أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمى مأمون - شفاء المنقوص















المزيد.....

شفاء المنقوص


سلمى مأمون

الحوار المتمدن-العدد: 4058 - 2013 / 4 / 10 - 15:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مكان آخر من العالم على عكس الذي أعيش فيه، تُجهَّز للمرء غرفته الخاصة المجهزة قبل ميلاده، و بمجرد أن يطل تُفرد له المُجلدات لحفظ صوره الفتوغرافية و خزانات لتسجيلات الفيديو مؤرشفة بالتواريخ و المناسبات، فيشب و يعبيء الأرفف والأدراج بمتعلقاته و العابه و كتبه و تذكاراته و دفاتر يومياته و لوحاته و جوائزه و غيرها من آثاره، فتكون حياته سجلاً بين يديه يساعده على تحديد ملكاته و خياراته، و كل الخطى موثقة بالكامل و ليست مجرد حادثة عابرة. سواء طال به العيش او قصُر فكل "تراثه" محفوظ. و تلك ثمرة الاستقرار و التحضر، حيث الإنسان أثمن قيمة و الحياة مُحتفى بها و ليست عبئاً.

أمّا نحن في هذه البلاد، و "مِن يومنا"، نعيش في مجتمع ينام و يصحو على الأزمات و الحروب و التدهور المعيشي، و الناس "يمشون على كف القدَر" و يزهدون في الدنيا لأنهم "ناس آخره" و ليسوا "بناس دنيا"، فما جدوى الاحتفاظ بالصور أو حتى المستندات الرسميه و المتعلقات الشخصية. ثم أنهم "زهجانين" من سوء الطقس و "مفلسين" يصارعون ليكملوا يومهم و يضعوا رؤوسهم على أي سطح متاح ليناموا، و ينهضوا ليواصلوا الركض بداخل الدائرة الشريرة للبقاء تحت خط الفقر. فكيف يتسنى لهم الارتقاء لمستوى التوثيق و الفهرسة و كل تلك "الحذلقة" الفاضية، كيف؟ بينما أحد "أحلام" المرء أن يكبر و يعمل ليمتلك ربما لأول مرة في حياته خزانة ملابس خاصة "دولاب" لحفظ ثيابه و أغراضه الشخصية بدلاً من أن يظل "يدفسها" السنين الطوال في حقيبة قماشية او حديدية أسفل السرير أو في أكياس نايلون أو علب كرتونية أو "بقجه" على دكة الشُباك. و قد تجبره ظروف المعيشة أن يطوف بها متنقلاً بين القرى و المدن و بيوت الايجار. و قد تُفرَج عليه "فيركنها" لدى أحد معارفه و يغادر البلاد ليستأنف تشرده بنمط يشبه المنوال القديم، من مدينة الى مدينة و من قارة الى أخرى. لذلك مألوف جداً أن يعيش المرء بيننا – هذا إن استقر و لم يهاجر مرغماً - إلى أن يرحل دون ان يخلف وراءه صورة فتوغرافية واضحة المعالم إن وجدَت، او حتى رسالة بخط يده، دع عنك تسجيلا بصوته أو أثرا مفيداً. هذا هو الوجه القميء لواقعنا الفقير، و غياب الوعي، و حظر حرية التعبير، التي تمثل مجتمعة أشأم محرقة للآثار الأدبية و الفنية و للمبدعين، لاسيما إن كانوا من فئة المعارضين. فسوف يكون إقتفاء آثارهم مهمة عسيرة، و لئن افلح الناس في العثور عليها، فسوف تكون مبعثرة حيثما توفر المأوى عبر الخرائط. و لنا أن نتصور التفاصيل و الوقائع الفعلية التي انطوت و ماتزال ُتطوى و إلى الأبد برحيل أمثالهم. تلك خسارة فادحة لا تعوّض.

و الحال على ما أشرنا اليه، و برغم انتشار وسائل التقنية الحديثة في الوقت الحاضر؛ من خدمات اجهزة النسخ و الكمبيوتر، و توفر اجهزة التلفون النقال المزود بامكانيات التصوير و التسجيل الصوتي و الكاميرات الرقمية، بأيدي عدد متزايد من الناس، إلا أن "مَن شبّ على شيء شاب عليه". لا ترى الناس يجدّون في البحث عن "آثار الانسان" الا بعد رحيله، خاصة إن أمضى حياة حافلة و ادى دورا بارزا في الحياة العامة. يطلقون النداءات و يجرون الاتصالات عبر البحار، يستحثون الدوائر التي عاش فيها او اختلط بها "للتنقيب" عن صوره و كتاباته و اسهاماته المختلفة و لا يعثرون احيانا الا على القليل منها و يضيع القسم الأكبر و ربما الأهم. حتى الجهات المسؤولة التي من واجبها رعاية المبدعين تتصرف بذات الأسلوب و تكرّم الفقداء بعد أن يرحلوا و هم معدمين و مرضى. و ما جدوى التكريم حينئذٍ؟

المؤسف بل و المعيب، أن تراثا قيّماً مسجلا و مصوراً كارشيف لدى جهة إعلامية حكومية، يمكن ان يتعرض "عمداً" للمحو بسبب تبدل الادارات و التوجهات السياسية بمؤسسات الإعلام المملوكة للحكومة، كما حدث في السنوات الأخيرة. تلك جريمة بكل المقاييس المعاصرة، و لكن لن يتم التحقيق فيها أو مقاضاة مرتكبيها في أي مستقبل منظور. ناهيك عن أنها خسارة لاتعوّض مهما أسفرت عنه نتائج التحقيق الذي نحلم به.

أتصور أنه و بحجم التخلخل الاقليمي على المستوى السياسي و خلافه، و دخول الامكانيات التقنية معترك التثوير و بروزها كأهم أسلحة الثائرين في أكثر من بلد، لابد أن ينعكس الحاصل على الشباب في بلادنا و يرفع من وعيهم بأهمية التوثيق. إذ لابد من تسجيل الوقائع والمعلومات و الصور الحقيقية عن الراهن المعقّد. لتعكس و تعبّر عن قضايا المواطن و تقدم الحقائق حول ما يُحظر نشره و تداوله في الصحافة و اجهزة الإعلام، بسبب تعارضه مع السياسة الرسمية للحكومة.
و بالفعل بدأ ذلك التأثير يبرز أثناء حركة الاحتجاجات التي حدثت منتصف العام المنصرم، من خلال الصور و تسجيلات الفيديو التي تم بثها على شبكة الانترنت. و من خلال نشاط الكثيرين من شاباتنا و شبابنا عبر المواقع و الصفحات الاجتماعية خاصة على موقع فيسبوك. تلك مجهودات مقدرّة بحاجة الى إنضاج مستمر بالحوار المتبصّر في طرح كافة الهموم و القضايا لغرض التنوير، اضافة الى ما تقوم به من رصد و تحليل للاخبار العاجلة.

برأيي يجب أن يكون أحد أهم واجبات كل الأحزاب السياسية و القوى الحديثة المعنية بالتغيير الاعتناء أكثر بهذا الجانب، خاصة الشِق المتعلق بمحو الأمية التقنية، و اللغات الأجنبية خاصة الانجليزية، مع التشجيع على تسخير شتى الوسائل المتاحة، ليوثقوا لكل حدَث و فكرة و تجربة و خاطرة، و لكل مَعلًم و أثر و لا يهملوا ادق التفاصيل. فالبلاد بحاجة ماسة الى اراشيف توظف فيها التقنية الحديثة الى اقصى حد، إذ ليس كافيا الرصد و الفضح على المستوى السياسي و الاستنهاض للاحتجاجات و الوقفات و نحوها فقط، بل لهدف ابراز الغنى المتعدد المهمَل لبلادنا.
لم لا يتصدى كل من توفرت له الامكانيات بأن يوثق و لو في نطاق أسرته أو الحيّ و هكذا، متناولاً حياة و تجارب المناضلين و الوطنيين، و الظواهر الحياتية المختلفة مدعمة بالصور و يأخذ التفاصيل عن الشخصيات و الأحداث و الأمكنة من أفواه من عايشوها أو أقرب معاصريهم. آخذين في الاعتبار أن "حماة الدين" لن يكفوا عن العبث بالحقائق و بالذاكرة الحية لشعبنا، فيما "يحلمون" بالانفراد بكتابة تاريخنا.



#سلمى_مأمون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ركلاتُ موقوتة
- شظيةُ بلحم يحتضر
- صلاة كونية
- حجر في مستنقع القهر
- هامش (جينيس)
- ليمونتان بغياهب الروح
- انتظار سيدة -الهايكو-
- أين تسهر هذا المساء
- شتاء خارج التغطية
- كائنات ضوئية تصعد الباص
- رهانات الصباح بين المفتاح و المطرقة
- أعلى من نوتات الغجر
- غياب
- الزومبي(في ذكرى انتفاضة 27 مارس/ 6 ابريل السودانية 1985)


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمى مأمون - شفاء المنقوص