أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 23 - الهروب














المزيد.....

خرائب الوعي .. 23 - الهروب


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4066 - 2013 / 4 / 18 - 12:18
المحور: الادب والفن
    


ولد تحت نبتة برية. نمى وترعرع كبقية الأطفال وانتصر على الموت الدي كان يتربص في كل الأركان، يضحك مع بزوغ الفجر، ويجري حافيا وراء أشعة الشمس والقمر والنجوم. يتجرع كل ليلة كأسا من الصمت والصفاء لينام بين ذراعي أمه. كان العالم يقتصر على الشارع الطويل، والحاشية،هناك عند طرف القرية حيث كثبان الرمال والنخيل وأشجار التين والعنب والرمان، وخط السكة الحديدية المهجور، والذي يعتبر الفاصل الحقيقي بين القرية وما بعدها. ما بعد السكة يشبه عالم الظلمات ولا أحد يغامر في اجتياز الحدود. كان الطفل يقضي الساعات الطويلة وهو يمشي على الخط الحديدي الذي لا ينتهي، وكان في بعض اللحظات.. في بعض اللحظات فقط يسمع صوت القطار وهو يصفر من بعيد، غير انه يرجع إلى البيت قبل ان يرى القطار. كان يجري مع رفاقه طوال اليوم، وقد تحسسوا طريقهم بطريقة عفوية، وتمكن اغلبهم من الحياة، ونموا نموا طبيعيا مثل بقية الاشجار والنخيل والنباتات الشوكية التي تملأ المنطقة، وكان منهم من يبدو غريبا عن هذه البيئة، فهو مثلا لم يكن يحب الحديث، ولم يكن يحب العراك والشجار، رغم مشاركته في المعارك العنيفة التي تنشب عادة بين الشوارع والحارات المختلفة، وقد رجع إلى البيت عدة مرات وهو يقطر دما ودموعا. لقد كان نبتة غير مناسبة لهذه التربة، أو أن جذوره لم لم تتمكن من الوصول إلى العمق الكافي للحصول على الاستقرار النهائي، فمرت حياته مثل ريح مهاجرة، متنقلة من مكان إلى آخر، سكن في العديد من البيوت والشوارع والمدن المختلفة، وأصبح الحلم رفيقه الوحيد في لياليه الكئيبة، أو في الأيام الحارة الطويلة، حيث يغرق في عالمه المبني من الدخان والضباب، واستيقظ ذات مرة ليجد نفسه جالسا على كرسي خشبي أمام طاولة قديمة يحاول أن يتذكر الأشياء والمواقف ليثبتها في كراسته، واكتشف فجأة حين ألقى نظرة إلى الوراء بأنه يحلم منذ عشرين عاما  وأنه سئم النبيذ المحلي والتكيلا والحشيش المغشوش والديلوكسين والنيبوتال والاوبتاليدون والسيكونال وعشرات الأشياء المماثلة، فلبس حذاءه بسرعة وفتح الباب وخرج إلى الشارع هاربا. هرب من نفسه هروبا مؤقتا، هرب لأنه لم يعد يحتمل تلك الوجوه المزروعة في كل زوايا حياته، هرب من تلك الأصوات المزعجة التي تقابله صباح، كل يوم، وتصرخ في وجهه بان يقول نعم !! ان يقول نعم لعالم بلا وجه ولا هوية، عالم جاف مثل حجر بدون أحلام وبدون ألوان، عالم رمادي يحترق من الداخل ويختنق بدخانه. هرب من حياته المتناقضة، من ذلك الخليط من المجانين والمرضى والدجالين والصعاليك والمتسلقين والمنافقين واللصوص والذين تنضح من عيونهم وأجسادهم رائحة الكراهية والإستعلاء والعنصرية والعجرفة والأنانية. هرب من تلك القذارة العسكرية والغبار والحرارة والعرق الذي يبعث على الغثيان، هرب لأنه لم يعد يستطيع الاستمرار، نجا بجلده من المذبحة. ولكن هروبه لم يكن إلا مؤقتا، دام طوال الرحلة لا أكثر، ووجد نفسه ثانية قي حفرة نتنة تفوح منها رائحة البقايا البشرية والأحلام الجافة، وجد نفسه في مقبرة أحلامه ورؤاه، وبكى ليال طويلة، وتمنى لو مات في عاصفة رملية هناك مع كل الميتين، تمنى لوأخذته موجة بحرية إلى الأعماق في قريته الصغيرة، ولكنه الآن لا يستطيع العودة، لقد فات الأوان، وعليه ان يخرج من هذه الحفرة العميقة التي وقع فيها، عليه ان يتسلق الجدران العالية ويتشبث بيديه وأسنانه ليستطيع الخروج.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جربوا الحب قبل الموت
- خرائب الوعي .. 22 - الصدى
- الفقراء وبؤس الثورة
- العصيان والعقاب .. 3 - ثورة إبليس
- العصيان والعقاب .. 2 - سارق النار
- العصيان والعقاب
- السلطة .. وسرير بروكست
- خرائب الوعي .. 21 - مربع ماليفيتش
- خرائب الوعي .. 20 - المصدر
- خرائب الوعي .. 19 - الأسطورة
- خرائب الوعي .. 18 - إختفاء البحر
- إغتصاب المرأة .. من مظاهر الرجولة
- حكاية الضجر .. 3 - وقود الثورة
- حكاية الضجر .. 2 - العجلة
- القاتل والقتلة والجوع
- حكاية الضجر .. 1- القناص
- مسرحية -الديموقراطية هي الحل-
- ورعب السلطة
- رعب الحرية
- خرائب الوعي .. 17 - شيزوفرينيا


المزيد.....




- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 23 - الهروب