أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمى مأمون - أين تسهر هذا المساء














المزيد.....

أين تسهر هذا المساء


سلمى مأمون

الحوار المتمدن-العدد: 4010 - 2013 / 2 / 21 - 23:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بينما كنت اشاهد فيلما أمريكياً على احدى القنوات التلفزيونية الفضائية، مرت امامي لقطة لبطلة و بطل الفيلم و هُم يحضرون عرضا سينمائيا بحديقة عامة. قفزت الى ذهني على الفور تلك الحديقة الجميلة أمام بيتنا، التي شهدت اواخر الستينات من القرن الماضي تنظيم (وحدة افلام السودان) لسلسلة عروض في الحدائق العامة بالخرطوم في اطار نشاط قسم (السينما المتجولة). كانت في ذلك الوقت تعرض افلاماً تسجيلية، تعريفية عن السودان و تاريخه و مواقعه الأثرية و ثرواته الطبيعية. رغم ان العروض كانت آنذاك بالابيض و الاسود فقط لكنها كانت حدثاً هاماً و مبهراً.

نتخذ مواقعنا على الفرشات فوق العشب و تحضر الحافلة البيضاء قبل المغيب بقليل و يتم انزال الادوات و نصبها و ضبطها و يسحب الموظف المعني أشرطة غامقة طويلة مخرمة الأطراف من علب صفيح دائرية و يثبتها على ماكينة تنصب خلفنا، ينبعث منها ضوء كشاف يتم تسليطه مباشرة على مستطيل ابيض ذو قائمتين طويلتين و سرعان ما يصدر ذاك الصرير المتواصل فتظهر الأرقام في عد تنازلي و تدخل الصور و الصوت الجهوري للمعلّق مصحوباً بالموسيقى التصويرية و يبدأ العرض. تتنقل الكاميرا بين المراعي و المشاريع الزراعية بالتركيز على اعرقها (مشروع الجزيرة) فنرى حقول القطن و اعداد من النساء و الرجال منثورون مد البصر و هم يجنون محصول السودان النقدي الأول، و نتابع عمليات حلج القطن و تعبئته و نطوف بحقول الكركدي و الصمغ العربي و السمسم و غيرها من المحاصيل النقدية في ذلك الوقت و نتعرف على عدد من المصانع و تأخذنا الكاميرا الى ميناء بورتسودان حيث يتم شحن ثرواتنا لتصديرها الى الخارج، و نطوف نتعرف على معالم الخرطوم بمدنها الثلاثة و جسورها و (مقرن) النيلين و الحديقة الرائعة الباسقة الاشجار بقربه.....و نحلق مع الصور المدهشة!

نسيت أمر الفيلم الذي كنت اتابعه، و قطعتُ (الفلاش باك) و عدتُ الى الحاضر المُرّ الذي فقدنا فيه كل تلك الثروات الطبيعية و حُلّت فيه مؤسسة الدوله للسينما في العام 1991 و جرى تسريح العاملين و تعرّض عدد آخر من السينمائيين العاملين (بمصلحة الثقافة) للفصل السياسي بموجب قانون (الصالح العام!) و تم حل المصلجة نفسها، و هُدمت دور السينما. و أخذت افكر بحسرة بهذه الكفاءات التي تم تشريدها و محاصرتها و بينها عدد من المخرجين المتميزين الذين نالوا جوائز دولية على افلامهم. و افكر بابنائي و بأجيال من الشباب الذين حرموا من مجرد تجربة التأنق و الذهاب الى السينما (ست الاسم) و مشاهدة اجود الافلام المصرية و العالمية، و ليس ارتياد هذه العُلب المغلقة المتبقية التي فرضوا عليها عرض أردأ افلام الحركة من (بوليوود) و ربما بعض الافلام المصرية بعد تشريحها عميقاً بمشارط الرقابة.

لقد صودر منا جميعاً، رفقة كل الأجيال اللاحقة حقنا في ان ننهل من فنون السينما و مشاربها المتنوعة و شخوصها الملهمة و أن نتذوق جمالياتها و متعتها التي لا تضاهيها اي عروض فيديو او (دي في دي) و إن عرضت على شاشة مسطحة بأقصى قياس ممكن. فان المشاهدة عبر شاشة السينما الأصلية تجربة متميزة و تفوق اي مشاهدة أخرى عمقاً. لأن السينما فن قائم بذاته لا يتم استيعابه بالكامل و تلقي مؤثراته و عظمه رسالته الا عبر الشاشة العريضة.
بديهي أن وجود السينما العالمية في حياتنا مكمل ضروري لكي نتثقف و نواكب العالم و حركة تطوره و نتأثر. و مثلما نحتاج بلا انقطاع ان نطلع على ابداع الآخر نحن ايضاً نحتاج أن نبدع انتاجنا و نشارك بارساء مساهمتنا في هذا التراث الانساني. لهذا لا تنحصر الحسرة فقط في غياب السينما العالمية الجيدة عن المشاهد السوداني، بل في اضطهاد السلطة للسينما السودانية و تجريدها من الرعاية و الدعم و حبسها في نطاق محدود، بما لا يتعارض مع التوجهات المعلنة. بينما مجالها حيوي و متجدد و لا تنضب فيه الافكار الابداعية و يحتاجه الواقع بشدة لتتفتح مداركه على الحلول للعديد من القضايا و الهموم الملحة...و لكن!!!!

كان ياما كان في زمن لم يغب بعد عن الذاكرة، كانت الصحف اليومية الصادرة في الخرطوم ، تنشر شريطاً بصفحتها الثانية تحت مُسمّى (أين تسهر هذا المساء!) هي رصد لمختلف الفعاليات الثقافية بالعاصمة و العروض المسرحية و فرق السيرك الزائرة و غيرها اضافة الى قائمة بدور السينما بالمدن الثلاث و العروض التي ستجري فيها...كلام بات وقعه كحكايات الجن بالنسبة لواقع اليوم الذي استبد به القحط الثقافي و الفني. بئس الحال و قد صار السهر (اذا جاز ان نسميه كذلك) خارج البيوت بالمطاعم و الكافتيريات للامتلاء بالطعام. لانه التعويض الوحيد المتاح في شظف الثقافة و الترفيه. بل هو اليوم الترفيه بحد ذاته!!

فن السينما كغيره من الوان الثقافة و الفنون و الابداع، يتنسم الحرية و لا ينمو بمستنقعات القهر. فلنطرح تساؤلاً بسيطاً: كيف يمكن تنفيذ افلام فنية سودانية في ظل سياسة التمكين و فرض الحجاب على النساء؟ الاجابة البديهية تنسف الامكانية من اساسها. بينما الضرورة لانتاج هكذا افلام، خارج الاطار التمكيني تظل موجودة و مُلحة. و لكنها مؤجلة في الوقت الحاضر. لذا لا يسعنا الحلم بأن تقوم للسينما السودانية قائمة في وجود هذا النظام (المستوحش). يلزمنا وضع جديد باولويات جديدة تحترم الانسان و عقله و حريته. و تخطيط لسينما سودانية تستثمر لصالح التنوير.



#سلمى_مأمون (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شتاء خارج التغطية
- كائنات ضوئية تصعد الباص
- رهانات الصباح بين المفتاح و المطرقة
- أعلى من نوتات الغجر
- غياب
- الزومبي(في ذكرى انتفاضة 27 مارس/ 6 ابريل السودانية 1985)


المزيد.....




- بطلّة ملكية ساحرة.. الملكة رانيا تتألّق في حفل زفاف بيزوس وس ...
- المعارضة التركية تطلب من ألمانيا دعمها في مواجهة أردوغان
- تفاعل الأوساط السياسية والإعلامية داخل إسرائيل مع تصريحات تر ...
- إيران تشيّع قادة عسكريين وعلماء نوويين قتلوا في الحرب مع إسر ...
- مقتل 16 جنديا في هجوم بباكستان
- -تكتيكات أمنية- إسرائيلية جديدة خلال اقتحام الضفة الغربية
- -مصائد الموت-.. أبرز مجازر إسرائيل بحق المجوّعين بغزة
- روسيا تحشد 110 آلاف جندي قرب مدينة أوكرانية استراتيجية وفقا ...
- رأي.. عمر حرقوص يكتب: لبنان المتحارب بين -أهلَين-.. صواريخ - ...
- بي بي سي داخل مبنى التلفزيون الحكومي الإيراني الذي تعرض لقصف ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمى مأمون - أين تسهر هذا المساء