هذا هو مكان المسجد الأقصى المذكور في سورة الإسراء(ج5)

نبيل هلال هلال

الحوار المتمدن-العدد: 4106 - 2013 / 5 / 28 - 17:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

المقال الخامس:
نحن في هذا المقام نقتفي أثر خفي الحقائق في صبر وأناة كمن يلتمس كنزه في ظلام حالك , فليصبر القارئ العزيز ولا يعجل . يقول الله تعالى: "وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى "البقرة 125, وجاء في التفاسير( انظر التفسير الميسر وتفسير الجلالين) أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي وقف عليه عند بنائه الكعبة . لكن يحق لسائل أن يسأل :كيف يمكن اتخاذ حجر مصلى؟ أليس الأصوب أن المقام هو "المنطقة أو المكان "الذي "أقام" فيه -أو عنده- إبراهيم أول نزوله عند بلوطات مَمْرة المعروفة الآن باسم نمِرة والذي فيها مسجد نمرة المعروف حيث أقام مع سارة زوجته , والممتدة إلى حيث جوار بيت الله قبل رفع قواعده لما أسكن جاريته هاجر وابنه إسماعيل بجواره حيث تفجرت عين زمزم ! وهذه المسافة بين الكعبة ونمرة حوالي 22كم وتقع في المنطقة التي يصفها الله بالمباركة, "فمقام" اسم لمكان ولا يصح أن يكون مجرد موضع حجر, فهو مكان يمكن الصلاة فيه كما سنبين لاحقا . والآية الكريمة :"وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى" تُقرأ على وجهين ,أحدهما بكسر خاء الفعل "اتخِذوا" , فعل أمر, والوجه الآخر بفتح الخاء "اتخَذوا" , فعل ماض , فهو إخبار باتخاذهم المقام مصلى, أي بمعنى :سبق لهم اتخاذ مقام إبراهيم مصلى . وفي حالة اعتبار المقام هو الحجَر , نستبعد الأمر بالصلاة عنده( بكسر الخاء ) لأن الصلاة تقام فعلا في كل مكان حول الكعبة بما فيها مكان الحجر. وكيف يأمر الله في قرآن يتلى أن يصلى الناس باتجاه حجر عليه أثر قدمين ,حتى وإن كانا قدمي نبي ! لذا نرجح اتخَذوا (بفتح الخاء) أي إخبار بأنه قد سبق اتخاذ المقام الذي أقام فيه إبراهيم مصلى ومسجد , وهو المسجد الذي يقع( أقصى ) وادي مكة , وهو المكان الذي جرت فيه آيات بينات , فهو إذن ( المسجد الأقصى ) . وبالرجوع إلى المعاجم يتأكد المعنى الذي ذهبنا إليه ,فنجد أن كلمة "مَقام" بفتح الميم الأولى تعني فعلا موضع القدمين, إلا أن كلمة "المقام" بضم الميم تعني الموضع الذي تقيم فيه , وقد يكون كل واحدة من الكلمتين بمعنى الإقامة أو موضع القيام ( المرجع : ابن منظور – لسان العرب – الجزء الخامس – دار المعارف ) . لذا نرى أنه لو قرأنا الآية الكريمة " :"واتخِذوا من مقام إبراهيم مصلى" البقرة 125 في ضوء ما سلف , نفهم منها طلب اتخاذ المكان الذي أقام فيه إبراهيم مصلى ,أو إذا أخذنا (باتخَذوا) بالإخبار بأنه قد سبق اتخاذه مصلى ,يكون قد تأكد لدينا أن مقام إبراهيم مسجد ومصلى, علما بأن مقام إبراهيم يقع في أقصى وادي مكة . وفي الآية الكريمة: "من دخله كان آمنا" أي من دخل مقام إبراهيم كان آمنا, الأمر الذي يؤكد أن يكون المقصود مكانا وليس مجرد حجر عليه أثر قدم . استمع إلى الله تعالى إذ يقول :"إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ , فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" آل عمران 96- 97 . والوصف بأنه (أول بيت وُضع للناس) لأنه بيت غير مقصور على المسلمين , (وُضع للناس) لكل الناس مؤمنهم ومشركهم (جنس الناس كله أي الإنسان),فلو كان المقصود الكعبة لما قيل وُضع للناس , فالكعبة لا يؤمها غير المسلمين ,ولم يذكر النص أن هذا البيت للعبادة. وأول بيت وُضع للناس هو أول مكان استوطنه الإنسان كمقر ومقام , والأصل في كلمة (بيت) هو البيت من الشَّعر ,وهو ما فوق الخباء (بيت صغير من الصوف أو الشعر) ودون المظلة , وهو أول بيت تم بناؤه على الأرض لإيواء آدم وحواء , (وُضع) فالفعل مبني للمجهول , ولو كان المقصودُ الكعبةَ لذُكر أن بانيها هو إبراهيم وولده إسماعيل. وهذا البيت قريب من عرفات , (و وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) فهو مكان آمن لأن من دخل عرفات فهو آمن (حاج) إذ يُحظر على الحجاج حتى إيذاء الحشرات . "وهو هدى للعالمين" إذ يتوجه الناس نحو مكة في صلواتهم , وأثناء إقامة إبراهيم فيه (مقام إبراهيم) كانت فيه آيات بينات. واختيار الألفاظ يوحي بظلال البدائية المناسبة لقصد أن يكون ذلك هو مكان إقامة آدم وحواء ولا سيما أنه يُكنَّى عن المرأة وعيال الرجل بالبيت ( المرجع : لسان العرب – ابن منظور– دار المعارف – الجزء الأول – ص 392-339 ). ويقول القرآن الكريم إن إبراهيم وإسماعيل رفعا القواعد , فذكر تحديدا أنهما بنياها, أي بنيا الأساس. وأول بيت وُضع للناس غير الكعبة ,فمن كان يحج إلى الكعبة هم من كانوا على دين إبراهيم وليس (كل الناس) . "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ{96} فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ{97}آل عمران : وإذا كان المقصود بمقام إبراهيم أنه الحجر الذي وقف فوقه إبراهيم أثناء رفع قواعد الكعبة وانطبع أثر قدميه عليه, فلا يكون ثمة معنى بأن فيه آيات بينات . فحتى لو اعتبرنا طبع أثر القدم في الحجر معجزة ,فهي معجزة - بينة- واحدة, لكن الآية تقول "آيات بينات" بالجمع لا الإفراد , وبذا لا يستقيم القصد إلا على مُقام بمعنى مكان الإقامة الذي حدثت فيه "آيات بينات", فأين هذا المكان , وما هي الآيات البينات المشار إليها في الآية الكريمة ؟ مانراه هو أن أول بيت نزل فيه آدم كان ببكة – أي مكة قبل عصر إسماعيل كما أسلفنا في موضع سابق من الكتاب – وهو في المنطقة التي أقام فيها إبراهيم وسارة , وهي عند بلوطات ممْرة (نمِرة) في وادي عرفة ,وهي المنطقة التي حدثت فيها مجموعة من المعجزات (الآيات البينات): ففيها كان مولد إسحاق بعد أن بلغ أبوه من العمر عتيا , وفيها كانت زيارة الملائكة لإبراهيم قبل تدمير قرية لوط ,وفيها تم افتداء إسماعيل بكبش ,...تلك" آيات بينات "حدثت في مُقام إبراهيم , وهي تغني عن الظن بأن الآية البينة هي في أثر قدم على حجر ,ولا سيما أن مثل هذه المعجزة زعمها الزاعمون لغير نبي وقديس. النتهى المقال الخامس ويتبعه السادس بإذن الله - بتصرف من كتابنا ......بين القرآن والتراث-نبيل هلال هلال البنا

#نبيل_هلال_هلال (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل