أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - سيكولوجية الفضيحة ودوافع الفاضحين















المزيد.....

سيكولوجية الفضيحة ودوافع الفاضحين


حمودة إسماعيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4090 - 2013 / 5 / 12 - 18:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لولا فضيحتك أنت شخصيا لكانت حياة جارك مملة.. فأنت متعته التي لاتنتهي
¤ أنيس منصور

الفضح هو الكشف والتعرية، وعندما نقول فضيحة نعني بذلك ان هناك من انكشف لأعين الآخرين في موقف مخجل أو مرفوض أخلاقيا. وللتوضيح فالفضيحة هي عملية القيام بكشف وتعرية الآخر من قبل المجتمع(أو فرد) للمجتمع نفسه. فإذا قام شخص بفضح نفسه كإظهاره لإجزاء حميمية من جسده أو تصريحه بأنه كان يقوم بسلوكات مخلة تُمثل كسرا لطابوهات مجتمعية، فالفضيحة هنا تندرج أو تميل للاعتراف ! فهي ليست بحجم وقوة الفضيحة التي يقوم الآخرون بإظهارها ويكشفون ماحاول المعني أن يخفيه. لأن الأخيرة تحقق متعة اختراق عالم الآخر والقدرة على تعريته والتلذذ برؤية خجلا وخاضعا ومنكسرا، لدى ف"معظم الناس يجدون متعة في الفضائح !"(1).

بحكم سيطرة المجتمع على سلوك الفرد وتوجيهه لضمان راحة وأمن الجميع، يتم الاتفاق على عدم ممارسة بعض السلوكات وكذلك عدم التطرق لبعض المواضيع إلا وفق ظروف وطقوس معينة تحددها سلطة هذا المجتمع، وذلك بغرض استمرار نظامه السياسي والاقتصادي وتوازن العلاقات الاجتماعية بين أفراده. غير أن هذا النظام قد لايُوائم نمط عيش بعض الأفراد، بحكم التغّير المستمر لواقعه الاقتصادي والانفتاح الخارجي لأفراده(أو بعضهم) على أفكار مجتمعات أخرى تمُسّهم ثقافيا كما اقتصاديا. وهنا قد يجد البعض في تلك الأفكار(أو حتى أفكار مجتمعه المُحرّمة !) وسيلة لتحقيق تأقلم مع الواقع المُتغير والتخلص من الشعور بالاغتراب والعجز، فبخرقه للطقوس والتقاليد المُكبلة لحريته.. وباعتبار أن هذه الأفكار المغايرة دخيلة وغير مُتقبّلة، بل مُهدِّدة لهدم وخلخلة النظام السائد، والمعني قد يجد في اعتناقها وتقبُّلها مِنحة تُحقق توازنه النفسي. فإن الإشكال الذي سيقع هو الرفض المجتمعي الذي سيتعرض له لدى انخراطه في سلوكه المذكور أو ترجمته لتلك الأفكار على مستوى الواقع، إن لم نقل أن عقوبة قانونية قد تطاله إثر ذلك.

هنا يجد المعني نفسه في حالتين، إما أن يختار الشروع في قراره مع تحمل كافة تبعاته. أو يتغاضى عنها حتى لا يُرفَض اجتماعيا مع وقوعه تحت وطئة الصراع النفسي. لدى قد يظهر له حل مناسب لهذه المشكلة، وهي أن يظل خاضعا للنظام المجتمعي في الظاهر، لكن مع القيام بممارساته الممنوعة في الخفاء. فيحافظ على صورته الاجتماعية التي يريد، ويتعايش في الخفاء مع الواقع المرغوب، هذا الأخير الذي يتطلب جهدا لطمسه حتى لا يكشفه الآخرون وتحل كارثة الفضح "الفضيحة".
وهذا لا يعني أن جميع أفراد هذه النوعية يأخدون بهذا الحل، لأن منهم من يحرص على سمعته أكثر من اللازم لدى يرفض أن يضع نفسه في موقف مُهدد بأن يفقد فيه مكانته واحترامه في اعين الآخرين، فأعين الآخرين سجوننا وأفكارهم زنازيننا بتعبير فرجينيا وولف. لدى تتعايش هذه الفئة مع صراع رغباتها المحرمة بأمل أن يتم الحل عن طريق نظام المجتمع المقبول والمبارك اجتماعيا. لكن الأمر لايتوقف عند هذا الحد، فالمجموعة الأخيرة بحكم أنها تساير وضعا مُؤلما والمجموعة الأخرى تُحقق سعادة نسبية كما ترى أو تشعر بذلك المجموعة الأولى، فإن هذه الأخيرة تعمل على معاقبة أفراد المجموعة الثانية وذلك بتحيُّن الفرص لفضح سلوكاتهم المرفوضة من قبل المجتمع المحتضن لكلتيهما. إما بدافع الحسد اللاشعوري، أو انتقاما من رفض المجموعة الثانية للواقع المَفروض بترك الآخرين لوحدهم يعانون، وإثر فضحهم تُرد لهم الضربة. لذلك نجد أن "الناس تسعدهم الفضيحة، فهي فرصة للشماتة بالآخرين !"(2).

وغالبا مانجد مثل هؤلاء خلف الفضائح، يترصدون بالأخرين حتى يكشفوهم (كبعض الصحفيين !). وهذا الأمر تعتمده كذلك المخابرات لكن بتقنية أفضل وذلك "للإيقاع بضحاياها وإخراس ألسنتهم.. وضمان تعاونهم المريح، وذلك عن طريق تصويرهم في أوضاع مخلة بالآداب"(3)، بل في بعض الأحيان تعمل الأجهزة الاستخباراتية على نصب كمين لمستهدفين حتى يوقِعوهم في الفخ، لتتم مواجهتهم بعد ذلك بفضيحتهم "بالصوت والصورة. فيعرضونهم بعد ذلك، إلى أنواع المساومات والابتزازات التي يقبلون بها مرغمين بدافع الخوف من الفضيحة، وأسوأ هذه المساومات أن يقبل المعني بالتعاون مع الأجهزة في التخابر.. دون مقابل (إنما) بالتستر على فضائحه"(4).
ومنه نقول أن أغلب الفضائح تتعلق بالجنس بقدر ما تتعلق بالاحتيال السياسي والإداري كالتزوير والرشوة وما إلى ذلك، أو بالمخدرات والإدمان. فهذه الفضائح لاتجذب اهتمام الرأي العام بقدر ماتجذبه الفضائح الجنسية، فلا يبدي اهتماما بها إلا أعداء وحسدة من وقع في الفضيحة، ويمكن ألا تعتبر كذلك بالنسبة إن حصلت لمواطن عادي فالفضح في مثل هذه الأمور يتعلق أكثر بالشخصيات البارزة والمعروفة. عكس الفضيحة الجنسية التي تهم الأغلبية بل حتى الجنس المشروع(القانوني) يعتبر فضيحة، ان عاينه شهود في مكان ما بالصدفة أو تم تصويره وإيذاعه ! .

الفضيحة المتعلقة بالجنس والانحلال تلعب دورا مشابه لدور النكتة التي تتناول نفس الموضوع، فهذه الأخيرة من وجهة نظر التحليل النفسي، تلامس لاشعور المعنيين ليجدوا فيها بعضا من التخفيف أو التفريغ للجنس المكبوت. وكذلك فتهافت الجماهير على الفضائح الجنسية يكشف عن كبت جنسي كدافع، فالمقاطع والصور الكاشفة للفضيحة تعتبر مواد اباحية، يجد المشاهد فيها فرصة وتبريرا للتفرج على اللقطات طالما أنه مسموح بمشاهدتها ومعاينتها من قبل المواطنين، لأنهم من سيحكمون أخلاقيا على أبطال تلك المشاهد. ونفس الأمر يتعلق بالمقالات والأخبار التفصيلية التي تتناول هذه الفضائح بالجريدة، بل هناك من يقتطع الصور من جريدة المقهى ويأخدها معه لبيته، كما يفعل بأي صورة مثيرة يجدها في باقي الجرائد ! .

هناك من يديرون صفحات ترفيهية بالموقع الاجتماعي، يقوم الواحد منهم بنشر صور وفضائح الناس، موهِما نفسه بأنه هـاكرز. هذا الأخير "أيها السنافر" ! لا يضيّع وقته في مطاردة فتاة ترقص في حانة أو شاب يحاول سرقة قبلة في زقاق مظلم ليلتقط لهم صورا وينشرها بصفحته. مـا هذا ؟!! . إنما مثل هذه شخصيات تكشف عن تفاهتها وفراغها الوقتي الأكبر من حجم الكون، فالصور تُنشر طوال اليوم زيادة عن توقيعها بعلامة الصفحة مايعني أنه لا يقوم من أمام اللابتوب إلا لدورة المياه وقضاء الحاجة، أو ربما يقضيها هناك !!.
مثل هذه النوعية تعاني من خجل ونقص عاطفي، لدى تحاول أن تنتقم من الآخرين بوضعهم في موقف مُحرِج، حتى يشعروا هم كذلك بالخجل. وهذه الشخصيات التافهة تجد تعويضا في العالم الافتراضي الذي يسمح للمُعقّدين نفسيا واجتماعيا باظهار الشخصيات التي يتمنوّن أن يمتلكوها بالواقع، لأنهم لايمتلكون أي تأثير فيه، فهم كالأشباح لاتحس بوجودهم ان مروا من حولك بمشياتهم المنكسرة ونظراتهم المنحنية. فالفاضح الخجول هنا يجد متعة في تشويه الآخرين وتحسيسهم بالخزي، ويشعر بالفخر عندما يلمس تأثيره على الجمهور المكبوت الذي ينضم لصفحته، ليبدأ بعضهم بإرسالهم له صورا لمعارفهم بغرض الشماتة. وهذا هو أكثر مايريده لأن المفضوحين سيتوسلونه بغرض مسحها، فيحس هذا السنفور بأهميته وقوته. فسُحقاً للسنافر !!.

فكما أن العيب ليس على من ينشر الإشاعة، إنما العيب على من يصدقونها. وكما أن العيب ليس على من يطلق فتوى إنما العيب على من يطبّقونها. فإن العيب ليس على من يكشفون الفضائح بل العيب على من يتهافتون عليها. فلا أحد يلقي بالمسؤولية على الجموع، لأنه ضمنها ولأنه القاضي والمُحاكِم الأخلاقي. أما الفضيحة الحقيقية هنا فهي انشغال الناس بكشف اخطاء بعضهم البعض، بدل العمل على تحسين جودة حياة بعضهم البعض. ليساهموا بذلك في دفع مجتمعاتهم للتقدم نحو الخلف !!. فلا الإشاعة ولا الفتوى ولا الفضيحة، كانت لها أهمية لولا سفاهة الجموع ! .

ان الإنسان الشريف هو الذي لا يعيش حياة مزدوجة، واحدة في العلانية وأخرى في الخفاء كما تقول نوال السعداوي إنما الصادق مع نفسه، فلا يهمه بعدها بأن يتم فضحه فليس لديه ما يخفيه حتى يُكشف أو انه لايهتم أصلا. هناك من يتساءل كيف ؟ أو يقول أن الأمر صعب ! يرُدّ برنارد شو كما قال بلسان أحد أبطال مسرحيته الإنسان والسوبرمان : "حيث توجد الرغبة تتيسر الوسيلة". فحينما سترغب في عيش نمط الحياة التي تريد، فإنك ستفرضه. أما نمط الحياة المحدد والمفروض على الإنسان كنمط حياة الأسماك، فهذا هو الاستبداد !.
لكن يظل "أهم شيء تفعله في حياتك هو ألا تتدخل في حياة شخص آخر" على حد قول مغني الروك فرانك زابا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :

1 - 2 : أنيس منصور - كيمياء الفضيحة، دار الشروق ط1 1994م ـ ص66
3 : الجنس سلاح للمخابرات : ملف بمجلة الصباح الأسبوعية, العدد 29 - اكتوبر 2010م ـ ص38
4 : المصدر السابق ـ ص40






#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقدة المهاجر
- استعراض السادية
- صراع الوجه مع البثور
- الطفل والعلاقات الغير شرعية
- تشريح الكراهية
- الحسد اللاشعوري
- التطرف كمرض نفسي
- التعري.. احتجاج أم دعوة جنسية ؟
- كشف حيلة المستغل
- الجنون الجماعي الحديث
- الحيض بين الطب والدين
- لما النساء تكره العاهرات ؟
- سيكولوجية الحب : الذل كشرط
- عقدة لوقيوس والنرجسية
- عقدة لوقيوس أو اللوقيوسية
- تحليل نفسي للصوص المقالات والنصوص
- سيكولوجية الخيانة : تحليل لدور الضحية
- سيكولوجية تدمير المرأة
- الكوتش أو المُخدر اللغوي العصبي
- سر العين الثالثة


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - سيكولوجية الفضيحة ودوافع الفاضحين