أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 10 - المرأة التي أكلها النمل














المزيد.....

خرائب الوعي .. 10 - المرأة التي أكلها النمل


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4019 - 2013 / 3 / 2 - 17:05
المحور: الادب والفن
    


دخل وأغلق الباب وراءه بقدمه. وبقى للحظات واقفا، ينظر في أنحاء الحجرة، ثم وضع الصندوق الثقيل الذي يحمله على كتفه على السرير وجلس بجانبه. صورة جديدة. يتبعهاإنفتاح
ونواصل الجري في الشوارع المتربة حيث تصطدم أصابع أقدامنا بعشرات الأشياء الصلبة والحادة طوال اليوم. الأحجار العمياء والعلب الصدئة والمسامير وقطع الزجاج وأشواك النخيل التي تنغرز في اللحم حتى تصطدم بالعظم. يهرب ثانية من الأحمرالقاني، لون الموت والميلاد، لون الخوف والقلق. في الأعياد، حيث تتفجر رقاب الحيوانات دما ساخنا، يهرب من الدم المتخثرإلى البحر، في الصباح الباكر، قبل أن ترتفع الشمس عاليا في السماء. البحريبدو ساكنا، يلمع مثل بحيرة من الزيت الشفاف، يسكنه صمت بارد تتردد في صداه ضحكات الأطفال، وصوت إمراة تغني وهي تسير على سطح البحيرة وتجمع أزهارا. وفي كل مرة يغطس تحت الماء المالح، يرى صورة الرجل الغارق، يرى جثته تتأرجح، تتحرك حسب حركة تيارات الماء في قاع البحر الترابي الناصع. اقترب منه ولمس جسده المزرق، والمتيبس مثل قطعة من الخشب، وفي رأسه جرح تيبست عليه الدماء. أخرج رأسه بسرعة من الماء، ونادي رفيقه ليسبحا معا بعيدا، بعيدا إلى وسط البحر، وينتظر البحارة المقطوعي الأيدي يقذفون بعلبهم المتفجرة وسط أسراب الأسماك المذعورة. ويشوي السمكات القليلة التي جمعها في قاع البحر، سمكات صغيرة مقصومة الظهر تتمدد ميتة على القاع، وتلمع عاكسة أشعة الشمس على بطنها الأبيض الناصع، تتحرك حركة خفيفة مثل جثة الغريق. نشوي السمكات القليلة على نار الحطب في امسيات الصيف على شاطيء البحر القريب، ونتذكر رائحة المساء المشبعة بالملح وطعم السمك المشوي، وصوت البحر، كحيوان خرافي ضخم يلعب بأحد أظافره دون أن يحس بنا، النساء يعرفن اسرار البحر، ويعرفن بانه يطلب رقبة كل عام، مقابل ان نأكل منه، ونغسل فيه ملابسنا، وننام على فراش من تبن البحر. ويغني الصيادون أحزان الأسماك المسسجونة في شباكهم، ويغرقون حزنهم وبردهم في سكرة أبدية. لم يغرق في البحر، كما لم يذبحه الجزار الذي هرب منه جمله المقطوع الرقبة، ولم يأكله الغول في حكايات العمياء، ولم يمت من الجوع ولا من الخوف، لم يشرب القاز، ولم يمت مشويا بالنار أو بالحب. لقد تحاشى كل هذه المصائب المعهودة، ليجد نفسه في نهاية الممرشجرة ميتة على حاشية الطريق، تتنفس غبار السيارات العابرة، ودخان البترول المحترق، وترقص اغصانها المتكسرة على ضجيج احتكاك الحديد. يتنفس رياح البلدان البعيدة محملة بالتراب الأحمر الساخن. شجرة ميتة تمد يدها إلى أسلاك الكهرباء التي تجتاز الفضاء فوق رأسها، وتمس أغصانها. تمد يدها في الفراغ، شجرة محترقة، عمودا من الفحم على حاشية الطريق. حجرا باردا على الشاطئ تلتقطه إمرأة تغني، فردة حذاء قديمة، مقلوبة أمام باب المدينة، عاصفة رملية، وليمة، دخان هزيمة، أرض رمادية، سماء رصاصية، حضارة من الإسمنت والحديد، حضارة لاعقلية. والكلمات تظل افقية. تختنق الاغفاءة، تنعكس الصرخة في المرآة المستلقية على السرير، يننتفخ اللحاف شراعا متسخا يتأرجح وسط البحر الهائج، والسمكة ترتعش بين الأصابع الباردة للبحار العجوز، عائدا مع شروق الشمس إلى قريته النائمة، وفي رأسه تدور تلك الفكرة المجنونة التي تسكن جسده منذ سنوات، أن يجد الحجر السحري أو مصباح علاء الدين، الذي يمكنه من تحقيق كل ما يشتهي، كل ما يريد. ويعطيه قوة إلهيه خارقة ومطلقة على الناس والأشياء والحيوانات والأسماك. حلم تحول إلى حقيقة ليلية يعيشها كلما وجد نفسه وحيدا محاطا بمياه البحر ينتظر الأسماك الغائبة. وعلى الشاطئ المقابل إمرأة متعبة ترتمي على كومة من تبن البحر، تدفن جهها في التبن المالح، وتختلط دموعها مع رذاذ البحر، وتختنق برائحة السمك المتعفن، فترتفع في السماء طائرة كنورس جريح، ثم تسقط على الشاطئ ويرتطم جسدها بسطح الورقة الأبيض، فتتسارع حولها الكلمات وتفترس الجسد المسجى في لحظات وتتركه هيكلا عظميا مطبوعا على التراب، حفرية مدفونة في صندوق زجاجي صغير على طاولة صغيرة في أحد المتاحف الطبيعية. وترتعش أصابعه لحظة ملامسة الحديد البارد،، وتجري في جسده موجة ثلجية ترتطم بعظامه، وتتكسر وسط جمجمته، وفي خلايا دماغه. يستيقظ مذعورا، ويفتح عينه باصابعه المرتعشة، يدق مسمارا في جفونه، وينظر إلى وجهه في المرآة المكسورة، فيرى وجها مذعورا تتوسطه فجوة مظلمة. وقبل أن يفتح عينه من الخوف،وجد نفسه في كهف مظلم وسط الصحراء، جزيرة حجرية ضخمة محاطة بكثبان الرمال المتحركة من جميع الجوانب، في الدهاليز الحجرية الواسعة موسيقى كونية بعيدة، وأصوات غريبة يتردد صداها في أروقة الأرض. صوت الرياح، وارتطام حبات الرمال بالحجارة الأزلية، واصوات خطوات عديدة تجتاز الصحراء، أبواب تفتح وتقفل، أقدام مسرعة تنزل درجات خشبية، صوت محرك سيارة، وأصوات بشرية في ميدان ما في مدينة إنسية، أصوات وأصوات تتراكم على جدران ذاكرته، أصوات يرتطم بعضها ببعض، والعاصفة الرملية تزداد عنفا وضراوة، وحبات الرمال تخترق الجلد المحترق، ويتصلب جسده، يستحيل إلى حجر مرمي وسط الصحراء منذ ملايين السنين. ويعم الصمت، تختفي الرياح والأمطار الثلجية وبرد الليالي المظلمة، وفي رأسه تدور الكلمات الهائجة، تتدحرج من جانب إلى آخر في وسط دماغه الملتهب. هل أنا أحلم ؟ .. أم هو الواقع المزري الذي أعيشه لحظة حلم؟. استيقظ لحظتها على صوت محرك سيارة تحت النافذة، فلبس ملابسه بسرعة، والتقط الحقيبة الصغيرة من تحت السرير، وتنفس بعمق، وخرج إلى الشارع.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرائب الوعي .. 9 - لا يحب الله والله لا يحبه
- خرائب الوعي .. 8 - الطابق الثاني
- خرائب الوعي .. 7 - قوارب الهجرة إلى الجحيم
- خرائب الوعي .. 6 - الصندوق
- خرائب العقل .. 5- الحاشية
- خرائب الوعي .. 4 - مقبرة الضباع
- خرائب الوعي .. 3 - العمياء وقصر الغول
- خرائب العقل .. 2- وطني حقيبة وأنا مسافر
- خرائب الوعي 1- البداية
- ليبيا .. الثورة القادمة
- محطة الكلمات المتصلة
- الفضيحة
- حوار مع الله .. الحلقة السابعة
- لقاء مع الله .. الحلقة السادسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الخامسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الثالثة
- لقاء مع الله .. الحلقة الرابعة
- لقاء مع الله .. الحلقة الأولى
- لقاء مع الله .. الحلقة الثانية
- ليبيا: الثورة المسروقة .. مرة ثانية


المزيد.....




- بمشاركة 57 دولة.. بغداد تحتضن مؤتمر وزراء الثقافة في العالم ...
- الموت يغيب الفنان المصري طارق الأمير
- نبأ الجميلي تناقش أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامع ...
- عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم
- العربية في اختبار الذكاء الاصطناعي.. من الترجمة العلمية إلى ...
- هل أصبح كريستيانو رونالدو نجم أفلام Fast & Furious؟
- سينتيا صاموئيل.. فنانة لبنانية تعلن خسارتها لدورتها الشهرية ...
- لماذا أثار فيلم -الست- عن حياة أم كلثوم كل هذا الجدل؟
- ما وراء الغلاف.. كيف تصنع دور النشر الغربية نجوم الكتابة؟
- مصر تعيد بث مسلسل -أم كلثوم- وسط عاصفة جدل حول فيلم -الست-


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 10 - المرأة التي أكلها النمل