كريم كطافة
الحوار المتمدن-العدد: 4055 - 2013 / 4 / 7 - 19:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أود التنويه؛ أن ما سأقوله الآن هو تطوير وتوسع في كلمة ألقيتها في الاحتفال الذي أقامته منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هولندا بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي ممثلاً لفرع رابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين في هولندا. (الكلمة منشورة). بمعنى أن ما سيأتي في هذا المقال أتحمل وحدي مسؤوليته وليست رابطة الأنصار.
بعد عشر سنوات من التخبط في مشروع اللادولة في الأرض التي أنجبت أول دولة في تاريخ الإنسان، التخبط الذي تخوض فصوله على أرض العراق أحزاب وجماعات تناسلت من رحم الخراب، يبرز سؤال الهوية الوطنية للعراقي أكثر من أي سؤال آخر. على الرغم من أن الساحة السياسية مترعة اليوم حد التخمة بأحزاب وجماعات وكتل وعشائر وطوائف وعصابات كلها تلهج بالوطنية وبالعراقية عنواناً لها بما فيها العصابات الإسلامية والبعثية التي تمارس عمليات الإبادة الجماعية للعراقيين.
الجميع متورطون بأبشع أشكال الدجل والاحتيال وهم يخوضون صراعات طائفية وقومية مقيتة مبنية على أرث ماضوي غير مشرف لم يكن في أي يوم قابلاً للحلحلة حتى في زمنه البعيد. سائرون قدماً بمفردات هذا الصراع العدمي منتقلين بالبلد من مرحلة خراب إلى أخرى أكثر بشاعة وخراباً.. حتى بات خيار التقسيم وتفتيت البلد إلى مزق متناثرة هنا وهناك خياراُ يتسم بشيء من المنطق على الأقل كعلاج لوقف إراقة الدماء الجارية فصوله على أرضنا. لكنه الخيار الذي سيحول العراق إلى مزق ترعاها دول مثل تركيا وإيران والسعودية وربما حتى قطر (لِمَ لا). حلم بات بمتناول اليد لمثل هذه الدول. وهو الانتحار الجماعي للعراقيين.
من هنا تأتي أهمية الالتفات إلى الدور المفترض الذي على الحزب الشيوعي العراقي أن يقوم به. ليس لأن المناسبة هي احتفالاً بتاسيس هذا الحزب.. بل لسبب أكثر وجاهة من هذا.. أنه الحزب العراقي الوحيد وأكرر (الوحيد) المتبقي في الساحة السياسية الآن الذي لا تشوبه شائبة الطائفة أو القومية أو العرق. الحزب الوحيد المتورط بعراقيته. حتى باتت عراقيته خلال السنوات العشر العجاف نقطة ضعفه الواضحة أمام حملات التجييش والتحشيد التي قامت وما تزال تقوم بها أحزاب وجماعات الخراب والفجيعة وهي تنجح نجاحاً منقطع النظير تحت يافطة القومية والطائفة والعشيرة في جعل العراقيين يسيرون كالمسرنمين على درب انتحارهم الجماعي. ولنا في التجارب الانتخابية التي حصلت شاهداً.
هل يقدر الحزب الشيوعي العراقي أن يواجه كل هذا الخراب ويقوم بدوره المفترض؟
أقر أنه سؤال صعب والجواب أو الأجوبة عليه ليست بسهولة طرح السؤال. والصعوبة نابعة بالدرجة الأرأس من حقيقة أن الأجواء لم تزل مشحونة بالشحن الطائفي والقومي والعرقي والعشائري الذي تحرص على إدامته أحزاب الواجهة السياسية سواء الحكومية منها أو التي تتدعي المعارضة. كذلك أن مواقف الحزب التي يعبر عنها في بياناته لم تزل تحرص أن لا تكون جارحة ومؤذية لأي من الأطراف المتصارعة. الأمر الذي يجعله بالنسبة لهذه الكائنات المفترسة لا يعدو عن كونه خصماً مؤدباً مسالماً لا ضرر من وجوده.
لكننا بدأنا نلمس بدايات تحرك حقيقي يريد الانتقال بالحزب من نشاط القاعات المغلقة إلى أنشطة الفضاء المفتوح. من الاحتجاج المهموس في الاجتماعات وبين الرفاق الى الصراخ بصوت عال أمام العراق كله.. لقد شاهدنا في الآونة الأخيرة نجاح الحزب في حشد الحضور والتأييد لمهرجان (طريق الشعب) وقد أقامه للمرة الأولى على حدائق أبي نؤاس بحضور ملفت سواء للزائرين أو للمشتركين من وسائل إعلام مختلفة.. الأمر الذي يعطي مؤشراً إيجابياً إلى إمكانية إعادته في السنة القادمة بما يجعل منه تقليداً عراقياً وطنياً على نمط (مهرجان اللومانتيه) الفعالية التي دامت عشرات السنين وما زالت حتى خرجت من أسارها الشيوعي الحزبي وباتت مهرجاناً وطنياً فرنسياً. كما شاهدنا الاحتفال الجميل على ذات الحدائق لمناسبة تأسيس الحزب وكذلك كان الحضور ملفتاً من العراقيين وبأعمار مختلفة.. هذا مؤشر آخر يقول أن الحزب بدأ يتلمس الوصول إلى الفضاءات التي توصله للناس، لأن هذه الحدائق وغيرها من ما تبقى من متنزهات البلد هي أمكنة مناسبة لجمع الناس وقول ما نريد قوله. لقد احتلت جماعات الاحتراب الطائفي الجوامع والحسينيات والمؤسسات وكل منابر الإعلام الفضائي وأكثر فضاءات المدن وهي تسعى للتجييش والتحشيد لمشاريعها الطائفية. كذلك صرنا نشاهد وبشكل واضح أن دماء جديدة بدأت تُضخ في جسد الحزب.. صرنا نشاهد أعداداً واضحة من الشابات والشباب في فعاليات الحزب وفي وسائط التواصل الاجتماعي الالكترونية.. شباب غير طائفي قادم من كل عروق الشعب العراقي يتسم بالذكاء والجرأة وبالحماس على قول ما يجب قوله بلا مواربة. إذن لقد خرج الحزب من غرفة العناية المشددة كما قالها يوماً وبتهكم أحد المتربصين وهو يذكّر (وكان معه حق بالطبع) أن أغلب مناصري الحزب هم من الكهول الذين حطمت أجسادهم سنوات النضال القاسي والشرس الذي خاضوه ضد دكتاتورية البعث وأن مسألة بقاءهم على قيد الحياة ومن ورائهم الحزب ما هي إلا مسألة وقت.
من المؤكد أن الطريق لم يزل طويلاً والعقبات والعوائق لم تزل شاخصة. الأمر الذي يضع على عاتق قيادة الحزب بالدرجة الأرأس وعلى عاتق الشيوعيين داخل الحزب مسؤولية تحقيق أحد الاهداف المنتظرة منذ زمن طويل.. هدف إعادة لحمة الشيوعيين عبر تفعيل وسائل حوار جديدة مع الشيوعيين الذين اعتزلوا العمل الحزبي لاسباب مختلفة وهؤلا كثرٌ ولهم من الخبرة ونفاذ البصيرة والاخلاص لمبادئهم ومثلهم ما يجعلهم عوناً للحزب.. أو مع الشيوعيين الذين أوجدوا لانفسهم أطراً سياسية جديدة للعمل لكنها في عمومها يسارية – ديمقراطية.. وسائل حوار تكون بعيدة عن ذهنية الأخ الأكبر مالك الحقيقة والنضال والتاريخ و..و..و.. و.. بعيد عن التشنج والاتهام المسبق للمخالف بأنه يتصيد في الماء العكر.. وهذا لا يكون إلا عبر فتح منابر الإعلام الحزبي الداخلي والخارجي للرأي المخالف.. وللجدل بين الأفكار.. اليس هذا هو ديدن الماركسية.. أننا في زمن لم يعد فيه أي شيء خافياً بما فيها أدق أسرار المخابرات.. ما تريد أن تخفيه عن مناصريك سيجدونه في مكان آخر.. لقد اثبت الحزب على مر تأريخه أنه ذو خبرة ومرونة في صنع تحالفات وتوافقات مع خصوم ألداء.. ما باله غير قادر على إيجاد جسور مع أقرب الناس إليه.. المنطق يقول أن هؤلاء وأولئك هم أقرب الآخرين إلى مشروع الحزب الوطني.
#كريم_كطافة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟