أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - مابعد الدين والإلحاد















المزيد.....

مابعد الدين والإلحاد


حمودة إسماعيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4109 - 2013 / 5 / 31 - 21:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إنه لمجتمع مخيف في تخلفه، ذلك المجتمع الذي تصبح فيه خائفا من أن يتهمك غيرك بالإلحاد، أو تصبح فيه مخيفا لأنك قد تتهم غيرك بالإلحاد
¤ عبد الله القصيمي

إذا لم تكن مؤمنا فأنت ملحد، وإذا لم تكن ملحدا فأنت مؤمن. هذا ليس لغزا أو مثلا شعبيا ! بل واقع معاش، فبما أن الفكر الإنساني يقع بين القطبين أو لا يفهم الأمور إلا بالتضاد، بالسلب أو الإيجاب، الخير أو الشر، اليونغ أو الين، الصالح أو الطالح، الأنثى أو الذكر، السماء أو الأرض ... التضاد بين اليمين المطلق و اليسار المطلق. فما يغيب عن العقل الإنساني هنا هو التدرج أو المسافة الفاصلة، فكما توجد مسافة تربط بين السماء والأرض، فهي كذلك توجد بين الخير والشر. فلا يعقل أن يظل الإنسان شريرا بصفة مطلقة ودائمة أو خيرا بنفس الشكل، إنما نجد الإنسان يتذبذب بينهما حسب الظروف والمواقف، فالطيب قد يقوم بأمور سيئة وشريرة عند ضرورة أو لحظة غضب وماسواها، والمجرم قد يتعامل بعاطفة مدهشة مع ابناءه أو اصدقائه. لكن بحسب مفهوم القطبية يعمل العقل على تغليب الأمور التي يراها في الشخص بكثرة أو بصفة متكررة ليمنحه لقبا مطلقا.
من هنا نقول أنه لا يوجد مؤمن مطلق و ملحد مطلق، فالمؤمن قد تمر به لحظات من التشكك أو حتى رفض الدين هذا إن لم نقل أن كثيرا من الناس في أغلب المجتمعات العربية (المتدينة) أن أول ما يشتمون عند الغضب هو الرب، أوليس هذا إلحادا صريح ! بل يسبون الرب ورب الرب !!!! غير أن التصرفات الدينية الأخرى تغطي عن هذا الأمر. كذلك بالنسبة للملحد الذي يمر بلحظات ضعف أو حزن فيحن للعبادة والدين بل قد تجد من يردد عبارات دينية للشكر والحمد دون وعي منه أو القسم بالرب لإتباث شيء في لحظة انفعال، دون ذكر أن منهم من يتصرف بطيبة قد تفوق طيبة المتدينين، فالخير فعل إنساني لا دين له ! . دون أن نعني بهذا تفضيل قطب عن قطب (بحسب المفهوم المتداول).

بالعودة لتاريخ الالحاد، اعتبر نعت الملحد تهمة تشير لكل من ينكر أمرا من أمور الدين حتى لو لم ينفي وجود الخالق، كنفي اليونانيين ديموقريطس وأريسطوفان وأبيقور وأفلاطون وسقراط وأرسطو لآلهة اليونان، ونفي الهراطقة كأبيون ولوقيانوس وأريجانوس ومرقيون وآريوس وأبوليناروس لألوهية المسيح في صراعهم مع الأرثدوكسية حول الكريستولوجيا، ونفي الزنادقة كابن المقفع وابن الرواندي والرازي وابن النواس والمعري وابن سينا لنبوة محمد كمتلقي لنص إلهي. رغم أن جميع من وصموا بالاحاد خلال ذلك التاريخ، لم يكن أغلبهم ملحدين بالمفهوم الحديث للمصطلح نظرا لتمسكهم بفكرة الخالق المصمم أو المحرك الأول.
وإلى غاية القرن الثامن عشر وحرق الكتب على الملأ بأوروبا، اعتبر الالحاد تهمة تلقيها السلطة الدينية على كل متشكك في أمور الدين بغرض حماية السلطة السياسية، كما فعل البرلمان الانجليزي(نهاية القرن السابع عشر) بوضع قانون يحكم بالإعدام على كل من ينفي وجود الرب أو أي مادة يتضمنها الكتاب المقدس. فالاختلافات الدينية لم تكن تتجاوز الخلافات الفكرية المدونة كتابيا والرد عليها، إلا عندما تتدخل السلطة السياسية وتقوم بتحريض العامة على المخالفين وذلك بغرض تعزيز السلطة لموقفها بمعاقبة المشككين، وكثيرا ماكان العامة يتدخلون وينفذون العقاب بدلا منها ! . فانتشار افكار هؤلاء المخالفين قد تساعد على تحريك الركود الفكري للعامة ماقد يسبب زعزعة للاستقرار الاجتماعي، فحينما ينفك الجموع من الدين يعني انفكاكه من قبضة السلطة السياسية التي تحكم بسلطة الدين، وبتوضيح أكثر فحينما تنفي وجود الاه يحكم السماء فكيف سيبرر ممثله سبب حكمه في الأرض ؟ فنفيك لسلطة رب على الكون نفي لسلطة الحاكم باسمه وبشرائعه على المجتمع ! .
رغم أننا بيّنا أن أغلب الأفكار الالحادية لم تصل لنفي المحرك الكوني، فإن التساؤل حول طبيعة الدين ومكوناته قد تكون كافية لقلب كثير من مفاهيمه والانتقال للتساؤل حول السلطة السياسية التي تتغدى من هذا الدين، وهذا ماكان يدفع بالسلطة لوضع حد للأمر وإيقافه.

لم يظهر الالحاد بمفهومه الحديث إلا مع كتابات البارون دولباخ كتعبير صريح عن إعلان ذلك واعتناقه بفخر بل والدعوة اليه بعد أن كان تهمة يتملص منها المفكرون، لتأتي بعدها صرخة نيتشه بموت الله كتعبير عن قتل الإنسان بتصرفاته الدينية المشينة لمفهوم الله كمفهوم سامي، وكثيرا ما فُهمت هذه العبارة بحرفيتها بالنسبة لمن يحفظون أسماء الكُتّاب وعناوين كتبهم. فحينما يقول الشاعر أدونيس مثلا في قصيدة له : .. لم تعد تعرف أن الله والشاعر طفلان ينامان على خد الحجر. فهل هذا يعني أن الله طفل ؟! طبعا لا، لأنه على مستوى الخطاب الشعري والفلسفي يُأخد كمفهوم أو رمز وليس كذات، فأناقة التعبير تترفع عن التشويه أو الاستفزاز.
إعلان موت الله هنا شبيه بإعلان موت الإنسان عند فوكو أو البنيويين، يُراد به التعبير عن الانتقال من مرحلة إلى اخرى لتجديد الفكر الإنساني، كما عبر عن ذلك سارتر بقوله بأن الله قد مات لكن الإنسان مع ذلك لم يصبح ملحداً، إشارة لتجدد الفكر الإنساني بكل مكوناته سواء الالحادية والدينية منها، بما أن الدين يشكل ضرورة حياتية لدى الكثير من الناس ومطلب لممارسة التفكير وفهم الوجود.

وبالرجوع لما افتتحنا به الحديث هنا وهو : إذا لم تكن مؤمنا فأنت ملحد، وإذا لم تكن ملحدا فأنت مؤمن. مايعني أن انحيازك لقطب ما، يوازيه بث الكره نحو القطب الآخر. فانضمامك لجماعة المتدينين يحثم عليك كره الملاحدة، وانضمامك لهذه الجماعة كذلك يحثم عليك كره الدين والمتدينين. فيغيب الإنسان هنا وما يضل هو مفاهيم ومعتقدات، فلا تعود تحب الإنسان ككائن بل تحب أفكار ومعتقدات ومفاهيم، ولايقف الأمر عند هذا الحد بل يغيب حتى الاختيار الإنساني كشرط للتعبير عن الحرية وممارستها كخيار شخصي. فحينما يجد الشخص نفسه بين اختيار الدين أو الالحاد، فهذا ليس بممارسة حرية بل إلزام. والأمر هنا صار شبيها بالعروض الاستهلاكية، كعرض منتوجين تجاريين ومطالبتك بممارسة اختيار بينهما، والغاء أو اخفاء عملية الاختيار الحقيقية وهي حقك كذلك في عدم الاقتناء أصلا ! . وقد ظهر مذهب ممثل لهذه الوضعية وهو ما عُرف باللاأدرية كطريقة مرنة للخروج من جدلية الدين والإلحاد أو كحل ذكي للتنصل من الانحياز. رغم أن ممثليها اعتبروا من الملاحدة كهكسلي و ساغان، فلا فرق طالما أن القطبية لاتعرف الوسط أو درجات الاختلاف. إما معنا أو ضدنا ؟! إما أن تطارد معنا الملحدين أو تدمر معنا الكنائس كما فعلت السوفييت لدى تأسيس دولة ملحدة نظريا وسياسيا، والأهم من هذه المغامرات السخيفة هو الخبز والحاجة الجنسية. فالجائع والمحروم جنسيا لا يهتمان إن كانت البوذية تحتوي على رب أو أن أليس في بلاد العجائب قصة حقيقة، فهذه الأشياء لاتختلف بالنسبة لهما عن الصراعات الفكرية والدينية كذلك ! لأنها من الكماليات وليس من الضروريات.

حاليا يصعب كشف معتقد الإنسان حتى لو تجسست عليه. إن لم يصرح لك بذلك أو إن لم ترى ممارساته للطقوس الدينية، رغم أن هذه الأخيرة أصبحت من الشكليات تميل للتقاليد أكثر منها للممارسة الروحية. فكثيرون يقومون بها فقط بحكم العادة والنشاطات المتوارثة، دون اهتمام بالرسائل والأفكار المتضمنة لها. لنقول أن الإنسان أصبح ملتبسا غير ظاهر أو "ملحتديّن" ! فالالحاد ظل منذ القدم تعبيرا عن رد فعل أكثر منه موقف متخد أو رغبة، فيصعب جدا أن تكشف شخصا ملحدا، مالم يكشف عن نفسه بسبّ الدين والاعلان الصريح عن آراءه. وكذلك المتدين بحكم كثرة الأديان، لايمكن تحديد معتقده إلم يكشفه هو بدفاعه عن دينه واعلانه عن كرهه للمعتقدات المختلفة، لأن ما يجمع البشر هي المصالح والحاجات الضرورية. فحينما يمرض الإنسان لا يسأل عن معتقد الطبيب بل عن خبرته ! وحينما يبحث عن وظيفة فما يهمة هو حجم المرتب وليس معتقد صاحب العمل ! وعند اقتنائه لمنتج الكتروني يختار الأجود دون النظر لإلحاد مخترعه ! والأمثلة كثيرة ... فلا الدين ولا إنكاره أصبح بالشيء المهم بعد الآن، كما يقول جوناثان ميللر.

لدى فإن خلافات البشر حول المفاهيم الدينية والمعتقدات لاتُفسَّر إلا كتعبير عن فراغ وقتي وأعراض عن مشاكل نفسية وايجاد طرق لتفريغ العنف والإحباط، فترك الأولويات كتوفير العيش الكريم والبحث عن حلول للبطالة والفقر والأمراض والمشاكل الاجتماعية، والاهتمام بالسجالات البزنطية التي لاتفيد. أكبر دليل عن تفاهة التفكير الإنساني وطفولته العقلية.
زيادة عن ؤلائك الدين يحاولون هداية الملحدين للدين، أو من يعملون على تحرير المتدينين من معتقداتهم. فكلاهما لايختلف عن ذلك الذي يقوم بسقي الرمال ! . فحتى المريض لايمكن مساعدته إلا برغبة منه، وليس رغما عن أنفه. تكذب الأديان عندما تدّعي أنها دعوة للتسامح، ويتوهم الإلحاد لدى تشدقه بإنه ينشد تحرر الشخص. طالما أن كلاهما لايحترمان إرادة الإنسان واختياراته، بل يكرهونه انطلاقا من ذلك ! . فهمها يكن، يظل الشخص إنسانا منتميا للإنسانية. أما عن العنف فهذا ليس مقتسرا على الدين، بل من طبيعة الإنسان الحيوانية ! التي قد تتلبس أي نوع من الأفكار والمعتقدات.



#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الألم النفسي .. الألم الغامض
- علاقة الجنس والاقتصاد
- أصول الفوبيا
- سيكولوجية الفضيحة ودوافع الفاضحين
- عقدة المهاجر
- استعراض السادية
- صراع الوجه مع البثور
- الطفل والعلاقات الغير شرعية
- تشريح الكراهية
- الحسد اللاشعوري
- التطرف كمرض نفسي
- التعري.. احتجاج أم دعوة جنسية ؟
- كشف حيلة المستغل
- الجنون الجماعي الحديث
- الحيض بين الطب والدين
- لما النساء تكره العاهرات ؟
- سيكولوجية الحب : الذل كشرط
- عقدة لوقيوس والنرجسية
- عقدة لوقيوس أو اللوقيوسية
- تحليل نفسي للصوص المقالات والنصوص


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - مابعد الدين والإلحاد