أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - النسبى والمطلق وجدتى الريفية














المزيد.....

النسبى والمطلق وجدتى الريفية


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4055 - 2013 / 4 / 7 - 02:05
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



تصحو مشرقة فى الصباح، يغسلها النوم ودموعها من أحزانها، كما تغسل الأمطار وجه القمر والنجوم وأوراق الشجر، لم تملك جدتى من الدنيا إلا قطعة حجر تشق بها السحب تهتك الستائر والحجب، لم تجرؤ الشمس ولا القمر على الغياب إلا بعد غيابها.

أقسمت بأمها أن يعيش ابنها ويكبر رغم أنياب القدر والقضا، كانت المواليد تموت كالكتاكيت، شدت جدتى الحزام حول بطنها قهرت القهر والجوع والضنا، أدخلت أبى المدرسة ليقرأ الفلسفة وقالت له بملء صدرها: لا تتخفى يا ابنى لا تطاطى، ارفع رأسك بصوتك العالى، لا يرهبك العمدة ولا الملك والإنجليز أمك هزمتهم، الإنس والجن والشياطين.

التخفى والسرية والستر كلمات يرضعها الابن والابنة من الجدة المقهورة والأم المكسورة القلب، منذ وقفت التفاحة فى حلق آدم تم قهر الأم بقانون الأب، اختفت الحقيقة وراء عمود من الدخان فى الهواء، أصبح الخوف يقتضى التخفى والستر والسرية، ترضعه الجدات والأمهات، للبنات والأبناء والأحفاد، خوفاً من بطش الجد والأب والرب، كان ملك مصر هو الرب فى السماء والأرض، مينا وآمون وفؤاد وفاروق والسيد الرئيس، الذى كان ويكون. تخرجت أمى فى المدرسة عام ١٩٢٨، قرأت العربية والفرنسية، عرفت ابن رشد ومدام كيورى وألبير كامو، تقول لأبى حين يخفى الحقيقة: الشجاع مالوش أسرار، جدتى الريفية (لم تدخل مدرسة) تقول للعمدة حين يكذب عليها: الكلمة شرف يا عمدة مش الورقة المختومة؟

قتل خفراء العمدة أمها بعد أن شهدت بالحق ضده، وكانت جدتى تشتهى الحق كالموت، مثل أمها المقتولة، لم تكن أمى تهتف فى المدرسة «الله الملك الوطن»، كانت تخرج مع التلاميذ فى المظاهرات ضد القصر والإنجليز، قبض عليها رجال البوليس، دخلت السجن فى الخامسة عشرة من عمرها، دفع أبوها خمسين قرشا غرامة ليطلق سراحها، وخمسة وعشرين قرشا مهراً لأبى لتدخل قفص الزوجية، كانت أمى تحلم باكتشاف دواء جديد مثل مدام كورى أو تصبح كاتبة مبدعة مثل ألبير كامو،

تردد عبارته: لو خيرونى بين أمى أو أقول الحقيقة فسوف أختار أمى، يفسر أبى هذه العبارة الواضحة بأسلوب فلسفى غامض ويقول «الحقيقة ليست المطلق بل النسبى المادى» تحملق جدتى فى وجه ابنها بعينيها الواسعتين يشع بريقهما وهجا أسود: هو ده الى اخدتوه من المدارس، لا شغل ولا مشغلة، كلام فى كلام وخلاص. ترن كلمة «خلاص» فى طفولتى غامضة فأسألها: يعنى إيه خلاص؟ تضحك جدتى حتى تدمع عيناها: آه يا بنت ابنى، ثم تمسك بيدها رأسى وتقول «راسك هى خلاصك». رسخت كلماتها فى عقلى منذ الطفولة، أدركت أن رأسى هى التى تخلصنى من حيرتى حين تغيب الحقيقة، أو تصبح عمود دخان أو بليغ الكلام. علوم الطب لم تعلمنى قول الحق، دربتنى على علاج الأمراض بالمشرط والعقاقير، علوم الفلسفة لم ترشدنى إلى الحقيقة، دربتنى على النسبى والمطلق وإقناع الآخرين بالشىء ونقيضه، وظلت جدتى هى الحقيقة مثل جسد أمى.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة وحزب الإبداع
- بين التقاليد والعدالة والكرامة
- يزداد العنف بازدياد الضعف والخوف
- المرأة والعنف والطب النفسى
- إسلام مختلف فى تونس؟
- أيتها المعارضة تمردى ولا تستكينى
- ثورة الشباب وثورة النساء
- قناة فضائية للنساء فى تونس
- المسكوت عنه بطبقات الخوف
- إخراج الجن من أجساد البنات والأولاد
- عفة النساء والإبداع الغائب
- كلمة الحماية سيئة السمعة
- من شهيدات ثورة يناير ٢٠١١
- الثورة لا تعرف لغة السوق
- «لا أخاف النار.. ولا أطمع فى الجنة»
- لا يسير الأبطال تحت أقواس النصر
- ماذا يلغى عقول الرجال الكبار؟
- الصدق وإن أقبح يظل أجمل
- وجه المرأة دون نقاب.. دون ماكياج
- حين تكون السياسة إبداعاً وليست لعبة كراسى


المزيد.....




- مصرع امرأة وإصابة آخرين وقطع طريق رئيسي جراء السيول في ذمار ...
- لحظات تحبس الأنفاس لغرق سيارة تقودها امرأة في بحيرة مليئة با ...
- النيابة تطلب إحالة أشرف حكيمي إلى المحاكمة بتهمة الاغتصاب
- فرنسا.. النيابة تطالب بمحاكمة أشرف حكيمي بتهمة -الاغتصاب-
- المغربي أشرف حكيمي يواجه احتمال المثول أمام القضاء بتهمة الا ...
- المغربي أشرف حكيمي مهدد بالمحاكمة بتهمة الاغتصاب
- النيابة العامة تطلب إحالة حكيمي الى المحاكمة بتهمة الاغتصاب ...
- بيروت تخنق نساءها: نوع جديد من عنف غير مرئي
- الصين تكبح تراجع الإقبال على الزواج ومعدلات الإنجاب بالدعم ا ...
- للمرة الخامسة.. تحطيم تمثال المرأة العارية في الجزائر بعد تر ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - النسبى والمطلق وجدتى الريفية