أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 9 - لا يحب الله والله لا يحبه















المزيد.....

خرائب الوعي .. 9 - لا يحب الله والله لا يحبه


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4017 - 2013 / 2 / 28 - 20:44
المحور: الادب والفن
    


دفع الباب بمرفقه ودخل الممر الضيق، وصعد السلم ببطء متحاشيا أن يرتطم الصندوق بالحائط حتى الطابق الثاني، وتوقف أمام الشقة 22، وأخرج بيده الأخرى التي لا تسند الصندوق الثقيل على كتفه، مفتاحا فتح به الباب، ودخل وأغلقه وراءه بقدمه. صورة أخرى. يتبعها إستفهام
أول مرة دخل فيها رحاب المسجد للصلاة، كان ذلك في مساء أحد أيام العطلة الصيفية، كان قد تعلم القراءة والكتابة، وفي المدرسة تعرف على بعض النصوص الدينية. السبب الذي دفعه إلى هذا الإهتمام المفاجئ بالحياة الروحية، والذي لم يدم سوى عدة أيام هو إكتشافه ورؤيته لأول مرة في حياته للدعاية الدينية، في صورة منشور سري مكتوب بخط رديء، ومليئ بالاخطاء الاملائية، اخرجه احد رفاقه من جيبه وقرأه له بصوت خافت في عتمة المساء. فكرة السرية هي التي حملته على الدخول إلى المسجد، وعلى هذا الإهتمام بإنقاذ روحه وتخليصها من الإثم وحجز مكانه مبكرا في الجنة. فوجئ في أول الأمر برحابة المكان ونظافته، ورائحة الحصيرأثناء السجود، والجو الساكن الذي يحيط بالقليل من الرجال الذين يصلون في فترات مختلفة من اليوم في هدوء وطمأنينة. في المساء كان يسيرطويلا مع رفيقه، يتجولون في حاشية القرية بين حقول الزيتون واللوز، ومع مغيب الشمس يدخلون معا إلى المسجد لصلاة المغرب قبل العودة إلى البيت. وذات يوم بعد الصلاة رأى شيخ المسجد يجري ويصرخ بأعلى صوته مهددا بعض الأطفال الذين يلعبون في شجرة التوت أمام المسجد. وقفز الأطفال من الشجرة وهربوا مسرعين وهم يضحكون ما عدا واحدا منهم بقي معلقا في الشجرة دون أن يتمكن من القفز. فأمسكه الشيخ من أذنه وأنزله، وبدأ في ضربه بعصاه الطويلة وهو يشتم ويصرخ ويكيل اللعنات. وتذكر خوفه من أبيه، وانبعثت من المكان رائحة المرحاض المختلطة برائحة العرق والاسمنت المبلل بالبول، ورائحة البقايا الانسانية. وأيقن في تلك اللحظات القصيرة، بان الله كائن شرير لن يعقد معه السلام أبدا. لقد حرره ذلك الشيخ المعتوه إلى الأبد من سلاسل الدين الصدئة، ومات الله مختنقا برائحته النتنة، وغرق في عرقه وبوله، واختفى من قبيلة الحيوانات والمخلوقات الليلية التي يربيها في أحلامه، وعرف أن تعاسته لاتعود إلى غضب الله عليه - ذلك ان موته لم يغير من حياته شيئا - وإنما تعود إلى البعض من عباده الذين يتحكمون في رقاب البشر، ويدوسون على ظهورهم ويركبونهم كالحمير، ويقودونهم مثل الخرفان إلى المجزرة. تبع ذلك عدة أيام من الخوف الغامض والعديد من الكوابيس والأحلام المحيرة. لحظة غروب الشمس، كان يجد نفسه في مكان ما لا يعرفه يعج بالخطر، وان الرمال التي تغوص فيها قدماه كانت تخفي تحتها مئات الأفاعي النائمة، وان كل خطوة يقوم بها قد تقضي على حياته، مثل حقل من الألغام. حتى وصل إلى صخرة ضخمة تمتد في البحرمثل جزيرة، وصعد إلى رأس الصخرة أبعد ما يمكن عن الرمال، غطي قدمه الحافيتين بقميص، وأغمض عينه. اختفت الشمس وراء النخيل وتحولت السماء إلى وهج أحمر، واخذت الأفاعي تتحرك، واستيقظت الحيوانات، وأبواب الدهاليزالداخلية للذاكرة تتثائب وتصدرصريرا خافتا حين تدفعها نسمة الهواء الخفيفة القادمة من البحر. وتتراقص الأشكال وتتشكل، وتنتفخ الظلال والخطوط والألوان تغني بصوت خافت أغنية الخوف الكوني الأول. ونشعرفجأة بالحاجة إلى الحواجز، إلى الجدران والأسوار والأبواب. ونشعر بالحاجة إلى المرايا، لننظر إلى وجوهنا ونتأكد بأن قوة خارقة لم تمسخنا إلى عنزة أو حمار. ونشعر بالحاجة إلى اغنية المرأة وهي جالسة تطحن قمح العشاء على جلد خروف، تدورحولها فلاليس بيضاء وسوداء، وتغني حكاية احتراق كوخها، وموت الطفل الصغير ضحية آلهة لاتفهم لغتها، وغياب المحبوب الضائع وسط الصحراء منذ عدة أزمان. تغني للفلاليس السوداء والبيضاء اغنية الحرب القادمة. وتحكي للطفل الصغيرحياته التي سيحياها كبقية عباد الله، مطحونا مثل قمح العشاء. تغني المرأة وحيدة وسط دارها مضاءة بالشمس في مدخل الدار، تغني على صوت الرحى وهي تدور وتدور مثل الحكايات التي سمعها عن العديد من رجال قريته دون أن يعرف إن كانوا حقا لم يشعروا بالخوف في أية لحظة من حياتهم؟ الخوف حيلة شيطانية يستعملها الإنسان دون بوعي ليقذف بعيدا بمشاكله العديدة التي تقسم ظهره شطرين، والخوف في الحقيقة هو مصدروجوهر قوة الله والشيطان والأديان والجنرالات والملوك والرؤساء والبلدان والدول والإمبراطوريات. الخوف جوهر وملح الحياة في هذا الزمن المالح. لابد أن البعض منهم على الأقل قد شعر بالخوف في الليالي العديدة التي كانوا يسافرون فيها من اقصى غرب البلاد إلى شرقها على الأقدام. او حينما كانوا يهربون الاسلحة للفدائيين، او حينما كانوا يتناولون وجبة طعامهم، علبة سردين صغيرة مع قطعة من الخبز اليابس، محاطون بعشرات الجثث التي تشكل متاريسا حولهم. لابد ان واحدا من هؤلاء الرجال قد شعر بمصارينه تندفع من فمه مع قطع السردين، لابد انه شعربالخوف من ان يتحول هو الآخرإلى شكارة مثقوبة بعشرات الرصاصات مثل الذين ماتوا مقيدين أقدامهم بالحبال قبل بداية المعركة حتى لا يهربوا إذا ما اعتراه الخوف. نعم لا بد ان البعض منهم قد شعر بالخوف من أن يتحول هو الآخرإلى شكارة مثقوبة بعدة رصاصات تستقرفي الجسد، تلبسه، تسكن فيه، وتفجر فيه شرايين الدم، ويغرق الجسد في طوفانه. وتتلون اليد القابضة على السكين بلون أحمرثقيل متخثرتتصاعد منه ابخرةساخنة، ويصرخ الحيوان، وينتفض آخرإنتفاضة، ويغرق في طوفانه، تفتح بطنه، وتخرج أحشاؤه ومصارينه ومعدته بخارا ذا رائحة قوية تجتاح المكان، وتنشرغلالة بيضاء تتحرك وتدورفي الفضاء بحركة خفيفة، ويترائى الجدار الداخلي لبطن الحيوان، الوان داكنة لماعة، ويلتصق بالحيوان الميت، يكاد يدخل رأسه في البطن المبقورة، تقودني هذه الرائحة القوية، وصورة الألوان المتغيرة. ادخل رأسه في الكهف المكون من اللحم والعظام، مد يده الملطخة بالدم ورسم جملا على الجدارالداخلي لبطن الحيوان الملقى على صخورالشاطئ. ثم رسم بجانبه شجرة ودراجة ومنفضة سجائر وعقيقة وحجرا. رسم سهما فضيا في ظهر الله، والشرطي والقاضي والجنرال والملك والرئيس والمدير والمسؤول، ثم رسم نجمة سوداء ترقص وحيدة في قعرالبحر. وانبقرت بطن الجمل، وبقيت قدماه تتأرجحان في الخارج، والجمل يجري برقبته المائلة، والحفرة في عنقة تتفجر دما يتناثر بقوة ويسقط مطرا ساخنا على صفحة المياه الساكنة. يركض الجمل المذبوح من زمن لآخر، يركض حتى يفقد رأسه متناثرا على حافة الطريق تحت عجلة سيارة مسرعة، والطفل المختبئ في المرحاض يواصل رسم الحيوانات الغريبة بالفحم على جدارسجنه. تعلم أن يغني ويرقص في بطن الجمل، ان يطحن خوفه، يحرقه، وينثرالرماد في البحر. تعلم ان يشعل النار، ويفجرالقنابل، ويسرق البنوك، ويفجرالمساجد والكنائس ومراكز الجيش والبوليس، تعلم ان يغتال السلاطين والأباطرة والفراعنة والعقداء ورؤساء الرؤساء. تعلم ملايين الأشياء محدقا في الأصفروالأحمر والأزرق والأسود والأبيض والبني والبنفسجي، وألوان أخرى لايعرف أسماءها. ويركض الجمل المذبوح، يركض برقبته المقطوعة ويدخل البحر وخلفه الرجال يصرخون وهم يرفعون سكاكينهم الطويلة، يشقون البحر ويمزقونه قطعا، يشعلون فيه النار. تحولت جثة الجمل الهارب لحظة قذفوا به في الجمر الملتهب إلى طفل صغيرحافي القدمين ينام منكفئا على نفسه تحت شجرة شوكية صغيرة، واضعا حجرا تحت رأسه، جمجمة بشرية تصفرفي حفرها الرياح الرملية، على حافة طريق جبلي موحش، عشرات ومئات والآف الجماجم تتكوم على حافة الطريق، هرم يلقي بظله على حافة الواحة الصغيرة. ونرى من بعيد تلك الخطوط الحمراء العديدة والمتشابكة وسط الوادي القاحل، والطفلة الصغيرة تتأمل كتابا في يدها مفتوحا على حقل أخضر، بقرة ترعى، تأكل الأحجار الصغيرة التي تنموتحت العشب الندي، ذئب أعرج يمر مسرعا تحت النافذة، يسرع الأطفال ويجرون خلفه مصدرين صرخات المحاربين، يجري الذئب وينظرخلفه، ويلعن الانسان في سره، يجري ويجري حتى يفقد لسانه، ويحس بالاحجارتتطايرفوق رأسه. يجري ويجري لاعنا الله والشيطان في سره حتى ارتطم بعمود الكهرباء، وتفجر رأسه وجسده، والتصقت امعاؤه الدامية بالهواء، يتوقف الأطفال عن جريهم، وينظرون إلى اللحم الممزق والعظام المطحونة على اسفلت الطريق.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرائب الوعي .. 8 - الطابق الثاني
- خرائب الوعي .. 7 - قوارب الهجرة إلى الجحيم
- خرائب الوعي .. 6 - الصندوق
- خرائب العقل .. 5- الحاشية
- خرائب الوعي .. 4 - مقبرة الضباع
- خرائب الوعي .. 3 - العمياء وقصر الغول
- خرائب العقل .. 2- وطني حقيبة وأنا مسافر
- خرائب الوعي 1- البداية
- ليبيا .. الثورة القادمة
- محطة الكلمات المتصلة
- الفضيحة
- حوار مع الله .. الحلقة السابعة
- لقاء مع الله .. الحلقة السادسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الخامسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الثالثة
- لقاء مع الله .. الحلقة الرابعة
- لقاء مع الله .. الحلقة الأولى
- لقاء مع الله .. الحلقة الثانية
- ليبيا: الثورة المسروقة .. مرة ثانية
- ليبيا: الثورة المسروقة


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 9 - لا يحب الله والله لا يحبه