|
من يكتب الآخر ، القصيدة أم الشاعر ؟
خليل الوافي
الحوار المتمدن-العدد: 4065 - 2013 / 4 / 17 - 01:58
المحور:
الادب والفن
سؤال ذكي يحتاج إلى أكثر من وقفة قبل الإجابة عليه ؛ سؤال يفرض جدلية المخاض العسير حين نخوض الغوص في ثنائية من كتب الآخر ؟ رغم البساطة التي نلمسها في الطرح الأولي ، فإن عمق العلاقة الروحية ، و الدهشة الإبداعية في صياغة نسق وجداني يفرز خاصية الكتابة ، و ما تمليه ذهنية الفكر الكتابي ، و أشكال التقارب و التباعد التي تتجاذب الصراع الإديولوجي الذي يخدم البناء العام لكل قصيدة في إطارها الزمني ، و ملابسات الخوض في ميكانيزمات التحول من وعي اللغة الشعرية التي يتطلبها المناخ العام ؛ حيث تنهض القصيدة من حالة التوهج و الإنطفاء التي يعيشها الشاعر قبل و بعد الكتابة 0
و كينونة الإنصهار في عمق التجربة الشعرية ، بكل تناقضاتها الكونية ، و تكثيفها الضمني للأحداث و المشاعر ، و رزنامة من الأسئلة التي تحتاج على الدوام لأسئلة أخرى تجيب عن نفسها في دوامة الصراع الخفي و الظاهر ؛ كلما أمعننا النظر في كل هذا الذي تقف عنده القصيدة و الشاعر ، يقترب أكثر من حالة التوحد و التزاوج بين مكونات الكائن و الممكن ، و البحث عن صيغ التوافق و التصالح التي يفرضها الإيقاع العام الذي يشتغل عليه ؛ سواء في عملية التجانس و التنافر التي تربك السياق اللغوي و صورة المشهد الشعري عند لحظة الولادة / الكتابة
لا يمكن التكهن بلحظة الكتابة الشعرية ؛ و لا متى تبدأ و أين تنتهي ، و على أية صورة يمكن أن ترى فيها الشكل النهائي لهذه القصيدة التي تستعصي على الإمساك ، و لجم حركاتها المتسارعة و الضجر من شيء ما ؛ متمردة في خصوصيتها تحلم كما يحلم الشاعر، تعيش لحظتها الآسرة ، و تأخذ قسطا من الراحة في هدوءها المرحلي ، و تبدأ من جديد ركب غمار عباب بحر لا يحتمل سفنه الغارقة ؛ و لا نسمات ريح مستسلمة لهدير يمزق أوراق قصيدة لم تكتمل بعد 0
لا وقت للقصيدة كي تعي ما تحمله جعبتها ؛ و لا الشاعر قادر على إمتلاك لحظة التأمل و الخروج من هذا السحر الجميل 0 يأخذك الخيال إلى أبعد نقطة تلتقي بإشارات البوح تتدافع في سماء اللغة 0 تبتعد الصورة عن واقع الحال ، و تتسربل في ملكوت التوجس و التلاشي ؛ تضيق و تتسع فسحة الرؤية ، و تغيب ملامح الشاعر في زحمة الدوال المتراكمة في طريق المعاني 0 لا وطن يحمي حدود اللغة ، و لا الصور قادرة على تدارك كنه الأشياء البريئة في فحوى السلوك الإبداعي الذي يؤسس بيت الشعر 0 هذا البيت لا يسكنه أحد، بل تملك مفاتيحه لغة تتشرب من اليومي ، و تغوص في عوالم الأشياء المتناقضة و تحاكي و تؤاخي بين المفردات و الكلمات والكائنات التي تتجانس في بؤرة نسقية ، لا تحتاج إلى تأويل يعيد . لكنها تحتاج الى ترتيب البيت الشعري من جديد ؛ وهنا أشير إلى التدفق السريع الذي تنهل منه اللغة لتحسين واجهة القصيدة ، و ترتيب البيت بأثاث البلاغة و المحسنات اللظفية ، و جملة من الآليات التي تستعين بها القصيدة لتخرج بحلتها البهية و طلعتها المشرقة عند كل قراءة
0مسكونة بهواجس المستحيل ، غارقة في فلك التحول ؛ لا تستطيع المجازفة إلا في أفق الرؤية التي رسمت مسبقا ضمن حركة الوعي الضمني الذي تدور في مداره المنقلب المزاج ، وغير قادرة على إمساك كل شيء في لحظة واحدة 0 من هنا تحاول الكتابة الشعرية فرض هيمنتها الأخاذة على بنية القصيدة ، و ضبط إيقاعها التفاعلي الذي يتجدد مع كل قراءة جديدة ، و خاصة مع القراءة الممنهجة و المفكك لرموزها التي تستند إلى مرجعية الشاعر الثقافية ، و زاوية النظر التي يطل منها على قرائه 0
كما تنسكب روح لغته في مساحة القصيدة التي تستدعي خصوصياتها المبهرة في اللامكان و اللازمان ، تخاصم نفسها بإستمرار غير مقتنعة بما يمليه عليها شاعر تتخاطفه لحظة زمنية ينسجم فيها الموت و الحياة لتستمر القصيدة في خلق مكنوناتها التي تتوالد بإستمرار ، و دون توقف ، ما دام هناك قارئ محتمل يقف أمامها ، و يتيه في عالمها الذي لا تفهم منه إلا برهة المكاشفة ، و ندرة القراءة النقدية التي تعيد للقصيدة بريقها و للشاعر حضوره على الساحة الثقافية 0
ليس من اليسير فهم ما يجري في عالم الشعر ، الذي تتخلله القصيدة و الشاعر ، و إستكشاف طرق الحكي التي تميزها عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى ؛ و هذا يشدنا إلى منحى آخر في ضوء الأحداث المتسارعة التي يصعب فك رموزها في غياب المفاتيح السحرية التي يضعها الشاعر في مكان ما من القصيدة ، و يترك مجالات القراءة الممكنة ، و التداعيات المترتبة عنها في حيز ضيق سرعان ما تكشف عن بعض من أسرارها بعد عناء طويل ، و مشاق السفر في إدراك وعي الشاعر أمام حلم القصيدة الذي يتغير في سياق التحولات الكبرى التي يعيشها المجتمع العربي 0 و دون الحاجة للخوض في التفاصيل المتعلقة ، من يكتب الآخر، و التي تعزز مكانة كل واحد على حد ، و تضع إشكالية البحث عن فحوى هذا السؤال الجوهري و الفلسفي ـ إن صح التعبير ـ فإن مسالك الكتابة الشعرية تخرج من نمطها المألوف ، و تسبح في فضائها الأورجواني ؛ تلتقط الصور و العبارات المتفجرة ؛ حيث تخرج من ألفة الأشياء إلى عمق الحداثة في بعدها السوريالي ، و نمط إشتغالها على توحيد المتنافرات ، و بسط نفوذها المهيمن على لغة تتحمل أكثر مما هي عليه 0
لا مفر من المواجهة بين القصيدة و الشاعر، لأن كل عنصر يحتاج للآخر و يكمله ، و إذا سقط طرف من هذه الثنائية المشاكسة و المتفاعلة مع مكوناتها التي يرى فيها الشاعر صورته ، و القصيدة التي تعتبر عصارة تجربة تظل وفية لصاحبها مهما خرجت منفلثة من بين يديه ؛ فهي تؤرخه و تؤرخ لنفسها مكانا ضمن المتن العربي ، و بصمة عالقة في ذهن من صادف قراءة القصيدة ، و لو من باب الفضول ، و عبور عابر مثل قراءة صحف اليوم 0
لا أحد يستطيع الإجابة عن سؤال المقدمة ، لكننا حاولنا تقريب وجهات النظر التي تتشابك فيها خيوط القصيدة مع أطراف اللغة المنتقاة من معجم الشاعر ، و رصيده المعرفي ، و النص المفتوح على أكثر من واجهة و مدخل 0 و القصيدة غير قادرة أن تظل على نمط واحد ، و لا تستوعبها مرامي القراءة السريعة ؛ متخاصمة مع أشكالها التي تعيد للمعنى جرأة التأويل و النبش في المسكوت عنه 0 و يظل الصراع الإبداعي قائما مادامت اللغة الشعرية تسمح للطرفين أخذ فرصة للتأمل و المصالحة 0
خليل الوافي ـ كاتب و شاعر من القطر العربي 02/04/2013
[email protected]
#خليل_الوافي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصائد جبل الجليد
-
أنسى ما كتبت
-
أنسى وجهي في المرآة
-
اول الحلم في كتاب السفر
-
حناء عروس الليل
-
عوائق الفهم في عوالق الهدم
-
أنسى ظلي في مكان ما000
-
أنسى كل شيء
-
في قرع الباب
-
لا أحلم كما أشاء
-
أنسى أن أكون
-
أنسى من أنا
المزيد.....
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|