أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - حكاية الضجر .. 1- القناص














المزيد.....

حكاية الضجر .. 1- القناص


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4042 - 2013 / 3 / 25 - 14:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذ البدايات الأولى للبشرية، وما أن بدأ الإنسان يقف ويسير على قدميه واجهته مشكلة "الفراغ"، ماذا يفعل بكل هذه الدقائق والثواني التي تملأ أيامه ولياليه وتجعله ضحية لهذه الظاهرة المزعجة "الضجر". فكان في الأيام الأولى ينطرح طوال اليوم في الشمس أو في ظل شجرة، ومن حين لآخر حينما يقرصه الجوع في معدته، يمد يده بتراخ وكسل ليقطف تفاحة يقضمها بدون حتى أن يفتح عينيه، ثم يعاود شخيره. وبعد أن قضى عدة قرون مسترخيا في الشمس، شعر ذات يوم بالضجر من أكل الأعشاب والجذور وثمار الأشجار وأوراقها، فقرر أن يجري وراء الأرانب والغزلان ويطارد لحم الخروف. وكان ذلك يأخذ جزءا لا بأس به من وقته اليومي، حيث يخرج منذ شروق الشمس ولا يعود أحيانا إلا بعد غروبها. وفي نفس الوقت بدأ في تقليب الأرض ونبشها ليدفن فيها بقايا تفاحته وينتظر أن تنمو الشجرة ليقطف ثمارها، وفي الإنتظار زرع القمح والشعير والذرة والبطاطا والطماطم وما شابه ذلك لينوع مائدة عشائه. غير أن المشكلة ما تزال باقية، وإن أصبح الفراغ نسبيا، والضجر ينتابه عادة قبل غروب الشمس بقليل، فبدأ في تأليف القصص والحكايات والأشعار والأساطير، فاخترع المخلوقات الإلهية والأشباح والحيوانات الغريبة وتخيل قصة تكوين الأرض والسماء وبداية الإنسان على ظهر البسيطة، قصص وحكايات تتناقل من قرية لقرية ومن جيل لجيل طوال سنوات عديدة، وكل ذلك من أجل قتل الوقت. ثم اكتشف ذات يوم أن قتل بقية الناس يمكن أن يكون بدوره وسيلة لقتل الوقت، يجعله يتجاوز ضجره المميت وينسى الفراغ الوجودي الذي ينخر أيامه ولياليه. فبعد أن ينتهي من تقليب الأرض وزراعة الشعير وشوي خروفه وحكاية قصة الطوفان، ينقض على جيرانه في كهفهم الآمن، يقتل بعضهم ويجرجر ما تبقى من الأسرى لقريته ليحرثوا الأرض بدلا منه. غير أن قصص الآلهة والجن والشياطين وكل الطقوس المتعلقة بها، والحروب العديدة والإستعدادات التي تتطلبها، كل ذلك لا يشكل نشاطا يوميا متواصلا وبلا إنقطاع، فهناك فترات السلام النسبي والهدن واإتفاقيات الصلح وعدم الإعتداء .. إلخ، أضف إلى ذلك أن إعلان الحرب على جيرانه مكنه من الحصول على القمح والخرفان وبقية الغنائم دون أن يبذل أي مجهود يذكر، وهكذا يطل الفراغ من جديد بوجهه البشع من وراء النافذة ويحيل الحياة إلى كابوس لا يحتمل. غير أن الإنسان لم ييأس ولم يفقد الأمل، فواصل البحث والتنقيب عن كل ما يمكن أن يقتل به هذه الأيام والليالي التي تتمطط إلى ما لا نهاية. فبعد إكتشافه للنار والزراعة وإختراع اللغة والدين والفن والعجلة، بدأ جديا هذه المرة مواجهة عدوه العنيد، فاخترع الأدوات الزراعية وبدأ في الصناعات الأولية مستخدما الحديد والنحاس، ثم شرع في بناء المدن والقلاع وشيد الأسوار والسدود، وغير مجرى الأنهار واجتاز البحار والمحيطات في قوارب وسفن تزداد حجما وسرعة في كل يوم، أنشا الحضارات الصناعية واستعمر الأرض حتى لم فيها شبر واحد لم يستكشفه وانتهى به الأمر مسافرا في الفضاء يبحث عن الذهب في السماء، ومع كل ذلك لم يستطع أن يقتلع الداء الذي يؤرقه من جذوره. حقا أن الفن والشعر والأدب والسينما والمسرح والدين والسياسة وممارسة الحب وطقوس الأكل والتفسح بعد العشاء على ضوء القمر وأشياء عديدة أخرى أعطته حلا جزئيا، وإن كان البعض يراه وهميا ومؤقتا، لمشكلة الضجر. فالإنسان لا يكتفي بالحلول الجزئية، إنه يبحث عن الحلول الجذرية، عن المطلق، حياة مليئة حتى الحافة، حتى تطفح وتفيض بالنشاط والحركة والفعل. لا يريد ولا يحتمل ذرة واحدة من الفراغ تندس في ثنايا نشاطه اليومي طوال الحياة. وربما هذا النوع من التطرف "الخلاق" هو الذي مكن هذه الحضارة الصناعية من التقدم والرقي والوصول إلى أقصى درجات الإبداع البشري، من الكوكا كولا والجينز والماكدونالدز والآيباد، إلى الأسلحة النووية والحروب الوقائية والحروب من أجل الحرية والديموقراطية. هذا النوع الجديد من البشر الذين يصطادون الزمن، يجرون بخوذاتهم ودروعهم وراء كل دقيقة وكل ثانية، بسهامهم الإلكترونية يثقبون جلودها ويلاشونها مثل فقاعة من الصابون. هؤلاء هم عباقرة الإنسانية والحضارة المعاصرة، ‪ورواد‬ مستعمرات الزمن.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحية -الديموقراطية هي الحل-
- ورعب السلطة
- رعب الحرية
- خرائب الوعي .. 17 - شيزوفرينيا
- خرائب الوعي .. 16 - الريح والكلمات
- خرائب الوعي .. 15 - إستراحة
- بيان من أنصار البدعة
- تداعيات 3- شيطان المحبرة
- تداعيات 2- الغثيان
- تداعيات 1- الرجوع
- خرائب الوعي .. 14 - إفتح يا سمسم
- خرائب الوعي .. 13 - الرأس المقطوعة
- خرائب العقل .. 12 - تحرش بعد الغروب
- خرائب الوعي .. 11 - الشاعر والعطش
- خرائب الوعي .. 10 - المرأة التي أكلها النمل
- خرائب الوعي .. 9 - لا يحب الله والله لا يحبه
- خرائب الوعي .. 8 - الطابق الثاني
- خرائب الوعي .. 7 - قوارب الهجرة إلى الجحيم
- خرائب الوعي .. 6 - الصندوق
- خرائب العقل .. 5- الحاشية


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - حكاية الضجر .. 1- القناص