أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - ورقة شاي.. قصة قصيرة.















المزيد.....

ورقة شاي.. قصة قصيرة.


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 4174 - 2013 / 8 / 4 - 05:41
المحور: الادب والفن
    


كما تمنى والدى، أمرت عمال شركة الدعاية والإعلان المسئولين عن تجهيزات يوم الافتتاح، أن يتم تعليق لافتة الإعلان الملونة بضوء فسفورى، أمام مدخل العمارة التى أتواجد بها.
- " دكتور محب سعيد الضاوى.. دكتوراه العقم والضعف الجنسى للجنسين".
لم يمهل القدر والدى كى يرى هذا اليوم الذى تمناه، يوم عودتى من بعثة الدكتوراه، وافتتاح عيادتى الخاصة فى وسط المدينة المركزية التابع لها بلدتنا. الآن أعود إلى حيث أمنيته، التى ستريحه فى نهاية عمره، وتعوضه فقد أخى منذ عقود حين غرق فى بحر " النيل".
أمره عجيب، يُسمى كل شىء بأسماء متناقضة، فالنيل يسميه على الدوام " بحر النيل"، يسمى الرجال فى بلدتنا بأسماء الإناث، له منطق عجيب فى هذه التسميات على اختلافها.
- " أما يعرف أبى الفرق بين النهر والبحر؟!".
أجلس الآن فقيرًا إلى فرحه وسعادته بافتتاح العيادة التى تمناها أكثر منى، فأنا محصور فى دنيا البحث والتدريس الجامعى، أو ربما سفرى الطويل ما أجل تحقيق هذه الأمنية، فأين هو الآن؟!
فى آخر اتصال له معى، أخبرنى أنه لن يرتاح فى قبره متى أخذ الله أمانته، وأن راحته مرهونة بعودتى إلى البلدة وافتتاح العيادة فيها، ووضع لافتة النيون الفسفورية التى تصدر اسمه إلى جوار اسمى. لعله الىن يرتاح بعد خمس سنوات فى مقبرة العائلة التى استقبلته بعد صراعه غير الطويل مع المرض.
أدخل فى مواعيدى حيث ينتظرنى قليل من المرضى، كلهم علامات الخجل تغطيه حين يتمدد جسده فوق " الشيزلونج"، كأنهم يخجلون من ضعفهم، أو أن من العار أن يعترفون به.
يدق الباب، يدخل شيخ ستينى، عمامته فوق رأسه تعلن عن مكانته – كما أظن – ميسور الحال، فملابسه تبدو أغلى من ملابس الكثيرين ممن قمت بعلاجهم فى البلدة، دلف سريعًا ملقيًا تحية المساء، جلس فى المقعد المواجه لى، رحبت به ترحيبًا غير مبالغ فيه، سألته عن شكواه، فصمت لحظة قبل ان يرفع وجهه ويعلن :
-" تعبان قوى يا دكتور.. ".
تبع جملته بهز مكثف لجمجمته التى باتت ترفض فكرة " تعبه " الذى خلص به إلى هنا.
- " خير بتشتكى من إيه يا بابا؟".
كان سؤالى قد أعاده من كهف السنين المنسية، فرفع وجهه ونظر نحوى مباشرة، وقد بدا كأن الفرح يتلبسه، ويعيد إليه ماضيه العتيق. فى برهة خاطفة تذكرته.
-" كارم الأسيوطى".
أشهر الرجال الذين تناقلنا أخبارهم حين كنا نذهب إلى البحيرة فى أيام الإجازات المدرسية، يتناقلون الحكى عنه بغبطة وحسد، كل الرجال فى مراكب الصيد التى كُنا نصعد للعمل فيها تعرفه، تحكى عن صولاته فى أسمارنا بالبحيرة، ورث عن أبيه " حلقة السمك"، لم يفلح فى سلك التعليم الذى تمناه له والده، فعاد إلى البلدة يدير " حلقة السمك"، تزوج صغيرًا، وحين كُنت أغادر البلدة فى عامى الجامعى الأول منذ عقود ثلاثة، كان يحتفل مع الصيادين بزيجته الثانية، بعدما انتشر خبر علاقته بإحدى المطلقات.
-" الراجل كان رايح يصالحها على جوزها، طمع فيها لنفسه". هكذا قالت الإشاعة.
كان الرجال فى ليل البحيرة يجدون فى حكايات " كارم الأسيوطى" مرتعًا للذة، وترضية لمستويات عديدة من شبقهم، حتى نحن الذين كنا على نهايات مرحلة المراهقة أو تخطيناها بدرج أو درجين، كانت تمتعنا الحكايات عنه. يشتهر فى كل الحكايات بكونه " رجل فحل "، يتخير من نساء البلدة الجميلات، ويبدا فى نصب شباكه حولهن، فيقضى أمسياته فى اللذة التى تمناها الرجال، والذين يمصمصون شفاههم حسرة على أنفسهم ورجولتهم، لكنهم دومًا يختتمون أسمارهم بجملة واحدة ترضيهم نهاية الامر.
-" الحرام سكته بطالة، ربنا يستر على ولايانا".
تتناقل البلدة علاقاته الغرامية المحرمة، وتنقله بين الجميلات وحدهن، فى المساء يحمل " ورقة الشاى، وتُمن السكر الناعم"، يقولون بأن الشاى الذى يحمله فى ورقته، وتُمن السكر، لهما مذاق نرجسى مبين، ولا ينتميان إلى " نشارة الخشب، وهذه الحجارة البنية " التى يسميها عم صابر " التموين، يتمنون شرب شاي يشبه شايه فى ورقة الشاى، وأن تعلق بأناملهم حبات السكر المكرر الذى يشتريه من المدينة لاجل إغراء النساء بمذاقه المعسول. يحدد امرأة يطرق بابها، يلقى تحية المساء، يسألها فى أدب جم عن إمكانية أن تُعد له كوبًا من الشاي، يختلق الأعذار للدخول، لا تقاوم النساء لون السكر المكرر الناصع حين يفتح "قرطاس تُمن السكر"، كجني ينتهى به الحال فى سريرها، وتتوالى اللقاءات المحرمة بينهما.
فى صغرى دق باب جارتنا، ورأيت سنه الذهبى يلمع فى شعاع الضوء الذى أصاب وجهه من مصباح الجارة الكروسيني، أدخل يده فى جيب جلبابه الداخلى، أخرج ورقة الشاي، ثم قرطاس السكر، وبعدها تتابع فى زياراته إليها، وحين استنكرت أمى عليها ذلك.
- " بيقرى لى الجوابات اللى جوزى بيبعتها من العراق، وبيكتب لى الرد ".
كُنا نعرف أن زوجها قد مات فى بداية حرب العراق مع إيران، فقد عاد الكثير من أبناء البلدة المسافرين، ونشروا الإشاعة عنه.
حين كُنت أخرج مع أصدقائى القدامى بالبلدة، كُنا نُعرج على أخباره وعلى جولاته، حتى أننا تناقشنا فى أمر الإشاعة التى تعلل لهروبه الدائم من بيت زوجته إلى غيرها من نساء البلدة، فلسفنا الإشاعة لنتعاطف معه فى نهاية المطاف.
-" جوزوه غصب عنه واحدة مبيحبهاش".
لكننا من شباب البلدة الغالبين كُنا نحسد فحولته، وجولاته بين أفخاذ النساء من المطلقات والأرامل، حتى أننا فى يوم أطلقنا العنان لخيالاتنا حين انتهت " السهرة " فى ليلة زفاف" سعدون" كاتب " حلقة السمك"، حيث اصطحب "كارم " الراقصتين اللتين تلاعبتا بعقول الرجال أو من انتسب لهم يومًا فى حياته، فقد ركبتا فى سيارته التى ورثها عن أبيه، وانطلقا نحو الطريق الموازى لبحر النيل، صاعدين نحو شمال البحيرة، حيث تسهر مدينة رشيد.
-" الحاج كارم هيوصلهم لرشيد، ربنا يستره". حاول والد سعدون تبرير الموقف.
لعل أعجب ما سمعناه يومًا عن سر حكاياته تلك، حين سمعت الرجال ذات مرة فى مساء من مساءات البحيرة فى الإجازة الصيفية، يقسم على سر فحولته، وانبهار النساء الجميلات برجولته.
-" عليه التلاق، دا معمول له عمل لرصد المحبة، وبيفركه فى ورقة الشاى، وفى تُمن السكر، فيضحك على النسوان". هكذا رقق " طاء" الطلاق واستبدلها بـ" التاء" هذا الراوية.
الآن بعد هذه السنوات التى عرفت فيها أمر زيجته الثانية، ثم الثالثة، ولا ولد له، يجلس أمامى محملا بكل أسمارنا والإشاعات عنه وعن صولاته فى ليل النساء المغموس برغباته الرجيمة، يأتى ليعلن بوضوح أمامى شكواه.
" تعبان يا دكتور..".
ابتسمت، ونظرت نحوه وبدات فى أسئلتى الطبية الروتينية فى مثل هكذا حالات، وين هممت بالطلب ان يتحرك نحو الشيزلونج ويتمدد، استوقفنى آمرًا.
-" الأول شوف الحاجات دى يا دكتور". سلمنى مظروف ضخم يحمل صور أشعة مختلفة الأنواع، وبيانات تحاليل متعددة، وكلها تحمل علامات واحد من أشهر المعامل والمراكز لعمل التحاليل والأشعات الطبية.
-" أنا عامل الإشعات دى والتحاليل الأسبوع اللى فات".
بدأت أخرج الأشعة، وأضع بيانات التحاليل أمامى على المكتب، بينما استمر يحكى عما وصفه بأنه تخريف من الدكتور الذى يشخص مرضه.
حين أخذته موجة سريعة من السباب والتقريع لهذا الطبيب الآخر، تذكرت آخر مرة رأيته فيها، حين ضبطته امرأته عند جارتنا، وصارت فضيحة تجمع عليها الحى كله تجمعهم فى أيام مولد القطب بالبلدة صاحب مسجدها الكبير. يومها انهال عليها بالضرب المبرح، حين صفقت على يديها وصرخت فى جارتنا.
-" اللى أخدته القرعة، تاخده أم شعور، فاكرة تحت القبة شيخ يا فاجرة".

- تمت –
مختار سعد شحاته
Bo Mima
روائي.
مصر_ الإسكندرية.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجرد كلااام.. نص بالعامية المصرية.
- الفكرة/ المرأة.. والمرأة/ الفكرة.
- حائط مبكى الثورة في العاصمة السرية.
- أنا جباااااااان.. وأنت الشجاع.. هذه كل الحكاية!!!
- العاطفة والسياسة
- مسلسلات رجالي دوت كوم/ قلش رخيص.. الحلقة الأولى: الصراحة راح ...
- معركة أخيرة فاصلة.
- -درس تاريخ-..عشر مقاطع من التاريخ، ومقطعان لأمي، ونهاية واحد ...
- حين يكتب التاريخ.
- عم موسى ليس نبيًا.. قصة قصيرة.
- تهيس.. فيلم بالعامية المصرية من 3 مشاهد
- بين رابعة العدوية وشفيقة الجرجاوية
- -شفيقة- و-رابعة- كلتاهما شهيدة العشق.
- في صعيد مصر.
- حين تبت يدا أبي لهب.
- تمردوا يرحمكم الله.
- رسالة الأحلام.. عامية مصرية.
- بين الامتنان والانبساط.
- ابنة الربيع
- رسالة خاصة إلى النيل.. نص أدبي.


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - ورقة شاي.. قصة قصيرة.