أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم حسن - حنانُ ألام : حاجة نفسيّة لما بعد الطفولة -المجتمع العربي إنموذجاً -















المزيد.....

حنانُ ألام : حاجة نفسيّة لما بعد الطفولة -المجتمع العربي إنموذجاً -


إبراهيم حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2911 - 2010 / 2 / 8 - 22:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعد الام، مصدر العطف والحب والحنان، و نقطة الإرتكاز التي تعتمد عليها ‏عملية التنشئة الاجتماعية السليمة لكل طفل في العالم. فمنذ ولادة الطفل، يبدأ بتبادل ‏الرسائل الاتصالية معها، عبر رموز غير لفظية " إشارات وحركات"، ليعبر بها عن ‏رضاه او تألمه او فرحه لخروجه الى عالم الحياة، بعدما كان محبوساً في بطنها ‏لتسعة اشهر قابلة للزيادة او النقصان .ان هذا الطفل الصغير ومنذ أولى لحظات ‏حياته - خروجه من بطن امه - بحاجة الى الحب والحنان، لذا فأننا دائماً ما نجد الام ‏تتعلق بطلفها منذ اولى لحظات حياته، إذ نجدها عارفة بحاجاتهِ ومتطلباتهِ بقدرةٍ من ‏الباري عز وجل. في المقابل نجد إن الامَ المُبتدئة والتي تضع أول طفل لها في حياتها ‏لا تعير اهمية لطفلها في الايام الاولى من حياتهِ، بسبب آلام الولادة. او لعلها لا تفهم ‏الطفل بعد. ولا تستوعب ايماءته وصرخاته . فتبدأ الامهات الخبيرات في هذا المجال ‏بتعليم الام بكيفية إحتواء الطفل الصغير، الإستجابة له.‏

هكذا تكون علاقة الطفل بأمهِ، علاقة تبادلية ضرورية، يحتاج كل منهما إلى ‏آلاخر، فالام بحاجةٍ إلى طفلها كي تقر عينها، كذلك هي بحاجة الى الإستمتاع معه، ‏كونه يمثل تعبها وجهدها لمدة تسعة اشعر جهيدة ومزعجة، والطفل بالمقابل أحوج ‏منها إلى حناِنها وإلى عطفِها وحبها. إنهُ بحاجة الى ان تبقى معه ليل نهار، فنجدهُ في ‏اغلب اوقاتهِ صارخاً باكياً، وتلك لعمري حكمة بالغة من الباري عز وجل، تجعل الام ‏قريبة من طفلها دائماً في الايام الاولى من ولادتهِ. كما ان الطفل الرضيع الصغير ‏يدرك الجو المحيط به.فقد اكتشفت دراسة ان الطفل منذ اول يوم في حياتهِ، يعرفُ ‏مدى العلاقة بين الام والاب، فأذا كانت علاقة سيئة تشوبها مشاكل مستمرة، فأنه ‏يحس بذلك ويتأثر مما ينعكس على حركاتهِ وافعالهِ واستجاباتهِ. فالطفل يعي ويدرك، ‏وهذا ما يجب ان نعرفه.‏

وما أن يبدأ الطفل بالنمو شيئا فشيئاً، عبر دورة الحياة (‏Life Cycle‏ ) التي ‏يقطعها، نجدهُ باقياً على تمسكهِ وتعلقهِ بالام. فما هو ذلك السر الكامن في حنان الام ‏وعطفها ؟ وهل بأستطاعة اي إمرأة منح هذا الحنان والعطف إلى طفلها ؟ وإلى اي ‏مدى ينقطع حنان الام عن ولدها ؟
ان سر الكامن في ذلك، هو إن الام هي المخلوق الوحيد الذي يحتضن الطفل ‏في اولى لحظات حياته، والام هي الإنسانة الوحيدة التي تستطيع ان تفهمَ طفلها وتلبي ‏احتياجاته، على وفق ما تفهم منه، من خلال ايماءاته وحركاته. كما انها المخلوق ‏الوحيد الذي يغذي الطفل بأفضل انواع الغذاء. ذلك هو الحليب (‏Milk‏).‏
ان بأستطاعة أي أم أن تمنحَ لطفلها الحب والحنان، بقدرةٍ من الباري، ذلك لانهُ ‏ثمرة جهدها وقرة عينها. اما الفترة التي تزود بها الام الحنان إلى ولدها فهي متباينة ‏من أم إلى أخرى. ولا يمكن الجزم بتحديد مدة زمنية، لكنني أميل الى الرأي القائل ‏بأن حنان الام وحبها لا ينقطعان حتى موتها او موت ولدها.‏

إن طبيعة المرأة – قبل كل شئ - التي جبلت منها هي العطف و رقة القلب ‏والاحساس والحنان، لكن كيف توظف المرأة هذه الخصائص لتلبية متطلبات طفلها ؟ ‏وهل سيحدث هذا تلقائياً دون شعور منها ؟ ‏

هنالك دراسات بينت ان الام بقدرةٍ من الباري تمنح طفلها الحب والحنان ‏بصورةٍ لا ارادية ولا شعورية. فقبلة الام او ملامستها لجسم طفلها او المسح على ‏رأسهِ، انما هو يمنح الحب والسعادة والحنان له، بل يجعلهُ مالكاً للدنيا. وهناك من ‏عارض هذا الرأي، إذ اعتقدوا أن بأمكان الام منح العطف والحنان إلى طفلها بأرادةٍ ‏منها. او بإمكانها عدم منح هذه المميزات لطفلها. ونحن لا يهمنا هذا الرأي او ذاك، ‏على الرغم من ميلي الى الرأي الاول. الذي يهمنا هو هل ان الحاجة النفسية إلى الام ‏تنتفي بعد عبور الوليد مرحلة الطفولة ؟ او مرحلة المراهقة ؟ وهل بأمكانهِ ان ‏يستغني عن عطف الام وحنانها ؟ وفي المقابل هل تستطيع الام بدورها ان تستغني ‏عن ولدها بعد تجاوزهِ شد الرشد ؟
قبل الشروع بالاجابة يجب أن نعرفَ أن لكل مجتمع عاداته وتقاليده وطريقه ‏عيشه " ثقافته"، وهذا يؤثر بشكل او بآخر على علاقة الام بطفلها. وهذا يقودنا ‏بالضرورة الى التمييز بين المجتمع العربي والمجتمع الاوروبي من حيث العلاقة ‏الثنائية بين الام وطفلها.‏
في المجتمع الاوروبي، بحكم عاداتهِ وتقاليدهِ واعرافهِ، فأن العلاقة بين الام ‏وطفلها هي ليست كما تبدو في الدول العربية – الاسلامية. ففي الدول الاوروبية لا ‏تستمر علاقة الام بطفلها إلى ما بعد مرحلة المراهقة. بل قد نفاجئ بأكثر من ذلك. ‏حيث يقتضي العرف في المجتمع الاوروبي بعزل الوليد عن امهِ، اي ابعاده عن ‏فراش الام. وهذا ما ينتج عنه نتائج سلبية، تنعكس على طرف العلاقة الاحوج – ‏الطفل. وهذا ما يؤدي إلى نقص في كمية الحب والحنان الذي تعطيه الام لطفلها. ‏إضافة إلى ان طفلها سيفقد ألامان، وهو من أهم مكونات الحنان. فيصبح في حالة ‏إرباك دائمة.‏
‏ ثم ان الام في المجتمع الاوروبي لا تعطي ذلك الاهتمام الكافي لطفلها. من ‏حيث الرعاية والمداعبة والتفكير بالمصير.ففي المجتمع الاوروبي نجد ان حالات ‏الطلاق تحدث اكثر مما تحدث في المجتمع الاسلامي، والذي عدّه الاخير ابغض ‏الحلال عند الله. فالطلاق ينتج عنه تشرد الاطفال وفقدانهم لاحد ابويهم، وتكون ‏المشكلة أكبر وأعقد حين يكون المفقود هو الام، وفي حالات اخرى يفقد الاطفال كلا ‏الوالدين. إن حالة الطلاق سواء ادت إلى فقدان الام او الاب او كليهما، فأنها ستؤثر ‏وبشكل مباشر على شخصية الاطفال ونفسيتهم. مما ينعكس على سلوكهم وتصرفاتهم ‏اثناء طفولتهم وما بعدها ايضا. ‏

في المجتمع الاسلامي – العربي، نجد العكس تماماً، فالاهتمام بالابناء ‏وبتربيتهم تربية سليمة وفق تعاليم اسلامية أولاً، ووفق الاعراف والتقاليد السائدة في ‏المجتمع ثانياً، يقتضي من الابوين، تمديد فترة التنشئة الاجتماعية "‏Socialization‏" ‏إلى زمن اطول مما هو عليه في المجتمع الاوروبي، ولا تقتصر التنشئة الاجتماعية ‏على تحريم ما حرّمه الاسلام وما حلله، بل تشمل كل الاعراف والتقاليد والعادات ‏التي يكتسبها الابوين في مجتمعها. وغرسها في شخصية طفلهما. ولعل المجتمع ‏الاسلامي من اكثر المجتمعات التي تبدي اهتماماً واسعاً وكبيراً في تربية الاطفال ‏والاهتمام بهم. ويحدث هذا لاسبابٍ عديدة منها :‏
‏1-‏ شدة الاعراف والتقاليد السائدة في المجتمع العربي ( مع التأكيد على ‏اصله البدوي) والذي يعتبر خرق هذه الاعراف جريمة يعاقب ‏المُخِالف عليها.‏
‏2-‏ تشديد الدين الاسلامي على تربية الاطفال تربية صحيحة سليمة. ‏اضافة الى تشديدهِ على احترام الوالدين ورد الجميل اليهما. كما ان ‏الدين الاسلامي عدّ التربية مسؤولية مهمة كبيرة يحالسب عليها ‏الوالدين.‏
‏3-‏ مكوث المرأة في البيت – لاعتباراتٍ واسبابٍ عديدة – جعلها على ‏استعداد كاف للقيام بمسؤولية التربية على اكمل وجه. حيث ان عدم ‏ارتباط المرأة بمسؤوليات كبيرة خارج المنزل وفر لها وقت طويل ‏وظروف مناسبة لاعداد اطفالها وفق ما أمر به الاسلام وما أمرت به ‏الاعراف" ‏Norms‏ " . ‏

إن الاسبابَ اعلاه مجتمعة ادت الى تقوية الوشائج التي تربط الام بطفلها، ‏وتجعل العلاقة بينهما علاقة ذات أمد طويل، وهذا ما عزز إحتياج الابن حتى ‏بعد بلوغهِ سن المراهقة إلى الام. وارتباطهِ الوثيق بها. اما في المجتمع ‏الاوروبي، فأن العلاقة بين الام والطفل لا تتعدى مسألة تعليم الطفل بعض ‏العادات وكيفية خلع وارتداء الملابس والتعريف بالاسماء والاقرباء واللالقاب ‏ثم منحه حرية التصرف بعد بلوغه سن الرشد.‏

من هذا المنطلق فأن عقدة اوديب ‏‎(Oedipus complex)‎، التي جاء بها عالم ‏التحليل النفسي سيجموند فرويد (1856- 1939)، على فرض صحتها، فأنها لا ‏يمكن ان تعُمم على جميع المُجتمعات اطلاقاً. كما فعل فرويد، بل يمكننا أن ‏نقولَ إن عقدة أوديب أقرب إلى الطفل الاوروبي منها الى الطفل العربي. ‏والحال نفسهُ بالنسبة إلى عقدة الكترا (‏Electra complex‏).‏

لذا يمكن القول ان الحاجة النفسية إلى الام مُستمرة مدى الحياة، ولا يمكن ‏للطرفين – الام – الابن - الاستغناء عنها في المجتمع العربي. اما في المجتمع ‏الاوروبي فأن انفصالهما ونكران الجميل من قبل الابن يحصل ببساطة.‏
ــــــــــــــ
* إبراهيم الســاعدي
باحث انثروبولوجي



#إبراهيم_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الفكر
- إسهامات الأستاذة مارجريت ميد في الإنثروبولوجيا النفسية
- سيمفونية الصمت
- أسطورة العراق الجديد
- من سيقذفُ أوُباما بحذاءهِ ؟
- ثرثرة رجلٌ يائس !
- التنمية البشرية.....مجرد وعود !!
- ما هي ألانثروبولوجيا ؟
- هلوسة الصباح
- الفهم الخاطئ للحرية.... هل سيؤدي بالعراقيين إلى الهلاك ؟
- في ظل غياب الوعي الثقافي... هل نشهد عدم توزان أفكارنا ؟
- دوّرُ الوعَيّ الفِكري فيّ إرشاد الفرَدِ العِراقي
- عطر الغايب لـ جمعة الحلفي.... معالم لحركة تجديد في الشعر الش ...


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم حسن - حنانُ ألام : حاجة نفسيّة لما بعد الطفولة -المجتمع العربي إنموذجاً -