أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدة عفيف - عَايْشة














المزيد.....

عَايْشة


سعيدة عفيف

الحوار المتمدن-العدد: 4096 - 2013 / 5 / 18 - 10:28
المحور: الادب والفن
    


.. وضعت قُلّتَي الماء الكبيرتين بعدما ملأتهما في عدلي الخُرْج، لم تبق قطرة ماء بالبيت وأمي تنتظر، والطريق ملتوية وبعيدة. كنت أود أن أبقى قليلا للراحة هنا، أنعم بهذا السكون المجاني. لكن الوقت يدهمني. ولم يتبق متسع من الوقت لأقصد الحانوت، فقد بقيت أشغال خشبية من أمس تنتظرني لأنعمها بمزيد من الحكّ وأذهنها كما أوصاني الْمْعَلَّمْ.. امتطيت حماري. بعد أن ارتوى جيدا من الساقية المحاذية لمنبع الماء العذب، حرك أذنيه عاليا، وأصدر شخيرا، لم يكن نهيقا بمعنى الكلمة. لعله لا يرغب مثلي في الرجوع بسرعة. ربتُّ على عنقه، ففهم أني أرجوه أن يتحرك ومضينا..
- ادِّينِي مْعاكْ فِينْ مَّا مْشِيتِي آلْحْبيبْ ادِّينِي مْعاكْ..
يحرك حماري أذنيه ثانية فتنتظم خطاه، لا بد أن هذا الحمار شديد الذكاء، يسمع دندناتي فيمشي على خط مستقيم لا يزيغ. أمسح ظهره برفق ومساحة من عنقه مشجعا:
- لا تهتم يا صاح، ما دمت تستجيب كعاقل سوف أعتني بك أكثر، أعدك.. لا تبالي بأولئك الذين أوسعوك صفات قدحية ربما هم يعانون اكثر منها لا أنت.. لا تكترث، فأنت لم تَحْرَنْ ولم تغضب يوما لأنني أعاملك جيدا.. ثم أنت تعبر عن رأيك دائما، ولم أذكر يوما أني فرضت عليك شيئا أو أكرهتك على ما لا تستطيع له حولا ولا قوة.. انظر، أحمِرة كثيرة أصبحت تعبر عن رأيها وتحتل المراكز القيادية.. من يدري، قد تقود بدورك قطيعا أو تتبوأ منصبا عاليا في يوم من الأيام؛ لست الحمار الذهبي طبعا لكنك حماري المميز..
يحرك أذنيه ثانية، فهو يفهم قصدي جيدا، ثم أمسح مرة أخرى بيدي على عنقه المستجيب أيضا، و نتقدم بحزم في الطريق..
وضعت الْقُلَّتَيْن بمكانهما المظلل تحت السقيفة بمدخل الدار. دعتني أمي لأكل شيء قبل الذهاب إلى الحانوت، أعطيت للحمار تبنا بالقدر الذي يسد به رمقه هو الآخر.. وخرجت.
في طريقي، لفت انتباهي تجمهر عدد من نسوة الدوار حول المَقَدَّم الذي كان يتكلم ملوحا بيده يمنة ويسرة، بينما النسوة يستمررن في لغطهن.. اقتربت أكثر. لابد أن الأمر له علاقة باستعراض ما أو بحفلة وطنية تنظمها السلطة المحلية بالمنطقة.. وعون السلطة يقوم بإعلام الجميع، وباستنفارهم للاستعداد.. للامتثال.. للحضور.. وبتهديدهم أيضا بعدم تسليمهم أوراقهم عند الحاجة، إن اضطر إلى ذلك..
انصرف المَقَدَّم. تَزمُّ عايْشة شفتيها غيظا، وتَصْرِفُ من عينيها شررا على قفاه، ودت لو تَحوَّل مقصلة تفصل رأسه عن جسده..
- اتْفُووو عْلىَ كَمَّارَا.. لَحَّاسِينْ الْكَابا.... الله يخليك دِيمَا هَاكّاكْ...
تلكزها إحداهن وتضع أصبعا على فمها مشيرة إليها بأن تخفض صوتها، فالمقدم ما يزال غير بعيد عن تجمعهن.. لكن هذه الحركة زادت من غضب عايْشة:
- لم يعد يهمني شئ.. تَمّارة والجّوع ها حْنا عايْشينْ فيهُم، راح العمر ولم يبق شيء أخاف عليه.. أربع وعشرون سنة خلت من الغناء والرقص في الطرقات خلف سياج الاستعراضات، بالأوتوبيسات، بحفلات الأعياد الوطنية وغيرها.. لبَّيتُ النداء دائما على حساب نفسي وأسرتي، ..عايْشة آجِي تْغَنِّي وْتْشَطْحِي.. عايْشة سيري تْغَنِّي وْ تْشَطْحِي.. وِيلا بْغِيتْ غِيرْ شِي شَهادة دْيالْ الضّعْفْ (الإحتياج) كَتَطْلَعْ لِيَا روحِي مْعَ هاذْ الْحَيَوانْ... وماذا جنيت من كل ذلك بعد أن هرمت، وماذا سيقع لي أكثر مما وقع.. وبماذا أعيل ذاك الهرم مثلي الذي لم يعد يقْوَ على الخطو أبعد من باب البيت.. حتى أنني لم أستطع أن أوفر له كرسيا متحركا.. وكل قايْد لا يفكر إلا في تركي إرثا للآخر الذي يليه.. وكأنني لا أشكو علة أو لم يَبْدُ من أحوالي ما يمكن إثارة انتباههم.. لم يعترفوا يوما ولو بشيء من الخدمات التي قدمتها طوال السنين الماضية.. لا يتذكرونني إلا عند الحاجة.. تعبت من كل ذلك... وُهَاذْ الْبَرْكَاكْ رَاهْ عَاقْلَة عْلَى النّْهَارْ اللِّي تْزَادَتْ فِيهْ امُّو وْبَّاهْ وُ مَا عَنْدوشْ الَوْجَهْ عْلاَشْ يَحْشَمْ ...
تصغي النسوة إليها وهي تشكو همها وهمهن المشترك.. فكُلُّهُنَّ عايْشة..
يصل الأوتوبيس، تتقدم الزعيمة عايْشة، حاملة عروستها القصبية الموَشَّحة بــــ "تَكْشِيطَتِهَا" البالية إلا من خيوط ذهبية تتحدى الزمن الذي عفا عنها، لتحافظ على لمعانها الكذاب من بعيد.. تضع رجلها على درج الأوتوببيس. تصعد، وتتبعها باقي النسوة ملوحات بعرائسهن، حاملات أكياسا بلاستيكية وقنينات الماء وما يتقين به اشتداد الجوع طيلة اليوم.. فيما يعلو صوتهن بإحدى الأهازيج الشعبية:

- ... وَ رَاهْ ادِّيتُو وْ رَاهْ ادِّيتُو يَا لاَلَّةَ عْلىَ زيِنُو رَاهْ ادِّيتُو..أَهَااااااهْ..

بعد لحظات قليلة، تبتعد الحافلة المتمايلة من فرط تكدس الراكبين، فأكمل خطواتي المتبقية إلى الحانوت..

سعيدة عفيف
مراكش في 03/5/2012



#سعيدة_عفيف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبجديّة
- قَبَسٌ مِن نارْ
- لقاءٌ أخيرْ
- في انتظارِ حَبّْ الرّْشادْ
- شَطَحاتْ
- على المرقصْ
- حوارٌ سُفْلِيّ
- في عيد الحبّ
- رِهانْ
- رَيْثَما...


المزيد.....




- مصر.. وضع الفنان محمد صبحي وإصدار السيسي توجيها مباشرا عن صح ...
- مصر: أهرامات الجيزة تحتضن نسخة عملاقة من عمل تجهيزي ضخم للفن ...
- حضور فلسطيني قوي في النسخة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائي ...
- للمرة الثانية خلال شهور.. تعرض الفنان محمد صبحي لأزمة صحية
- -كان فظيعًا-.. سيسي سبيسك تتذكر كواليس مشهد -أسطوري- في فيلم ...
- اشتهر بدوره في -محارب الظل-.. وفاة الممثل الياباني تاتسويا ن ...
- عرف النجومية متأخرا وشارك في أعمال عالمية.. وفاة الممثل الإي ...
- السيسي يوجّه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي
- الفنان المصري إسماعيل الليثي يرحل بعد عام على وفاة ابنه
- الشاهنامة.. ملحمة الفردوسي التي ما زالت تلهم الأفغان


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدة عفيف - عَايْشة