أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالوهاب حميد رشيد - العراق المعاصر: أنظمة الحكم والأحزاب السياسية















المزيد.....



العراق المعاصر: أنظمة الحكم والأحزاب السياسية


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 4127 - 2013 / 6 / 18 - 11:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




د. عبدالوهاب حميـد رشيـد

الطبعة الأولى: دار المدى للثقافة والنشر- دمشق: 2002
SEDEN- ISBN:91-630-9516

الاهـــــــــــــــداء.. الى.. شعــب العــراق..


المحتويات

قائمة الجداول
تمهيد في: منهجية البحث
مقدمة في: انظمة الحكم – الديمقراطية – الاحزاب السياسية
المبحث الاول : الانظمة السياسية
1- انماط الانظمة السياسية
2- تصنيف الانظمة الحكومية
3- تطور وتبدل الانظمة السياسية
المبحث الثاني: نظرية الديمقراطية والتحول الديمقراطي
1- ماهية الديمقراطية
2- انماط الانظمة الدستورية
3- خطابات (مشروعات) ديمقراطية
(1) الخطاب الليبرالي للديمقراطية
(2) الخطاب الماركسي لديمقراطية
(3) الخطاب الاسلامي للديمقراطية
4- الانتخابات
(1) ماهية الانتخابات
(2) انظمة الاقتراع
(3) الدوائر الانتخابية
المبحث الثالث: الاحزاب السياسية
1- ماهية الاحزاب السياسية
2- انماط الاحزاب السياسية
3- انظمة الاحزاب السياسية
هوامش مقدمة البحث

القسم الاول: المواريث التاريخية في العراق
الفصل الاول : المرحلة الليبرالية - الملكية
1- مراحل العهد الليبرالي – الملكي
(1) الفترة الاولى 1921- 1932 (الانتداب)
(2) الفترة الثانية 1933- 1945 (الاحتلال البريطاني الثاني)
(3) الفترة الثالثة 1946- 1958 (سقوط التاج)
2- تحليل النظام الدستوري في العراق الملكي
3- سمات المرحلة الليبرالية - الملكية
الفصل الثاني: المرحلة الشمولية – الثورية (الجمهورية)
1- حركة الضباط الاحرار
2- مراحل العهد الشمولي – الثوري ( الجمهوري)
(1) الفترة الاولى 1958 – 1963 (عهد قاسم)
(2) الفترة الثانية 1963 – 1968 (عهد العارفين)
(3) الفترة الثالثة منذ 1968 (عهد البعث)
2- سمات المرحلة الشمولية – الثورية (الجمهورية)
هوامش القسم الاول

القسم الثاني: ازمة الديمقراطية
الفصل الاول: ازمة الديمقراطية في الوطن العربي
1- ازمة الديمقراطية في الفكر القومي العربي
(1) مناقشة مفاهيمية
(2) تطور الفكر القومي العربي في التاريخ المعاصر
2- طبيعة انظمة الحكم العربية
(1) اشكال انظمة الحكم العربية
(2) مواصفات انظمة الحكم العربية
3- ازمة الشرعية في انظمة الحكم العربية
(1) شرعية الانظمة الملكية
(2) شرعية الانظمة الجمهورية
4- نحو بناء خطاب قومي للديمقراطية (افكار للمناقشة)
(1) آراء ومقترحات
(2) اساليب وستراتيجيات
الفصل الثاني: ازمة الديمقراطية في العراق
1- المظاهر الاجتماعية لأِزمة الديمقراطية في العراق
2- نمو الوعي السياسي في العراق
هوامش القسم الثاني

القسم الثالث: الاحزاب السياسية وموضوعة الديمقراطية
الفصل الاول: آثار الحركة السياسية التاريخية المعاصرة في الاحزاب العراقية
الفصل الثاني: دراسة وثائقية تحليلية لعينة من الاحزاب العراقية المعاصرة
1- التيار الاسلامي
(1) حزب الدعوة الاسلامية
(2) حركة الكوادر الاسلامية (كوادر الدعوة الاسلامية)
2- التيارالليبرالي ( البرنامج الليبرالي)
3- التيار القومي العربي
(1) حزب البعث العربي الاشتراكي - العراق
(2) الحركة الاشتراكية العربية (حركة القوميين العرب – سابقا)
(3) الحزب الاشتراكي ( الحزب الاشتراكي العربي – سابقا)
4- التيار القومي الكردي
(1) الحزب الديمقراطي الكردستاني الموحد – (حدك)
(2) الاتحاد الوطني الكردستاني (اوك)
5- تيار اليسار
(1) الحزب الشيوعي العراقي (حشع)
(2) الحزب الشيوعي الكردستاني – العراق (حشكع)
الفصل الثالث: آراء عينة عراقية في هموم الاحزاب السياسية
" صحيفة استقصاء"
1- الانتماءات الى المؤسسة الحزبية العراقية " التسربات والامتناع"
2- الموقف من افكار وممارسات المؤسسة الحزبية العراقية " درجة الرضاء"
3- الاصلاح الديمقراطي للمؤسسة الحزبية العراقية "الجوانب الفكرية
والتنظيمية والادارية"
4- الموقف من مطبوعات المؤسسة الحزبية العراقية "قضية الموضوعية"
5- العلاقات والتحالفات بين الاحزاب والمنظمات السياسية العراقية
"الجبهة الوطنية"
6- نصائح اعضاء العينة الى المؤسسة الحزبية العراقية " مناشدات ومقتراحات"
الفصل الرابع: سبل تجديد الخطاب السياسي للاحزاب العراقية
هوامش القسم الثالث

الخاتمة: الخلاصة والاستنتاجات
ملاحق البحث
الملحق أ – رؤساء العراق في العهد الليبرالي – الملكي
للفترة 25/10/1920- 14/7/1958
الملحق ب – صحيفة استقصاء لعينة من المثقفين العراقيين
بشأن الاحزاب – المنظمات السياسية العراقية
مصادر البحث
قائمة الجداول

1 توزيعات منصب رئاسة الوزارات العراقية للفترة 1920- 1958
2 توزيعات المناصب الوزارية الرئيسة (بضمنها رئاسة الوزارة)
للفترة 1920-1958
3 توزيع حيازات الاراضي الزراعية الخاصة قبل ثورة
14 تموز 1958
4 التنظيم القيادي لحركة الضباط الاحرار في العراق "اعضاء
اللجنة العليا واللجنة الاحتياطية"
5 الاهداف الفعلية المتحققة الى الاهداف المخططة في خطة التنمية
القومية 1970- 1974
6 مقارنة معدلات اداء (الفعلي/ المخصص) خطة التنمية القومية
1970- 1974 مع معدلات اداء الخطة 1965-1969
7 اهتمامات عبنة من الكتابات العربية المعاصرة في مجال تحليل
مضمون الفكر القومي العربي
8 حالات الانتماء للاحزاب العراقية – التسربات – الامتناع
لمجموعتي عينة البحث من حزبيين ومستقلين
9 آراء اعضاء عينة البحث في المؤسسة الحزبية العراقية
10 آراء عينة البحث في مجالات الاصلاح الديمقراطي للاحزاب العراقية
11 آراء اعضاء عينة البحث في المطبوعات الحزبية العراقية
12 الاحزاب/ المنظمات السياسية العراقية في المهجر
"العلاقات والتحالفات
13 واقع ممارسة المؤسسة الحزبية للاستقصاءات الميدانية


تمهيد في: منهجيــة البحــث

هذا البحث محاولة لمتابعة وتحليل مسيرة انظمة الحكم والاحزاب السياسية العراقية لاكثر من نصف قرن، بما افرزتها من دروس وتجارب طبعت افكارها وهياكلها وممارساتها بالعلاقة مع ازمة الديمقراطية في العراق. وبحث سبل تطوير الخطاب السياسي للاحزاب العراقية باتجاه العلنية والتعامل السلمي والقبول بالشرعية الدستورية تحت مظلـّة الاستقلال الوطني، وفي سياق فرضية مفادها: ان عملية التحول الديمقراطي في العراق المعاصر لن تفلح وتستمر قبل ان تتبنى الاحزاب والمنظمات السياسية العراقية، على اختلاف افكارها وايديولوجياتها، القيم والممارسات الديمقراطية- قولا وفعلا- طريقا وحيدا لبلوغ اهدافها السياسية وتطبيق برامجها الاجتماعية.
ان الدوافع والمبررات التي دعت الباحث الى الولوج في هذا الحقل الواسع والشائك والملغوم بكثير من الصعوبات والمعوقات لا تعادلها سوى الاحساس بالمشاركة في التفكير والمحاورة، ولو من بعيد، من اجل البحث عن نقاط التقاء الاطراف المعنية باتجاه بناء كتلة اغلبية تتطلبها مهام المرحلة الحالية.
وتبقى المساهمة في نشر ثقافة وطنية ديمقراطية تنبذ الباطنية/ السرية وهمجية العنف والمطلقات والوحدانية السياسية وتلتزم العلنية والخيار السلمي الحضاري والقناعة النسبية والقبول بالتنوع السياسي والاجتماعي، دوافع اخرى لا تقل اهمية، على امل ترسيخ قاعدة متينة تستند الى ارادة المواطنة الجماعية القادرة على صنع القرار السياسي الوطني في اطار احترام قيمة الانسان وحياته وكرامته، باعتباره الثروة الحقيقية.
عليه، لم يكن الهدف هنا مجرد الهرولة وراء نتائج مقصودة او اصدار احكام مرسومة لصالح او ضد هذا الطرف او ذاك، بقـدر ما حاول البحث حفز كافة الاطراف العراقيةـ افرادا وجماعات- من اجل تبني قيم العلنية والتعايش السلمي والنسبية والاعتراف المتكافئ بالآخر باعتبارها شروطا رئيسة للسير على الطريق الحضاري باتجاه بناء النظام السياسي المنشود وترسيخ السلام الاجتماعي.
الجدير بالتأكيد هنا ان البحث ليس معنيا بدراسة اسباب هذه الاحداث والصراعات التي رافقتها واصدار الاحكام بحق هذا الطرف او ذاك، لأن هذه المهمة تتطلب فريق عمل ومجالا آخر. ولأن مثل هذه المهمة قد لا تتوافق وهدف البحث باتجاه متابعة حصيلة هذه الاحداث والآثار التي تركتها وطبعت المجتمع العراقي، خاصة المنظمات السياسية. ومن ثم بحث سبل معالجة هذه الآثار في سياق الاصلاحات الحضارية التي تتطلبها المؤسسة الحزبية العراقية لتأهيلها تشكيل كتلة اغلبية قادرة على فتح الطريق الحضاري الصعب والطويل نحو اقامة نظام دستوري يحظى بموافقة اكثرية العراقيين على طريق التحول الديمقراطي.
بدأ البحث في مقدمته بمناقشة نظرية موجزة لأِنظمة الحكم- الديمقراطية- الاحزاب السياسية، من حيث مفاهيمها ومكوناتها وعلاقاتها، لاهميتها في رسم خلفية فكرية ولغة مشتركة تستند اليها الاجزاء التالية للبحث. بينما تضمن القسم الاول- بفصليه- المسيرة التاريخية المعاصرة لأِنظمة الحكم والاحزاب السياسية في العهدين: الليبرالي- الملكي والشمولي- الجمهوري، بما خلفتها من مواريث طبعت العملية السياسية العراقية حتى الوقت الحاضر. وحيث ان العنف وليد الاستبداد- الوجه الآخر للتخلف- لذلك كان لزاما الدخول في موضوع ازمة الديمقراطية ومكوناتها من تاريخية واجتماعية- داخلية وخارجية في القسم الثاني- بفصليه ايضا- بدءا بدراسة الازمة على المستوى العربي بعامة، ولغاية ازمة الديمقراطية في العراق في صورتها الخصوصية. وجاء القسم الثالث- بفصوله الاربعة- مخصصا لدراسة وتحليل اوضاع الاحزاب العراقية من زوايا ثلاث: آثار المسيرة التاريخية المعاصرة في صيرورة هذه التنظيمات السياسية من حيث سماتها ومواصفاتها وممارساتها ( الفصل الاول).. طبيعة هذه الكينونات كما تجسدها دساتيرها، اي انظمتها الداخلية وبرامجها الوثائقية السياسية والاقتصادية والاجتماعية (الفصل الثاني).. آراء عينة من المثقفين العراقيين بالعملية الحزبية السياسية العراقية- صحيفة استقصاء (الفصل الثالث). ثم جرت في الفصل الرابع والاخير محاولة موجزة لاستثمار حصيلة هذه الاتجاهات الثلاثة لحصر مشكلات الاحزاب العراقية وبحث امكانيات تطوير خطابها السياسي لصالح التحول الديمقراطي. ولينتهي البحث في خاتمته بالخلاصة والاستنتاجات.
كان هذا البحث منذ بدايته محل مناقشة العديد من المختصين المعنيين بالشأن العراقي. ويخص الباحث الدكتور خيرالدين حسيب على الملاحظات القيمة التي اغنت خطة البحث، والاستاذ عبدلاله النصراوي على ملاحظاته ومساهماته في توفير العديد من الوثاق الحزبية والمراجع المتخصصة لاغراض هذا البحث. كما ساهم مشكورا في مراجعة مخطوطة البحث كل من الدكتور ثائر اسماعيل والدكتور عقيل الناصري.



مقدمة في
انظمة الحكم- الديمقراطية - الاحزاب السياسية

المبحث الاول- الانظمة السياسية
بدأ التطور التاريخي لعلم السياسة في صورته المنهجية لدى فلاسفة اليونان القدماء (الاغريق). وينسب الى ارسطو Arstotle (384-322 ق.م) المقولة الشهيرة: الانسان حيوان اجتماعي. ورأى ان طبيعة التطور البشري تحتم نوعا من المجتمع المنظم في ظل نظام حكومي. وان غياب الحكومة يعني الفوضى anarchy، وسيادة قانون الغاب law of jungle.(1) وبنفس المعنى تقريبا، قال الزعيم الصيني ماوتسي تونغ: إن الواقع يفرض دائما وجود رؤساء.(2)
‘يقال ان لكل رابطة انسانية وجه معين. ففي احاديثنا نتكلم عن سلطة المدينة مثلا او السلطة في ناد او منشأة. وغالبا ما نسمع بشأن سياسة معينة في هذه المؤسسات. من هنا لا يوجد في الواقع من لا يتعامل مع شكل من اشكال النظام السياسي. ويرتبط بذلك ان السياسة حقيقة من حقائق الحياة التي لا يمكن تجنبها، باعتبارها وسيلة لادارة العملية الاجتماعية ومرآة للحياة المجتمعية وروابطها. لكن النظام السياسي لا يشكل سوى جانبا من جوانب الرابطة البشرية.(3)
والنظام السياسي للدولة يخص شكل وطبيعة نظام الحكم، اي الحكومة: الوزارة، البرلمان، القضاء. وهنا نقول عن هذا النظام السياسي او ذاك انه: فردي او تعددي.. استبدادي او ديمقراطي. لذلك تعددت محاولات تعريف النظام السياسي الذي يشكل في مفهومه العام البوتقة التي تضم عناصر الحكم وافكاره وممارساته الاجتماعية بجوانبها الشاملة.(4)
تعبر الحكومة عن منظمة تقوم بادارة المجتمع في سياق امتلاكها للسلطة- القوة، وقدرتها على استخدامها من خلال القوانين والمؤسسات التي تشرف عليها وتباشر مهامها بواسطتها.(5) والحكومة government تترادف مع كل من الولاية والدولة state. فهي تعني في الولايات المتحدة الامريكية "حكومة الولاية". والحكومة تختلف عن الدولة، إ ذ ان الاولى متحركة- متغيرة، بينما الثانية مستقرة ثابتة.(6) وحسب المفهوم التقليدي لمنظمة ا لأمم المتحدة، تشكل الحكومة احدى المكونات الاربعة للدولة المستقلة (الشعب، الارض، الحكومة، السيادة).
ويختلف مفهوم الدولة عن مفهوم الأمة. فوجود الدولة مرتبط بوجود شعب وليس الأمة بالضرورة. والفارق بينهما ان الشعب هو احد مكونات الدولة، ويتحدد بحدودها السياسية، ويمكن ان يضم اجناسا بقوميات مختلفة ولغات متعددة. بينما الأمة تكوين اجتماعي تاريخي متجانس وسابق على ظهور الدولة.(7)
ولما كان النظام السياسي يشكل نمطا مستمرا من العلاقات البشرية، فهو يتضمن الرقابةcontrol والسلطة authority او القوة power، بالاضافة الى مسألة التأثير في السلطة وتوزيعاتها. فهناك حدودا متباينة لمدى تأثير الافراد(الجماعات) في النظام السياسي نتيجة التباين في امتلاكهم الموارد السياسية political resources، متمثلة في: الثروة والدخل، المنزلة الاجتماعية، العلاقات( بما في ذلك رابطة الدم/ النسب: الاسرية، العشائرية، القبلية)، المعلومات، القدرة على الترغيب والترهيب. علاوة على اختلاف امتلاكهم للمواهب والكفاءات. اما اسباب اختلاف توزيع هذه الموارد فهي عديدة منها: طبيعة توزيع الثروة والدخل، تباينات في الخبرات والكفاءات والمهارات والتجارب، اختلافات وراثية.(8)
لوحظت ظاهرة القدرات السياسية المتباينة لافراد المجتمع على مدى قرون طويلة. حاول ارسطو شرح وتبرير هذه الاختلافات عندما نسب حكم الاغنياء(الاقلية) بالمقارنة مع الفقراء( الاغلبية) في دراسته للديمقراطية الى"مجرد الصدفة".(9) وبعد عشرين قرنا شرح روسو في منتصف عصر النهضة الاوربية هذه الظاهرة وعزاها الى سوء توزيع الثروة والدخل. وبعد مضي اقل من قرن على روسو، قدم كل من ماركس وانجلز تفسيرا مماثلا في البيان الشيوعي وسلسلة الاعمال الفلسفية اللاحقة على البيان المذكور.(10)

1- انماط الانظمة السياسية
رغم ان الدولة الوطنية الموحدة state-nation بمفهومها التقليدي ( الشعب، الارض، الحكومة، السيادة) هي الشكل الاكثر انتشارا في عالمنا المعاصر، تتواجد ايضا اشكال اخرى من انظمة الحكم السياسية، كما في الانظمة السياسية فوق الوطنية (الامبراطوريات، الجامعات، الاتحادات الكونفدرالية، منظمة الامم المتحدة)، وشبه الوطنية (القبيلة، الريف، المدينة، المقاطعة).(11)
تكونت الامبراطوريات empires من شعوب تنتمي الى اقوام متباينة، واستمدت وجودها من الارتكان الى القوة والعقيدة الدينية. وجسدت انظمة حكم اوتوقراطية autocracy(حكومة الفرد الاستبدادية المطلقة). وعلى عكس امبراطوريات العالم القديم، فشلت الامبراطوريات الاستعمارية، تبرير وجودها لاسباب عديدة تراوحت بين رفض ومقاومة اهل البلاد وبين انتشار الافكار السياسية الحديثة.
تقوم الجامعة او العصبةleague على شكل تعاقدي charter بين حكومات دول مستقلة لتحقيق اهداف مشتركة، مقابل احتفاظ كل منها بشخصيتها المستقلة. عبّرت عصبة الامم League of Nations عن الحالة القصوى للمنظمة فوق الوطنية بعد الحرب العالمية الاولى(1919). وجاءت حصيلة اتفاق الدول المنتصرة في الحرب، ومهّدت الارضية لظهور منظمة الامم المتحدة. وتمتعت فيها الدول الكبرى بحق الفيتو veto، رغم ان الولايات المتحدة الامريكية بقيت خارجها بسبب "مذهب مونرو" Monroe Doctrine.(12)
يشكل الاتحاد الكونفدرالي confederation رابطة ارادية voluntary تتحقق بين دول مستقلة توافق في حدود معينة على العمل الجماعي لتحقيق اهداف مشتركة. وتنشئ آليات موحدة للتشاور، وتحافظ كل منها على قواتها المسلحة وشؤونها الخارجية. وتتمتع بحقوق متساوية وبشخصيتها المستقلة وحق الانسحاب recession من الاتحاد. وعادة ما تفشل الكونفدرالية في توفير سلطة فعالة. وتفتقر الى القابلية على الاستمرار.
تعتبر منظمة الامم المتحدة The United Nations هيئة دولية فوق الوطنية ورابطة ارادية تضم معظم الدول المستقلة في العالم. وجدت باتفاق الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (مؤتمر سان فرانسيسكو 1945) لتحقيق اهداف مشتركة تتقدمها حفظ السلام والامن في العالم وتحقيق التعاون المشترك بين اعضائها. كذلك احتفظت الدول الكبرى فيها بحق استخدام الفيتو.
ان المنظمة النموذجيةtypical organization للجنس البشري في بدايات تاريخه تمثلت في المجتمعات القبلية tribe communities. وهي لا زالت كذلك في اجزاء عديدة من العالم. وتزداد اهميتها وفعاليتها مع بدائية المجتمع. ويقوم منطق القبيلة على علاقات النسب- القرابة، وتمثل فروعها جماعات حميمة من الافخاذ- العشائر. وقلما تكون حدودها الاقليمية محددة. بينما مؤسساتها غير متباينة indifferent وهياكلها المتقاطعة مؤطرة في انظمة اجتماعية ذات وظائف شمولية. وفي هذا النظام يتم اختيار زعيم القبيلة من الرجال الراشدين. ويتوزع الرجال الاكبر سنا بين رؤساء القبيلة والكهنة (السحرة) shamans واعضاء مجلس القبيلة. ومسؤولية هؤلاء الحفاظ على تقاليد القبيلة وقانونها التقليدي غير المدون، رغم خضوعه لنفس منطق التطور الذي تخضع له القبيلة.
‘تعتبر القرية (المجتمعات الريفية) rural communities كينونة سابقة على المدينة من الناحية التاريخية. من هنا تقوم بينهما اختلافات اجتماعية تجد جذورها في تباين تطورهما التاريخي. فالقرية مرتبطة بدورة الحياة الزراعية وتستند الى رابطة حميمة اكثر دفئا للعلاقات الانسانية وتمتلك ثقافة بسيطة وتقليدية. في حين تعتمد المدينة على الصناعة والتجارة والحرف، وتكون العلاقات الحضرية اكثر مادية ورسمية، وتعتبر مركز العلوم والفنون والثقافة. كذلك ‘تعبر القرية والمدينة عن تناقض اكثر حدة كمجموعتين سياسيتين. فالاولى خضعت لديمقراطية بدائية قوامها المناقشة وجها لوجه في مجلس القرية او مع شيخ القبيلة. بينما نمت في المدينة اشكال الملكية الاستبدادية والارستقراطية والاوليغاركية (حكم الاقلية الفاسدة).
واخيراً، تضافرت عوامل تاريخية وضرورات ادارية في العديد من الانظمة السياسية الوطنية المعاصرة لافراز صورة اخرى من المجتمعات شبه الوطنية والمعروفة بالاقاليم او المقاطعات regions. ففي حالات مثل: الكانتونة السويسرية Swiss Canton والمقاطعة البريطانية England County والاقليم الالماني German Land والولاية الامريكية American State، تميزت هذه المجتمعات برسوخ مؤسساتها السياسية وممارستها للوظائف الحكومية. وفي حالات اخرى جاءت حصيلة عوامل اثنية وثقافية ولغوية وفيزيوغرافية physiography او عوامل اقتصادية قادت الى المحافظة على شخصيتها في غياب هياكل مؤسسية.
نشأت الدولة الوطنية الموحدة في ظروف تاريخية مختلفة، ضمَّت، غالبا، مجموعات بشرية ذات هوية ثقافية وتاريخية ولغوية مشتركة، مثل بريطانيا وفرنسا، باعتبارهما الحالة الاولى لظهور الدولة الوطنية. مقابل حالات اخرى ضمت مجموعات بشرية متباينة مثل سويسرة. وقامت على مجموعة مبادئ جعلت من الحكومة المركزية محل الولاء الاسمى supreme loyalty من قبل شعوبها. وجاء انتصار الفكرة الوطنية في اعقاب حروب القرنين التاسع عشر والعشرين، بدءاً بالحروب النابليونية- التي ساعدت على انتشار مبادئ الثورة الفرنسية واطلقت الفكرة الوطنية من عقالها كقوة حاسمة في اوربا- ولغاية الحربين العالميتين اللتين قادتا الى انهيار الامبراطوريات القديمة والحديثة وحملتا في اعقابهما المبادئ الوطنية لحق الامم في تقرير مصيرها.
كما تعزز مفهوم الدولة الوطنية كبؤرة محورية primary focused نتيجة عوامل عديدة في مقدمتها الحروب والتهديد بالحروب، وهموم التنمية والخدمات الاجتماعية وما شابه، بحيث اصبحت من وجهة نظر شعوبها ملاذا لأِمنهم وضمانا لحياتهم ورمزاً لكرامتهم ومصدر الهام قيمي واخلاقي لمشاعرهم، لتصل اوجها في تعبير هيغل "واجب الرجال ليس الدفاع عن اي وطن يختارونه، بل الدفاع عن وطنهم الأم، ارض الآباء والاجداد. هذا المطلب المركزي- الذي تقاس على اساسه كل التصرفات الاخلاقية للافراد- هو مصدر كافة الواجبات المسلم بها والمعروفة دائما لكل فرد، والاساس الموضوعي الذي تعتمد عليه منزلة كل مواطن. لأنه لا مكان في الحياة العملية لفراغ الافكار، مثل فعل الخير من اجل الخير نفسه".(13)


2- تصنيف الانظمة الحكومية
‘بذلت محاولات متواصلة لتطوير اشكال ونماذج من الانظمة الحكومية المختلفة وفق اسس تصنيف عديدة. وتعتبر من المحاولات المبكرة مبادرة افلاطون Platoوارسطو تحديد اشكال الحكومات ارتباطاً بعدد من بيدهم السلطة السياسية وطبيعة استخدام هذه السلطة.(14) ومن المحاولات الحديثة الجديرة بالذكر، محاولة ماكس ويبرMax Webber، بمناقشته ثلاثة اشكال تالية لانظمة الحكم حسب مصادر شرعيتها: السلطة التقليدية traditional authority .. السلطة الملهمة ( الكارزمية) charismatic authority.. السلطة القانونية legal authority .(15)
وضعت مشروعات التقسيمات السابقة على جنب بعد ان تدفقت الدراسات الحديثة في مجال التحليل السياسي، وظهرت تصنيفات كثيرة للانظمة المعنية دون ان يكون بالامكان تحديد افضلها، على اعتبار ان اختيار التصنيف الافضل يرتبط بوجهة نظر الباحث وموضوع بحثه. نظرا لوجود اختلافات لا تحصى بين الانظمة الحكومية تتقدمها: المواريث التاريخية، درجة الحداثة، توزيع الموارد السياسية والمهارات والكفاءات، عوامل الانشقاق والتلاحم بين طبقات وفئات المجتمع ومدى صرامة تناقضاتها، سلطات الحكم وكيفية توزيعها والعلاقة بينها، الخ..(16) من الانظمة الحكومية السائدة من حيث كيفية استخدامها للسلطة، والتي تتراوح عادة، بين الحكومة الاستبدادية والحكومة الدستورية.(17) وتتصف الحكومة الاستبدادية المطلقة absolution - التي تشكل الانظمة الملكية القديمة نموذجها- بغياب كافة اشكال المؤسسات الدستورية. وفيما عدا انظمة حكم عربية خليجية، حيث يغيب عنها الدستور، زال هذا النمط تقريبا من انظمة الحكم في بقية العالم.(18)
يوفر العالم المعاصر امثلة عديدة لانماط حكم الفرد monocracy التي تسود دول العالم الثالث بعامة. وبغض النظر عن تسمية الدكتاتور/الطاغية- ملك، رئيس جمهورية، قائد عسكري، كاديلو Caudillo (اسم الدكتاتور في امريكا اللاتينية سابقا)- فهي تشترك بمواصفات متماثلة في اساءة استخدام السلطة، وقامت على جذور مشتركة من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تصنف الانظمة الحكومية المعاصرة حسب سلطاتها الى ثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. ورغم ان محاولات دراسة السلطات الحكومية بدأت قديما ولغاية العصر الحاضر.(19) الا ان الفضل يعود الى الفيلسوف الفرنسي البارون مونتسكيو Baron Montesquieu (1869-1755) الذي اجرى اول تقسيم حديث لهذه السلطات، موضحا ان العدو الخطير للحرية: الاستبدادtyranny يتمثل في تجميع السلطات الثلاث في جهة واحدة. واصبح مفهوم فصل السلطات احد المذاهب الرئيسة في الدساتير الحديثة. وجاء التطبيق المبكر لهذا المبدأ من قبل مؤطري دستور الولايات المتحدة الامريكية. ذكر جيمس ماديسونJames Madison (1751- 1836) بقوله "ان تراكم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في نفس الجهة قد يؤكد المفهوم العميق للحكم الاستبدادي".(20)
كذلك ‘صنِّفت الانظمة الحكومية وفق اسلوب التعاقب، اي كيفية انتقال السلطة. اذ ان مشكلة التعاقب تفرز مؤثرات ضخمة تجاه النظام السياسي عموما. ذلك ان لحظة اتخاذ القرار بانتقال السلطة تعبر عن توقف استمرارية الحكم، وظهور حالات مرتبكة من الفعل وعدم التأكد من المستقبل. وهذه الحالة تعكس ازمة سياسية تختبر سلوكية الانظمة المعنية، وتشكل الفيصل في التميز بين تلك التي وفرت طرقاً قانونية او قاعدية من وراثية أو دستورية او انتخابية، بالاضافة الى ممارسات فعلية، ضمانا سلميا وتعاقبا منظما، وبين تلك التي عجزت عن نقل السلطة الا بالتوترات واحتمالات استخدام العنف.(21)

3- تطور وتبدل الانظمة السياسية
إن ضخامة وتنوع التغيرات التي حصلت بين الانظمة السياسية على مستوى العالم في العقدين الثاني والاخير من القرن العشرين، تعكس على نحو واضح ابعاد وخطورة هذه المسألة. فلقد انهارت عروش وانظمة عديدة، وواجهت السياسات المحلية لكافة الانظمة نزاعات اجتماعية وازمات اقتصادية، واتسعت الانشطة الحكومية، وظهرت تهديدات الحرب الذرية. واخيرا، شهدت نهاية القرن نفسه انهيار اول جمهورية سوفيتية حملت راية الطبقة العاملة سبعة عقود.(22)
اختبرت انظمة سياسية عديدة شكلا او اكثر من اشكال الحروب الداخلية internal war مؤدية الى انهيار collapse الحكومة او النظام السياسي برمته. ان ظهور ازمات معينة لها ارجحية متزايدة لحصول مثل هذا الانهيار. فالحروب، خاصة الهزائم العسكرية كانت حاسمة في حفز انتفاضات وثورات عنيفة. ويرتبط بذلك عوامل عديدة منها: تزايد قناعة الناس بنظرة النظام الرخيصة لحياة الانسان، وجود قيادة بديلة جاهزة، تفسخ السلطة السياسية، فقدان الثقة discrediting. كذلك تشكل الازمة الاقتصادية economic crisis حافزا مشتركا آخر لإِحداث التغيير. لأِنها لا تعني فقط ضغوطا عالية بشأن ندرة الموارد والحرمان، بل ايضاً تهديد الموقع الاجتماعي للافراد والجماعات، وتفاقم العلاقات بين الطبقات الاجتماعية.
تبرهن الانظمة السياسية غير المستقرة unstable على رخاوتها وسهولة تعرضها للعطب vulnerable، وتفشل امام ضغوط الازمات لتتحول الى مختلف انواع الصراع الداخلي التي قد تقود الى سقوطها. ان الاسباب الرئيسة لعوامل الفشل هذه هي الاحساس الواسع بعدم شرعية النظام.
مسألة اخرى تنخر في استمرارية الانظمة السياسية هي غياب الاجماع على سياسة ملائمة في ظروف تصلبها. وهنا يلاحظ ان الانظمة السياسية المستقرة stable تعكس صبراً مدهشا surprising tolerant امام الاشكال الاحتمالية العنيفة للسلوكية السياسية مثل الاضرابات والمظاهرات العامة. وهذه السلوكية "التنفسية" محظورة في انظمة صلبة جامدة تقوم على العنف واحتكار السلطة وتخشى من المخاطر السياسية المحتملة المترتبة على مثل تلك الممارسات.
لعل ابسط تعريف للنظام السياسي المستقر هو القادر على الاستمرار في الحياة survive اثناء الازمات بعيدا عن العنف والصراعات الداخلية الحادة. حققت الديمقراطيات الليبرالية الغربية عموما تقدما سلميا بهذه الطريقة، بسبب حساسية ردود افعالها السياسية تجاه قوى التغيير، والتكيف المرن لهياكلها المؤسسية بغية مواجهة الضغوط المتولدة، بالاضافة الى الممارسات السياسية المفتوحة التي سمحت بالتطور التدريجي المنظم. هذا رغم ظهور فلسفات جديدة منافسة، وحصول زيادات سكانية سريعة، وبروز المشكلات الصناعية، وعوامل اخرى من ضغوط اقتصادية واجتماعية. عموما، تتواجد اربعة انماط رئيسة من هذه التغييرات هي: الثورة الجذرية radical revolution ، التطوير الهيكلي structural revision، تغيير القادة change of leaders، وتغيير السياسات change of politics.

المبحث الثاني- نظرية الديمقراطية والتحول الديمقراطي

1 - ماهية الديمقراطية
تُعبّـر الديمقراطية عن مفهوم تاريخي اتخذ صوراً وتطبيقات متعددة في سياق تطور المجتمعات والثقافات. وتقوم فكرتها الاساسية على حكم الشعب وممارسته الرقابة على الحكومة. ويتمثل جوهر الديمقراطية في توفير وسيلة منهجية حضارية لادارة المجتمع السياسي بغية تطوير فرص الحياة.(23) وظهرت في صورتها المبكرة مع ازدهار الحضارة الاغريقية ونشوء دولة المدينة. مورست مباشرة، واقتصرت المشاركة فيها على الاقلية من الاحرار دون العبيد والنساء، وفي ظروف عدم الفصل بين السلطات.(24) ففي عام 600 قبل الميلاد اصبحت اثينا تحت قيادة Percles المناصر للحرية. يقول في احدى خطبه: ان حياتنا السياسية حرة... ونحن احرار ومتسامحون في حياتنا الخاصة... (25)
استمرت التجربة الديمقراطية الاغريقية فترة قصيرة قبل زوالها. وبعد حوالي الفي عام ظهرت الديمقراطية المعاصرة- الديمقراطية غير المباشرة او النيابية representative´-or-in-dir-ect - بسبب صعوبة تطبيق الديمقراطية المباشرة في عصر الكثافة السكانية. ورغم افضلية هذه الطريقة بتوفيرها التكاليف الزمنية والمالية، الا انها تقود الى تقليص القوة السياسية للناخبين مقارنة بالديمقراطية المباشرة.(26) وهذا يفسر احد مبررات تعزيز الرقابة المؤسسية على الحكومة المنتخبة .
تشكلت الديمقراطية الحديثة نتيجة الافكار التي انبثقت عن فترة النهضة الاوربية. ولم تظهر بالمعنى الليبرالي الا في القرن الثامن عشر عندما بشّر المفكرون الغربيون بفكرة المساواة، وطالبوا بحق الشعب في اختيار حكومته والاشراف عليها. وكانت الدعوة منصبّـة على حق الاقتراع العام بضمان دستور مكتوب صادر عن مجلس تأسيسي منتخب بِأغلبية اصوات الناخبين. وربط روسـو تحقيق المساواة بتوفر عاملين: اولهما الارادة (معنوي)، وثانيهما المقدرة(مادي)، وطالب بخلق التوازن بينهما.(27) وفي ظروف تمحور الديمقراطية الليبرالية حول المساواة السياسية والحرية الاقتصادية، عندئذ فتحت الطريق امام الرأسمالية الغربية اقامة المشروعات الضخمة وفتح الاسواق العالمية واجتياح الشعوب الاخرى وانشاء الامبراطوريات الاستعمارية الحديثة. فظهرت الازمات الاقتصادية، وتولدت النظريات الحديثة التي تناولت مشكلات المجتمع بالدراسة والنقد، وبدأ الفكر الاشتراكي في ابراز عيوب البرجوازية، ورأت ان الطبقة المسيطرة تعمل على اخضاع الديمقراطية لمصالحها. وارتباطا بهذه التطورات، ظهرت الحركة الديمقراطية الاجتماعية باتجاه بناء مجتمع اكثر عدلا.(28) كما تعددت التطبيقات الديمقراطية، واخذت الانظمة السياسية المختلفة تدعي احقيتها بصفة الديمقراطية حتى تلك الاكثر اهداراً لحقوق الانسان. وربما وجدت هذه الظاهرة تفسيرها في العوامل الثلاثة التالية: اولها ان الديمقراطية ليست إرثاً حضارياً لأية ثقافة محددة.. وثانيها عدم بلوغ الانظمة السياسية المختلفة مستوى من الموازنة بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية يحظى بالقبول العام.. وثالثها عدم حصول اجماع عام على مفهوم الديمقراطية ومكوناتها.
تقوم الديمقراطية على مبادئ الحرية freedom. وهي تختلف عن "التحرير" liberty، لأِن فكرة التحرير قامت على المفهوم السلبي للحرية بالدعوة اولا الى تحرير الانسان من القيود الاستبدادية والطغيان والعبودية بسلاسلها الحديدية، ولتتطور فيما بعد الى المطالبة بتحرير الاقتصاد من ظروف الاقطاع وقوانين القرون الوسطى، بهدف توفير البيئة المواتية لانطلاق البرجوازية الصاعدة. بينما الحرية مفهوم ايجابي تقترن بمبادئ حقوق الانسان.(29) وتجسـد الحرية قضية انسانية تعبّر عن ملكية الانسان لفكره وارادته، وتمنحه شعور المواطنة الكاملة في استجابته للحقوق والواجبات، وتعمل على تحرير عقـله للانطلاق نحو المستقبل واكتشاف المجهول وتعزيز بديهته ونفاد بصيرته والمعيته، وبما يساعد على تحقيق نجاحات واكتشافا ت في مختلف حقول المعرفة. كما انها تعمل على تعميق مشاعر الود والاحترام بين مختلف المجموعات البشرية- محليا وعالميا. من هنا قيل ان الحرية- الديمقراطية- تشبه الاسبيرانتو Esperanto في توفيرها لغة تفاهم مشتركة بين الشعوب.(30) بينما توقع روسـو انحسار احتمالات حدوث حروب بين الدول الديمقراطية لاهتمام شعوبها بتطوير حياتهم الحضارية. كذلك ربط الدكتور علي الوردي نشوء الديمقراطية بمرحلة متقدمة اخرى من مراحل تطور الحضارة البشرية "ان ظهور الديمقراطية الحديثة لا يقل في اهميته الاجتماعية عن ظهور الدولة. فإِن الدولة قضت على التقاتل القبلي. بينما الديمقراطية قضت على التقاتل السياسي".(31) ومع ذلك تبقى الحرية- الديمقراطية بدون معنى حقيقي في غياب حرية الاختيار"ان تنصحني بعدم القيام بفعل ما، هو كلام اجوف، ما لم اقتنع اني قادر على صنع قراري بقبول او رفض النصيحة. ومن المؤكد اذا فقدت قدرتي على اتخاذ قراري بالخيارات المتاحة، واصبحت مجرد منفـذ لصوت القدر الذي املاه ماض متصلب او بسبب شروط اجتماعية قاسية مفروضة، عندئذ من الصعب ان افهم لماذا اتحمل مسؤولية تصرفي".(32)
إِلا ان الحرية ليست مطلقة، بل محددة في اطار المسؤولية المشتركة لأِفراد المجتمع. وهذا يرتب مسألتين: اولاهما ليس لأِحد الحق في رفض الحرية لأِن ذلك يعني نكران آدميته والتهرب من مسؤولياته الاجتماعية. لذلك قيل "لا مهرب من الحرية".(33) وثانيتهما تتطلب الحرية درجة من الانضباط discipline لضبط ممارسة الفرد لحريته بالعلاقة مع حريات الآخرين. ومن البديهي ان ممارسة الحرية مع استمرار التطور الاجتماعي- الثقافي يقود الى التحسن النوعي للانضباط الذاتي .
إِن إِحدى العقبات التي تواجه الحرية عموما هي النزعة الذاتية القوية نحو السلطة. يحذر Lord Actonبقوله "ان السلطة تجسد الفساد... ان هؤلاء الذين يتمتعون ببعض السلطة، حتى وان كانوا من اصحاب الضمائر الحية، عادة ما يرونها منقبة virtue في الحصول على المزيد منها".(34) وهذا مبرر آخر للرقابة على الحكومة لكي لا تتبنى سياسات وتشريعات قد تقود الى اضعاف او تشويه الحرية لأِن ما يتخذ بطريقة ديمقراطية ليس بالضرورة ان يكون ديمقراطيا.(35)
تدعو الممارسة الديمقراطية الى رفض الايمان المطلق بالافكار والايديولوجيات السائدة لصالح القناعة النسبية بها، والتخلي عن همجية العنف في ظل التعامل السلمي، ونبذ المواقف الحادة (العصبية) في اطار قبول الاطراف السياسية المنافسة الانتخابية وحكم الاغلبية."ان اعضاء المجتمع السياسي يسعون وراء اهداف متباينة، يتم التعامل معها- بين امور اخرى- من قبل الحكومة. ان الاختلاف والاتفاق جانبان مهمان من جوانب الانظمة السياسية. ان الناس الذين يعيشون معا لن يستطيعوا ابداً الاتفاق على كل شيء ولكن اذا ارادوا الاستمرار في الحياة معا، فهم لن يستطيعوا الا ان يتفقوا على أهدافهم".(36)
كما تتطلب عملية التحول الديمقراطي بيئة اجتماعية من سياسية وثقافية واقتصادية ومؤسسية توفر لها امكانية الاستمرارية والنمو بطريقة نمطية متصاعدة بعيدا عن الانقطاع والتراجع والهزات الانقلابية. وهنا تلعب المواريث التاريخية- الاجتماعية دورا حيويا في هذه المسيرة. ففي الهند مثلا، طبقت الديمقراطية منذ اوائل الخمسينات من القرن العشرين وسط انتشار واسع للامية والفقر والاختلافات اللغوية والاثنية والدينية، بحيث شكلت لغزا enigma للمفكرين الغربيين ولنظريات الديمقراطية الغربية.(37) فرغم دور حزب المؤتمر الهندي في تحقيق التطوير التدريجي للمؤسسات الديمقراطية الا ان مواريث الثقافة الهندية احتلت مكانة متقدمة في مسيرة التقدم الديمقراطي في الهند. يذكر احد كبار كتاب الهند في قضايا التحضر Badrinath Chaturvedi"ان احد مبادئ الفكر الهندي الذي ساد المجتمع هو ان كافة الافكار تقريبية (نسبية) بالعلاقة مع الحقيقة. عليه لا يوجد فكر يمثل الحقيقة كلها. وبالنتيجة استطاع الهنود تطوير موقف فكري تجاه الافكار الاخرى على نحو مقبول جدا".(38) برزت هذه الافكار الثقافية وممارساتها بصورة جلية في الفترة الكولونيالية وبعدها، اذ وفرت قدرة عظيمة على الاستيعاب assimilation والتكتل agglomeration، وفي اتباع طريقة تؤكد على التوفيق accommodation بدلا من الانتصار segregation والهزيمة .defeatويرتبط بذلك ايضاً دور غاندي بنضاله السلمي و"مغزله اليدوي" في تحقيق استقلال بلاده.
ولما كانت الديمقراطية مفهوما تاريخيا وحصيلة تراكمية لعملية ممتدة وصعبة، لذلك فهي تتطلب نفسا طويلا من الممارسات السلمية بين الاطراف السياسية. وتشكل مملكة السويد مثالا آخر لامتداد عملية الصراع من اجل نقل السلطة من الملك الى ممثلي الشعب لفترة امتدت منذ عام 1435م عندما تحققت ولادة البرلمان Riksdag في صورته الاولى (اجتماع اربو) Arbogg ولغاية النصف الاول من سبعينات القرن العشرين عندما استكملت السويد نظام الملكية الدستورية وتجريد الملك من سلطاته السياسة ليصبح رمزا للبلاد وشخصية غير سياسية.(39) هذا في حين ان الانتخابات العامة ‘طبقت لاول مرة بصورة شاملة عام 1921.
ليست الديمقراطية عسلا نقيا جاهزا، اي قاصرة على الايجابيات فقط، ولا تقدم حلولا سحرية للمعضلات المجتمعية، بل لها كذلك صعوباتها، سواء ما تعلق بترويض الذات والنفس الطويل، او بطئ صنع القرارات او انفتاح المجال لحصول المزيد من الانحرافات السياسية والادارية او الجرائم الاقتصادية والاجتماعية. من هنا كانت مهمة التحول الديمقراطي نمطية تتسع وتتعمق مع تحسن ادارة المجتمع السياسي وانتشار الثقافة الوطنية الديمقراطية وتطور اوضاعه الحياتية.
رغم سهولة التفسير اللغوي للديمقراطية الا ان محاولات تحديد مفهومها واجهت اختلافات واسعة. ولعل ذلك بسبب ان الديمقراطية ليست مفهوما علميا يمكن بالتالي تعريفه بصورة منهجية، بل هي مجرد تعبير لغوي ينظر اليها كل فريق من زاوية مختلفة.(40)
نوقشت الديمقراطية من منطلقين متباينين فهي وفقا للنظرية المعيارية Normative Theory هدف قائم بذاته ( وصف ما يجب ان تكون عليه). من هنا تكون الديمقراطية سياسية فقط. بينما هي وسيلة حسب النظرية التجريبية (الامبريقية) Empirical Theory (وصف ما هي عليها الآن). وقد يصبح هذا الخلاف اسهل فهما عند الفصل بين نظرية الديمقراطية باعتبارها فكرة تجريدية بحتة غرضها تقديم صورة مثالية لما يجب ان تكون عليه وبين نظرية التحول الديمقراطي التي تنصب على تطبيقاتها العملية.(41)
وبغض النظر عن الاشكال الرسمية للتطبيقات الديمقراطية، تعتبر العناصر الثلاثة التالية الحد الادنى لمكونات الديمقراطية في ظل اي نظام سياسي- اجتماعي: حقوق الانسان السياسية والاجتماعية.. التعددية السياسية والاجتماعية.. التداول السلمي للسلطة.(42)



2 - انماط الانظمة الدستورية
تقوم الحكومة الدستورية على اتفاقية لربط اعضاء المجتمع السياسي سوية، متضمنة إِجراءات بكيفية رسم سياساته وصنع قراراته لحل المسائل المستقبلية التي تواجهه.(43) ويتميز النظام الدستوري بوجود دستور دائم منظم للحياة السياسية ويوفر رقابة فعالة على ممارسة سلطة الحكومة. والدستور باعتباره القانون الاساس للدولة، يعتبر الميزان الذي تقاس عليه القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية. من هنا وجب ان تكون القوانين الصادرة مطابقة للدستور. كشرط لازم لدولة القانون، والا اصبحت كافة الدول قانونية، لعدم وجود دولة بدون قوانين.(44)
يتواجد نمطان رئيسان للديمقراطية الدستورية في العالم المعاصر هما النظام البرلماني parliamentary system والنظام الرئاسي presidential system، وبينهما نظام وسط هو النظام الثنائيdual system وتمثل بريطانيا النموذج الاول، ويشار اليه احيانا بـ "نموذج ويستمنستـر"westminister model او"النظام الوزاري" cabinet system. بينما تمثل الولايات المتحدة النموذج الرئاسي، وفرنسا النموذج المتخلط.(45)

3- خطابات ( مشروعات ) ديمقراطية
يقصد بالخطاب(المشروع) الديمقراطي Democracy Discourse لأغراض هذا البحث، مبادرة النظام السياسي المعني تطبيق الديمقراطية وسيلة منهجية لبلوغ غاياته الايديولوجية المجتمعية. عليه يرتبط المشروع الديمقراطي بالمفهوم التطبيقي(الامبريقي)، ويجمع بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، او بين الحرية السياسية والمساواة الاقتصادية، اذ يحاول النظام التزاوج بينهما لأِن استقراره وتطوره يعتمد على حل هذه المعادلة الصعبة. بمعنى اوضح، يجسّـد الخطاب الديمقراطي مشروعا حضاريا هدفه تنمية الانسان باعتباره الغاية والوسيلة في سياق تحقيق مسيرة وطيدة ومتصاعدة للتنمية الحضارية المجتمعية الشاملة .
هناك اتفاق على ان الديمقراطية ليست مجرد فكرة غربية، وان النموذج الغربي للديمقراطية ليس الشكل الوحيد للديمقراطية. وهذا يدعو الى الفصل بين الديمقراطية كمفهوم تاريخي وبين الديمقراطية الليبرالية باعتبارها حصيلة ظهور الرأسمالية وتطورها. وحيث ان الديمقراطية وسيلة منهجية لتنظيم المجتمع السياسي في اطار حضاري اكثر رقيا وانسانية، عليه يمكن افتراض اعداد لا تحصى من الخطابات(المشروعات) الديمقراطية بالعلاقة مع الافكار والايديولوجيات الاجتماعية وتطبيقاتها المتنوعة.(46) وهنا ستتم مناقشة موجزة لثلاثة مشروعات ديمقراطية هي الليبرالية والماركسية والاسلامية.

(1) الخطاب الليبرالي للديمقراطية
تبلورت الليبرالية الغربية في القرنين السابع عشر والثامن عشر في الفترة الممتدة بين الاصلاح الديني والثورة الفرنسية. ففي هذه الفترة ساهم المفكرون الليبراليون في دك اسس النظام القديم الذي ربط الحقوق بعوامل الوراثة (نبالة المولد) والثروة (حيازة الارض)، وقدموا صورة لمجتمع يقوم على الاساس القانوني لتنظيم العلاقات الاجتماعية، ويشكل رأس المال المصدر الاكثر اهمية للثروة والتمايز، ويلعب الربح الغاية العظمى للنشاط الاقتصادي. وبذلك عبّـرت الليبرالية في مفهومها الاصيل عن تحرير الانسان والاقتصاد من القيود الاستبدادية- الاقطاعية للقرون الوسطى باتجاه ازالة القيم القديمة للتضامن الاجتماعي والدعوة الى مبدأ المنفعة والفردية (تطابق مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع)، واحترام الملكية الخاصة، وعدم تدخل الدولة في اطار مبدأ الحرية الاقتصادية، حيث اتجه حاملو هذه المبادئ نحو مدها الى ما وراء البحار. وبذلك ساهموا في فتح عصر جديد من الاستعمار العالمي بدأ عسكريا واستقر اقتصاديا في صورة استغلال شعوب العالم الثالث. وهكذا بنت الديمقراطية الليبرالية مكوناتها من الناحية التطبيقية على ثلاثة اسس هي:الحرية، المساواة (السياسية)، الحرية الاقتصادية. وتطلبت هذه المكونات تبنّي مفهوم الدولة القانونية التي تقوم في عناصرها الرئيسة على: وجود الدستور والفصل بين السلطات وخضوع الحكام لأِحكام القانون، انفصال الدولة عن شخص الحاكم، وعدم صدور القانون إِلا من سلطة تشريعية منتخبة مع تطابقه للدستور. هذا علاوة على المساواة باعطاء صوت انتخابي واحد لكل من له حق الاقتراع وتطبيق آلية الانتخابات.(47) وعموما واجه المشروع الليبرالي للديمقراطية جملة انتقادات، منها:
* سوء توزيع الثروة والدخل بسبب تخلف الديمقراطية الاقتصادية (الاجتماعية) عن الديمقراطية السياسية في هذا المشروع.
* وتقود هذه الظاهرة الى تباين قدرات الفرد في ممارسة حقوقه السياسية لأِن ممارسة الحق- حسب روسو السابق الذكر- تتطلب خلق التوازن بين ارادته (المعنوية) وبين مقدرته (الاقتصادية). وفي ظروف اتساع فجوة الثروة والدخل تتقلص هذه الارادة وتقود الى الإِخلال بالحقوق السياسية للاغلبية.
* تستند التعددية السياسية الليبرالية الى جوانب مظهرية تفتقد مضمونها الحقيقي. ذلك ان النخب السياسية، وان تعددت شكلا فهي ذات مصالح موحدة موضوعا. وهذه الظاهرة انعكست في احتكار السلطة دون ان تتوفر فرص ظهور حزب جديد او مرشح جديد خارج دائرة النخب السياسية هذه حتى في اطار التيارات البرجوازية ذاتها.
ويرى بعض المفكرين الغربيين ان الصراع بين الحرية والمساواة هو اصل root الفوضى في الانظمة الليبرالية المعاصرة. وتتعدد وجوه ازمة الديمقراطية الليبرالية في: سقوطها من سموها grace، خسارتها لقناعة المواطن والمجتمع، سيطرة النخبة الاقلية، فقدان الفرص، تضاؤل قيم الخطب والشعارات (ضعف الثقة)، تغليف الحقائق وتزييف الاحداث والانشغال بتوافه الامور على حساب المصلحة العامة.(48)

( 2 ) الخطاب الماركسي للديمقراطية
إذا كانت الديمقراطية جسما غريبا ‘زرعت في رحم الليبرالية البرجوازية في خضم نموها، ومن ثم تعايشت معها واصبحت جزءا منها، فإِن الديمقراطية في المشروع الماركسي- على الاقل نظريا- تشكل النصف الحقيقي الآخر من مكوناته. لأِنه يربط ما بين السياسة والاقتصاد، ويؤمن بالمشاركة الجماهيرية، ويقوم على تصفية مصدر الاستغلال والتناقضات الطبقية التي تجسدها الملكية الخاصة لوسائل الانتاج. ومع ذلك تخلفت التطبيقات الماركسية عن تحقيق ديمقراطية سياسية متقدمة مقارنة بالديمقراطية الليبرالية، وذلك في ظروف سيطرة الحزب الواحد وغياب التعددية والاصرار على تفسير الماركسية من وجهة نظر اجتماعية على حساب الحقوق السياسية. وازاء هذا الاختلال في المشروع الماركسي للديمقراطية، يحق للمرء التساؤل: اين يكمن التناقض؟
هناك اتفاق في هذا المجال على ما يأتي:(49) ان العدوان على الحريات الفردية في الانظمة الماركسية ليس سمة ملازمة للفكر الاشتراكي وللدول الاشتراكية. ولا يوجد نظريا ما يحتم الربط بين استمرار النظام الاشتراكي ووجود حزب واحد، ولا يوجد ما يتناقض وامكانية تداول السلطة بين احزاب اشتراكية. كما ان مرحلة التحول الاشتراكي تقوم بتصفية التناقضات الطبقية (العدائية) دون تصفية التناقضات غير العدائية. ومجتمع بلا تناقضات هو مجتمع ميـت. وان التناقض ظاهرة اصيلة في المجتمع والكون حسب منهج ماركس الجدلي، وان التقدم رهن بالقدرة على تجاوز الشيء ونقيضه الى شيء ارقى من الاثنين. وان التجربة اثبتت ان قضايا بناء الاشتراكية اعمق بكثير من قضايا بناء المجتمع الطبقي. من هنا لا بد ان يختلف الناس ولو كانوا جميعا ينتسبون الى ماركس. بل ان ماركس نفسه لم يكن حتى مقصرا في تقديره لحدود الديمقراطية البرجوازية واعتبرها حقيقية وليست مزيفـة رغم نواقصها، ورأى انها تشكل تقدما مهما في تاريخ البشرية. وكان ماركس مقتنعا ان النظام الاشتراكي سوف لن ينكر الحقوق الديمقراطية السياسية بل يحترمها ويطورها ويعطيها مضمونا اعمق. ورغم الانجازات الاقتصادية غير المسبوقة للثورة البلشفية الروسية، إِلا انها عجزت عن تحقيق ديمقراطية سياسية متقدمة مقارنة بالديمقراطية الليبرالية.
وهذه المناقشة التي تعبّـر عموما عن الفجوة بين الماركسية وتطبيقاتها وجدت تعبيرها لدى احد المفكرين الغربيين(شومبيتر) في عبارته التالية "هناك بين المعنى الحقيقي الذي تتضمنه رسالة ماركس وبين الاساليب والايديولوجية البلشفية فجوة هي على الاقل مثل اتساع الفجوة التي كانت موجودة بين الدين الذي بشّر به اهل الجليل المتواضعون وبين اساليب وايديولوجية امراء الكنيسة وسادة الحرب في العصور الوسطى".(50)
في نهاية هذه المناقشة قد يكون مناسبا التذكير مرة اخرى بِأن الديمقراطية مفهوم حضاري تاريخي تتطلب فترة نضوج مناسبة. وهي مهمة اكثر صعوبة وتتطلب صبرا اعظم ونفسا اطول في حالة المجتمعات الاقل تطورا. واذا كان الامر كذلك، أليس التطلع الى قدرة الثورة الاشتراكية تحقيق ديمقراطية سياسية متقدمة مقارنة بالديمقراطية الليبرالية وفي مجتمع تقليدي خلال فترة قصيرة نسبيا قفزا على الواقع وتجاوزا على منطق التاريخ؟ واخيرا، اذا كان ماركس قد بنى تحليله على قيام الثورة الاشتراكية في مراكز الانظمة الرأسمالية "المتقدمة" (وهذا يتطلب تصفية الاستعمار العالمي سياسيا واقتصاديا)، بينما رأى لينين امكانية قيامها في اطراف هذه الدول "المتخلفة" (مع ملاحظة ان الثورة التي قادها لينين اتسمت بالعنف والاستبداد في مرحلة او اكثر من مراحلها) فكيف يمكن تحقيق ديمقراطية متقدمة في مرحلة التحول الاشتراكي وسط بحر واسع من التخلف الاجتماعي؟ وهل يمكن قيا م ثورة اشتراكية وبدء مرحلة التحول الاشتراكي في المجتمعات التقليدية ام انها تظل متجذرة بتحقيق مهمة التحرر الوطني؟ أليس الفكر الماركسي الاصيل نفسه هو نظرية للتحرر من الاستعمار(الاستغلال) اولا باعتبارها الاساس لدك الامبريالية العالمية والطريق لبناء الاشتراكية في مرحلة لاحقة؟
لعل هذه الاسئلة تستحق التفكير جديا في المبادرة بتشجيع الدراسات الاشتراكية عموما، وتأكيد اهمية عقد الندوات والمؤتمرات العلمية بصورة منتظمة، وذلك في محاولة لبحث جوانب ثلاثة- على الاقل- متمثلة في: الخوض في بحث مرحلة التحول الاشتراكي باتجاه استكمال وتطوير التحليل الماركسي.. تحليل العوامل الجوهرية التي قادت الى فشل التجربة السوفيتية .. دراسة وتحليل بنية الخطاب او الخطابات الماركسية للديمقراطية.

( 3 ) الخطاب الاسلامي للديمقراطية
تشكل مهمة متابعة الآراء الاسلامية ومحاولاتها صياغة خطاب او خطابات اسلامية للديمقراطية من المهام الصعبة حتى وإِن اقتصرت المحاولة على مجرد متابعة وتنسيق هذه الآراء وفرزها للخروج بحصيلة مثمرة تلبي رغبة القارئ في المتابعة العامة لطبيعة هذه المناقشات. وذلك بسبب وجود مدارس كثيرة وآراء اسلامية مرجعية فردية متباينة لا تقل عددا وتأثيرا. وفوق ذلك فإِن شدة تأثير الاغلبية التقليدية (السلفية/الاصولية) الملتزمة بقوة بالمرجعية والنصوص الدينية واستخدامها سلاح "التكفير" في وجه المحاولات الاصلاحية، جعلت من الصعوبة بلورة افكار محددة متفق عليها عموما و/او مدارس اسلامية متحررة لصياغة مشروع او مشروعات اسلامية للديمقراطية مقبولة لدى عامة الاسلاميين بشأن قدرة الاسلام الحالي، على الاقل، صياغة مشروعه او مشروعاته الديمقراطية، وذلك في ظروف التخلف التي تمر بها المجتمعات الاسلامية، وفي غياب ثورة فكرية- ثقافية- دينية لإِحداث إِصلاحات حضارية في تفسير المفاهيم والمبادئ الاسلامية.
اتسم النظام الاسلامي بعدم اعترافه بالاحزاب السياسية، حيث نظر اليها كونها بدعا على الاسلام واعتبرها مخالفة لسنة الحكم. وفي المجتمع الاسلامي التقليدي لم يبذل جهد مقصود لاشراك الشعب فعلا في الحكم او وضع قيود على الحاكم. ولم تقم الدولة الاسلامية على قاعدة منح الشعب حق الحد من سلطة الحاكم حتى في حالة تجاوزه احكام الشرع الالهي. فالحاكم(الخليفة الوارث) لم يكن مسؤولا امام المحكومين، فهو"الحاكم المطلق بِأمر الله". نعم لقد كان عليه ان يستشير الفقهاء في مسائل معينة كتلك المتعلقة بتفسير احكام الشرع والدين. ولكنه إن لم يفعل او تجاهل مشورة العلماء، فلم تكن لدى هؤلاء من وسيلة سوى تحذيره من مغبة افعاله وان"يصلوا لله" لاهدائه سواء السبيل. وقلـّما حاول العلماء التأثير في الخليفة عن طريق إثارة الرأي العام، بل على العكس كانوا يدعون الناس الى الهدوء والسكينة حتى في ظروف استمرار الاضطرابات في الحياة السياسية الاسلامية والتبدل المستمر في احوال الخلفاء. وذلك من منطلق قناعتهم ان الحكم الاستبدادي يضمن سلامة النظام العام اكثر من مقاومة الحاكم الظالم.(51)
بدأت الحركة الاسلامية الحديثة منذ منتصف القرن التاسع عشر بجهود جمال الدين الافغاني الذي استهدف تحرير المسلمين من الظلم الداخلي والسيطرة الاجنبية. وتكمن اهمية دور الافغاني هنا في محاولته دعم الزعماء الدينيين الذين سعوا الى بعث الاسلام من جهة، ونظرته المتسامحة الى الذين ايدوا تبني الحضارة الاوربية من جهة اخرى. آمن ان قوة اوربا تكمن في العلم الحديث والتكنولوجيا. لذلك حثّ المسلمين على اكتساب المهارات العلمية والتقنية الاوربية. كما ان محاولته دمج المادية الاوربية بالروحانية الاسلامية اعتبرت من اهم اسهاماته في الفكر الاسلامي.(52)
واصل محمد عبده طريق معلمه الافغاني، مستندا في فكرته الاصلاحية على فرضيتين: الاولى ان للدين في حياة الامم، خاصة تلك التي يعتمد نظامها الاجتماعي على الدين، دور لا مناص منه.. والثانية ان تلبية متطلبات الحياة المعاصرة توجب قيام مؤسسات ومهارات فنية كتلك التي تفوقت شعوب الغرب، بفضل فعاليتها، على سواها من الشعوب. ورأى ان الاسلام لا يستطيع التغلب على الانحطاط الا بتحكيم العقل والتحرر من السلفية. اذ شرح في "رسالة التوحيد" دور العقل في الحياة عموما، وأكـد على ان الاسلام كان على الدوام دين العقل. وخرج من هذه الفرضية الاساسية باقتراح يدعو الى تفسير الشرع الاسلامي في ضوء العقل. وقال ان الغلبة يجب ان تكون للعقل في حالة التناقض بين المعنى الحرفي للقانون الاسلامي وبين التفسير العقـلي له. من هذا المنطلق حلل للمسلمين مثلا اكل لحوم الحيوانات التي يذبحها المسيحيون واليهود، وايداع الاموال بالفائدة في المصارف. كذلك اعتبر عبده ان مفتاح التقدم يكمن في العلوم والتربية الغربية. ورأى عقم الاسلوب القديم القائم على المذاكرة بدلا من التفكير. وذهب في تفسيره الى ابعد من معلمه الافغاني، لكن آرائه بقيت في نطاق الاصلاح المحدود دون ان يتمكن من نقـلها لرسم معالم هذا الاصلاح، بسبب فشله جزئيا في دفع حججه الى نهاياتها المنطقية، بالاضافة الى محاولته التوفيق بين التقليديين والمحدثين،(53) لاستحالة او صعوبة التأليف عادة بين طرفين متعاكسين. فالحضارة، حسب قول الوردي، هي ظاهرة كلية لا يمكن تجزئتها.(54)
تراجعت الحركة الاصلاحية الاسلامية بعد محمد عبده، رغم ان محمد رشيد رضا قدم نفسه داعية للاصلاح على خطى الافغاني وعبده، نظرا لما اتسم به منطقه من نزعة تقليدية بِاصراره على ان الاسلام كنظام ديني ومدني يجب ان يبقى اساس الحياة السياسية. وفيما بين الحربين العالميتين انبعثت ردة فعل دينية في مواجهة الفكرة القومية والتجربة الكمالية التركية العلمانية. فتشكلت جمعيات اسلامية عديدة استهدفت جذب الشباب وابعادهم عن الافكار العلمانية، واشتهرت من بينها جمعية "الاخوان المسلمين" التي اكدت على ان الاسلام نظام شامل لمختلف شؤون الحياة الاجتماعية. وشكلت آرائها تراجعا للتسامح الديني الذي بدأه الافغاني وعبده. كما لم يرغب "الاخوان" التوفيق بين الاسلام والديمقراطية، وبذلك فشلوا في اقتراح منهج اصلاحي اسلامي.(55)
ان استمرار تدهور الاوضاع السياسية والاجتماعية العربية بخاصة، والاسلامية بعامة، عوامل ساعدت اخيرا على ظهور حركات اسلامية جمعت بين التراجع الفكري (السلفية) وبين ممارسة العنف. ورغم هذا التراجع، إِلا ان المناقشات الفكرية الاسلامية بشأن الدين والديمقراطية والتحديث بقيت مستمرة.
وفي الصفحات التالية خلاصة لجهود بحثية قام وبها اندرس اولين Undres Uhlin احد اساتذة جامعة لند Lund University (السويد) على الساحة الاندنوسية لمتابعة وحصر وغربلة مناقشات نشطة تدور بين مجموعة مدارس فكرية ومصادر اجتهادية اسلامية بشأن الخطاب الاسلامي للديمقراطية.(56) واذ يخرج اولين بجملة آراء مشجعة عن امكانية صياغة الاسلام لمشروعه او مشروعاته الديمقراطية، طالما ترك ارثا من القيم الديمقراطية في نصوصه وممارساته، الا ان هذا الرأي لا يفترض قبولا عاما قبل ان تبلغ المناقشات الاسلامية مرحلة واضحة من النضوج في افكارها ومدارسها، خاصة ما يتعلق بشأن تفسير المفاهيم والمبادئ الاسلامية على نحو يتفق والديمقراطية. وهذا يتطلب بدوره ترسيخ القناعة اولا بضرورة تحرير عقل الانسان والتحرر من الاحكام الجاهزة في تقرير الامور الدنيوية المتغيرة وفق منطق العلم والتحضر والايمان الراسخ بقيمة الانسان وحقه بناء جنته في الارض.
ترفض المدرسة الاسلامية التقليدية (السلفية) امكانية التطابق بين الاسلام والديمقراطية بدعوى ان السيادة الشعبية لا يمكن ان تكون فوق سيادة الله، وان الشريعة (القانون الاسلامي) هي قانون متكامل بحيث لا يترك مجالا في الاسلام لمزيد من التشريعات. بينما ترى المدرسة الاسلامية المعاصرة امكانية حصول مثل هذا التطابق استنادا الى القيم والمبادئ الاسلامية. اما المدرسة الثالثة- المدرسة الاسلامية المعاصرة المحدثة- فهي تأخذ جزئيا بأفكار المدرستين السابقتين. اذ ترى ان الاسلام يؤسس مشروعه الخاص بالديمقراطية، الا انها تثير- كما في المدرسة التقليدية- مسألة السيادة الشعبية. فإِذا ‘فهمت الديمقراطية باعتبارها سيادة الشعب عندئذ يتعارض الاسلام والديمقراطية. اما اذا ‘فهمت انها تشكل صيغة محدودة للسيادة الشعبية بحيث تأتي في المرتبة الثانية للقانون الالهي عندئذ يتلاشى هذا التعارض. وبذلك تكون آراء هذه المدرسة قـد قدمت نموذجا اقرب الى الحكم الاسلامي الايراني، الذي يعترف بالدستور والانتخابات في ظل"القانون الالهي" المعبر عنه بمرجعية "آية الله" باعتباره "ظل الله في الارض". وعموما فإِن هذه الاعتراضات على السيادة الشعبية تتطلب ابداء ملاحظتين: الاولى ان الديمقراطية ليست نظاما بديلا للاسلام او أي من الانظمة الاجتماعية الاخرى بقدر ما هي آلية حضارية لتطبيق افكار وايديولوجيات انظمة الحكم الاجتماعية المختلفة. الثانية ان الديمقراطية والسيادة الشعبية وانظمة الحكم عموما هي امور دنيوية. إذاً من ذا الذي يمثل "سيادة الله" في الارض(الدنيا)؟ أليس مجموع الناس(الاغلبية) اكثر تمثيلا لهذه السيادة من قلة او نخبة او شخص فرد حاكما كان ام رجل دين؟ أليس رأي الجماعة هو الاولى!؟
تحاول المدرسة الاسلامية المعاصرة تفسير مجموعة مبادئ اسلامية لتعزيز مقولتها بشأن ارتباط الاسلام بالديمقراطية مثل: الحق، العدل، المساواة، الحرية، المجلس(جمعية/برلمان)، الشورى، الاجماع، الرحمن، الترحم. كما يشخص المفكر الاسلامي امين ريس Amen Rais خمسة مبادئ اسلامية لصالح الديمقراطية هي: العدل، الشورى، المساواة، الحرية، ومبدأ المساءلة. لكن تفسيرات هذه المبادئ لا زالت متباينة بالعلاقة مع الديمقراطية. كما يبين ساسونو Sasono توجها اجتماعيا عندما يدعو الى ضرورة مسايرة التحول الديمقراطي جنبا الى جنب والعدل الاجتماعي. ويرى عدم امكان بناء الديمقراطية بمجرد انشاء مؤسسات دستورية مشابهة للمؤسسات الغربية. ذلك ان الديمقراطية تتطلب كذلك التأكيد على التعليم والثقافة وتغيير البنية المؤسسية والغاء الانظمة الاقطاعية وتحسين مستويات معيشة الناس وخلق قيم جديدة من المساواة. كما أن التحول الديمقراطي يتطلب ممارسة التعامل السلمي لكونه عملية سلمية.
يظهر ان الاختلافات الفكرية بشأن الديمقراطية بين المعاصرين والمعاصرين المحدثين ليست عميقة، بل هي متقاربة، وتختلط فيها افكار محافظة وليبرالية واجتماعية. وفوق ذلك فإِن اكثر الافكار الاسلامية جذرية و/او محافظة بشأن الديمقراطية يمكن ان تجد لها السند والدعم معتمدة في ذلك على كيفية تفسير النصوص الاسلامية المتداولة. ومع ان الاسلام يحتضن جملة مبادئ مركزية وممارسات تاريخية شكلت ولا زالت ارثا حضاريا يمكن توظيفها لصالح بناء صيغة او صيغ ديمقراطية سياسية واجتماعية، الا ان المسألة الجوهرية في ازمة الديمقراطية الاسلامية هي عدم الاتفاق حتى في اطار المدرسة الواحدة على تفسيرات محددة للافكار والمبادئ الاسلامية بحيث تزيل عنها الشوائب التاريخية وتحولها الى جملة مفاهيم ومبادئ وقواعد عصرية مترابطة في اطار نظام فكري متكامل لصياغة الخطاب او الخطابات الاسلامية للديمقراطية.
واخيراً، فرغم سهولة الوقوف عند افكار ومبادئ عديدة في الادبيات الاسلامية (الحرية، العدالة، المساواة، الشورى، السلام، الخ..) الا انه بالاضافة الى الحاجة للاتفاق على تفسيرات حضارية لهذه المبادئ، كذلك هناك اتفاق على ان الشرط اللازم للاسلام الديمقراطي هو المرونة flexibility في سياق تحريم العنف. كما ان ما افتقدته الحركة التاريخية الاسلامية هو تبن منظم ومتواصل لقواعد اخلاقية وقانونية ومؤسسية ديمقراطية اسلامية، وذلك نتيجة عدم تقنينها واستخداماتها الجزئية والمتقطعة تاريخيا.(57) يضاف الى ذلك حاجة المشروع الاسلامي الديمقراطي الى ترسيخ مفهوم النسبية في التعامل مع امور الحياة الدنيوية المتغيرة. والقناعة بِأن "الله" ادرك هذه البديهة البسيطة. من هنا كانت فكرة الآخرة- عالم المطلقات الموعود واللامحدود. ومن هنا ايضا كان امتناع "الله" التعامل مع مملكة البشر بدنياهم لئلا يواجه مسؤوليات المثالب والنواقص والعيوب وكل المشكلات التي ترافق افكار واعمال المجتمع البشري. واذا كان "الله" نفسه قد فصل بين النسبي (للبشر) والمطلق (لنفسه) فلماذا اصرار المؤسسة الدينية الاسلامية الخلط بينهما؟!


4 – الانتخــابات
(1) ماهيــة الانتخـابات

تشكل العملية الانتخابيةelectoral process وسيلة لصنع الخيارات السياسية من خلال التصويت، وتوفر ممارسة واقعية لاختيار القادة وتقرير قضايا وطنية مطروحة. وفي ظروف عدم امكانية اعضاء المجتمع حكم انفسهم مباشرة عندئذ تصبح الانتخابات ممارسة عملية تهيئ الفرصة لتشكيل حكومة ديمقراطية موثقة لتمثيلهم. وفي هذه الحالة لا تقتصر الانتخابات فقط على اختيار قادة مقبولين من وجهة نظر المقترعين، بل كذلك وضعهم تحت طائلة المسؤولية accountability. كما ان اخضاع القادة لسلطة القانون بامتثالهم summit لدورية الانتخابات تساهم في حل مشكلة التعاقب على السلطة بصورة سلمية. ويعتبر وجود البدائل alternatives او التعددية شرطا لازما لتطبيق انتخابات نزيهة في ظل المنافسة السياسية. وفي غير ذلك تكون الانتخابات المطبقة ما هي الا مبادرات شكلية للتظاهر بولاء الناس لقادة مسلطين عليهم. اذ ان غياب البدائل يفقـد الانتخابات اهليتها disqualify.
وتقدم الانتخابات فرصة للاحزاب السياسية اختبار انجازاتها وبرامجها امام الناخبين. وتوفر منتديات لمناقشة الامور العامة public issues والتعبير عن الرأي العام وتبادل التأثير بين الحكام والمحكومين. كما انها تعزز شرعية الحكام المنتخبين، وتولد مزيدا من التلاحم بين اعضاء المجتمع السياسي، وتعبئ المقترعين نحو عمل مشترك تجاه الحكومة وتودع السلطة والشرعية لأمانة اولئك الذين اكتسبوا ثقة الناخبين. علاوة على ان الانتخابات تجسـد قيمة ومنزلة worthy and dignity الفرد كمواطن وانسان. لأِنها تعبر عن ارضاء satisfy وجدانه وتعميق شعوره واشباع رغبته self-esteemed واحترام ذاته self-respect، لكونها تمنحه قول كلمته باعتباره عضواً له اهميته في المجتمع سواء بمناصرته partisanship او رفضه هذا المرشح- الحزب او ذاك. وحتى في حالة امتناعه عن التصويت abstain فهي تمنحه شعور المواطنة في التعبير عن موقف ولو في صورة سلبية من الاحتجاج. كذلك تعبر الانتخابات عن مناسبات وطنية تماثل الاعياد الوطنية national days عندما يحتفل commemorating الشعب كله تعبيرا عن مشاعر وطنية ولاستخلاص العبر والدروس المشتركة.(58)
وتجسد الانتخابات آلية ديمقراطية عند توفر الشروط التالية:(59)
الاول: حق الاقتراعvoting right - ان بكون متاحا لكافة المواطنين على اساس صوت واحد لمن بلغ سن الرشد في ظل مبدأ المساواة بعيدا عن كافة اشكال التميز.
الثاني: ممارسة الاقتراع voting practice - ضرورة توفر حرية حقيقية للمقترع لابداء رأيه ووضع صوته الانتخابي في صندوق الاقتراع على اساس السرية التامة، وفي غياب عوامل الترغيب والترهيب وسوء العاقبة.
الثالث: جدول زمني للانتخابات election timetable- بإجراء الانتخابات وفق قواعد قانونية- دستورية وتحديد فترة تحضيرية ملائمة وتوحيد التوقيت الزمني لبدء افتتاح صناديق الاقتراع واغلاقها بالنسبة لكافة الدوائر الانتخابية في البلاد.
الرابع: قواعد الترشيح candidature rules- اتاحة حرية الترشيح لكافة المواطنين بصورة فردية و/او من خلال الاحزاب السياسية وان تكون مفتوحة.
الخامس: المنافسة الانتخابية campaign- توفير حرية المنافسة من حيث التعددية والفترة التحضيرية، وتمكين كافة المرشحين من التغطية الاعلامية والجماهيرية، ومكافحة قانونية وفعلية لكافة اشكال الفساد والرشاوى bribery ووضع حد اعلى للمصاريف الانتخابية.
السادس: الاشراف على الانتخاباتsupervising of elections - وهذا يدعو الى إِيجاد هيئة نزيهة غير متحيزة impartial مستقـلة اداريا وماليا، ولها سلطة الاشراف على الانتخابات وعد الاصوات واتخاذ الاجراءات الفورية بما يصون سلامة العملية الانتخابية.
السابع : نقل السلطة power transfer - ان تلتزم كافة الاحزاب والنخب السياسية والمرشحين القبول بنتائج الانتخابات.
بالاضافة الى الانتخابات الدورية العامة، تتواجد كذلك اشكال اخرى للرجوع الى الناخبين في حالات خاصة محدودة وغير منتظمة مثل الاستدعاء recall والاستفتاء الشعبي referendum والاستفتاء الحكومي plebiscite. استخدمت آلية الاستدعاء- تاريخيا- لربط النائب بمصالح جمهوره بايداعه رسالة استقالته (غير مؤرخة) اثناء ترشيحه لمحاسبته بعد نجاحه عند عدم وفائه بوعوده. وتأتي آلية الاستفتاء الشعبي بعد الانتخابات العامة من حيث الاهمية. وهدفه اخذ رأي الناخبين في مسألة مركزية غالبا ما تكون غير مطروحة اثناء الانتخابات الحكومية. وقد تكون حصيلة الاستفتاء ملزمة دستوريا او مجرد رأي شعبي استشاري. ولكن حتى في الحالة الاخيرة فالاغلب الاعم ان تأخذ الحكومة بها، كما حصل في الاستفتاءات التي جرت في الدول الاسكندنافية خلال الفترة 1996-1997 بشأن الانضمام الى الاتحاد الاوربي. بينما استخدم الاستفتاء الحكومي- تاريخيا- لأِخذ رأي الناخبين بشأن حل مشكلات حدودية. كما انه يطبق حاليا بمبادرة حكومات سلطوية لأخذ رأي المواطنين فيها كطريقة للادعاء بكسب شرعيتها.


( 2) انظمــة الاقتــراع
يوفر نظام الاقتراع voting system قاعدة لعـد الاصوات واقرار حصيلة الانتخابات. ذلك ان عملية عد الاصوات وتثبيت نتائجها تتطلب وجود قاعدة حسابية قانونية متفق عليها وتمارس بصفة شرعية. وتصنف قواعد صنع قرارات التصويت في مجموعتين رئيستين:(60)
الاولى: قاعدة الاغلبية البسيطة Simple Majority Rule - وتقوم على اساس منح تمثيل واحد لكل دائرة انتخابية في الجمعية الوطنية (البرلمان). وتعامل الوحدات الادارية القائمة في البلاد باعتبارها دوائر انتخابية. وتضم هذه المجموعة كلا من قاعدة الاغلبية العددية البسيطـة Simple Plurality Rule وقاعدة الاغلبية النسبية البسيطة Simple Majority Rule. ويتحقق الفوز بموجب القاعدة الاولى عند حصول المرشح على اكبر عدد من الاصوات مقارنة بأي مرشح آخر في دائرته الانتخابية. بينما يتطلب الفوز وفق القاعدة النسبية حصوله على اكثر من 50 % من الاصوات. تمتاز هذه الطريقة بسهولة تطبيقها وانخفاض تكاليفها نسبيا. ولأنها- وبالذات القاعدة النسبية- توفر اكبر قدر من الاستقرار، لذلك فهي الأكثر تطبيقا في عالم الانتخابات المعاصرة. ولكن يعاب عليها انها تكافئ الاحزاب الكبيرة على حساب تلك الصغيرة. وهذه مشكلة ديمقراطية خاصة عندما تمثل هذه الاحزاب تنوعات ثقافية. ومع ذلك يمكن مواجهة هذا النقد باتخاذ ترتيبات معينة لتمثيلها في البرلمان.
الثاني: قاعدة التمثيل المتناسب Proportional Representative Rule، وتعتمد اساسا على منح كل دائرة انتخابية عددا من المقاعد البرلمانية تتناسب وحجمها (السكاني). وتمتاز بتوفير فرصة تمثيل كافة الاحزاب بما فيها الصغيرة. لكنها تتطلب اعادة رسم الدوائر الانتخابية بحيث تتجاوز التقسيمات الادارية القائمة، بما تتطلبها من معايير وتكاليف اضافية وتطبيق طرق احصائية متقدمة. وتتضمن صيغا عديدة لا بد من دراستها بعناية لاختيار القاعدة الملائمة بالعلاقة مع مرحلة التطور السياسي والثقافي في البلاد.
( 3) الدوائر الانتخابية
تتحدد الدوائر الانتخابية constituencies في تقسيمات جزئية لجمهور الناخبين بحيث تكون لكل دائرة انتخابية ممثلا نيابيا او اكثر في البرلمان. ولا ينفصم رسم الدوائر الانتخابية عن طبيعة التمثيل وطرق التصويت. وتحتل مهمة التمثيل النيابي الاولوية، وتتطلب تحديد ماهية التمثيل ومن يتم تمثيله. وفي مثل هذه العلاقات المتداخلة تصبح وظائف الدوائر الانتخابية ومهمة تحديدها من الامور الحيوية.
تتلخص مهمة تحديد الدوائر الانتخابية في طبيعة توزيعات مجموعات المصالح الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، بما فيها التنوعات الثقافية، التي تحاول كل منها الحصول على تمثيل لها في الهيئة التشريعية. فعندما تكون مصالح الناخبين غير متنافرة عندئذ يتم اللجوء الى التقسيمات الادارية واعتبارها دوائر انتخابية متماثلة لكل منها نائب واحد، وتطبيق قاعدة التصويت وفق الاغلبية البسيطة، كما هي الحال في الدول الانجلو- امريكية. اما في حالة التنافر الحاد passionate conflicts لهذه المجموعات والمصالح فيتم اللجوء عادة الى احدى قواعد التمثيل المتناسب.
وكيفما ‘فهمت الدوائر الانتخابية، تبقى مهمة تحديدها موضوعيا لأِغراض الانتخابات مسألة مهمة، وتتطلب الابتعاد عن الاساليب الاعتباطية arbitrary، تحاشيا لظهور مشكلة سوء التحصيص بين الدوائر الانتخابية، لكونها ظاهرة غير ديمقراطية تقود الى تجاوز الحصص التمثيلية overrepresentation او الحد منها underrepresentation. وهنا من المفيد مناقشة ثلاثة اشكال من سـوء التحصيص.(61)
الاول: سوء التحصيص الدستوري- ويتحقق دستوريا عند اعتبار التقسيمات الادارية المختلفة في مساحاتها وسكانها دوائر انتخابية متماثلة لكل منها ممثل نيابي واحد.
الثاني: سوء التحصيص الاجتماعي- يتحقق نتيجة التطور الاقتصادي- الاجتماعي زمنيا وبما يؤدي الى اعادة التوزيعات السكانية بين الدوائر الانتخابية المختلفة، بحيث تصبح احجامها غير متناسبة مع حصصها التمثيلية في البرلمان.
الثالث: سوء تحصيص جيـري- وتتضمن هذه الطريقة اعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بطريقة تحكمية بمنح افضلية للمجموعات السياسية المؤيدة وتقليل فرص فوز تلك المعارضة من خلال اعادة تجميع الأصوات المؤيدة وتشتيت الاصوات المعارضة. سميت هذه الطريقة باسم محافظ ولاية ماسوشتس الامريكية Elbridge Gerry (1714-1814) الذي ادرك هذه الطريقة وطبقها لأِول مرة.

المبحث الثالث- الاحزاب السياسية
1 - ماهية الاحزاب السياسية
يعبّـر الحزب السياسي عن منظمة جماهيرية للافراد في سياق انتماءاتهم الفكرية-الطبقية. وتقوم على افكار ايديولوجية موحدة تجسـد اولويات مجتمعية محددة، وتوفر العمل المشترك في اطار المنافسة السياسية، وتبغي الوصول الى السلطة من اجل احداث تغييرات اجتماعية منشودة وفق تصورات مستقبلية مرسومة. من هنا يتميز الحزب السياسي الحديث بثلاث سمات محورية هي: هيكل تنظيمي دائم.. تفويض بتمثيل المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وبالاعتماد على انتخابات حرة.. والمساهمة في الحكومة، سواء بتشكيلها او المشاركة فيها او ممارسة دور المعارضة.(62)
يختلف الحزب السياسي عن جماعة المصلحة interest group او جماعة الضغط pressure group، اذ ان جماعة المصلحة هي رابطة افراد ذوي مصلحة مشتركة تدافع عنها لترسيخها وتعزيز مواقعها وزيادة تأثيرها. وتتحول جماعة المصلحة الى جماعة ضاغطة عندما تمارس تأثيرها في الحكومة.
ظهرت الاحزاب السياسية في صورتها الحديثة في اوربا والولايات المتحدة في القرن التاسع عشر وعلى نحو متواز مع ظهور الانتخابات والانظمة البرلمانية. وشملت تسمية الحزب كافة الجماعات المنظمة الساعية لبلوغ السلطة السياسية، سواء بواسطة الانتخابات او الثورة. كما انتشرت الاحزاب السياسية هذه على مستوى العالم في القرن العشرين، وإن ظلـت احزاب عديدة في دول العالم الثالث مؤسسة وفق معايير شخصية او قبلية او اثنية. بالاضافة الى ان احزاب هذه الدول اتسمت، عموما، كونها جزئيا سياسية وجزئيا عسكرية. كما شهد هذا القرن ايضا استخدام الاحزاب السياسية من قبل الانظمة الاستبدادية لاغراض غير ديمقراطية. بينما وجدت بواعث انشاء وتأييد الحزب السياسي في الديمقراطيات الغربية تبريرها في خمسة اسس تالية: الطبقة الاجتماعية، الا وضاع الاقتصادية، الدين، الاختلافات الاقليمية regional differences ، والانتماءات الفلسفية. رغم ان هذه التقسيمات لم تعد قوية كما كانت في بداية القرن العشرين. اذ حلت الاوضاع الاقتصادية على نحو اكبر كمؤشر للموقف الاجتماعي من احزاب هذه الدول بشكل عام.(63)
تقوم الاحزاب السياسية بوظائف جوهرية في المجتمع السياسي، فهي تعمل في صورة جسر يربط بين الحكومة والمواطنين. كما اصبحت مصدر تعبئة المصالح المتقاطعة وحل المشكلات والتناقضات الاجتماعية من خلال لقاءاتها ومناقشاتها داخل البرلمان وخارجه، وذلك في سياق تجسيدها لأِهداف ومواقف مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية. ويقترن ظهور الاحزاب السياسية كذلك بتخفيف مركزية السلطة والحد من الانفراد بالقرار، والتعبير عن طموحات المواطنين المشاركة في توجيه السلطة التنفيذية والتأثير في مواقف السلطة التشريعية وترشيد قرارات الحكومة عموما. واخيرا، تشكل الاحزاب السياسية مدارس للتثقيف السياسي والتربية الوطنية. عليه يتطلب قيام النظام الديمقراطي وجود احزاب سياسية، وان تكون هذه الاحزاب ديمقراطية.
وتشكل المكونات الثلاثة التالية حدا ادنى لضمان الديمقراطية في الحزب السياسي:(64)
الاول: الشرعية الحزبية- يتطلب تنظيم الحزب السياسي وفق اسس الوطنية السياسية بعيدا عن الاعتبارات الشخصية والقبلية والطائفية وما شابه. ووجود التنظيم يدعو الى اصدار قرارات ملزمة للاعضاء وقبولهم بها. الا انه لا التزام دون ان تقابله حقوق، ولن تستقر شرعية التنظيم دون تحقيق التوازن بين الالتزامات والحقوق، يتقدمها احترام حقه في الحياة. وان اجبار العضو على تنفيذ الالتزامات في غياب الحقوق يضعه في خانة العبيد. عليه ليس هناك من مبرر يحصر حق العضوية بين الانصياع الاعمى لقرارات الحزب وبين التخلي عن المبدأ، لأن ذلك يعني حرمانه من حقه الطبيعي في حرية الرأي والاختيار. ويرتب مبدأ الشرعية اربعة شروط تالية: اولها ربط مبدأ الالتزام الحزبي باقرار مبدأ حقوق الانسان (العضو) يما فيها حق تقديس حياته واحترام كرامته.. وثانيها تطبيق مبدأ الانتخابات على اساس الاقتراع العام السري لاختيار كافة مستويات قيادات الحزب وفي ضوء توفر تعددية فعلية للمرشحين تسمح بحرية الاختيار.. وثالثها ان تقوم هذه الانتخابات بصورة دورية وبما يمنع احتكار قيادة الحزب، لتغذيته بدماء جديدة مستمرة، وتحاشي ظهور الزعامات الشخصية والقيادات الابدية التي لا يتخلص منها الا بالموت.. ورابعها ان يكون للحزب دستور داخلي (لائحة نظام اساس) يتضمن فلسفته واهدافه وسياساته وبرامجه وتشكيلاته وسلطاته الثلاث، وحقوق وواجبات العضو.
الثاني: آلية تداول القيادة - تتطلب الترشيح وفق معيار الكفاءة والقدرة على الانجاز بعيدا عن المعايير الشخصية، والتوجه نحو تغذية القيادة بكفاءات جديدة دوريا، وقبول حصيلة الانتخابات، وتحاشي التقديس والتعظيم. وبذلك يصبح الحزب اكبر من اية قيادة ويتخلص من مشكلة ترهل القيادات واحتكار السلطة والزعامات الشخصية.
الثالث: التعددية السياسية- وتعني القبول بتعدد الاتجاهات داخل الحزب في اطار الفكر الواحد. وهي تختلف عن ما يسمى بوحدة الارادة الحزبية التي تكون مطلوبة لتحاشي عوامل الانشقاق الداخلي وابراز وحدة الحزب امام الجماهير لتسهيل تعبئتها. عليه فإِن اعضاء الحزب مطالبون الالتزام ببرنامج الحزب وقرارات هيئاته القيادية المنتخبة. الا ان المطلوب اولا خضوع البرامج والقرارات هذه لمناقشات مفتوحة من قبل كافة اطراف الحزب. وتحاشي ممارسة الارهاب الفكري والامتناع عن محاولات قمع الاتجاهات المعارضة او اقصاء اصحابها من مواقع المسؤولية بقرارات تعسفية.

2 - انماط الاحزاب السياسيــة
ظهرت الاحزاب السياسية منذ بداياتها في شكل احزاب نخب سميت احزاب الكادر cadre parties او احزاب القاعدة الضيقة، تميزا لها عن الاحزاب الجماهيرية التي ظهرت في القرن التاسع عشر وسميت احزاب القاعدة العريضة mass-based parties. عبّرت احزاب الكادر عن تناقض اساس بين طبقتي الارستقراطية والبرجوازية. تضمنت الاولى طبقة المحافظين من ملاك الارض (الاقطاعيين) والنبلاء مدعومة من رجال الدين. بينما شملت الثانية طبقة الاحرار من رجال الصناعة والاعمال والمال والبنوك والتجار والمهن professional مدعومة من الفئة الدنيا لرجال الدين، بالاضافة الى الطبقة العاملة في المدن.
سادت احزاب الكادر من المحافظين والليبراليين السياسة الاوربية في القرن التاسع عشر وتصاعدت خلال التطور الاقتصادي العظيم. وكانت الفروع المحلية لهذه الاحزاب مسؤولة عن دعم مرشحيها سياسيا وماليا، رغم انها حافظت على قدر رفيع من الاستقلال الذاتي. كذلك حافظ عضو البرلمان على درجة عالية من الاستقلال عن حزبه، اذ ان نظام الانضباط الحزبي- خاصة بالنسبة لأِعضاء البرلمان- ظهر لاول مرة لاحقاً في الاحزاب البريطانية المعتمدة على الاغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة.
تضم احزاب الكادر عادة عددا محدودا من المناصرين في سياق مواصفات خاصة للعضوية، بينما توحد احزاب القاعدة العريضة مئات الألوف واحيانا الملايين من الاعضاء. ولا يشكل عدد اعضاء الحزب المقياس الاساس لحزب القاعدة العريضة، بل ان الشرط الجوهري هو ارتباط العضوية في الحزب بمعيار الوطنية السياسية، اي مفتوحة لكافة المواطنين في المجتمع بعيدا عن كافة اشكال التميز.
بدأت الاحزاب الاشتراكية بالظهور مع نهاية القرن التاسع عشر على مستوى القارة الاوربية على اساس القاعدة العريضة، لتضم اعدادا متزايدة من اصحاب الاجور الذين كانوا يتزايدون اهمية بفعل الحركة الصناعية المتصاعدة، وتوسيع حق الاقتراع العام. وبغرض جمع الاموال اللازمة لممارسة نشاطها، اتجهت هذه الاحزاب الى تعبئة مواردها بالاعتماد على طبقة العمال التي- رغم فقرها- الا ان ضخامة اعدادها وفرت مصدر تمويل مناسب لها بعد ان ابتدعت طريقة فرض رسوم العضوية. كما اتجهت الى تعزيز بنيتها التنظيمية في اطار هرمي مع التأكيد على الانضباط الجماعي لصالح تشديد مركزية المنظمة الحزبية، ومن ثم بروز الاقلية. عليه بذلت الاحزاب الاشتراكية جهودها للحد من هذا الاتجاه بتطوير اجراءات ديمقراطية بانتخاب القيادات على مستوى المسؤوليات الحزبية كافة.
شكلت الاحزاب الشيوعية الفصائل الاولى التي انشقت عن الاحزاب الاشتراكية، ونجحت في تطوير تنظيمات هيكلية جديدة. فبينما اعتمدت احزاب الكادر والاحزاب الاشتراكية انشاء فروعها على اساس المنطقة الجغرافية، كوَّنت المجموعات الشيوعية خلاياها في موقع العمل. ان خلية موقع العمل كانت العنصر الاصيل الاول في المنظمة الحزبية الشيوعية التي جمعت اعضاء المجموعة الحزبية مع بعضهم ممن ينتمون الى مؤسسة واحدة (المصنع، المزرعة، المدرسة..). وتميزت الخلية بقوة تنظيمها نتيجة تماسك الحرفة المشتركة لأِعضائها. وتطلب هذا النظام الجديد بدوره تنظيما حزبيا قويا وقيادة حزبية ذات سلطة واسعة وشاملة قادرة على ان تمتد بعيدا لتصل الى هذه الخلايا. وهذه الخاصية التنظيمية للحزب الشيوعي قادت الى بروز خاصية ثانية تمثلت في درجة اقوى من المركزية، رغم انها طبقت- من حيث المبدأ- حرية المناقشة وطورتها على كافة المستويات الحزبية قبل اتخاذ القرار. والسمة الجوهرية الاخرى التي ميّـزت هذه الاحزاب هي الأهمية القصوى التي اعطتها للمسألة الايديولوجية.
شهدت العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين ظهور الاحزاب الفاشية Fascist Parties التي حاولت- كما في احزاب القاعدة العريضة- ضم اكبر عدد ممكن من الاعضاء اليها ولكن دون ان تدعي تمثيلها للقاعدة الجماهيرية. اذ أن تعاليمها كانت تقوم على العنصرية والنخبة. وكانت ترى وجوب قيادة المجتمع من قبل اكثر العناصر كفاءة واقتدارا، أي الصفوة. بينما خضعت قيادة هذه الاحزاب بصفة عمياء الى الرئيس الاعلى للحزب الذي يختار النخبة القيادية. وكان تنظيم الحزب مماثلا لتنظيم الجيش من حيث شكله الهرمي وصرامة انضباطه، بالاضافة الى ملابسه الرسمية المتميزة ومراتبه وأصنافه وأوامره وتحياته ومسيراته.

3 - انظمة الأحزاب السياسية
تتواجد ثلاثة انماط من الانظمة الحزبية هي: نظام الحزبين، نظام تعددية الاحزاب، ونظام الحزب الواحد. ولا يستند هذا التصنيف على عدد الاحزاب العاملة في ظل النظام السياسي فحسب، بل كذلك على تنوع السمات المميزة لكل من الانظمة الثلاثة. فأنظمة الحزبين وتعددية الاحزاب تعبر عن الطرق المستخدمة في العملية السياسية لمواجهة تناقضات المصالح في المجتمعات التعددية pluralistic . لذلك فهي تشكل جزءا من آليات الديمقراطية. اما نظام الحزب الواحد فيعمل عادة في جو لا يسمح بظهور التناقضات الحقيقية على سطح العملية السياسية، رغم ان هذه الوحدانية لا تنفي وجود تناقضات حتى على مستوى الحزب نفسه. وفي انظمة الحزبين او تعددية الاحزاب، حيث يعترف النظام بوجود التناقضات وظهورها ومعالجتها، فهذا قد يجعل من العملية السياسية مهمة صعبة وتفرض ايجاد نوع من الائتلاف لتطويق المصالح المتنافرة، وتقدم العملية الديمقراطية على انها في الواقع مهمة توفيقية.(65)
يرتبط التميز بين نظام الحزبين ونظام تعددية الاحزاب كذلك بطبيعة النظامين السياسيين في اوربا الغربية. ففي حالة الحزبين تقوم الحكومة على اغلبية برلمانية ناجمة عن فوز احدهما. وهذه الاغلبية تضمن استمرار الحكومة بصورة فعالة. وهذا النظام يعبر عن اغلبية برلمانية. اما في حالة تعددية الاحزاب فمن النادر لحزب واحد تحقيق اغلبية برلمانية. من هنا وجب تشكيل الوزارة على اساس الائتلاف. وتكون اكثر متغايرة heterogeneous واكثر رخاوة fragile. والحصيلة هي ضعف الاستقرار السياسي وضعف السلطة. ويعبر هذا النظام عن غياب اغلبية برلمانية.
هناك فارق جوهري بين نظام الحزبين في كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا. فالانضباط الحزبي اقل قوة، وعضو البرلمان اكثر استقلالا في الاحزاب الامريكية، كما انها ليست مرتبطة بنفس الدرجة بالحركات الاجتماعية والايديولوجية التي اثرت بدرجة ملموسة في الحياة السياسية الاوربية. ومع ان الاحزاب الاشتراكية تواجدت على طول التاريخ الامريكي، الا انها لم تستطع ابدا تحدي سيطرة الحزبين الكبيرين، لاسباب منها القدرة العالية للرأسمالية الامريكية على التكيف، بالاضافة الى التوسع الاقتصادي المستمر. علاوة على قسوة الرأسمالية الامريكية تجاه الاحزاب اليسارية، كما في لجنة مكارثي وممارساتها الارهابية ضد اليسار.(66)
بينما يعتمد نظام الحزبين البريطاني على ممارسة حزبية صارمة، متمثلة في انضباط فعال بالعلاقة مع نمط التصويت في البرلمان. عليه من المتوقع ان يبقى رئيس الحزب(رئيس الوزراء) في السلطة خلال الدورة البرلمانية، وان المشكلات الداخلية في اطار الحزب تشكل التهديد الوحيد للحد من سلطته. وطالما ان كل حزب مؤلف من مجموعة منظمة تلتزم الانضباط الحزبي ويرأسها شخص متميز يتوقع ان يصبح رئيس الوزراء في حالة فوز حزبه بالانتخابات البرلمانية، فإِن هذه الانتخابات تؤدي وظيفة اختيار كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية (الحكومة). كما ان عملية التصويت التي تقود الى جعل احد رئيسي الحزبين رئيسا للوزراء تدعم مفهوم زعامة الاغلبية البرلمانية، وتكون الحصيلة نظاما سياسيا يتمتع بالاستقرار والقوة. الا ان هذه الحالة تفترض مسبقا ان كلا الحزبين متفقان فيما يخص القواعد الاساسية للديمقراطية.
وجدت ثلاثة اشكال تاريخية لنظام الحزب الواحد: الشيوعي، الفاشي، ونظام الحزب الواحد في دول العالم الثالث.(67) ‘يعتبر الحزب الشيوعي رأس حربة للطبقة العاملة وبقية المتحالفين(الفلاحين والكادحين والمثقفين). ومهمته هي المساهمة القيادية في بناء النظام الاشتراكي. ويمارس الحزب سلطة الحكومة في المرحلة الانتقالية المسماة "دكتاتورية الطبقة العاملة". ويحافظ من خلال اعضائه على اتصالاته بقيادته وجماهيره كجسر يربط بين الطرفين. وتشكل سياسة تشريب indoctrination ايديولوجية الحزب واحدة من مهامه الجوهرية. ويمارس سلطة الادانة condemn والحكم بالطرد(التحريم) السياسي excommunication ضد الخارجين عليه. وتحتل تراتيبية الحزب الاولوية في ممارسة السلطة الفعلية في النموذج الشيوعي الكلاسيكي، رغم ان الحزب يبقى يشكل محور ومركز السلطة السياسية في البلاد. بينما لم تلعب الاحزاب الفاشية دورا مهما مماثلا في نظام الحزب الواحد. وكان الحزب الوطني الاشتراكي الالماني الاستثناء الوحيد في تأثيره على الحكومة، رغم ان دكتاتورية هتلر اصبحت مستقلة في النهاية. كذلك ظهرت انظمة الحزب الواحد في دول العالم الثالث، وتراوحت في افكارها المعلنة وممارساتها بين الاتجاهات الاشتراكية والفاشية. وكانت اضعف تنظيما من اقرانها في الدول المتقدمة. علاوة على خضوعها للولاءات الشخصية والاثنية والقبلية. كما ان احزابا عديدة ادعت الاشتراكية، وفي نفس الوقت اتخذت مواقف عدائية صارمة من الشيوعية ومنظماتها. وعموما، اقترنت هذه الاحزاب بالحكم الاستبدادي في سياق احتكار السلطة.


هوامــش مقدمة البحث
(1) Derbyshire,J.Denis, World Political Systems, 1991,P.1..,Tung,HWO Yol,Western political theory,1993,P.181.
(2)Dunn,John, Western Political Theory in the
Face of the Future, 1993, P.1.
(3) Dahl,Robert A., Political Analysis, , ,1991,P.46. Vol.25,
(4) ,1993,P.100. The New Encyclopaedia Britannica,
(5) Sherover,Charles M., Time, Freedom, and the Common Good, 1989, P.131-132.
(6) Derbyshire,, Op.cit., P.2.
(7) انظر:
1-سيف الدولة، عصمت، "الديمقراطية والوحدة العربية"، ندوة أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، ص 796- 800.
2- خلف الله، محمد احمد، "التكوين التاريخي لمفاهيم الامة، القومية، الوطنية، الدولة، والعلاقة بينها"، ندوة القومية العربية والاسلام، 1981، ص 20- 42.
(8) Dahl,Robert A., Op. cit., P.52.
(9) . Sherover,Charles M., Op. cit., P. 137
(10) . Dahl,Robert A., Op. cit. , P.53
(11) 1009 . The New Encyclopaedia,Op. cit., P.1004 -
(12) مذهب مونرو Monroe Doctrine: اعلنه الرئيس الامريكي جيمس مونرو James Monroe عام 1823 في رسالته السنوية الى الكونغرس، واصبح حجر الزاوية في السياسة الخارجية الامريكية. تلخص في عدم تدخل الولايات المتحدة في شؤون القارة الاوربية، مقابل عدم السماح باعادة استعمار امريكا اللاتينية. وبعد عام 1870 تغير مبدأ مونرو في عهد الرئيس الامريكي تيودور روزفلت Theodor Roosevelt بعد ان اصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى بجعل امريكا اللاتينية منطقة نفوذ مقفـلة لها وحدها.
*انظر : Encyclopaedia Britannica, 8, P. 269 – 270 .
(13) Dunn,P.57.
(14) Encyclopaedia,25, P. 1013- 1014.
(15) Rober A., , P.59-61.
(16) Ibid., P. 61-71.
(17) Chirot,Daniel,Modern tyrannts,1996,P.2-3,17-
(18) Derbyshire, P.49.
(19) Encycgopaedia,.25, . , P.1018- 1019.
(20) Derbyshire,P.17.
(21) Encyclopaedia,25,P.1012.
(22) Ibid.,P.1024.
(23) قارن: هلال،علي الدين، "مفاهيم الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث"، ندوة ازمة الديمقراطية، ص 36.
(24) Encyclopaedia , Vol.4, ,1993,P.5.
(25) قارن: المنجد،1975، قسم الاعلام، ص177.. و Sherover,P.55
(26) Dunn,P.61.
(27) سيف الدولة ، عصمت،(تعقيب)، ندوة ازمة الديمقراطية، ص.59.
(28) الدجاني، احمد صدقي، "تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث"، ندوة ازمة الديمقراطية، ص 118-120.
(29) Sherover, PP.75-76.
(30) اسبيرانتو Esperanto - لغة عالمية ترعاها منظمة اسبيرانتو العالمية Universal Esperanto Association لتسهيل تطبيقها وانتشارها. تضم الرابطة اكثر من (90) دولة. ومقرها هولندة .
• رشيد، عبدالوهاب حميد، معجم المؤسسات المشتركة 1990،ص 729.
(31) الوردي، في الطبيعة البشرية، ص73 ..
(32) Sherover,P.241.
(33) Ibid.P68. (34) Ibid.,P>132. .
(35) Uhlin,Undres,Democracy and diffusion,1995,P.10. (36) Dahl,P.54.
(37) Blomkvist, Hans, Democracy in India, 1992, P. 1-6.
(38) Ibid., P. 5-6.
(39) Lindstorm,Eric, The Swedish Parliamenrary System,
,PP.10-13..,Peterson,Olof,Hur styrs sverige,1994,P.4
(40) امين، سمير،"حول منهج حليل أزممة الديمقراطية في الوطن العري"، ندوة أزمة الديمقراطية،ص317..، Uhlin,P.9
(41) Uhlin,P.7-9
(42) عبدالله، اسماعيل صبري، "الديمقراطية داخل الاحزاب الوطنية وفيما بينها"، ندوة ازمة الديمقراطية، مرجع سابق، ص 466-468.
(43)Sherover, P.8.
(44) جميل، حسين، "حقوق الانسان في الوطن العربي- المعوقات والممارسات"، ندوة ازمة الديمقراطية، ص543 .
(45) Uhlin, Op. cit., p.9..,the new encyclopedia, 25. Op. cit.,p.1025..,
Dunn, Op.cit,p.24.
(46) انظر : هلال،علي الدين، ص37،71..، Derbyshire, P , 53-58 .
(47) هلال، علي الدين،ص38-40..،امين،سمير، ص 307-308.
(48) Willard,Charles Arthur. Liberalism and the Problem of Knowledge , ,1996,P.11.
(49) عبدالله،ص466-468..ن أمين،ص314-316..، هلال، ص47،70.
(50) شومبيتر، عشرة اقتصاديين عظام، 1968، ص.10
(51) خدوري،مجيد، الاتجاهات السياسية في العالم العربي، 1985، ص(59-60).
(52) نفسه ، ص70-72 .
(53) نفسه،ص72-78.
(54) الوردي، لمحا ت اجتماعية من تاريخ العراق الحديث،ج 1، 1992، ص.304-305..، في الطبيعة االبشرية،ص125.
(55) مجيد،ص79-82،99-100.
( 56) Ulin,P.15-18,99-100.
* انظر كذلك القراءآت التالية المقتبسة من المصدر نفسه بخصوص مناقشة الخطاب الاسلامي للديمقراطية :
1- Ahmed, Ishtiaq,1985, The Concept of an Islamic State- Analysis of the idiological controversary in Pakistan , Stockholm Department of Political Sience , University of Stockholm.
2- El- AWA, Muhammed S.,1980, On the political system of the Islamic State, Indianapolis, Indiana, Amdrican Trust Publication .
3- Wahid Abdurruhman, 1980, Religion idiology and development,Prisma,The Indonesian Indicator, No. 19 .
- والجدير بالاشارة ان البرلمان الاندنوسي انتخب عبدالرحمن وحيد رئيسا للجمهورية الاندنوسية في ت1/ اكتوبر1999.
(57) الدوري،عبدالعزيز، "الديمقراطية في فلسفة الحكم العربي"،المستقبل العربي، السنة(2)، العدد(9)، بيروت1979( مقتبسـة عن: ندوة ازمة الديمقراطية)، ص.118.
(58) The New Encyclopaedia , 25, P. 1024- 1026
(59) Derbyshire,Op.cit., P.122
(60) Ibid.,P.115-117.
(61) Encyclopaedia,25,P.1028.
(62) الفيلالي،مصطفى، "الديمقراطية وتجربة الحزب الواحد في الوطن العربي، ندوة ازمة الديمقراطية،ص745..، Derbyshire,P.139-140..,Encyclopaedia,P.979.
(63) Derbyshire,P.153-167.
(64) عبدالله،ص475-478..، رشيد، مستفبل العراق1997، ص145.
(65) Derbyshire,P.162-165..,Encyclopaedia,25,P.983-986
(66) جوزيف مكارثي Mc Carthy , Josef R - aymond -
سيناتور امريكي جمهوري ( 1946).لفت الانتباه اليه اوائل الخمسينات عندما اثار ضجة مفتعلة ضد الكثبرين من العناصر الوظيفية في المستويات الحكومية العليا موجها اليهم تهمة "الشيوعيـة الهدامة". نجح في اعادة انتخابه للكونغرس ( 1952). واصبح رئيسا للجنة برلمانية للتحقيق ضد العناصر الحكومية ممن اتهموا بالشيوعية. ورغم فشله في اثبات اتهاماته ضد أي من العناصر الحكومية محل التحقيق، الا ان اساليبه دفعت الى ابعاد الكثيرين .عرفت هذه الفترة من الممارسات الارهابية بـ "المكارثية" Mc Carthyism .
*للتوسع في المسألة " المكارثية " انظر :
The New Encyclopaedia Britannica,Vol.,7,Micropaedia , USA, 1993,P.611- 612 .
(67) للتوسع في انظمة الحزب الواحد، انظر : الفيلافي، ص 745..، Derbyshire,P.139-140..



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- الخاتمة
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الثاني/ا ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ال ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- القسم الأول/ ف ...
- البيانات تكشف أن الفلسطينيين يملكون حالياً 8% فقط من أرض فلس ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-ف7
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-ف6
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-ف5
- مستقبل العراق- ف4- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة
- حالة الأطفال في العراق -أزمة مهملة-
- مستقبل العراق- ف3


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالوهاب حميد رشيد - العراق المعاصر: أنظمة الحكم والأحزاب السياسية