أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات محسن الفراتي - تراجع الذائقة الفنية بين جمعية الثقافة وعولمتها















المزيد.....

تراجع الذائقة الفنية بين جمعية الثقافة وعولمتها


فرات محسن الفراتي

الحوار المتمدن-العدد: 3523 - 2011 / 10 / 22 - 21:13
المحور: الادب والفن
    


في محاضرة القيت قبل اربع وعشرين قرناً قال الاستاذ (افلاطون) لتلاميذه (الفلاسفة) اذا اردتم ان تقيموا نسبة رقي مجتمع ما، فأستمعوا الى موسيقاه الرائجة.. افلاطون اعتبر ان نوع الموسيقى والاغاني والترانيم التي يستمع لها اي مجموعة بشرية (مجتمع)، تمثل مدى تحضر وثقافة هذا المجموع.. بعبارة اخرى لقد ادرك الفيلسوف الكبير ان (الذوقية) و(الثقافة) متلازمان.. بل الربط بينهما يمكننا ان نعبر عنه الان بوصفه زواجاُ كاثوليكياُ لا طلاق فيه.
فالذائقة والثقافة ينموان بشكل طردي متوازي.. فكلما سمى الانسان ثقافيا ومعرفياً.. كلما ارتفعت ذائقته الفنية، ولاحقاً بات الفن الكلاسيكي الراقي يكنى بفن النخبة.. وقد صور الخطأ الشائع بأن نخبة القرون الماضية هم طبقة السياسيين والعسكر، والحقيقة ان النخبة كانت ولازالت هي الطبقة المثقفة.. التي يعلم الساسة قيمتها فيطمحون بأن يحسبوا جزأً منها.. بالتالي فالثقافة هي العامل الاساسي بواقع الذوقية الفنية.
العالم العربي المعاصر.. بل منذ اربعة عقود وربما اكثر.. يشتكي من تراجع متداعي بالذوقية الجمعية في المجتمع فنياً، وربما هنالك شبه اجماع على تشخيص حالة التراجع الذوقية العامة.. ولعل هذا التراجع لم ينعكس على الموسيقى العربية فحسب بل انعكس على ذوقية المتلقي العربي في التعاطي مع الفنون الموسيقية العالمية اجمالاً.. وللتعمق اكثر في مسببات ذلك التراجع الذوقي لابد من تشخيص الاشكالية الثقافية العربية.. انسجاماً مع قناعتنا بالرأي القائل بأن الذوقية مرتبطة بالثقافة.
الاشكالية الثقافية العربية وتراجعها.. وما تبعه ذلك بالانعكاس على الذائقة الجمعية للموسيقى يعود الى عاملان رئيسيان كما اعتقد وهما تداعي البنيوية الثقافية للمجتمع وخاصة في المؤسسات التعليمية، واللقاء الضبابي المشوش بين العولمة والثقافة العربية.
وبعيدا عن الخوض في تداعيات الذوقية العربية تجاه الموسيقى العربية وفنونها المتنوعة.. سأخوض في تداعيات (الذوقية) ذاتها، والتي خلقت لاحقاً هذا الواقع الفني الهجين ربما.. فالبنيوية الثقافية للمجتمع تأكلت بشكل شمولي تحت ضربات المد الفكري القومي والديني.. كما ان المؤسسات التعليمية العربية تراجعت بشكل مثير للدهشة فيكفي ان نكتشف بأن في التسلسل العالمي لأفضل 700 جامعة في العالم لا يوجد الا عدد يسير من الجامعات العربية واولهم تسلسلاً في المرتبة (200) على مستوى العالم، كما ان تفشي الفساد الإداري في القطاعات التعليمية ساهم في تراجع مستوى الطلبة والدارسين.. مع نمو غير مسبوق في ظاهرة الامية نتيجة التردي الاقتصادي وعمالة الاطفال، ان تراجع المؤسسات التعليمية التي تقدم البنى الاجتماعية التحتية انعكس بوضوح على الواقع الثقافي في العالم العربي.
المفكر المصري المغترب دكتور طارق حجي تحدث في احدى محاضراته مؤخرا عن المفارقة الرقمية بين نسبة ما يقرأه العرب تجاه غيرهم من الشعوب وتوصل لنتائج محبطة بشكل مخيف.. فيكفي ان نذكر من نتائجه بأن جمهورية اليونان بسكانها المناهزون لاحد عشر مليون نسمة ونصف يقرؤون ما يفوق كل ما تقرأه الاقطار العربية اجمالاً والبالغ عدد سكانهم ما يزيد عن 370 مليون نسمة بسبعة اضعاف.. تصوروا الاحد عشر ونصف المليون يقرأ سبعة اضعاف ما يقرأه الاكثر من ثلاثمئة وسبعين مليون.. بالتالي فالواقع الثقافي هو نتاج المجتمع وفق نظرية الاناء ينضح بما فيه.. وان كانت مصر الاربعينيات والخمسينيات تزخر بعمالقة الفكر كالعقاد وطه حسين والمازني وعبد الرحمن بدوي وغيرهم كثير.. فيقول الاستاذ انيس منصور احد اواخر الاحياء من تلك الفترة.. انه لا يعلم لما اختفى كل المفكرون مرة واحدة.. ربما لان التعليم اختلف يا استاذ انيس.. وان كان انسان تلك المرحلة يقيم بثقافته وقرأته.. لم تعد هذه المعايير مستخدمة اليوم بأي شكل من اشكال التقييمات الاجتماعية.
وبعيدا عن عالم الفكر وكتبه المليئة بالنظريات والفرضيات.. اليست الثقافة العربية في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين قد قدمت ثورة ادبية معاصرة لرواد من الشعراء والكتاب المجددين.. ترى هل لثقافة اليوم اي تواصل مع تلك الحقبة.. لقد انتقل الادب المعاصر لثقافة الشعر باللهجات العامية والقصص باللهجات المحلية.. فمعظم قراء اليوم لا يستطيعون المطاولة مع الادب العربي الرفيع.. لن يفهموه، فأن كان شعر السياب ونازك الملائكة واحمد رامي ونزار قباني قد تغنى به حتى المراهقون في عصره.. فشباب اليوم غير قادرين على تفهم معني العديد من عبارات تلك القصائد.
لعلي لست من انصار تمجيد الماضي على حساب الحاضر ولست ممن يتغنون بأمجاد الاسلاف متنافرين من الواقع الحاضر وواصفيه بأشنع الصور.. على العكس فالطموح المتزامن مع ثورة المعرفة والاتصالات يجعلني أتفاءل بحاضر اميز نحو غد افضل.. لكن بعض الحقائق لا يمكن تجاهلها.. ففي الوقت الذي كانت فيه جميع المدارس الابتدائية والثانوية تضم دروسا للموسيقى والفنون والتمثيل، الغيت هذه الفصول والمناهج بشكل كامل في العديد من الدول.. بالتالي وبالتضافر مع عوامل التراجع الثقافي العلمية سابقت الذكر.. لاشك بأن الذوقية العامة اصيبت بالتشوه.. عبر اللا منهجية الثقافية لصياغتها.
كما شكل الانفتاح العالمي الذي تجسد عبر ثورة الاتصالات ونضوج مفاهيم العولمة.. زيادة في ضبابية الواقع الثقافي العربي.. ربما بسبب الاصطدام المشوش والمزدحم بالتناقضات بين العولمة كمفاهيم والعربية (كلغة)، ولعل خطأ شائع يعامل (العولمة) دوماً بالسلبية او يتهمها احيانا بأنها سبباً للخراب.. وهذا فيه الكثير من المبالغة التي تعكس عدم المام كامل بالمتغيرات الاقتصادية والتقنية العالمية التي انضجت العولمة وقدمتها بشكلها الحالي حاملة العديد من المزايا الايجابية للتواصل الانساني.
الذوقية الجمعية العربية التي ساهم التراجع بالبنى التعليمية على تشويهيها.. زادت صدمة العولمة من تشعباتها، فالفرد العربي الذي فصل عن العالم الخارجي لمدة طويلة ربما لعقود.. وجد نفسه مع ثقافته التي لا يعرف عنها الا النزر اليسير في قلب عالم تتداخل به الثقافات المتنوعة.. بلا شك فأن معضلة الترجمة كان لها الدور الكبير في زيادة حدة الاصطدام الثقافي الذي زاد طرديا من هامشية الثقافة العربية المعاصرة لتنعكس بدورها طرديا ايضا على ذائقيه المتلقي العربي للفنون عموما وللموسيقى والغناء خصوصا.
العولمة لم تقولب الفنون العالمية لتقدمها بطبق واحد.. بل حافظت على صيانة التنوعات الذوقية العالمية.. فأصبح بإمكان هواة الفن الراقي الاوبرالي السمفوني متابعة ضالتهم حول العالم.. وكذلك بالنسبة لهواة الفنون الشعبية والتقليعات الشبابية وما الى اخره من متغيرات.. الا ان عقبة اللغة عطلت من ولوج المجتمع العربي لسوق تحديد الاهتمامات ومتابعتها.. وبالعودة للذائقة الموسيقية العربية فهي حاضرة حتى عالميا او لنقل عولميا ولكن بصيغتها المحدودة بمحدودية الواقع الثقافي.. فلولا الحضور الموسيقي العربي لما كان الموسيقار العراقي سالم عبد الكريم قد نجح في تضمين الة العود الموسيقية العريقة بالثقافة العربية الى جوقة الاوركسترا السمفونية.. ولولا ما يمتلكه ذلك العود من الامكانيات العولمية الصالحة للقبول لما ضهر ضمن الألات السمفونية التي يجد هواتها بأنا الفن الاقى والاعرق.
عولمة الثقافة اعتمدت عموما على انتقائية الكثرة والشهرة معولة على المعرفة الشعبية.. بالتالي دفع العرب ضريبة عزلتهم السابقة بأن ثقافتهم لم تجد جمهورها العولمي.. ان المتابع لنتائج اي بحث او دراسة او محصلة مؤلف غربي عن الثقافة العربية ستجد قيمة كبيرة لهذه الثقافة واحترام وتكريم فكري لها.. ولكن عزلتها فرضت من داخلها.. بعبارة اخرى لم يحاصروا بل حاصروا انفسهم.
فالذوقية الموسيقية السيئة اليوم والتي يجد كثيرون بأنها مستوردة على الثقافة العربية، لم تكن نتاجا للعولمة، بعبارة اخرى بأن التردي الذوقي الذي مهدت له سنوات العزلة وقولبته صدمة الاندماج هي وراء ذلك.. فلما لا يستعين الفن العربي بإيجابيات الفن الغربي الراقي.. بدلا من استعانته التقليدية بالفنون الرديئة.. كما ومن المهم التذكير بنقطة هامة وهي ان العولمة الثقافية هي واقع حال للواقع الثقافي العربي الذي يعد نتاجا للتلاقح مع ثقافات قريبة غير عربية كالفارسية والتركية والهندية وثقافات حوض البحر المتوسط الاوربي منها والافريقي.
ان النهوض بالذائقة المجتمعية نحو تطوير الفن عموما والموسيقى العربية خصوصا هي مسؤولية اكاديمية اولاً.. مناطة بواقع النظم والادارات والمناهج التعليمية.. وكذلك مرتبطة بمقدار النمو الثقافي العام الذي يربطنا بمتغيرات العالم ويخرجنا من العزلة الاجبارية ثقافيا.



#فرات_محسن_الفراتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اخر حوار صحفي مع النحات محمد غني حكمت قبل رحيله
- ازمة من التعليقات على اوراق كتاب قديم
- سخط الثقافة وأزمة المجتمع
- تحديات البذرة الديمقراطية العراقية
- كذبة الديمقراطية
- التعليقات في عالم الانترنيت
- الحريات و الحقوق و الخصوصية .. في ضوء ظاهرة رسائل الهاتف الج ...
- دوافع الاختراقات الامنية المسكوت عنها
- في ذكراه الثانية و الاربعين .. بين جيفارا و ساسة العراق الجد ...
- دقائق لن انساها .. عندما وقفت امام (منظار غاليلو) الذي عرض ل ...
- من داخل متحف النوبل في استوكهولم .. و في ظل الاجواء الحالمة
- المعارضين الأجانب في العراق .. العراق و أزمة الحوثيين انموذج ...
- قضية لبنى الحسين .. تفتح ابواب الحريات و الحقوق في العالم ال ...
- العراقيون و مشاريع اوباما
- السجارة التي احرقت روما .. تحرق بغداد
- ذكرى 14 تموز .. و ثمار الحرية
- مع قرب الانسحاب .. التناقضات تفتضح
- كنت استاذاً و صديقاً .. فليرحمك الله يا سلام الحيدري
- بين رفع الحصانة و سحب الثقة .. لا محاكمة للوزراء و النواب
- الإجابة على السؤال التقليدي .. المصالحة مع من ؟


المزيد.....




- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات محسن الفراتي - تراجع الذائقة الفنية بين جمعية الثقافة وعولمتها