أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم حسن - الهوية العراقية والتبادل الاجتماعي















المزيد.....

الهوية العراقية والتبادل الاجتماعي


إبراهيم حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4127 - 2013 / 6 / 18 - 04:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في مستهل حديثه، لم يكن من المتوقع كعادته أن يسترجع التأريخ ليجعلهُ حاضراً لفهم حركة الهوية العراقية بصورة عامة وصيروراتها. حيث يبدأ البروفيسور د.قيس النوري في بحثه الموسوم : الهوية العراقية والتبادل الاجتماعي بقوله (( في مطلع القرن العشرين، كانت دائرة الروابط القرابية والعشائرية تهيمن على عملية التبادل والتضامن الاجتماعي، في المجتمع المحلي في العراق. ومن الطبيعي إن التبادل الاجتماعي في تلك الحقبة كان في ابسط أشكاله لا يتعدى عملية الأخذ والعطاء في نطاق اقتصاد الفقر والكفاف واحتياجاته )). وبهذه المقدمة الموجزة يبدأ البروفيسور النوري حديثه عن العلاقات العشائرية والقرابية التي كانت تشكل دعامة من دعائم التماسك الاجتماعي في المجتمع العراقي آنذاك. غير إنها وبحسب د.النوري كانت داخل العشيرة الواحدة. بحيث إن قوة التنظيم الداخلي الذي يتبلور على شكل تضامن آلي كانت لا تتجاوز حدود العشيرة الواحدة، خصوصا إزاء أهل المدن، حيث كانت نظرة أهل العشائر إلى أهل المدينة نظرة مريبة بالإضافة إلى ضعف الروابط الاجتماعية بين المدينة كحاضرة إنسانية وبين الريف كثقافة متجذرة لا تسمح بإي تغيير. مما سوّغ لأهل العشائر حصر الزواج بالأقارب فقط ( الزواج الداخلي ) الامر الذي قوض عملية التواصل والتفاهم بين المدينة والريف في المجتمع العراقي. وفي ظل هذا الانطواء العشائري تطوّرت المدينة وازداد انفتاحها على العالم الخارجي في ظل نظام مؤسساتي قائم على علاقات مهنية ومصلحية غير قرابية او عشائرية. مما جلعنا اما تيارين - بحسب النوري- الأول يمثل العشيرة وتقاليدها فضلا عن انكفاءها على ذاتها. والثاني يمثل الدولة ومؤسسات المجتمع المدني. والظاهر من تحليل الدكتور النوري هو انه يعالج هذه الموضوعة من زاوية الانثروبولوجيا الحضرية وكيف يمكن لها ان تستقطب ابناء الريف وما يصاحب ذلك من صراع وتغير في القيم الاجتماعية. إن عملية التحضر والتمدّن سرعان ما تزايدت مع بداية تأسيس الدولة العراقية في مطلع القرن العشرين. وبذلك انتعشت الطبقة الوسطى وتأسست المنظمات المدنية وغيرها مما أدى إلى دخول العراق إلى مرحلة الحداثة - كما يقول النوري. وهي مرحلة يكون فيها المجتمع مهيئاً للتغيير ( تقدماً او نكوصا ) طالما ان هناك تفاعل وحراك داخل هذا المجتمع.
* الإطار النظري للتبادل
يرى د. النوري وبحسب ملاحظاتهِ الميدانية حول أنشطة التبادل في المجتمع المدني في العراق أن بإمكانهِ تحديد محورين رئيسيين بهذا الخصوص : الأول يتمثل بالمحددات الاجتماعية للتبادل.. بينما يتحدّد الثاني في الصعوبات المنبثقة من المشهد الاقتصادي، حيث تحولت القيم في المجتمع العراقي، وأصبحت المنافع الفردية تتغلب على المنافع المجتمعية. ورغم تعدد أشكال ودوافع التبادل في كافة المجتمعات الإنسانية إلا إن د. النوري يحدد نوعين له. الأول يُطلق عليه التبادل القصير المدى. والثاني التبادل البعيد المدى. الأول يغلب عليه طابع الأنانية وحب الامتلاك . في حين يُعنى الثاني بإعادة إنتاج النظام الاجتماعي . بحيث يسعى إلى تعزيز المصلحة المجتمعية . وبالتالي فالذي يريد أن يقوله الدكتور النوري، هو إن هناك قوتان تتصارعان في الواقع المجتمعي. قوة المنافع الذاتية - الشخصية ( الأنانية ) وقوة المنافع المجتمعية التي تهدف إلى تعزيز الرفاهية والاستقرار في المجتمع. بحيث إن كل قوة تعمل في ضوء سياقاتها الخاصة في المجتمع. لكنهما يعملان سوية لضرورة التكامل.
وهنا يتساءل الدكتور النوري : هل للديموقراطية دور في تفعيل الحراك الاجتماعي ؟
الاستدراك في هذه النقطة من قبل الدكتور النوري مطلوب. وهو إنما جاء ليفسّر حركة كل من تيار المنافع الشخصية وتيار المنافع المجتمعية أولا، والتحولات التي شهدها المجتمع العراقي في بنيته بحيث تحوّل تدريجيا من نموذج القبيلة إلى نموذج الدولة ثانيا. بحيث إن النموذج الأخير هز دعائم الحياة الريفية وغيّر من طبيعتها الا انه لم يزلها كما يرى النوري. كذلك فإن الحاضرة المدنية ما زالت تلاحقها السمات الريفية في بعض من أوجهها الثقافية . وان كل هذا الحراك برأي الدكتور النوري انما يفسّر انفتاح المجتمع العراقي على كل تيارات التغيير : التحديث- العولمة – التكيف- التحضر الخ. -
إن التبادل - التثاقف بين المدينة والريف في المجتمع العراقي ما زال موجوداً غير إن المؤشر لصالح اتساع الرقعة الحضرية يبدو واضحاً. وذلك لأن مجالات التبادل والتثاقف والحرية والانفتاح كبيرة في البناء الاجتماعي الحضري بعكس البناء الريفي الذي تغلب عليه صفة الجمود والتضامن الآلي وطريقة تنسيب الأعمال والمراكز الاجتماعية. بحيث ان التحضر بصورة عامة اضعف من سيطرة القرابة على البناء الاجتماعي وحل بدلاً عنها التخصص المهني. مما فتح المجال أمام علاقات اجتماعية جديدة وتعامل من نوع آخر وفرص زواج خارجي، مما أسهم في زيادة الوشائج الثقافية التي تربط أبناء الحاضرة المدنية، الأمر الذي انعكس إيجاباً في تدعيم الوحدة الوطنية.

* الهوية وحركية التبادل
في هذه الجزئية يرى الدكتور النوري إن العلاقة العضوية بين التبادل الاجتماعي بشكليه وبين الهوية بدت واضحة. والمقترح النظري لتفسير ذلك كما يرى النوري هو نظرية ثنائية التبادل التي يرى د. النوري أنها تتيح حل عملي يتمثل في نمو المساحة الحضرية - الوطنية على حساب المساحة العشائرية التي أصبحت هامشاً. بحث إن امتداد مساحة الوسط الحضري والوطني تزيد من رقعة التبادل بعيد المدى على حساب مساحة التبادل قصير المدى. استدعى ذلك عقلنة الهوية العراقية وإغناء رؤيتها الكونية وتعميق قدراتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وفي سياق العلاقة بين العشيرة - القبيلة والدولة يبدو التبادل القصير المدى غالباً ما يستهوي الأفراد الاقل تعليماً وتحضراً، وذلك لتفضيلهم مصالحهم على المصلحة العامة.و إن سمات هذا النموذج التبادلي هو الانفعال والعاطفة بحيث تسيطران على العلاقات القرابية بين أفراد أصحاب هذا النموذج.
ولا يفوت الدكتور النوري انّ يشخّص سلبيات هذا النموذج التبادلي وما يمكن أن ينعكس على المجتمع من تبعات. بحيث إن أصحاب هذا النموذج يفضلون المنافع السريعة و - الآنية على المنافع الكبيرة ذات الامد البعيد. مثل تفضيل بعض الطلاب التخرج من دورات المعلمين السريعة بدلاً من التخرج من الكلية والانتظار لأربعة سنوات. وهذا يعد عائقاً أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كذلك فإن ممارسة هذا النموذج من التبادل قد يلحق الضرر بالمؤهلات والقدرات العلمية التي ربما تتطلب وقتا وصبراً كبيرين. أما نموذج التبادل الاجتماعي البعيد المدى فهو ينسجم مع مصلحة المجتمع – برأي الدكتور النوري. ويسهم في تدعيم بناءه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ويسهم في تدعيم عملية التنمية. وكذلك يسهّل هذا النموذج عملية التقارب بين المكونات الاثنية أو الوحدات الاجتماعية داخل المجتمع الكبير.

ويخلص د. النوري إلى مجموعة من الاستنتاجات التي يختم بها بحثه ويمكن اختصارها ومناقشتها بالاتي :

أولاً: يرى الدكتور النوري إن الفرد العراقي ممكن أن يتوسّع نطاق تفكيره مع تحسن مستوى تعليمه ، وهذا بالتأكيد يدعم نموذج التبادل البعيد المدى . مما يؤدي بالنهاية الى التقارب بين المكونات والى تغليب المصلحة العامة على المنفعة الشخصية وتبلور الحس الوطني بدل الحس الطائفي أو العشائري.
ثانياً: بإمكان منظمات المجتمع المدني ان تساهم في رفع مستوى وعي الافراد وتدعيم الرؤية الكونية الوطنية بدل رؤاهم العشائرية الضيقة. وهذا يتم عن طريق الندوات والمؤتمرات التثقيفية الخ.
ثالثا: للديموقراطية - حديثة العهد في العراق - دور كبير ممكن أن تساهم به في تفعيل الحراك الاجتماعي مما يساهم في تغيرات بنيوية في المجتمع تنعكس ايجابا بالتأكيد.
رابعا: من المؤمّل في ظل انفتاح العراق والتغييرات التي حصلت أن يتم رفع مستوى المرأة التعليمي والفكري مما يساهم في تنمية المجتمع أكثر والتقليل من نسبة الامية وردم الفجوة بينها وبين الرجل مما يساهم في بناء اسرة متماسكة وواعدة.
خامساً: يمكن للمواطنة العراقية أن تكون اكثر عقلانية وواقعية بحيث تلامس الواقع في ظل توفر الحرية وانفتاح العراق فضلا عن التأثيرات الخارجية والاستفادة من التجارب الناضجة السابقة والمعاصرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د.قيس النوري: الهوية العراقية والتبادل الاجتماعي، مجلة بيت الحكمة - دراسات اجتماعية - 2005
ـــــــــــــــــــــــــ
عرض ومناقشة : إبراهيم الساعدي
باحث في الانثروبولوجيا - بغداد



#إبراهيم_حسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الجماعة ومفهوم المجتمع
- العنف ضد المرأة – التحرّش الجنسي انموذجاً
- العراقيون الحقيقيون
- هل الإنسان هو أفضل المخلوقات ؟
- آلهتي
- الدين أفيون الشعوب .... هل كانَ ماركس مُحقاً ؟
- فكرة المخلّص في الثقافة الاسلامية
- الاحلام : الرمز والمعنى - 1
- الإنسان الكوني - المعنى والمفهوم
- البحث عن الحقيقة - الوهم المطلق
- ما حقيقة الإعلام المغُرض ؟
- لا جديد في الحكومة العراقية الجديدة !!!
- أزمة الفكر البشري - رؤية سوسيولوجية نقدية-
- آلام بائسة !!
- حنانُ ألام : حاجة نفسيّة لما بعد الطفولة -المجتمع العربي إنم ...
- أزمة الفكر
- إسهامات الأستاذة مارجريت ميد في الإنثروبولوجيا النفسية
- سيمفونية الصمت
- أسطورة العراق الجديد
- من سيقذفُ أوُباما بحذاءهِ ؟


المزيد.....




- رئاسة سوريا تصدر بيانا حول السويداء والدرزية وقبائل البدو
- تعويض ب10 مليارات.. ترامب يصعّد ضد صحيفة وول ستريت جورنال لز ...
- بريطانيا تنضم إلى أحدث حزمة عقوبات أوروبية ضد روسيا
- لماذا تهدد روسيا بحظر تطبيق واتساب؟
- القضاء البرازيلي يفرض قيودا مشددة على بولسونارو وواشنطن تهدد ...
- ترامب يقاضي قطب الإعلام روبرت مردوخ وصحيفة وول ستريت جورنال ...
- ما دلالات تحذيرات أنقرة لقوات قسد؟ وكيف تترجمها تركيا عمليا؟ ...
- هل نحتاج إلى مساحيق البروتين لبناء عضلات أقوى وجسم سليم؟
- ألمانيا ـ نسبة تلاميذ المدارس بخلفيات مهاجرة تثير زوبعة سياس ...
- إسرائيل وسوريا يتفقان على وقف إطلاق النار والاشتباكات مستمرة ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم حسن - الهوية العراقية والتبادل الاجتماعي