أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات محسن الفراتي - وهم الانفتاح الثقافي وازمة الترجمة















المزيد.....

وهم الانفتاح الثقافي وازمة الترجمة


فرات محسن الفراتي

الحوار المتمدن-العدد: 3888 - 2012 / 10 / 22 - 23:57
المحور: الادب والفن
    


قبل عامين اقتنيت من احدى مكتبات دمشق نسخة لطبعة جديدة من رائعة فردريك نيتشة (هكذا تكلم زرادشت)، وهالني ان حجمها مختصر لدرجة واضحة من عدد الاوراق مقارنة بحجم الترجمة العربية الاشهر عن المكتبة الثقافية في بيروت قبل ما يزيد عن نصف قرن.. وما ان ابتدأت بالقراءة حتى زاد استغرابي وانا اجد النسخة الجديدة وقد خصص ربما ربعها الاولى للاعتذار من القارىء ولأستغفار الأله عن ما ورد من نصوص قد تكون الحادية وردت بالنص الاصلي للكتاب!! كنت اكرر قراءة الفقرة الواحدة احيانا ثلاث مرات خشية ان اكون قد فهمت النص بطريقة خاطئة.. ايعقل ان الناشر والمترجم يعتذران عن ما خطه كاتب الماني راحل منذ اكثر من قرن!!
لقد توقعت ان الترجمة الجديدة بواقعها المختصر للكتاب الخالد.. قد تحتوي قراءة جديدة او تعليقاً جديداً او رؤية تحاول مواكبة فارق الزمن بين اول نشر للكتاب وعالم الان، الا ان الذهول لفني لدرجة الاحباط من مأل الواقع الثقافي المتدني والذي نسي حرية الفكر وصار يستغفر للفكر ان اراد ان يعبر عن ذاته بحرية!!
ويال الغرابة هنا ايضاً.. فبالوقت الذي يخشى المترجم وتخشى دور النشر والتوزيع ترجمة الكتب الادبية والثقافية والعلمية التي قد تتعارض مع طروحات الاسلام.. لا يدرك هؤلاء بأن الانتعاش الثقافي الاسلامي في اوج عصوره بالقرن الثامن والتاسع الميلاديان كان بفضل حركة الترجمة والانفتاح الفكري الذي جرى ببغداد في عهد المأمون عندما جرى انشاء بيت الحكمة وهو دار للترجمة على عكس ما يعتقد الكثيرون بأنه مكتبة!! لقد اتاحت ترجمة نصوص الفلسفة اليونانية حالة من التلاقح الذهني مع النصوص الاسلامية لتفتح حالة من الفكر العقلي استمرت حتى عهد الخليفة العباسي المتوكل الذي وصل الى السلطة على مشارف النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي وحارب التيارات الفكرية والعقلية.. فاسحاً المجال للتيارات الجامدة والمتعصبة من وعاظ السلاطين.. الذين ساهموا لاحقاً بالتعاون مع الحكام على محاربة العقل وتجميد الفكر مما ادى الى التخلف الشنيع في العالم الاسلامي بالقرون اللاحقة.
ومع ان الاصلاح القسري للحياة السياسية العثمانية في اواخر عهد السطنة وما تلاه من سقوط الامبراطورية المنخورة ووصول اللاوربيون الراغبين بالتطور والعقلنة.. ساهم بأنفتاح ونشاط لحركة الترجمة والتلاقح الثقافي ونمو الجامعات في منطقة الشرق الاوسط العربية، الا اننا ندخل القرن الجديد الحادي والعشرين وقد انحسر الفكر والعقلانية وكأننا نعود الى مرحلة نزعات ما قبل القرن الثامن الميلادي.. نحن نعيش اليوم العزلة الثقافية الحقيقية، التي لا يكسرها سوى عالم الانترنيت وهو موجه ايضاً.. فما يتداول باللغة العربية على شبكة الانترنيت يمثل واحد بالمائة قياساً بباقي اللغات العالمية.. بالتالي فبلا حركة ترجمة حقيقية لن يكون هنالك انفتاح ثقافي حقيقي.
ولعل البض سيتسائل هنا قائلاً: وهل مكتباتنا خاوية من النصوص المترجمة؟ والجواب البديهي كلا فالترجمات متوفرة.. ولكن الحقيقة هي ان اغلب هذه الترجمات غير دقيقة ومنقوصة وانتقائية وركيكة وموجهة ومتلاعب بمحتوياتها.. بالتالي فأزمة الثقافة مستمرة.
وبعيداً عن اجواء الدين والسياسة وما قد يعمد المترجمون الى تشويهه تماشياً مع اهوائهم او معتقداتهم.. الحقيقة ان ازمة الترجمة تنصب حتى على الاعمال الادبية الخالصة.
من فينا لم يسمع بشاعر التحرر الشخصي والرومانسي والمنعتق من اطر القيم الفرنسية، الاشهر ارثر رامبو.. الذي لازل ضاهرة فرنسية ادبية هامة.. ولكن السؤال ماذا قرأتم من اعماله؟ ستجد قلة قليلة او نصوص منفصلة من هذه المجلة او تلك الصحيفة.. وبترجمات غريبة تسحب المتعة الادبية ولا تستساغ لذائقة المتلقي.. والسبب هو الترجمة.
اننا لسنا فقط بعزلة عن الحراك الثقافي العالمي اليوم، وجديده ونموه واسمائه ومذاهبه واساليبه المعاصرة، بل اننا بعزلة حتى على المسيرة الادبية العالمية قبل قرون.. وما وصلنا منه على حجم ضبابيته وعشوائيته ليس الا القليل.
لازلت اتذكر قصتي مع لامارتين، حيث وفي جبال الارز بلبنان.. وعلى ارتفاع 2000 قدم حيث تشعر بالبرد القارص رغماً عن حرارة الصيف.. ترتسم شجرة ارز عملاقة، ساهمت متواليات الدهر على قتلها وايباسها حتى خلت من الاوراق.. الا ان ما يميزها هو تلك النحوتات الفنية الساحرة على جذعها الخشبي المتين.. اقتربت من صديقة لبنانية متسائلاً عن هذه الشجرة.. فأخبرتني انها (شجرة لامارتين) لم يكن اسمه مر علي قبل تلك الحادثة الا مرور الكرام، انها شجرة ارز زرعت بأسم شاعر الحب الفرنسي الكبير لامارتين.. تقديراً له عندما زار هذه المنطقة قبل اكثر من قرن، وبعد ان ماتت هذه الشجرة لم يشىء اللبنانيون قطعها او زرع بديلاً عنها لقيمة اسم لامارتين الذي اقترنت به.. فتطوع نحات من اهالي بشريء القريبة موطن جبران الام.. تلك البقة الجبلية الساحرة المطلة على وادي قاديشا الحالم.. لنحت ما تبقى منها لتبقى راسخة بالذاكرة لشاعر الحب الكبير.. والفونسو دي لامارتين ليس كاتباً وشاعراً فرنسياً تقليدياً.. بل انه متغير ثقافي فرنسي اندمجت كتاباته بسحنة النبل الارستقراطي الفرنسي وسيماء الشرق الذي زاره وتنقل فيه لسنوات.. الا ان العلة دوماً تكمن في ترجمة الاعمال.. فلم يصل للعربية من اعمال لامارتين النصية والشعرية الا النادر رغم انها كانت مؤثرة الى حد كبير في المدرسة الرومانسية الفرنسية والاوربية عموماً.. يقول الروائي العراقي علي بدر بأنه كان يستمتع بكتابات لامارتين وهو يقرأها بالفرنسية ويترجم بعضها احياناً فليست كلمات حب لامارتين الخالدة سوى نصوصاً بالفرنسية!
وربما ان هذه القلة القليلة من الروايات والاعمال الادبية التي تصلنا مترجمة للعربية لولا جائزة نوبل التي تمنحها الشهرة لما كنا رأيناها او سمعنا بكتابها اطلاقاً.
الترجمة هي الحلقة الاثمن في سلسلة الثقافة العالمية.. وبغيابها او فقدانها او انزوائها.. سيبقى العقد منفرط والذهنية مشوشة.. وبالتالي لن يجد الفكر المتعصب والسلبي اي صعوبة بالتقدم والتربع على الاذهان.. وبذلك تستمر العزلة الشاملة والتراجع الشامل.
ولعل البعض يعتقد بأن جامعات اللغات وكليات الترجمات بحاجة للدعم لتنمية حركة الترجمة!! وهذا خطىء شائع.. الترجمة لن تزدهر الا مع وجود المدارس الاجنبية الابتدائية والثانوية.. وهي شبه منعدمة بالعراق.



#فرات_محسن_الفراتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على مشارف السبات
- ملل المعاناة
- قراءة في الدور التركي في ازمة المختطفين اللبنانيين بسوريا
- مشكلة الاقليات الدينية في مصر
- الاحباط الشعبي واللا حلول.. قصة ليست بجديدة
- اعادة الرؤية العربية.. جدلية الداخل والخارج في ضوء صفقة الاس ...
- مشاهدات من داخل كنيسة سيدة النجاة
- تراجع الذائقة الفنية بين جمعية الثقافة وعولمتها
- اخر حوار صحفي مع النحات محمد غني حكمت قبل رحيله
- ازمة من التعليقات على اوراق كتاب قديم
- سخط الثقافة وأزمة المجتمع
- تحديات البذرة الديمقراطية العراقية
- كذبة الديمقراطية
- التعليقات في عالم الانترنيت
- الحريات و الحقوق و الخصوصية .. في ضوء ظاهرة رسائل الهاتف الج ...
- دوافع الاختراقات الامنية المسكوت عنها
- في ذكراه الثانية و الاربعين .. بين جيفارا و ساسة العراق الجد ...
- دقائق لن انساها .. عندما وقفت امام (منظار غاليلو) الذي عرض ل ...
- من داخل متحف النوبل في استوكهولم .. و في ظل الاجواء الحالمة
- المعارضين الأجانب في العراق .. العراق و أزمة الحوثيين انموذج ...


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات محسن الفراتي - وهم الانفتاح الثقافي وازمة الترجمة