الكلمة من أعماقك شعاع شمس

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

الحوار المتمدن-العدد: 4076 - 2013 / 4 / 28 - 09:38
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    

مجموعة من طالبات وطلبة السنة النهائية بكلية الإعلام، سألونى:

هل أنت متفائلة؟ ماذا تتخيلين لو الحكومة أصدرت قراراً بمصادرة كتبك المنشورة التى تعتبرها بعض التيارات الدينية خارجة عن المعلوم من الدين، وأن المؤلفة تستحق النفى أو السجن أو القتل كما قال أحدهم فى الفضائيات؟

هؤلاء الشابات والشباب، أغلبهم يشعرون بالتشاؤم واليأس، هم فى ربيع العمر، لكن وجوههم شاحبة حزينة، بعضهم يعانى الاكتئاب والأرق والتعب.

قلت لهم:

أى قرار بمصادرة كتب تم نشرها سيكون بلا جدوى، لأن الأفكار تدخل عقول الناس مع حركة التنفس وتصبح جزءاً من المخ، لا يمكن لأى حكومة مصادرة جزء من المخ، العقل أو المخ الإنسانى تغلب على آلاف السنين من الظلم والبطش والعبودية، يمكن مصادرة الكتب من المكتبات، وهى محدودة بالنسبة للفضاء الكبير، حيث تسرى الأفكار مع الهواء وموجات الضوء.

أشعر بالتفاؤل، لأن الأمل قوة تدفعنا إلى مواصلة الإبداع والضحك والإحساس بالسعادة، طالما الأفكار المبدعة تمشى فى عروقنا دافئة ساخنة مملوءة بالأمل، نشعر بالسعادة، لا تسمعوا ما يقوله العاملون فى مهنة الطب النفسى، لا تبتلعوا حبوب السعادة، فالسعادة مصدرها الأمل والعمل المبدع الذى نحبه ونمارسه بشجاعة.

الهجوم على الكتب ومصادرتها وحرقها يحدث فى كل العهود منذ آلاف السنين، مع ذلك تظل الأفكار تعيش وتنمو وتتطور، لا توجد قوة فى العالم قادرة على مصادرة الفكرة المبدعة لأنها مضيئة،

الإبداع له قوة الشمس، يفتح خلايا العقل المظلمة، الصدق مخيف فى عالم قائم على الخوف والتخفى والسرية، كلما زاد الهجوم على الفكرة، زاد الإقبال عليها وسعى الناس إليها، وأصبحت تستحق البقاء رغم القوى الحاكمة المسلحة بالمال والبوليس والجيش والإعلام والأديان وتكنولوجيا الخداع.

نحن نعيش فى عالم تحكمه القوة وليس العدل، لهذا يصبح الهجوم على الفكرة والكلمة الصادقة وساماً على صدر الكاتب أو الكاتبة.

فقال شاب فى العشرين من العمر:

أنا متشائم ولا أشعر بأى أمل، أصحو من النوم على أخبار سيئة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، سوف أتخرج فى كلية الإعلام بعد أيام لأنضم إلى الطوابير من خريجى الجامعات العاطلين، ليس لى أب إعلامى معروف أو صحفى مرموق يساعدنى على الحصول على مساحة فى الصحف أو التليفزيون أو الإذاعة أو الفضائيات، ولست فتاة جميلة لتكون أنوثتى وسيلتى للوصول إلى عجائز الرجال المسيطرين على كل شىء فى البلد، سأخرج إلى غابة سوق العمل القائمة على توريث الأبناء وإغواء البنات.

ضحك الجميع ورن ضحكهم كالبكاء.

قالت فتاة اسمها فردوس:

أتفق معك تماماً، لكننى متفائلة، لأننى سأشق طريقى بقوة فى خضم هذا العالم، ليس بأنوثتى ولكن بعقلى وإرادتى، سأحقق حلمى فى أن أكون صحفية أكتب رأيى بصدق، ليس لى أم أو أب معروف، ليس لى واسطة لأى صاحب سلطة، ولكنى سأحقق حلمى رغم أنف الجميع.

يذكرنى صوتها بصوت سمعته فى أعماقى منذ طفولتى، الصوت المملوء ثقة بالنفس يجذب أذنى، تقاطيع وجهها منحوتة بقوة تجذب إليها عينى.

قلت لها:

ستكونين يا فردوس كاتبة أو صحفية مبدعة أو ما تريدين أن تكونى، هذه الثقة فى نفسك هى سلاحك، كنت مثلك، ليس لى أم ولا أب معروف، ولا واسطة لأى صاحب سلطة، لكننى امتلكت أهم سلاح فى الحياة وهو الثقة بالنفس.

سأل الشاب:

ومن أين تأتى الثقة بنفسى؟

قالت فردوس:

الثقة بنفسك تأتى من إيمانك بصوت الطفل فى أعماقك، كلمتك الصادقة تشق طريقها فى الظلمة كشعاع الشمس.

#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات