أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الناصر لعماري - أركان الإنسانية السبعة















المزيد.....


أركان الإنسانية السبعة


الناصر لعماري

الحوار المتمدن-العدد: 4153 - 2013 / 7 / 14 - 03:14
المحور: حقوق الانسان
    


بسم الإنسان

كل إنسان لديه فلسفة في الحياة. ربما لا يعلنها كل واحد منا و ربما يكون هناك الكثير من الناس الذين لا يريدون العيش وفق منهج محدد و لكن مع ذلك فالناس لهم منطق في أفعالهم و وجهة نظر يعيشون بها. و يعاني بعض الأشخاص من إزدواج المعايير بحيث يقولون ما لا يفعلون, إلا أن أفعالهم تنطق بفلسفاتهم في الحياة على كل حال.
الفلسفات كثيرة و هي ليست فقط الفلسفات المشهورة مثل المثالية و المادية و الوجودية و غيرها, هناك أيضا :
عش و دع غيرك يعيش ..
الغاية تبرر الوسيلة ..
أنا و من بعدي الطوفان ..
ما إستحق ان يولد من عاش لنفسه فقط ..
و غيرها كثير من الفلسفات البسيطة أو المرتجلة التي تحكم تصرفات الناس.
لكن لأن هناك الكثير من الفلسفات الخاطئة كنا محتاجين لفلسفات تستحق أن نعيش بها.
المسألة ليست ما الذي نصدقه بقدر ما هي : كيف نعيش حياتنا ؟ كيف نتعامل مع المشاكل التي تقابلنا ؟
يعتقد بعض الناس أن تصديق الإدعاءات الميتافيزيقية التي تتحدث عن الآلهة و الخلود و القوة المطلقة .. إلي آخره هو اهم من كيف نعيش الحياة لكن هذا ليس صحيحا, فالحياة أهم من الإعتقاد أيا كان. و مع إن تصديق الخرافات و الأوهام هو أمر يؤسف له إلا أن الإنسان حتى و لو كان مجنونا فهو مازال إنسان على أي حال.
إذن فنحن محتاجين لأساليب حياة جيدة لكي نعيش سعداء و راضيين في هذا العالم. و محتاجين طبعا لإجابات عن أسئلتنا المشروعة عن الحياة و الكون و الإنسان. الأديان التقليدية أجابت عن الأسئلة و قدمت طرق عديدة للعيش و لكن للأسف إعتمدت أغلب الأديان على الخرافات و الأساطير و تأجيل السعادة لما بعد الموت.
بالتأكيد أن الإنسان العادي يحتاج إلي فكر او فلسفة او مذهب أو دين او عقيدة أو أيا كان, المهم أن يجد إجابات لأسئلته و طريقة مضمونة لعيش حياة سعيدة و مرضية. و لأن الأديان التقليدية لا تصلح للإستخدام الآدمي لأنها متقادمة اخلاقيا و رجعية إجتماعيا و فاسدة علميا وجب لو نخترع شيئا جديدا يسد إحتياجاتنا من التدين و المعرفة. المهم أن يشعر المرء بأنه منسجم مع فكره و دماغه حيث يقول ما يفعل و يفعل ما يقول. لذلك فربما كان مذهب الإنسانية هو الخيار الأمثل للكثيرين منا. أقول ربما لأنه ليس بالتأكيد متوافق مع كل الناس فهناك بشر ليسوا إنسانيين بطبيعتهم و هذا من حقهم طبعا, لكن إذا كان مذهب الإنسانية غير مناسب لبعض الناس فهناك بعض آخر قد يجده جذابا و رائعا و لهم اوجه هذا الخطاب.



أركان الإنسانية السبعة

- الإلحاد : الإنسانية مذهب إلحادي و لكنها ليست فقط الإلحاد
Humanism is atheistic but not just atheism

الإلحاد هو إنكار وجود آلهة ... فقط لا غير.
ليس هناك مرجعية للإلحاد و لا شيء آخر متفق عليه حيث يختلف الملحدون فيما بينهم في كل شيء آخر.
لذلك لو كان مذهب الإنسانية هو إلحاد فقط لما إكتسب أي ميزة عن الإلحاد, و لكن المذهب يقر الإلحاد و يتجاوزه فهو يرفض كل الخرافات و الأساطير و هذا يعني كل الإدعاءات الغيبية الفائقة للطبيعة أو المادة او العقل إبتداءا من الآلهة و المعجزات و ليس إنتهاءا بالسحر و العفاريت.
مذهب الإنسانية بهذا المعنى أشمل و اعم من الإلحاد و هو ليس معنيا بالخرافات الدينية بالذات بقدر ما يعادي و يرفض الخرافات كلها, الدينية منها و غير ذلك. كما انه لا يدور في فلك الأديان مثل الإلحاد التقليدي محاولا تفنيد فكرة وجود آلهة او إله بل هو يتخذ موقفا مبدأيا و يبني على ذلك فلسفة متكاملة الأركان.
الإلحاد التقليدي هو موقف سلبي من الأديان بينما الإنسانية موقف إيجابي من الحياة, موقف عاقل و نبيل و يتجاوز الإلحاد بكثير. أما الإلحاد على الطريقة الإنسانية فهو انضج و أقوى و هو هنا يعتمد على بقية أركان مذهب الإنسانية :
1- لأن الإنسانية فلسفة مادية فهي ترفض أي إدعاءات بوجود ما يفوق المادة.
2- لأن الإنسانية فلسفة طبيعانية فهي ترفض أي إدعاءات بوجود ما يتجاوز الطبيعة.
3- لأن الإنسانية فلسفة علمية فالإنسانيين لا يروا أي دليل علمي على وجود ما لا يخضع للعلم.
4- لأن الإنسانية فلسفة أخلاقية فهي ترفض وجود أخلاق مطلقة أو نهائية مقابل الأخلاق النسبية الإنسانية و بالتالي ترفض الإدعاء بوجود أخلاق إلهية.
5- لأن الإنسانية فلسفة تدعم الفرح بالحياة هنا و الآن فهي ضد الإيمان بالآخرة و زوال الدنيا و ما إلي ذلك.
لكن أكثر ما يميز الإلحاد على الطريقة الإنسانية هو الفلسفة الإنسانية نفسها حيث أن الإنسان هو معيار كل شيء و بالتالي لا يكون الإله ( أو أي فكرة أخرى ) في موقع المسئولية أو مقياس لأي شيء, و أيضا لأن الإيمان بالآلهة يشتت التركيز على مشاكل و طموحات الإنسان و يدعم التركيز على رغبات و اوامر الإله فالإنسانية ترفض هذا تماما.
الإنسانية مذهب إلحادي حيث انه لا دليل على وجود إله و لكنها أيضا مذهب ضد الألوهة لأن الإله فكرة تنتزع من الإنسان مكانته و عظمته و تنسبها للألوهية بل إن المؤمنين بالآلهة قد يسموا انفسهم عبيد الله و بالطبع عبودية الإنسان لأيا كان لا مكان لها في مذهب الإنسانية. يعني إذا كان الإلحاد في مذهب الإنسانية يعتمد على أن الحقيقة العلمية لا تدعم الإيمان بالآلهة بل على العكس ترفضها أحيانا كثيرة وفق نظريات علمية لا مكان فيها لما يفوق المادة او الطبيعة, فرفض الألوهة Anti-theism هو موقف مبدأي يعتمد على حرية الإنسان و كرامته الإنسانية .
بإختصار, الإلحاد يرفض تصديق وجود آلهة لأن ذلك بلا دليل, بينما مذهب الإنسانية يقوم بهذا و أكثر حيث يرفض الإتكال على الآلهة أو الخضوع للآلهة من حيث المبدأ في عالم يكون فيه الإنسان هو الكل في الكل.
في الأديان الألوهية يكون الإله هو معيار كل شيء و هو من يحدد الجدوى الأخلاقية و سعادة الإنسان تكون في رضاه بينما في مذهب الإنسانية يكون الإنسان و سعادة الإنسان و تقدم الإنسانية هي معيار كل شيء و هي من تحدد الجدوى الاخلاقية فلا نعبأ بوجود ما يفوق الطبيعة من آلهة و عفاريت و بالتالي لا نهتم برضا أو نقمة ما لا نصدق وجوده أصلا.

- الفلسفة المادية : الإنسانية مذهب مادي و لكنها ليست فقط الفلسفة المادية.
Humanism is materialistic but not just materialism

العالم هو مادة في حركة, هكذا تتلخص الفلسفة المادية.
و لو سئل سؤال : ما هي المادة ؟
تجيب عنه المادية أنها الواقع الموضوعي المستقل عن الذهن و الذي ليس بحاجة إلي ذهن لكي يوجد.
و هكذا فإن دعائم المفهوم المادي عن العالم لا يمكن ان يزعزعها أي تغير في المفهوم العلمي للمادة و ذلك لأن المادة من المستحيل أن تفقد خاصيتها الأساسية ألا و هي أنها حقيقة واقعية موضوعية.
و لو سئل سؤال : كيف هي المادة ؟
تجيب عنه المادية أن من شأن العلم أن يقدم لنا عن المادة صورة تقريبية تكتمل تدريجيا و تصير كاملة أكثر و أكثر ..
الفلسفة المادية التي يرعاها مذهب الإنسانية و تعتبر ركن مهم من أركانه متوافقة تماما مع العلم الحديث حيث أن العلوم تؤكد أن الأرض كانت موجودة قبل أن يستطيع أي إنسان إدراكها حسيا و تمثلها بالفكر. لقد وجدت الأرض حتى قبل كل كائن يحس و يشعر و قبل كل كائن حي. و ما كان لأي مادة عضوية أن توجد على الأرض في أول مراحل وجودها. فالمادة غير العضوية سبقت الحياة إذن و كان على الحياة ان تنمو و تتطور خلال ملايين السنين قبل ان يظهر الإنسان و معه المعرفة.
المادية الإنسانية تؤكد :
أولا : أن ظواهر الكون هي مختلف وجوه المادة التي هي في حركة دائمة إذ أن المادة هي ما يوجد خارج ذهني و خارج كل ذهن و ليست بحاجة إلي أي ذهن لكي توجد.
ثانيا : يترتب على هذا أن المادة هي الحقيقة الواقعية الأولى التي ليست أحاسيسنا و فكرنا إلا نتاجا لها و إنعكاسا عنها.
ثالثا : إن العالم و قوانينه يمكن النفوذ إليها بكاملها من قبل المعرفة العلمية التي تراجعها التجربة و النشاط العملي و يتثبتان من صحتها.
و لا تنكر الفلسفة المادية وجود الفكر او الوعي و لكنها تعلن ان المادة هي الواقع الأول و أن الوعي هو الواقع الثاني و هذا يعني شيئين :
أولا : لا يستطيع الوعي أن يوجد دون موضوع خارجي عنه, هو الطبيعة.
ثانيا : لا يستطيع الوعي ان يوجد دون شروطه المادية ألا و هي الدماغ الحي للإنسان.
علوم الأحياء تعلمنا أن الوعي ليس ممكنا إلا عند كائنات حية ذات جهاز عصبي مركب ممركز. فليس ثمة فكر بدون دماغ لأن الدماغ هو عضو التفكير. و كذلك تعلمنا أن العين ليست هي التي احدثت الشمس و إنما الشمس هي التي أحدثت العين بعد سلسلة طويلة من عمليات التطور.

- الفلسفة الطبيعانية : الإنسانية مذهب طبيعي و لكنها ليست فقط الفلسفة الطبيعانية
Humanism is Naturalistic but not just Naturalism

من أهم المبادئ التي يتفق فيها مذهب الإنسانية مع الفلسفة الطبيعانية أن :
1. الشيء الوحيد الحقيقي في هذا الكون هو الطبيعة فهي مفتاح الحياة ، و كل شيء نعمله هو جزء منها .
2. كل شيء في هذه الحياة يتحرك حسب قوانين الطبيعة و هي قوانين لا تتغير لأن الطبيعة لا تتغير لذلك يمكن الاعتماد عليها .
3. الخير الأخلاقي موضوعي، وهو يرتبط بالنظام الإجتماعي وبمصالح وحاجات الناس فمفهوم الخير يمكن تحديده وتبرير القواعد الأخلاقية موضوعيا، و للأحكام الأخلاقية أهمية موضوعية، ويمكن التحقق من صدقها والبرهنة عليها, و هي يمكن أن تكون علمية إذا كانت على أساس من معطيات العلوم الإجتماعية الأخرى.
وتركز الفلسفة الطبيعية على الفرد ورغباته وميوله وحاجاته الفطرية الجارية ، فالطفل يولد خيرا أو صالحا ثم يتغير بعد ذلك و أما التغيرات التي تحدث في شخصيته بعدئذ فتعود إلى المجتمع وتربيته الجماعية ومهمة التربية تتمثل في التعرف على طبيعة القوانين لدى الطفل ثم تحفيزها وتوجيهها عنده.
ويعتمد المنهج في الفلسفة الطبيعية على الخبرة والتجربة الشخصية في التعليم والتهذيب ، وأن الطفل لا يتعلم إلا ما يكتسبه ويكتشفه بتجربته ، كما أن هذا المنهج يؤكد على جدوى الأعمال اليدوية والتمرينات البدنية لتقوية الروح المعنوية واعتدال المزاج والصحة والإيمان بأن الاعتدال والعمل هما الطبيبان الحقيقيان للإنسان ، فالعمل يشحذ شهية الإنسان والاعتدال يعصمه من الإفراط .

- العلم : الإنسانية مذهب علمي و لكنها ليست فقط الفلسفة العلموية
Humanism is scientific but not just Scientism

العلم يبني بيوتا لا عماد لها ... و الجهل يهدم بيت العز و الكرم, و لكن هل هذا يعني أن العلم وحده يكفي ؟
الفلسفة العلموية تدعي بأن العلم هو الوسيلة الوحيدة للتعاطي مع الحياة و مشاكلهاو أن العلم له الأولوية فوق أي وجهة نظر أخرى فلسفية أو دينية أو أخلاقية أو روحية أو إنسانية. و لكن تلك ليست وجهة نظر مذهب الإنسانية في الموضوع. فالإنسانية مذهب علمي حيث يؤكد على أن العلم هو الوسيلة الوحيدة للمعرفة و لكن المعرفة الجامدة ليس لها أي فائدة بدون فلسفة إنسانية توجهها.
العلم في القرون الأخيرة قد إكتسب قوة و مناعة هائلة, الإكتشافات العلمية تتوالى بإستمرار و الإنتصارات على الأمراض و المشاكل لا نهاية لها و التطبيقات العلمية و التكنولوجية قد غيرت وجه الحياة على الأرض. كل هذا يعني أن العلم هو اهم و أفضل وسيلة للمعرفة و أنه أهم و أفضل وسيلة لحل المشاكل و لكنه لا يعني أن العلم أهم من الإنسان نفسه.
إنما جعل العلم لأجل الإنسان, لا الإنسان لأجل العلم : تلك هي الفلسفة الإنسانية.
العلم بدون إنسانية يتحول إلي شيء جامد بلا فائدة و الإنسانية بدون علم هي حياة حيوانية بلا حضارة أو إنجاز و لذلك فمذهب الإنسانية يتمسك بالمعارف العلمية فعلا ( و ليس المعارف المزيفة مثل اللاهوت و التنجيم و غيره ) و لكنه يهتم بتوجيه تلك المعارف لسعادة الإنسان و مصلحته.
مذهب الإنسانية بهذا المعنى هو مذهب علمي و لكنه ليس الفلسفة العلموية التي تتطرف في رفع قيمة العلم فوق أي إعتبارات إنسانية أو أخلاقية. و هو إن إختلف مع الفلسفة العلموية في ذلك إلا أنه يتفق معها في أن تفسير وجود الكون و الحياة و الإنسان له مرجعية واحدة و واحدة فقط ألا و هي الإكتشافات العلمية و التجارب العملية حيث الأدلة و البراهين المادية على صحة تلك النظريات و الإكتشافات.
إن العلم مهمته ان يعلمنا عن الكون و الحياة و الإنسان و لكن ليس مهمته ان يعلمنا كيف نحيا الحياة لان تلك خيار حر للإنسانية يختاره كل إنسان بغض النظر عن الجدوى العلمية وراء خياراته.

- الأخلاق : الإنسانية مذهب أخلاقي و لكنها ليست أخلاق فقط
Humanism is ethical but not just ethics

لا تكفي القوانين الحديثة لتنظيم المجتمعات و النهوض بالأمم, فبدون رادع أخلاقي داخلي قد يلجأ الكثير من البشر للتحايل على القوانين وفقا لمصالحهم الأنانية بغض النظر عن الفوائد او الأضرار التي ستلحق بالناس الآخرين. القانون وحده لا يكفي لمنع حدوث السرقة و القتل و الإجرام و الإغتصاب و الأذى و غيره ..
بدون أخلاق تتحول الدنيا إلي غابة كبيرة حيث يأكل فيها القوي الضعيف و يعيش الجميع في خوف من الجميع فلا تنهض حضارة و لا يتقدم مجتمع, هذا ما يؤكده مذهب الإنسانية. و للأهمية الفائقة للأخلاق لا يمكن أن يحتكرها دين واحد أو مذهب واحد أو شخص واحد, الأخلاق يجب أن تناقش بديموقراطية بين كل بني البشر و يجب أن يؤكد على نسبيتها و تطورها مع الزمن.
مذهب الإنسانية بهذا المعنى لا يدعي إحتكار الأخلاق القويمة بل على العكس من ذلك, فالفلاسفة الإنسانيين يؤكدون أن طروحاتهم الأخلاقية هي إجتهادات شخصية قابلة للتعديل و التطوير.
و بحسب الرؤية الإنسانية فالأخلاق لها أهدف أسمى و ليست غاية في حد ذاتها, فهدفها هو سعادة الإنسان في كل مكان و زمان و على هذا فالرؤية الضيقة و المتزمتة للأخلاق لا يمكن أن تكون صحيحة. و فكرة حرمان البشر من متع الدنيا من أجل تحصيلها في حياة أخرى بعد الموت هي فكرة عقيمة و غير أخلاقية.
مذهب الإنسانية يتفق مع الأديان التقليدية في رفض السرقة و القتل و الأذى و التعدي الجنسي و غير ذلك من السلوك الذي يعاقب عليه القانون و يؤذي الناس الآخرين و يتعدى على حريتهم ..
و لكن مذهب الإنسانية يتفوق على الأديان التقليدية في تأكيده على اللطف و الود بين كل الناس بغض النظر عن دينهم أو أفكارهم, في الأديان كل المؤمنين أخوة أما في الإنسانية فكل البشر أخوة متحابين.
مذهب الإنسانية يؤكد أيضا على ان الأخلاق الإنسانية ليست ثابتة او نهائية بل هي متغيرة و متطورة بتطور البشر. بهذا المنطق فالناس في المستقبل سيكونوا أخلاقيين و فاضلين بأكثر من الناس في وقتنا الحاضر لأن الناس في المستقبل سيتطوروا أخلاقيا كما يتطوروا علميا و تكنولوجيا.
و كما ان الناس بالأمس لم تكن تجد غضاضة في ممارسة العبودية للبشر سود البشرة أو في ممارسة العنف و الحرب و الديكتاتورية بينما البشر اليوم يعرفون حق المعرفة أن العبودية لأي بشري هي امر خاطئ و الحرب فظاعة بلا جدوى و الديكتاتورية مضيعة للتنوع البشري, فغدا سيرتقي الناس سلمة أخلاقية أخرى ليكونوا فاضلين و أخلاقيين و كاملين أكثر و أكثر.

- الديموقراطية العلمانية : الإنسانية مذهب ديموقراطي علماني و لكنها ليست فقط الديموقراطية العلمانية
Humanism is secular & democratic but not just secular Democracy

مع إن الإنسانيين في العالم أقلية عددية إلا أن المدافعين و المؤيدين للديموقراطية العلمانية كثيرين و من كل الأديان و التوجهات الفكرية. بالنسبة لمذهب الإنسانية فالنظام الديموقراطي العلماني هو أفضل نظام إخترعه الإنسان حتى الآن و بالتالي فهو النظام السياسي المفضل عند الإنسانيين.
الدولة الديموقراطية العلمانية هي الحل للكثير من المشاكل التي تنشأ بسبب الإختلاف في الدين و العرق و التوجه السياسي و خصوصا في الدول ذات التاريخ الطويل في الصراع على السلطة و الحروب مثل إسرائيل/فلسطين و السودان و ايرلندا و غيرها ..
بالطبع فإن تطبيق الديموقراطية العلمانية ليس سهلا و ليس حلا سحريا بل هو حل يحتاج إلي كفاح و صبر الشعوب من اجل الوصول إلي التوازن السياسي بين الجماعات و الطوائف في البلد. بل إن تسلط الحكومات و تسلط رأس المال و تسلط جماعات الضغط يحتاج إلي ذكاء كبير و وعي من الناس لكي تستطيع أن تسيطر عليه, و في كل الحالات فاليوتوبيا الإنسانية التي لا يترك فيها احد لوحده لكي يصارع مشاكل الحياة و التي لا يظلم فيها أحد أو يعاني فيها إنسان تعتبر هدف صعب و مستفز لقدرات البشر عموما و الإنسانيين على وجه الخصوص.
الديموقراطية العلمانية التي يدافع عنها الإنسانيين و غيرهم تعني مشاركة كل فئات و أفراد الشعب في تحقيق فصل كامل بين مؤسسات الدولة و المؤسسات الدينية, و من بين أفضل الدول و أكثرها حرصا على العلمانية الديموقراطية تعتبر فرنسا هي أم الحريات و أم العلمانية و أم التجارب الديموقراطية في كل جمهورياتها منذ الثورة الفرنسية و حتى الآن. فرنسا لديها تاريخ طويل في الكفاح من أجل الديموقراطية العلمانية و على الرغم من أن الدولة الفرنسية و شعبها قد عانوا من فترات دموية و صراعات إنتهكت فيها حقوق الإنسان بعنف إلا أن فرنسا بتاريخها و كفاحها تعتبر مثلا يحتذى لكل دول العالم في نموذجها الديموقراطي العلماني.
النماذج الرائعة للديموقراطية العلمانية كثيره و فرنسا ليست الوحيدة و لكن النماذج التي تعاني من الصراعات و الحروب الدموية التي يكفي تطبيق الديموقراطية العلمانية لكي يساعد في حلها كثيرة و هي مما يؤسف له.
الإنسانيين يهدفون من تطبيق الديموقراطية العلمانية إلي الوصول إلي الحكومة العالمية الواحدة التي تقضي على الحروب و الصراعات البشرية و تولي وجهها تجاه المشاكل التي يعاني البشر أجمعين مثل الفقر و الجهل و المرض. بإختصار فالحكومة العالمية الديموقراطية و العلمانية هي هدف كل إنساني من أجل خير البشرية و تقدمها و سعادة كل إنسان.

- الفرح بالحياة : الإنسانية مذهب يؤكد على اهمية الفرح بالحياة و لكنها ليست فقط الإستمتاع بالحياة
Humanism is enjoying life but not all about enjoying

الإستمتاع بالحياة مهم من أجل تحقيق السعادة و الرضا لكل إنسان, فالإنسانيون لا يعتذرون عن تفاؤلهم و إقبالهم على ملذات الحياة التي لا تضر أحدا بإعتدال. ملذات الحياة المقصودة هنا هي الصداقة و الحب و الجنس و التنزه و السفر و كل ما يمكن ان يشعر المرء بأن الحياة حلوة و تستحق ان تعاش. كل سلوك يسعد الإنسان بغير ان يضر به نفسه أو يضر غيره و يمارس بإعتدال و حكمة هو سلوك جيد و مبارك. الأخلاق القويمة ليست معنية بإضفاء النكد و قتل البهجة بل على العكس من ذلك, فالفرح بالحياة و التفاؤل هي وسائل إنسانية لتحقيق السعادة و التي هي صعبة المنال أصلا. أما الأخلاق الفاضلة فلقد إخترعناها أساسا لدعم و تنظيم السعادة في الحياة لكل الناس.
الفرح بالحياة ليس ضد الأخلاق الفاضلة و ليس ضد الإخلاص في العمل أيضا. فالعمل يحقق للمرء ذاته و يكفيه ماديا أما الإستمتاع بالحياة فيكون في الأجازات و اوقات الفراغ. و يا حبذا لو يستطيع المرء ان يجد عملا محبوبا إلي قلبه و يشعره بالاهمية و البهجة, فمقولة " حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب " هي مقولة إنسانية بإمتياز.
إن رمز مذهب الإنسانية هو الإنسان الفرحان أو إنسان يحقق كل قواه الكامنة, و هذا الإنسان الفرحان ليس فقط من يخصص جزء مهم من وقته للهو و الإستمتاع بالحياة بل الذي يراعي معايير أخلاقية معينة في تصرفاته و يخلص لعمله في الوقت ذاته.
الإنسان الفرحان هو غاية ممكنة يستطيع كل إنسان أن يصل إليها بإجتهاده و ذكاؤه و إنفتاحه على أشقاؤه البشر, و البشر الإنسانيون هم الذين يفرحون لفرح غيرهم و يواسون الآخر في حزنه. لإن الإنساني الحق هو من يساعد الآخرين على تحقيق سعادتهم الخاصة لكي يكونوا فرحانين و سعداء و يحققوا كل قواهم الكامنة أيضا.


الخاتمة :
هذا شرح مبسط لمذهب الإنسانية و أركانه السبعة : الإلحاد و الفلسفة المادية و الفلسفة الطبيعانية و العلم و الأخلاق و الديموقراطية العلمانية و الفرح بالحياة. و هكذا يكون هذا المذهب إلحادي مادي طبيعي علمي أخلاقي ديموقراطي علماني يدعو للفرح و التفاؤل, و هو بهذا المعنى مذهب غني و يحمل موقف من كل قضية إنسانية.
و هذا يدل على أن الأديان التقليدية ليست وحدها من تقدم وجهة نظر شاملة و متكاملة عن الحياة و كيف نجعل لها معنى بل على العكس فإن مذهب الإنسانية يدعو كل إنسان لأن يجعل لحياته معنى و قيمة بطريقته الخاصة و بالإرتكاز على قيم العقل و العلم و الفضيلة. على العكس فإن الإنسانيون يوجهون أصابع الإتهام للأديان الألوهية بأنها خرافية حيث تدعو لتغييب العقل و طائفية حيث تدعو لتأجيج الصراع و الإختلاف بين بني البشر و لا أخلاقية حيث تدعو لنماذج من السلوك أقل ما يقال عنها أنها رجعية و عبثية و متزمتة.
مذهب الإنسانية يمتاز عن الأديان الألوهية التقليدية ليس بأنه مذهب مادي علمي أو انه مذهب أخلاقي فقط بل بانه مذهب ديموقراطي أيضا, حيث أن الإنسانيون يعملون من أجل سعادة كل البشر بلا إستثناء فلا يوجد كفرة او مهرطقين بالإنسانية و لا يوجد جهنم في إنتظار من ينكر الإنسانية أو يجحدها. بل إن اللاإنسانيين هم أيضا بشر و أخوة و لا مفر من محبتهم و أخوتهم في نهاية الأمر. الإنسانية ليست دين ديكتاتوري شمولي مثل الإسلام أو المسيحية بل هي مذهب ديموقراطي متطور يقبل التعديل و التطوير بسهولة وفقا للقيم العظمى الإنسانية بل إن الإنسانيون لا يعادون أحدا بسبب أفكاره أو معتقداته و لا يدعون اللاإنساني كافر كما يفعل تابعي الأديان الأخرى.
و بعد ..
فإن من ضمن الفلسفات التي تأثر بها مذهب الإنسانية تأتي الفلسفة العظمى في القلب تماما ألا و هي الفلسفة الإنسانية حيث يكون الإنسان هو محور الإهتمام و مقياس كل شيء و حيث يكون كل البشر سواسية كأسنان المشط بغض النظر عن عقائدهم أو عرقهم او وطنهم أو نوعهم أو غيره ..
الفلسفة الإنسانية هي الفلسفة الجامعة الشاملة التي إستطاعت ان تستمد شرعيتها من العقل و العلم و الأخلاق و الفلسفتين المادية و الطبيعية. الفلسفة الإنسانية هي المعنى الذي يستطيع تحويل كائن حي بشري عادي إلي إنسان عاقل و محترم, فهي التي تدعو لتأسيس مجتمع جديد يتم فيه إحترام معايير حقوق الإنسان و علم الإنسان و عقل الإنسان فوق أي إعتبارات أخرى. الفلسفة الإنسانية هي جوهر المذهب الإنساني و هي سبب رفض الآلهة و الأديان و الإرتماء في أحضان المادية و الطبيعية و العلموية ..
الفلسفة الإنسانية هي عدوة العنصرية للعرق و الوطن و الدين و هي عدوة الخرافات الدينية و غير الدينية و هي عدوة الفقر و الجهل و المرض. إن الفلسفة الإنسانية هي صديقة الإنسان في كل زمان و مكان لأنها التي تنتصر له و ترفع من قدره.
إنها الفلسفة التي تدعو لإفشاء السلام و الحب و السعادة لكل البشر.
المجد و العظمة للإنسانية, آمين.



#الناصر_لعماري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام دين أم عقدة نفسية
- لماذا لا أؤمن بالله
- هل كان صلعم زاهدا حقا ?
- محمد ليس عربياً!
- سلامات سبينوزا العرب -العفيف الأخضر-
- كيفية تأليف المذهب وإختلاق الفروقات
- التراث الاسلامي
- الديانه المزدكية
- في نشأة الجدل العربي حول العلمانية
- اصل الصليب
- تحريف التنبؤات من أجل يسوع
- الإعتقادات الذكورية عن المرأة
- المثلية الجنسية في العالم العربي
- الانظمة أم الإسلاميين ؟ الصلاعمة و السياسة
- محمد والصعاليك
- الكون حسب التصور الإسلامي
- قصة مضحكة مخرجة عن الإسلام
- الأميش .. طائفة توقف عندها الزمن منذ ثلاثة قرون
- مسرحية محمد
- دموية الاسلام .. الرده نموذجا


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الناصر لعماري - أركان الإنسانية السبعة