ماركس والتحليل النفسي/تجربة فيلهلم رايخ..نموذجا(3)

ماجد الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 4131 - 2013 / 6 / 22 - 13:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

طور رايخ في ابحاثه،فكرة ارتباط القمع الجنسي بالقمع الاجتماعي،ولم يعتبر اطروحة فرويد"ان الطاقة الجنسية هي مشتقة بالكامل من الغريزة الجنسية،والانا والانا الاعلى ليسا الا تحويرات للهو امام الواقع،اذا ليس هناك الا الطاقة الجنسية،والتي هي جنسية من حيث اصلها،وتحملنا عن طريق التصعيد والتسامي نحو اهداف راقية اجتماعيا-عمل،فن،ابداع ادبي-بدل السعي نحو مجرد المتعة الحيوانيه" مسلمات ثابته خارج النقد والدحض.واختلف مع فرويد ايضا الذي اعتبر الساديه والمازوخية،كأشكال للذة الجنسية،وتمسكه بعقدة اوديب والعصاب،والتناقض بين الايروس والتانتوس-غريزة الحياة،وغريزة(الموت)!-رفض رايخ هذه المفاهيم،وبالاخص (غريزة الموت)-والتي باتت فوق النقد والمراجعة،ومصطلحات من صلب التحليل- التي انكر رايخ وجودها في الانسان كغريزة،وعدها عارضا مرضيا،وكأنعكاس سايكولوجي لبؤس الواقع الذي يعيشه الفرد،ومؤكدا على طبيعة الانسان القائمه على الحب والخير،اذا ما تم اشباعه جنسيا،فالانسان يتفتح ويزدهر اجتماعيا،عندما ينعدم كبته الجنسي،وكل انواع الكبت من كل قيد يكبلها.في عام1927اصيب رايخ بمرض السل،وقد يكون خلافه مع فرويد قد صعد من حدة ازمته المرضية.سافر لاحد المنتجعات الصحيه في الريف لغرض الاستشفاء،وقد ساعدته العزله والهدوء على الكتابه،فكتب عدة مقالات،اضافه لتأليفه كتابه الشهير(وضيفة الانتعاض).عاد الى فيينا،وانخرط من جديد بنشاطه العلمي والسياسي.في هذه المرحلة من صعود الفرويدية،لم تكن مدرسة التحليل النفسي تقبل بأدخال جسم غريب لعضويتها النقية البتول!،وايضا لم تكن الماركسية ذات الرداء(الستاليني)اقل رفضا لمنهج التحليل النفسي،كعنصر غير مرحب به في بيت الدوغما(البيرقراطي)!فالتحليل النفسي اعتبر من الماركسيين (الارثوذوكس)افرازا علاجيا زائفا ومتعفناللاديولوجيا الرأسمالية-منتج البدع، ومفرخ الموضات البرجوازيه السقيمة-!!لذا وقع رايخ بين مطرقة الماركسية(الارثوذوكسية)،وسندان التحليل النفسي(الكهنوتي)!ولم يصمد رايخ الا لصدقه ووفائه لنزاهته واعتقاده الشخصي بضرورة الدمج بين ماركس والتحليل النفسي للوصول الى نجاعة الطرق العلاجية،والتي تجمع بين المضمون الاجتماعي،والعامل الذاتي الفردي من اختلالات نفسية وعصبية،لبيئتها الاجتماعية الدور الحاسم.كان ثمرة هذا التداخل المنهجي بين التحليل النفسي،والمنهج المادي التاريخي،فهما جديدا للظاهرات السسيوسايكولوجية،تجسد ببعض الفرضيات التي رسم رايخ خطوطها العريضة،لفهم التكوين البسايكولوجي للبروليتاريا،وكان هذا نتيجه لتعامله اليومي مع افراد الطبقة العاملة المرضى،والذين كانوا يعانون من امراض نفسية وجنسية،ومن هذا النبع كان رايخ يغذي عقله لينتج نظريته الموحدة بين المنهج المادي والتحليل النفسي.سبب انغماس رايخ بالعمل السياسي،ومشاركته بحماس واندفاع في المظاهرات العمالية،واعتصامات العاطلين عن العمل،والاصطدام مع الشرطة في الشارع،الكثير من المشاكل،ليس مع فرويد فحسب بل مع الكثير من الاطباء لكونه طبيبا مسؤولا وممارسا،وعضوفي جمعية المحللين النفسيين،ولاسمه المعروف في الوسط الاكاديمي الجامعي في فيينا،ومنذ تلك الفترة وفي عام 1927بدأت بذور الانشقاق والقطيعة بينه وبين مجتمع(المحللين النفسيين)وعلاقته بفرويد يصيبها الجفاء والتوتر،بعد سنوات من الخلاف الفكري المستور والبارد.في عام1928فام مع ثلاثه من زملائه الاطباءالنفسيين بأنشاء(المؤسسة الاشتراكية للمعلومات والبحوث الجنسية).مشترطا ان تكون المؤسسة مركزا علميا للبحوث النفسية ذا نزعة يساريه راديكاليه،وكانت العيادات النفسية التابعة لهذه المؤسسة تستقبل الكثير من العمال يوميا،وبقى رايخ في هذه المؤسسة عامان من1928الى1930.في عام1929زار رايخ الاتحاد السوفيتي،واقام في موسكو لفترة،والتقى مجموعة من الاطباء،واطلع على تجاربهم واساليبهم وانجازاتهم في مجال الطب النفسي العلاجي،والذي كان يطعم بالتطبيق الاجتماعي السياسي للفكر الماركسي-النسخة الستالينية-القى بعض المحاضرات من بينها محاضرة في(اكاديمية موسكو الشيوعية) عن التحليل النفسي،وابدى اهتماما بالمنهجية الخاصه بموضوع الجنس والمتبعة في الاتحاد السوفيتي.اثمرت تلك الزيارة عن المزيد من الجهد الفكري النظري،لكتابه ابحاث تربط بين التحليل النفسي والماركسية،وطريقة فهمها للمجتمع.كان رايخ يعطي جل وقته لعمله الطبي والسياسي،ولم يمنح عائلته سوى النزر اليسير من وقته،بعد ان اصبح ابا لطفلتان،ايفا-1924ولورا1928،كانت الزوجة هي المسؤوله بشكل كامل عن تربيه الطفلتين.ازعجت النشاطات السياسية لرايخ،مجتمع التحليل في فيينا،وتأزمت علاقته بهم،مما دفعه وبنصيحه من فرويد،وبعضا من زملائه البسيكولوجيين الى مغادرة فيينا متجها الى برلين،وبتوصيه من فرويد الى العالم النفساني-رادو-كي يعمل رايخ في عيادته.في عام1930 وصل الى برلين،وبعد وصوله شعر بأرتياح لوجود مجموعه من علماء النفس،يشاركونه افكاره وآراءه بضرورة استخدام الماركسية،كبعد مكمل لمنظور التحليل الفرويدي،وكما كان يفعل:اريك فروم،وسغفريد بيرنفيلد.قام بتأسيس حلقة تضم الاطباء والمحللين النفسيين الشباب،والمنضوين تحت لواء الماركسية،واسس ايضا دارا للنشر،مختصه بنشر الابحاث البسايكولوجية والجنسية،علاوة على نشر الكتب والكراسات الخاصه بالتثقيف الجنسي والطبقي.وبأيحاء من التجربه التربوية الشيوعية (السوفيتية)،وضع ابنتيه-ايفا ولورا-بمدرسه شيوعيه تدرس الثقافه الماركسيه،وتتبع اسلوبا(ماركسيا)للتثقيف النفسي والجنسي،وكانت تجربه فاشله وعقيمه،انعكست على نفسيه الطفلتين،وتركت اسوء الاثر عليهن،وقد كانت الزوجة معترضه من البدايه على هذه الفكرة،الاان اصرار رايخ جعلها ترضخ،مما زاد من حدة التوتر والمشاكل بين الزوجين،واخرجت الفتاتان من هذه المدرسة،وارسلتهما الام الى جديهما في فيينا.ومما زاد الطين بله-والمصائب لاتأتي فرادى بل جحافل،كما يقول شكسبير-اندلاع الخلاف بينه وبين الحزب الشيوعي الالماني-خاصه من طرف الحزب-حيث رأىبعض الكوادر،افراط رايخ ومبالغته،وتركيزه على المسأله الجنسيه،لاينسجم مع النضال السياسي للحزب الشيوعي،وايديولوجيته الثوريه،ونضال الشبيبة الشيوعية من اجل الوصول لاهدافها السياسي والطبقية-وكأن قضية الجنس لاتشكل الاهامشا مبتذلا ونافلا،ولايتلائم مع متن السياسة المكفهرة والنضال البتول!!-في هذا الوقت البالغ الشؤم والمأساوية،هزم الحزب بالانتخابات البرلمانية امام الحزب الاشتراكي الوطني(النازي)،ونهض الوحش التويتوني العرقي المفترس!!.طرد رايخ من الحزب،فكانت ثالثة الاثافي!علاقته الزوجية في طريقها للافول ،ابعادده وطرده من جمعية التحليل النفسي ،والطامة الكبرى،طرده من الحزب،تلك كانت الضربه القاضية التي اجهزت على آماله واحلامه.فهذا الاجراء البالغ القسوة والتعسف،اثر بشدة على رايخ،واحبط معنوياته ونفسيته الى درجة التهشيم،فركبته عقدةالشعور بالاضطهاد(البارانويا)،وهجران وتخلي العالم عنه دون ذنب او سبب..اتخذ رايخ قراره الحاسم بأن نضاله سيكون من الآن فصاعدا:ضد كل المؤسسات والبيروقراطيات القامعة،والتي تبتلع الفرد وتمسخه،وتدمر الافكار العظيمة بصخرة الجمود والتحنط تلك الافكار التي تتطلع لتحرر البشر وتغير واقعهم المزري.مؤسسات مثل جمعية التحليل النفسي،والحزب،وغيرها من اوثان وجدران!غادر المانيا عائدا الى فيينا يجر اذيال اندحاره......................
...............................................................................................
يتبع في المقال القادم...

وعلى الاخاء نلتقي.....

#ماجد_الشمري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات