عذراء الكومون الحمراء/لويز ميشال..ضمير الذاكرة

ماجد الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 4153 - 2013 / 7 / 14 - 21:14
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    

"كانت منجلا يحصد القمح الناضج،ويعطيه خبزا للفقراء....
-بول فيرلين-
................................................................
التاريخ..في كل احقابه ومراحله،كان متجنيا ومتحاملا ومزيفا،بالغ الصلافة والغطرسة،لايكتب الا للاقوياء!ملوك..اباطرة..سلاطين..طغاة..من كل الاجناس والازمان..السفاحون..القتلة..جلادو الشعوب:جنكيز خان..أتيلا..نابليون..هتلر.اما ثورات الجماهير،وحركاتها وتمردها:ثورات العبيد..الفلاحين..العمال..ثورة سبارتاكوس..ثورة الفلاحين البابكية..ثورة الزنج..القرامطة..كومونة باريس..كل هذه الثورات التي زلزلت الارض،وهبت لاقتحام السماء،فليس لهم مكان في سفره الذهبي الفخم الكبير والملطخ الصفحات بالدم!!ليس للمستضعفين،المذلون المهانون،في وثباتهم وتمردهم وثوراتهم،الا الهوامش المهملة،والمختزلة،والمزيفة،والمتوارية عن العيون،محفوظاته المسكوت عنها،والتي تقبع بقبو ارشيفه السري،لاتسترعي النظر لانها في القاع المظلم!!.اما العظماء ضيوف التاريخ الدائمون،وهم من النسل الالهي الازرق،ابناء الانبياء،ومن لف لفهم،من وقفوا بسؤدد وعظمة ومجد مزيف فوق جبال من جماجم البشر!!هم وحدهم من يصدر المتون،والعناوين،والصفحات الاولى من حولياته واحقابه واطواره..يتثائب ويغمض عينه احتقارا وتجاهلا!امام فعل وحركة وثورة الرعاع،والمعدمين،والسوقة،والجياع،وينبطح ذليلا،خنوعا،مطيعا!امام الاقوياء المنتصرون،فلهم وحدهم يكتب !تاريخ الصيادين.اما النمور فلا تاريخ لها!!فالتاريخ تاريخ الصيادين،اما الطرائد فلها الفخاخ،والاعتقال والتعذيب والموت،ثم النسيان..كان التاريخ منحازا دوما ومزورا وغير منصف،لايكتب عن هؤلاء سوى النتف من حقائق الاحداث والوقائع،فهو يغض الطرف ويتجاهل ثورات خالدة،ورجالا كابطال الاساطير في كفاحهم وتضحياتهم،فاذا لم يكن ينصف الرجال الثوار-بالرغم من ذكوريته-!!!فهل سينصف الاف النساء الثائرات،معظمهن عاملات؟؟!!!علق احد شهود العيان على بسالة وكفاحية النسوة الكومونيات قائلا:"لو كان الشعب الفرنسي من النساء فقط،اي شعب مرعب كان سيصبح"!!!كان يجب على التاريخ البرجوازي الذكوري الرجعي ان يطمس دائما دور النساء،ويخفي مثل هذه النماذج،وقد اخفاها فعلا!لهذا نجد انه اسدل الستار على بطولات وتضحيات نساء ثورة الكومون،وفي مقدمتهن بطلتنا الثورية الخالدة (لويز ميشال)المرأة الباريسية المذهلة والاسطورية في بسالتها وتفانيها وايثارها وثوريتها الخالصة،امرأة من طراز فريد ونادر من النساء،شاركت في ثورة كومونة باريس الى جانب رفيقاتها ورفاقها من العمال الثوريين.وانا اعتقد،بان الكثير من القراء لايعرف بل يجهل تماما!هذة اللبؤة الشجاعة الباسلة والعظيمة!!وفي مايلي ،سردسريع ومختصر لحياتها الحافلة والغنية بالعبر،وبنية التعريف بها وجلب الانتباه لااكثر...............
ولدت لويز ميشالluise michelفي29 ايار عام1830وتوفيت في9 يناير1905في مرسيليا.كانت امها خادمة في مطعم،نشأت برعاية جدها،الذي رباها على قيم الليبرالية التنويرية لتلك الفترة،ووجهها لقراءة :فولتير،وروسو،والانسكلوبيديين،وعلمتها جدتها العزف على البيانو والغناء،انهت دراستها في معهد المعلمات،ولكنها رفضت التدريس في المدارس الرسمية للامبراطورية الثانية،لموقفها السياسي التحرري،فقد كانت من المعارضين لحكم نابليون الثالث الديكتاتوري،وكانت ترفض اداء قسم الولاء للامبراطوركي تتعين،كانت مدرسة حرة ومتحررة من نفوذ السلطات الرجعية،ويقال انها فكرت باغتيال نابليون الثالث!.فتحت مدرسة خاصة،ولكن اولياء التلاميذ سرعان ما استهجنوا اسلوبها التربوي في التعليم،فقد كانت تأخذ الاطفال الصغار خارج جدران المدرسة الى الحقول في الهواء الطلق،حتى يستمتعوا،ويكتشفوا الطبيعة،وعلمتهم اغاني البوساء الشعبية،والغت الصلاة الاجبارية في المدارس ،واستعاضت عنها بنشيد الثورة الفرنسية1789وثورة1848(المارسيليز)،ولكن اهالي التلاميذ وبخوها على طريقتها تلك وسحبوا ابنائهم من مدرستها،في عام1856ذهبت الى باريس،والتقت بتيوفيل فيري-احد ابرز ابطال وشهداء الكومونة-وشقيقته ماري،وحضرت الاجتماعات السياسية للعمال،ووقفت بعنف ضد سيطرة الكهنوت الكاثوليكي على ضمائر جماهير العمال المعدمين،وابتزازهم الروحي والمادي،الى جانب ظلم السلطة السياسية،وانخرطت بالنشاط السياسي والمطلبي للعمال،وساهمت في المساعدة والعون الاجتماعي للفقراء والعاطلين من العمال،عملت مدرسة في مونمارتر الحي العمالي الاكثر فقرا في باريس.شاركت مع 100الف من الجماهير في تشييع الصحفي الجمهوري الثوري فكتور نوير الذي قتل على يد بيير بونابرت ابن اخ نابليون الثالث..في تموز1870اعلن نابليون الثالث الحرب على بروسيا،وتم التغلب على قواته في سيدان،واعتقل نابليون،واسر عشرات الالاف من جنوده.اعلنت الجمهورية في4سبتمبر،وبعد ذلك حاصر البروسيين باريس،حاولت لويز ابقاء مدرستها مفتوحة،وتأمين الطعام لتلاميذها،وساعدها عمدة مونمارتر وصديقها جورج كليمنصو،وعندما حاولت الجمهورية البرجوازية نزع سلاح الحرس الوطني قسرا،اشتركت لويز مع رفيقاتها ورفاقها العمال من الحرس الوطني ،بعد استيلائهم على مقر البلدية،واعلنوا كومون باريس في28 مارس1871،مارس لويز مهنة التمريض واسعاف الجرحى والمصابين على المتاريس،اثناء حصار باريس من قبل البروسيين،وكانت تتواجد في اخطر الاماكن الساخنة،تمخضت الانتخابات المباشرة في26مارس1871 في باريس عن حكومة عمالية،وهي اول حكومة عمالية في التاريخ..وكان لويس بلانكي،معتقلا،لدى السلطة البرجوازية في فرساي وتم اعدامه في مابعد،ولكن غالبية المندوبين كانوا من انصاره،وقد دعواب(البلانكيين)،وكانت هناك اقلية من الفوضويين،واتباع جوزيف برودن،وبعد شهرين من حكم الكومونه،التي رغم عمرهاالقصير جدا،قامت بأصلاحات جذرية في التربية وفصلت الدولة عن الدين،والغت العمل الليلي في الافران،ومنع الغرامات والضرائب المفروضة على العمال والغت الديون على العمال،واستطاعت تشغيل المعامل والورش التي تركها البرجوازيون الفارين الى فرساي كالفئران!!شن جيش الجمهورية البرجوازية هجوما بأمر من ادولف تيير المجرم،وانهزمت الكومونه في 24ايار1871 على يد برجوازية فرساي الوضيعة،بقد قتال ضار،وبسالة لاتوصف من قبل العمال الكومونيين داخل احياء باريس الضيقة،فقتل30الف عامل،واعدم50الف،واستمرت المذبحة من21ايار الى 28منه(الاسبوع الدامي)!!اعتقلت ام لويز،وهدد الاوباش بقتلها اذا لم تسلم لويز نفسها،فاضطرحت لتسليم نفسها،واودعت سجنsatory،وسيق الالاف من العمال ابطال الكومون البواسل الى فرساي لمحاكمتهم،وهرب الالاف ممن نجوا الى المنافي في بلجيكا واسبانيا وانكلترا والولايات المتحدة،دافعت لويز عن نفسها خلال المحاكمة بجرأة وشراسة لبؤة،وتم نفيها مع7400سجينة وسجين الى كاليونيا الجديدة،ورحلوا الى هناك مكدسيين داخل سفن لمدة ستة اشهر في البحر،ورحلة العذاب والجوع،حتى وصلوا اوبريف(هوت مارن)،وجرى نفيها بصحبة رفيقات السلاح بياتريكس وناتالي ليميل اللى شبه جزيرةducos،وعلى رغم صعوبة الحياة هناك وشحة الغذاء الا ان روحها لم تنكسر،ثم نقلت الى منطقة الخليج الغربي في مارس1875،فتقربت من السكان الاصليين،وبدأت بتعليمهم القراءة والكتابة،وساعدتهم،ودافعت عن المضطهدين ووقفت بجانبهم منددة بالقمع الدموي للثورة التي قام بها شعب الكاناك فيعام1878 من قبل الجيش الاستعماري الفرنسي،ابعدت الى نوميا،لتصبح معلمة هناك..في سنوات المنفى القاسية لم تتخلى لويز عن افكارها بل ازدادت وعيا وتقبلا للافكار الثورية الاناركية..بعد عفو عام عن منفي الكومون،عادت الى باريس،رحب بعودتها اكثر من 10الالاف شخص في محطة سان لازار.في هذه الفترة حضرت العديد من الاجتماعات السياسية العمالية داخل فرنسا وخارجها،حيث تحدثت عن كفاحها من اجل الثورة الاجتماعية والفوضوية..في9مارس قادت مظاهرة لعمال عاطلين يرافقها اميلpouget القي القبض عليها وسجنت في سان لازار،ومرة اخرى دافعت عن نفسها بصلابة واقتدار،وفي مرافعتها امام محكمة السين قالت لويز:"الشعب يموت جوعا ولا يحق له القول انه يموت جوعا،وانا رفعت العلم الاسود ورحت انادي:ان الشعب بلا عمل ولا قوت،تلك هي جريمتي،احكموا علي كما تريدون،تقولون اننا نريد الثورة،انما الاشياء هي التي تصنع الثورة".حكم عليها بالسجن لمدة ست سنوات،وفي ديسمبر1884 اطلق سراحها لفترة قصيرة لرعاية امها المسنة والمشلولة،وتوفيت والدتها في3يناير1885 واعيدت للسجن،وقد امضت السنوات الخمس المقبلة،بين حضور اجتماعات سياسية واعتقال،وجرت محاولة لاغتيالها خلال اجتماع في لوهافر عام1888 عندما اطلق عليها المتطرف بيير لوكاس النار،ولكن جرحها لم يكن خطيرا.في عام1890وقد هدها التعب الجسدي والنفسي،والتضيق البوليسي عليها ومراقبتها وهي في الستين،انتقلت الى لندن،وانضمت اليها رفيقتها شارلوتvauvelle واصبحت عونا ثمينا لها،وبدأت بالتدريس والقاء المحاضرات،واعطت دروسا مجانية في اللغة الفرنسية بأعتبارها فوضوية،وقد اتفقت اراءها مع اراء الفوضويين الفرنسيين.كتبت مذكراتها،وبعض الاشعار وحكايات واساطير للاطفال،في السنوات العشر الاخيرة من حياتها،استمرت في السفربين لندن وباريس،وشاركت في العديد من المؤتمرات والاجتماعات السياسية،فقد كانت عضوة في الاممية الثانية،وزارت رفاقها الكومونيين المنفيين في هولندا وبلجيكا،توفيت اللبؤة الجريحةفي 9يناير 1905 في مرسيليا وهي في جولة محاضرات جنوب فرنسا.رثاها الشاعر الفرنسي بول فيرلين قائلا:"كانت منجلا يحصد القمح الناضج،ويعطيه خبزا للفقراء".اطلق عليها اعداءها البرجوازيون القابا مثل:(مشعلة الحرائق)و(العذراء الحمراء).في 1ايارمنعام1946واعترافا بمكانتها كبطلة باسلة من ابطال كومونة باريس،اطلق اسمها على ساحة ومحطة مترو فاليه،فاصبح لويز ميشال.وفي2005 احتفلت باريس بذكرى مرور مائة عام على وفاتها.....
كانت شعلة من الثورة البروليتارية الاممية...من منسي التاريخ !!ولكنها في عقول وضمائر كل الاحرار والمناضلين من اجل الترر والاشتراكية.....
عاشت الكومونه..والمجد والذكرى والخلود للمحاربة البروليتارية الباسلة لويز ميشال............
.........................................................................................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي.....
...............................................................................................................................

#ماجد_الشمري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات