنائياً بل صادماً.. وسط هذا البرد الشرس.. رجل ينام على الارض عارياً تماماً كما ولدته امه.. كان صامتاً رغم ان احكامه لقبضة يديه تحمل عذاباته الصارخة بسكون تحت قسوة الاجواء.. استمالت الحيرة برأسي نحو توقفي بأندهاش لغرابة ما يجري.. عري وتحت هذا البرد وامام البرلمان وبين متظاهرين.. مالذي يجري؟
وصل احد الاصدقاء ليكسر بتحيته شرودي.. فسارعته بالرد مالذي يريده هذا الرجل! مشيراً الى المتمدد عارياً.. فالمطالب كانت باللغة السويدية التي لا اجيدها في حين انها لن تستعصي صديقي الذي يعيش بالسويد منذ نصف عقد، لنتصور ما الذي دفع هذا الرجل للتعري! لقد صدر امر ملكي سويدي بتطعيم كل افراد الشعب السويدي بلقاح مضاد لآنفلونزا الطيور التي كانت متفشية عالمياً تلك الفترة (والقصة تعود للعام 2009)، الا ان ناشطين حقوقيين احدهم هذا الرجل المتعري على مقربة ثلاثة امتار مني.. احتجوا امام البرلمان لكون القرار الملكي يشير الى شمول المواطنين والمقيمين باللقاح فقط متناسياً او متغاضياً الاجانب الموجودين على الارض (مثلي انا كصحفي كنت في السويد اثناء صدور الامر الملكي كمسافر لست مواطناً سويدياً او مقيماً بالاراضي السويدية) فربت صديقي على كتفي ضاحكاً (انهم يتظاهرون من اجلك يا رجل!) بأشارة للمطالبة بشمل غير السويديين بلقاح الوباء الخطير الذي يجتاح العالم.. وبعيداً عن تقييم انسانية القرار الملكي وفرط انسانية السويديين المتظاهرين لتوفير اللقاح لكل من على ارضهم ماداموا بشرا.. وبلا شك فقصة الانسانية بأوربا الغربية اكبر من ان تناقش واعمق من ان تمثل بمثال واحد.. لكن السؤال لما تعرى ذلك الرجل؟ الموضوع ليس عري فحسب.. بل تحت برد لا يرحم.. اي رسالة قاسية تكبد ذلك الرجل عناء ايصالها!
انه يرغب بأثارة كل من حوله بصدم الجميع بجلب الانظار ليس لبطولة او لاستعراض جسدي بقدر ما بالرغبة لآيصال رسالته.. انه تعرى لكي تصل مطالبه.
لم تغادر هذه الحادثة ذاكرتي.. ومرت اشهر قليلة لترحل بي الكبيرة غادة السمان نحو ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في تحقيقاتها ومقالاتها الصحفية المميزة حول اسفارها والتي جمعتها بكتاب (الجسد حقيبة سفر) وفي غمرة استمتاعي بقصص غادة ومشاهداتها.. وفي تحقيق عن باريس في صيف عام 1974 تقول غادة بأن شاطىء البحر يعج بالنساء عاريات الصدر فتقليعة المايوه ذو القطعة الواحدة (الكلسون فقط) تجتاح فرنسا.. منذ مدة لدرجة ان غادة توقعت ان تغلق نوادي التعري ابوابها بعد ان اصبحن الباريسيات والسائحات الاجنبيات عرايا الصدر، وفي موقع اخر تنقل السمان حوارية مع فتاة جلست على الساحل عارية الصدر.. فسألتها غادة الاتشعرين بالخجل من ظهور صدرك نافراً بلا غطاء؟ فردت الشابة وانتي الا تخجلين من لبس هذه الملابس الثقيلة بهذا الصيف الحار!.. وبطبيعة الحال فهذه القصة تقدم لنا رؤية للتحرر السائد بقيم وثقافات العقود القريبة الماضية وحجم البون الثقافي في الرؤية للجسد وعريه.
ان الثقافة التي تمنح الانسان جسده.. ليست كثقافة تسلب الانسان جسده ولا تعتبره ملك له.. ومفاهيم الحرية والذات (والجسد جزء من الذات) باتت تختلف من مجتمعات الى اخرى.. فالتحرر لم يعد من قيود حقيقية او افتراضية.. بل هو تحرر من افكار سائدة واحكام مسبقة.. والتحرر وتصحيح الافكار الموجودة كما السعي باللا مألوف.. فبعيداً عن الاحكام السريعة وزج الاديان والاعراف والقوانين.. لما لا نتحلى بروحية البحث.. لنقرأ الموضوع بمنطق المتغيرات التي قد تكون غيرت فطرتنا الانسانية بمراحل التاريخ.. ان تصحيح الرؤية السائدة نحو الحرية كما النظرية الصارخة.. كمن وجد جماعة من الناس يمشون على رؤسهم لآنهم لم يتعلموا المشي على الاقدام.. وحين حاول التصحيح ومشى امامهم على قدميه.. ثاروا ضده لآنهم ضنوه مجنون او يريد قلب حياتهم بالعكس!! لآنهم بأختصار يعتقدون ان واقعهم هو الصحيح بالتقادم.. والتقادم هنا هو قصة طويلة.. فالابحار به سيشعرنا كم نحن اسرى الان وكم كان الجسد الانساني حراً منطلقاً بعريه بعيداً عن تشويهات المحيط ومحاذيره وتابوهاته.. يبدو ان العري لم يغطى وحده بل قولب معه العقل والمبادىء الفكرية السائدة.. ثم لما يسمى عري؟ اترى منه اشتق وصف (العار) اباتت اجسادنا التي نعيش بها قد تجلب العار ان عريت!! لا اعتقد ان ذلك اكثر من تفلسفات كلامية.. سيرفضها منطق الحياة والحرية.. ان ضبطت بوصلة الفكر بعيداً عن الاقطاب السائدة.
ثورة الاتصالات غيرت مفاهيم الانسان العربي.. فلعقود طويلة رزخ الفرد العربي تحت التوجيه الثقافي المنظم الذي تعاضدت المؤسسات الدينية والسياسية على فرضه من خلال مناهج التعليم والمطبوعات والمترجمات المنتقاة والمخرجة على مقاسات محددة مسبقاً.. فعالم الرقابة والمحاذير والخطوط الحمراء حدث عنها ولا حرج.. الا ان المتغير الذي قدمه العقد الاول من القرن الجديد كان بثورة الاتصالات، وخاصة الالكتروني والفضائي مما قوض من سلطات الدين والسياسة على الفرد وحرر من وصوله للمعلومة ولاحقاً من تبادل الاراء والانفتاح على ثقافات حجبت عنه وبطريقة غير مفلترة وان نسبياً.. بالتالي بدأت مراحل التصدع تصيب الاطر القديمة ورويداً تحطمت اغلفة منمقة لوجوه قبيحة تسترت بجهل المحيط الذي لم يعد جاهلاً وان بنسب معينة.
موسم الربيع العربي كما بات يعرف زاد من تحطيم التابوهات من جانب وخاصة بأطلاق الحريات السياسية.. ودخل مواجهة شرسة مع تابوهات الدين من خلال صعود تيارات دينية يرى عديدون انها ضرورات مرحلة ستنتهي سريعاً في حين يخشى اخرون بالدخول بتجذير للتعصب قد يصعب التخلص منه.
وفي مصر برز صراع الاراء وتضادها وخاصة بين تيارات التشدد الديني وتيارات الانفتاح والرغبة بالانعتاق من التابوهات والتعصب.. المرأة واجهت حالة غير مسبوقة من محاولة (لا انسنتها) وحجبها خلف النقاب وتحويلها لسلعة ممتعة يجب ان تقولب وتحمى بجدران من الملابس او المحاذير لآنها ملف جنسي فقط.. هكذا اصبح التصور للمرأة في نظر العديد.. وبأشهر قليلة كشر التعصب عن انيابه ليصل به الحد الى لف تمثال حورية البحر بالاسكندرية بالقماش معلناً حملة الحجاب وحرمة بقاء تمثال الحورية سافراً!!
في هذا الجو المحبط الذي اختصر الستر والشرف بين الفخذين، فجرت شابة مصرية صدمة كبيرة داخل اوساط المجتمع المصري اختلفت الاراء بين من يؤيدها وبين من يعارضها.. عندما عرضت صورتها عارية عبر مواقع الشبكات الاجتماعية في ردة فعل سرعان ما اصبحت الاشهر تجاه المد الديني على مجتمعات الربيع العربي وخاصة في مصر..
علياء المهدي ابنة العشرين ربيعاً الطالبة في كلية الاعلام.. انشئت مدونة مجانية على الانترنيت بعنوان (مذكرات ثائرة) ونشرت صورة عارية لذاتها وبعض الصور العارية البسيطة او المرسومة مذيلة صورتها بالتعليق التالي (حاكموا الموديلز العراة الذين عملوا في كلية الفنون الجميلة حتي أوائل السبعينات واخفوا كتب الفن وكسروا التماثيل العارية الأثرية، ثم اخلعوا ملابسكم وانظروا إلي أنفسكم في المرآة واحرقوا أجسادكم التي تحتقروها لتتخلصوا من عقدكم الجنسية إلي الأبد قبل أن توجهوا لي إهاناتكم العنصرية أو تنكروا حريتي في التعبير)، ولا شك بأن ما كتبته علياء كان يشير لموقفها من تيارات محاربة الحريات خاصة الفنية والجنسية.
علياء ضهرت بصورة انتزعت منها الالوان وهي تقف عارية الا من جوارب شفافة حتى فخذيها مع حذاء ووردة على الشعر تركت الوانهم الحمراء بالصورة لتعطي رسالة عن واقع الزمن الماضي عن تقليعات العقد السابع من القرن العشرين عبر تسريحة شعرها الكلاسيكية.. عندما كان الجنس والفن ثورة واليوم يراد به ان يكون جريمة.. وبطبيعة الحال فأن الاسطر القليلة التي كتبتها علياء تختصر متحولات طويلة في الواقع الاجتماعي المصري.. من الرؤية للمرأة، للحرية، للجسد، للعري للفن، للجمال، للثقافة، بين الامس واليوم.. علياء بجسدها النحيل وصورتها العارية الخالية من فتنة الاغراء او التغنج، اصبحت موضوع الجميع.. بل لم يبالغ من وصف الاهتمام بقصة علياء كحالة من الهوس الجنسي المجنون.. وهاجمها اضعاف من دعمها واستمر الخلاف حول توصيف علياء هل هي عبقرية ثورية؟ ام عاهرة؟ ام مجنونة؟ ام ماذا.. وكعادة المصريين الغريبة في السخرية من كل شيء، بعيداً من قراءة ما بين السطور او حتى السطور ذاتها، سرعان ما انقلبت توصيفات علياء لحالة من التندر الغريب كوصف احد الاعلاميين لتصرفها (انها الرغبة في زيادة عدد الفالورز في تويتر!)، اعلامي اخر هاجم علياء بعد ايام قليلة من انتشار صورتها واصفاً سلوكها ضرباً من الجنون والمجون.. وبعد اكتساح الاخوان المسلمين لمقاعد مجلس الشعب المصري وتعالي الاصوات والشائعات نحو اسلمة المجتمع.. خرج ذات الاعلامي ومن ذات المحطة وذات البرنامج ليقول انه لن يرضى على فرض الاسلمة بل ان استوجب الامر سيتعرى كما فعلت علياء! بل ومزيداً بأنه سيدخل ميدان التحرير عارياً.. اترى موقفه تغير؟.. ام انه تفهم خطوة علياء؟.. ام انه استخدم الفكرة كتخويف؟؟
ردة الفعل المصرية الغاضبة ضد علياء والتي وصلت لمطالبة البعض بأعدامها!.. بينت حالة التراجع بثقافة الحرية بالمجتمع المصري.. ففي سبعينيات القرن الماضي وفي كتابه المسلي (اعجب الرحلات بالتاريخ) وفي غمرة سرد الكاتب انيس منصور لقصة اسفار ابن بطوطة وفي تعليق على رواية عن رجل في عهد ابن بطوطة تسلق برجاً او جذع شجرة ووقف عارياً ليجذب الناس لقضيته التي يفترضها ابن بطوطة بأحتمالية فقره!.. يعلق انيس منصور بأعجاب (وهذا ماقامت به الراقصة المصرية دولت سليمان عام 1957 عندما تسلقت تمثال نيلسن في لندن عارية).. اي فرق في الرؤية من تعري امرأة بين عهد دولة سليمان وعهد كتابة نص انيس منصور وبين علياء المهدي وعهد الربيع العربي!.. لا شك ان ردة الفعل الهوجاء تجاه ما فعلته علياء يبين حجم التراجع الخطير في ثقافة المنطقة ومجتمعها الفكري وحرياتها.
يبدو ان نمطية الافكار الاجتماعية خلال اخر اربعة عقود قد صيرت مطالبي القمع لذاتهم اكثر من العكس.. فلم يكن مستغرباً وفق القيم الاجتماعية الحالية ان نجد ان اكثر من حارب علياء هم نساء مثلها.. يعانين الكبت واجسادهن باتت حمل ثقيل عليهن.. لا يستطعن اخفائها عن العيون المسمرة بشراهة الافتراس.. وغير قادرات على حماية اجسادهن من بطش التحرش الاعمى باللمسات او الكلمات.. هل اسلافنا الذين عاشوا عرايا على هذا الكوكب في يوم ما، كانوا بهذه الفجيعة الجنسية؟؟ ثم ما الذي غيره ما يعتبره البعض ستراً كمضاداً للعري.. وهل المجتمعات المنفتحة حتى الاباحة تعاني مشكلات اسوء من مشكللاتنا؟؟
هل لازال الاخر سيئاً كيفما اتفق.. دون تدقيق وبحث ودراسة.. الجواب الجاهز لدى العديد (ربما) والسبب بسيط ان شعوبنا لا تقراً.. وبأمكان اي متصفح بسيط للانترنيت ان يجد عشرات مقاطع الفيديو على يوتيوب وهي تصور رجال دين يحثون على اللا قراءة او اللا سؤال والاعتماد على جرعات (المعلومات) الحقن التخديرية التي لقنوها لجمهورهم.. ورغم ان عصر الانفتاح الالكتروني كسر هذه السطوة.. الا ان العديد ممن تعاطفوا مع علياء تعاطفوا بأستحياء مذيلين ارائهم بعبارات (وقد لا اتفق معها، لا ادعو الى ما تدعو اليه، لست اروج للعري او الجنس) وبصدق اعذر الكثير من هؤلاء.. انهم وبأختصار يخافون.. نعم انه الخوف، في مجتمعاتنا صار الانسان يقتل على الرأي ويكفر ويساء له في عقله وشرفه وافكاره.. فلذلك لجىء الكثير الى التستر بطرح ارائهم والتلاعب بها لمماشاة التيار متعكزين على مهارتهم بالتصرف بالجمل ومعتمدين التورية اللغوية وكأنهم حينما يكتبون مقالاً يسيرون بين حقل من الالغام لا نحو فضاء من الحرية وجو من القراء والتلاقح والنقد.
الجسد بمحيطنا ضحية عاري كان ام تحت الملابس.. بل انه تهديد ايضاً.. نعم الجسد العاري اصبح تهديد لسطوة القيم المتعصبة والادانات الجاهزة لكل من يحاول التغريد على هواه.. لان الاعراف توجب التغريد داخل السرب!
ولم يفق البعض من صدمة علياء المهدي ومن تلميحات عديدة تشير الى ان الشباب الحر سيواجه التعصب وسلب الحريات بالتعري، لتنتشر عبر الشبكات الاجتماعية صورة لسيدة تونسية عارية تدعى نادية.
الا ان الاعلام بل حتى النشاط عبر المجتمعات الالكترونية العربية سرعان ما دس رأسه بالتراب متغاضياً ما يري كما تفعل النعامة عند استشعار الخطر.. في حين تحول البعض لمتاجرين بأسم المبادىء على حساب قصص التعري.. وبتنا نسمع خطب حماسية عن العفة والشرف والغريب من منابر بعض مدعي الليبرالية بعد ان كانت هذه الصرعة لرجال الدين حصراً.
نادية الحذرة على حريتها من وصول التيار الديني الى السلطة ومتغيرات اجتماعية تحدث على الارض تجذر التعصب، حاولت بصورتها العارية ان تعكس بساطة الحياة بجسد بلا اي مجملات من مكياج او اكسسوارات.. ببساطة بالشكل وحزن بالنظرة.. ربما ان رسالتها كانت انني واحدة من الناس.. او لا منتمية عبر ارهاصات كولن ويلسون الستينية من القرن الماضي.. اما الغيتار الذي حملته في الصورة فربما يشير مع جسدها لثنائية الفن والجمال المهدد بأمواج التعصب الديني.. ام ربما هي اشارة مزدوجة للفن من جهة وللحرية الجنسية من جهة اخرى عبر اختيار غيتار زهري اللون لعله كناية للمثلية الجنسية التي تواجه حرباً هوجاء في دول المنطقة.
حول العالم اليوم تنتشر موجة الفيمن (Femen) الصادمات، تلك الفتيات الاوربيات الشقراوات ومعظمهن من اوكرانيا واللاتي يحاربن القوانين الجائرة عبر تعرية اثدائهن.. تراهن يفاجئن الجميع بخلع قمصانهن وابراز اثدائهن وقد يكتبن على اجسادهن عبارات ضد التسلط وتقييد الانسان يدعون للثورة ضد الدين والقوانين الجائرة التي تستغل المرأة او تميز ضدها.. وبطبيعة الحال فحركة الفيمن التي تنتشر بأوربا اليوم هي ردة فعل لآستغلال الجسد الذي دفعت دولة فقيرة كأوكرانيا ضريبة قاسية منه حين جرى استغلال اجساد الاف المراهقات البريئات من قبل تجار الرقيق الابيض وشبكات الدعارة في اوربا والشرق الاوسط والعالم العربي للمتاجرة بأجساد الاوكرانيات مستغلين فقرهن.. بالتالي نشأت الفمن كحركة لتعري المجتمع عبر تعرية الاثداء.. بعبارة اخرى فنساء الفيمن يبرزن صدورهن امام المجتمع ليقولوا اننا نبرز اثدائنا امامك انها ملكنا ان اجسادنا ملكنا ونحن احرار بها وليست ملك لنقودك لتشتريها لتمارس متعك الجنسية المكبوتة.. هل انت تخجل من رؤية اثدائنا بالشوارع؟ اذن لماذا تساهم عبر دينك وقوانينك بأمتهان اجسادنا بالمال بالخفاء.. بالتالي ففيمن هي ضاهرة فضح للنفاق الاجتماعي.. انها ثورة نسوية عبر الصدمة.. وتتناقل وسائل الاخبار بين الفينة والاخرى ان ناشطات من فيمن فاجئن المؤتمر الصحفي للرئيس فلان او للوزير فلان وقفزن على المنصة امامه عاريات الصدور.. والرسالة دائماً نحن احرار بأجسادنا واجسادنا ليست اداوات لآمتاعك عبر نصوصك الدينية او القانونية.. نحن لسنا دون الرجال نحن بشر كالرجال.. كفوا تميزاً ضد المرأة.
ان الجديد مرفوض مهما كان وكيفما قُدم.. ورفض الجديد لم يكن تقليعة شرقية بل كان حالة من العالمية حيث لا ننسى ذلك الرفض الديني والحكومي لآفكار جاليلو وكابرنيكوس وغيرهم في العصور الوسطى حينما طرحوا كروية الارض.. فالمنطق العقلي انذاك سيقول ان الكروية ستسكب المحيطات اذن النظرية الجديدة مستحيلة.. وبعد قرون اتضح ان الارض كروية وقبلت فكرة كانت بيوم ما تؤدي بقائلها للقتل.. انني اورد هذا المثال فقط لآذكر بأن استغرابنا لكل جديد لا يعني غرابته حقاً.. بل هو شعور الصدمة.. الذي لا يصح ان يجر نتائج سريعة.. بل يفترض التأمل والقراءة الدقيقة والمشاهدة بكل الزوايا قبل اخذ الموقف او اطلاق الاحكام.
ثم لا يبدو لي ان التعري جديد ولكن فكرته بهذه المرحلة جديدة.. انها الرغبة بالصدمة.. شعور البعض انه لن يصل صوتي الا بصدمة.. ترى الم يعش كل العرب هذا الشعور عندما يرغب ان يقول شيء او يفعل شيء ولا احد يعيره الاهتمام او يستمع له.. كيف سيلفت النظر اليه.. البعض تعرى امام الجميع ليلتفتوا اليه.. نعم ربما سيلتفتون بفضول الجسد بأستغراب العري! الا ان ما وراء الجسد قضية.. ما وراء العري قصة.. رسالة.. اشارة.. صرخة.. تصل الى الجميع حتى وسط زحام الضجيج.
وان كان جسد اي انسان هو ملك له.. وله حرية اختياره.. عبر مبدأ الانسان المخير لا المسير.. فأن التعري من عدمه هو خيار.. اما ما يحصل في الجو المشحون لموسم التغيير العربي ربما يتعدى ملف الحريات ليصبح تعري للصدمة طلباً للانتباه.. فعندما تغيب الاصوات وتتعالى الصرخات ولا مجيب.. بل لا مستمع.. ترى كيف سيصل الرأي الا عبر الصدمة، كثيرون يحذرون بأن التغاضي عن الشعوب.. والايغال بالظلم وتعاظم البون الاقتصادي.. وسلب الحريات.. سيولد الانفجار، والصدمة انفجار، والتعري انفجار.. ومطالبة بتعميق التغيير.. بتجذير التغيير بكسر المألوف.. انها رسالة لن يفهمها الجميع..



#فرات_محسن_الفراتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الابداع الروائي بخلطات دان براون المشوقة
- هل ستعود شان إلى العراق يوماً ؟
- وجود وعدمية الله ونقاشات ما بعد الدم
- امرأة بين تجاذبات الماضي وخوف الحاضر
- كذبة الثقافة العربية
- الصابئة المندائيين الاقلية المهاجرة جبراً من العراق
- تجذر الخرافة بالعقل المسلم.. تنبؤات نهاية العالم انموذجاً
- ان كنتم تستخدمون الدين لمصادرة الحريات وقتل الاخريين.. فأنا ...
- روح الاوان السبعة
- وهم الانفتاح الثقافي وازمة الترجمة
- على مشارف السبات
- ملل المعاناة
- قراءة في الدور التركي في ازمة المختطفين اللبنانيين بسوريا
- مشكلة الاقليات الدينية في مصر
- الاحباط الشعبي واللا حلول.. قصة ليست بجديدة
- اعادة الرؤية العربية.. جدلية الداخل والخارج في ضوء صفقة الاس ...
- مشاهدات من داخل كنيسة سيدة النجاة
- تراجع الذائقة الفنية بين جمعية الثقافة وعولمتها
- اخر حوار صحفي مع النحات محمد غني حكمت قبل رحيله
- ازمة من التعليقات على اوراق كتاب قديم


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فرات محسن الفراتي - رسائل التعري.. علياء المهدي فعلتها بمصر والفيمن يجتحن أوربا