أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - مهزلة نذر عبد المطلب















المزيد.....


مهزلة نذر عبد المطلب


أحمد القبانجي

الحوار المتمدن-العدد: 4051 - 2013 / 4 / 3 - 18:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اعداد: حيان الخياط

لا يخفى ما كان لعبد المطلب من منزلة ومكانة مقدسة عند جميع المسلمين وعند النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) بالذات، حتى عدّ من الأولياء والأوصياء، مضافاً الى ما كان من تمسكه بدين الحنفية ورفضه لعبادة الأصنام مالا نحتمل معه ارتكابه مخالفات متعارفة كشرب الخمر أو السرقة وما شاكل ذلك مما هو مخالف للفطرة والديانة الحنفية.
وبعد كل ذلك تطلع علينا أساطير موهومة ومفتريات ظالمة تريد الإساءة إلى ساحته والنيل من شرفه وتدعي أنّه نذر أن يذبح ابنه عبدالله أعزّ ولده عنده ولكن كاهنة يهودية منعته من ذلك ولولاها لذبح عبدالله وعلى الإسلام السلام، فلا محمد (صلى الله عليه وآله) ولا القرآن ولا الإسلام ولا كل شيء.
ولنقرأ فقرات مما ورد في ذلك، فقد أورد الطبري في المجلد الاول رواية مقتضبة عن حياة إبراهيم (عليه السلام) والخلاف في الذبيح، قال الراوي:
«كنا عند معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح اسماعيل أو إسحاق، فقال: على الخبير سقطتم، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله عد عليّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين.
فضحك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل له: وما الذبيحان يا رسول الله؟ فقال: أنّ عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله لئن سهل الله له أمرها ليذبحنّ أحد ولده، قال فخرج السهم على عبدالله فمنعه أخواله وقالوا: إفد ابنك بمائة من الأبل، ففداه بمائة من الإبل واسماعيل الثاني».
وأورد القصة الكامل في التاريخ من دون ذكر السند قال: «ولما رأى عبد المطلب تظاهر قريش عليه نذر لله تعالى: إن يرزقه الله عشرة من الولدان يبلغون أن يمنعوه ويذبوا عنه نحر أحدهم قرباناً لله تعالى».
ويذكر القصة بتفصيل أكثر في مكان آخر: «وكان عبد المطلب نذر حين لقي من قريش العنت في حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر وبلغوا معه حتى يمنعوه لينحرنّ أحدهم عند الكعبة لله تعالى، فلما بلغوا عشرة وعرف أنّهم سيمنعونه أخبرهم بنذره فاطاعوه، وقالوا: كيف نصنع؟ قال: يأخذ كل رجل منكم قدحاً ثم يكتب فيه اسمه، ففعلوا واتوه بالقداح، فدخلوا على هبل في جوف الكعبة وكان أعظم أصنامهم...
وقال عبد المطلب لصاحب القداح: أضرب على بنيّ هؤلاء بقداحهم هذه، واخبره بنذره الذي نذر وكان عبدالله أصغر بني أبيه واحبهم إليه، فلما أخذ صاحب القداح يضرب قام عبد المطلب يدعو الله تعالى، ثم ضرب صاحب القداح فخرج قدح على عبد الله، فأخذ عبد المطلب بيده ثم أقبل إلى إساف ونائلة، وهما الصنمان اللذان ينحر الناس عندهما، فقامت قريش من أنديتها، فقالوا: ما تريد؟ قال: أذبحه. فقالت قريش وبنوه: والله لا تذبحه أبداً حتى تُعذر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال الرجل منّا يأتي بابنه حتى يذبحه، فقال له المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم: والله لا تذبحه حتى تعذر فيه، فإن كان فداؤه باموالنا فديناه، وقالت قريش وبنوه: لا تفعل، وانطلق إلى كاهنه بالحجر فسلها فإن أمرتك بذبحه ذبحته، إن أمرتك بمالك وله فيه فرج قبلته.
فانطلقوا إليها وهي بخيبر... وذكرت لهم فداء الإبل حتى بلغت مائة فضربوا القداح فخرجت على الإبل...».

مناقشة الرواية
نكتفي بذكر هاتين الروايتين من أمهات المصادر المعروفة اختصاراً وإحالة لبقية عليها.
فامّا الاولى فتتميز على الثانية إنها مسندة ذكر فيها إسم الراوي الثقة جدّاً!! وهو معاوية بن ابي سفيان، ولو لم يكن في هذه الرواية إلاّ هذا العيب كفى في طرحها ونبذها، هذا اولاً، ويلحق بهذه الرواية في ضعف السند جميع الروايات التي تستقي بشكل أو بآخر من معاوية واذنابه من وعاظ السلاطين وإن نُسِبت تارة إلى ابن عباس واخرى إلى ائمة أهل البيت(عليهم السلام)، فلا توجد رواية واحدة صحيحة السند في هذا الموضوع اطلاقاً.
وثانياً: هل يقبل العقل والوجدان والشرع أن ينذر الشخص قتل شخص بري فيما لو انعم الله تعالى عليه بشي؟ فكيف لو كان احد اولاده؟ وهل يصدر هذا النذر من مجرم كافر فضلاً عن مؤمن عاقل فضلاً عن كونه شيخ المؤمنين والعقلاء؟ وكفى في وضوح قبحه أن اخواله الكفرة المشركين منعوه من تحقيقه ولم يرضوا به، وهل سبقه احد من العقلاء في التاريخ من آدم ولحد الآن إلى ذلك؟ ولعله مما يسوّغ تصديق هذه الاسطورة أنّ النبي إبراهيم (عليه السلام) حاول ذبح ولده إسماعيل (عليه السلام) كما هو مذكور في القرآن الكريم، ولكن شتّان ما بينهما، حيث إن إبراهيم (عليه السلام) نبي يوحى اليه، وقد أمره الله بذلك إمتحاناً واختباراً له، ولم يصدر مثل هذا الامر وهذا الوحي لعبد المطلب.
ثالثاً: الروايات الشريفة التي تؤكد نزاهة عبد المطلب وعظمته وعلو شأنه مالا يمكن معها قبول هذه الروايات الطاعنة في دينه وتوحيده ورجاحة عقله، منها ماروي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ذكر خصال في عبد المطلب: «يا علي إن عبد المطلب كان لا يستقسم بالازلام، ولا يعبد الاصنام، ولا يأكل ماذبح على النصب، ويقول أنا على دين أبي إبراهيم(عليه السلام)».
وفي رواية الاصبغ ابن نباته عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال: «والله ماعبد أبي ولا جدي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط، قيل فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم(عليه السلام)متمسكين به».
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «يحشر عبد المطلب يوم القيامة امة واحدة عليه سيماء الانبياء وهيبة الملوك». وغيرها من الأحاديث التي تشهد بفضله وكرامته عند الله تركنا ذكرها مراعاة للاختصار.
رابعاً: إتفق المفسرون والعلماء على أنّ الله تعالى ارسل إلى إبراهيم (عليه السلام)كبشاً ليذبحه بدلاً من ذبح ولده حتى لا يكون ذبح الابناء سنّة في الناس، فما لعبد المطلب الذي هو على دين إبراهيم (عليه السلام) أول من يظهر الخلاف وهو أولى بإتباع جده إبراهيم؟ وأين كان عقل عبد المطلب حتى لا يدرك هذا الامر ويدركه الاخرون من الاعراب الذين منعوه من ذبح ولده بهذه الحجة؟.
خامساً: إن السؤال في هذه الرواية عن الذبيح من هو إسماعيل أو إسحاق؟ أما معاوية في جوابه ركز الحديث حول عبد المطلب وعبدالله، ومن يشك في عشق معاوية لبني هاشم وخاصة والد النبي وجده؟ فلما كان تاريخ عبد المطلب زاخراً بالافتخارات وحافلاً بالمكرمات، فلا يلام معاوية على اسناد افضع التهم لجد النبي وعمه أبي طالب مادام قد حُرم من هذا الفيض والنيل من النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه، وعبارته الاولى «على الخبير سقطتم» تكشف عن فرحه بهذا السؤال لما اعدّ له من جواب، ونراه قد فصّل في عبد الله، واقتصر على إسماعيل بأن قال: وإسماعيل الثاني، مع أنّه هو مورد السؤال.
سادساً: هل أنّ هذا الامر، وهو نذر عبد المطلب ـ لو صحّ ـ يحتاج إلى خبير لنقله، أو إلى خبير في صياغة التهم على بني هاشم؟ لانه لو صدق هذا الخبر لعلم به كل العرب ولم يقتصر على معاوية، وليس هو أمر بعيد الزمان حتى يغطيه غبار النسيان، فيحتاج إلى علاّمة ومؤرخ خبير مثل معاوية ليكشف عنه غبار الزمان ويعلم به اعرابي مجهول ولا يعلم به صناديد قريش وصحابة النبي (صلى الله عليه وآله) الابعد أن بيّن لهم النبي (صلى الله عليه وآله).
سابعاً: وأما قول النبى (صلى الله عليه وآله) «أنا ابن الذبيحين» فلو سلّمنا بصحة السند فقد تكون إشارة إلى إسماعيل وعبد الله الذي يحتمل أن يكون اليهود قد قتلوه وذلك حينما أرسله عبد المطلب إلى المدينه ليشتري التمر، يقول الزهري: «أرسل عبدالمطلب ابنه عبدالله إلى المدينة ليمتري لهم تمراً فمات بالمدينة».
وحتى لو لم يثبت ذلك، فإنّ الشك في صحة الرواية المنسوبة إلى النبي(صلى الله عليه وآله)«أنا ابن الذبيحين» أولى وأسهل من الخوض في كل هذه المطبّات والمفازات واتهام الأولياء بهذه الخزعبلات، ثم إنّ الصدوق (ره) ذهب في هذه الرواية إلى أنّ الذبيحين هما اسماعيل واسحاق على تفصيل ذكره في
محله، وهذا يدلُ على أنّه لا يقبل برواية النذر مطلقاً، ولو قبلها فلا داعي إلى التخريج البعيد على أنّ الذبيح الثاني هو اسحاق وأنّ الله تعالى أعطاه منزلة الذبيح ما دام التخريج القريب موجوداً، بل إن الطبري يحدثنا عن حادثة مشابهة وقعت في الحجاز ويقول في أوّل الجزء الثاني من تاريخه:
«إن امرأة نذرت أن تنحر ابنها عند الكعبة في أمر إن فعلته، ففعلت ذلك الأمر فقدمت المدينة لتستفتي عن نذرها فجاءت عبد الله بن عمر فقال لها: لا أعلم أمر اللّه في النذر إلاّ الوفاء به، فقالت المرأة: أفأنحر ابني؟ فقال ابن عمر: قد نهاكم الله أن تقتلوا أنفسكم، فلم يزدها عبدالله بن عمر، فجاءت إلى عبدالله بن عباس فاستفتته، فقال لها: ارى أن تنحري مائة من الأبل مكان ابنك كما صنع عبد المطلب، فبلغ الحديث مروان وهو أمير المدينة، فقال: ما أرى ابن عمر ولا ابن عباس أصاب الفتيا، أنّه لا نذر في معصية الله استغفري الله وتوبي إلى الله.. فسُرّ الناس بذلك واعجبهم قول مروان ورأوا أنّه قد أصاب الفتيا...» فهذا مروان، الذي عليه ما عليه، يفهم بأن لا نذر في معصية الله، ولا يفهمها عبد المطلب؟!
إلاّ أنّ المصادر التاريخية تذكر في موارد عديدة أنّ النصارى كانوا عندما يشاهدون محمداً (صلى الله عليه وآله) وهو صبي مع عبد المطلب يحذروه من اليهود وإنهم إذا رأوه لقتلوه كما في قصة رحلته الأولى إلى الشام وتحذير الراهب (بحيرا) لعمه من اليهود، ولكن الله شاء أن يولد النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة بعيداً عن اليهود، وبمجرد أن ولد دفعه عبد المطلب إلى مرضعة له في البادية ليبقى سنين عديدة بعيداً عن الأنظار، لأنه كان يعلم يقيناً بمستقبل هذا الطفل لما رآه وحدثت به اُمه عنه، فليس الغرض أن يتعلم اللغة في البادية كما هو الشايع، لأنّ عرب قريش لم يكونوا بأقل من عرب البادية في بلاغتهم وفصاحتهم إن لم يكونوا أكثر، حيث لم يحدث فيهم اختلاط الألسن وورود الموالي والعجم إلاّ بعد عشرات السنين.
ويذكر الطبري في تاريخه بأن أبا طالب حينما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) للتجارة إلى الشام وهو لم يزل غلام مرّ في طريقه على راهب يقال له بحيرا، وبعد سؤال وجواب قال بحيرا لأبي طالب: أرجع به إلى بلدك واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغينّه شراً، فانه كائن له شأن عظيم فاسرع به إلى بلده، فخرج به عمه سريعاً حتى أقدمه مكة».
بعد هذا لا نستغرب كثيراً إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقصد الإشارة إلى أن أباه قد قتل مظلوماً، ولكن معاوية والأقلام المأجورة حوله تأبى أن تجري الأمور على ما هي عليه واقعاً، فإنّ التاريخ الحقيقي كله يعكس فضائل لبني هاشم ومثالب أعدائهم، فلم يكن لهم همّ إلاّ أن يدسّوا السم في العسل ويخلطوا تاريخ الأنبياء (عليهم السلام)الحافل بالصدق والإخلاص والصفاء باساطير وموهومات من بنات أفكارهم. ويأخذه منهم علماء السوء والجهلة من المؤرخين وينسبونه إلى النبي تارة وإلى ابن عباس وإلى أهل البيت (عليهم السلام)ليصدقهم الناس ولا يتّهموا بالإختلاق والكذب.
ثامناً: ولم يكتفِ أعداء بني هاشم والوضّاعون من أذناب معاوية وحاشيته إلاّ أن زادوا على استاذهم بأن جعلوا من عبد المطلب مشركاً وعابداً للوثن ويتقرب إلى هبل كبير الأصنام كما في الرواية الثانية، ويستقسم بالإزلام والأنصاب التي يصرح القرآن بأنها رجس من عمل الشيطان. ويذبح الإبل قرباناً للأصنام ولو اُتيح له ذبح عبدالله لكان ذبحه عند قدمي هبل قرباناً وتقرباً إليه، فما أفضعها من تهمة إلى أطهر رجل في العرب. وشيخهم وكفيل نبيهم!! فما أن جعله معاوية قاتلاً للنفس البريئة وسفاكاً للدماء، حتى زادوا عليه وجعلوه عابداً للوثن، بل جعلوا كل الناس تدافع عن عبدالله من أخوته واخواله والغرباء من سائر القبائل والكهنة اليهود، بينما كان يريد أبوه ذبحه، فالخطر الذي كان يتربص بالرسالة والنبي(صلى الله عليه وآله)كان في الحقيقة من كفيله وجده عبد المطلب لولا أن تدخل العرب ومنعوه من ذلك!!
وأمّا ما ورد من أنّ دية الرجل مائة من الأبل فهي سنّة وضعها عبد المطلب مع تشريعات إنسانية أخرى بعد أن كانت الدية عند أهل الكتاب عشرة من الأبل، ولا إشكال في حسن هذه الخطوات الشجاعة من مثل عبد المطلب، ولا حاجة إلى اختلاق تلك الأسطورة الظالمة، كما قيل في تشريع إبراهيم لعدة من السنن منها الختان، فيذكر اليهود أنّ إبراهيم أوّل من أختتن وختن معه إسماعيل وإسحاق وعمره قد تجاوز الثمانين حينذاك، بينما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن بعض الأنبياء (عليهم السلام)ولدوا مختونين ومنهم إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله) كرامة لهم، ولأنّهم ولدوا في ظروف غير طبيعة وبيئة كافرة لم تسنح لوالديهما ختانهم، فليس كل سنّة شرعها إبراهيم (عليه السلام) أو عبد المطلب لابدّ أن تستند إلى حادثة معينة يكون إثمها في الغالب أكثر من نفعها.
تاسعاً: ثم هل بلغ قحط الرجال في مكة والمدينة حتى يذهب عبد المطلب إلى امرأة كاهنة تسكن خيبر اليهودية فتحلّ له المشكلة؟ وهل كانت هذه العجوز مرجع الاُمة في ذلك الوقت؟ ولماذا لم نسمع لها خبراً إلاّفي هذه الاسطورة، مع أن فضلها على البشرية عظيم يكاد يكون مثل فضل آمنة وخديجة؟ ولو أنها أقرّت عبد المطلب على الذبح فما كان مصير البشرية؟ وهل أنّ هذه المسألة هي نظرية اينشتاين يصعب حلها إلاّ ببركة تلك الكاهنة؟ وهل يصح أن يطلب عبد المطلب كثرة الأولاد من أجل مواجهة قريش وهو شيخهم وكبيرهم والنافذ حكمه فيهم؟ وما عسى أن يصنع عشرة أولاد في مقابل قبائل قريش وابطالها إذا أرادوا بعبد المطلب سوءاً؟ وإذا كان في حاجة ماسة إلى الأولاد فكيف يضحي بواحد منهم، وهل وهل... إلى عشرات من الأسئلة التي تهب للدفاع عن جدّ النبي(صلى الله عليه وآله)وشيخ بني هاشم أمام هذه التهمة الشنيعة.
عاشراً: إنّ المحقق لدى علماء الأصول وما أكّد عليه أهل البيت(عليهم السلام)أنّ الرواية مهما بلغت من كثرة الأسانيد لا ينبغي لها أن تعارض القرآن الكريم، وهذه الروايات المذكورة مع شدة ضعفها وتهافتها نجدها معارضة للقرآن الكريم فيضرب بها عرض الجدار كما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك أنّ القرآن الكريم يؤكد إسلام وإيمان آباء النبي (صلى الله عليه وآله) ويقول: (وَتَقَلَّبَّكَ فِي السَّاجِدِين) وقد أجمع العلماء والمفسرون على هذا المعنى طبقاً لهذه الآية الشريفة، ومن ذلك قولا امير المؤمين في نهج البلاغة: «وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وسيّد عباده، كلما نسخ الله الخلق فرقتين جعله في خيرهما، لم يسهم فيه عاهر، ولا ضرب فيه فاجر» ولكن الروايات المذكورة في نذر عبد المطلب تصرح بشركه وعبادته للوثن، ولا يمكن الفصل ورفض هذا القسم من الرواية وقبول الباقي، لأنّها تكاد تكون كتلة واحدة من السلبيات ومجموعة متكاملة من التجديف وسلسلة مترابطة من التهم والخزعبلات.
* * *
دفاع فاشل: هذا والعجيب أنّ المحقق الجليل السيد جعفر مرتضى العاملي، مع تظلّعه في التاريخ الإسلامي وتطهيره له من الكثير من الأساطير والأخبار الموضوعة ودفاعه مشكوراً عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) من مقولات المضلّين وأخبار المغرضين، نجده عندما يصل إلى نذر عبد المطلب ينكسر قلمه البتار وينحو منحى علماء العامة في ضعيف تبريراتهم وهزيل استحساناتهم في دفاعهم عن بعض الصحابة، فيقول ما هذا نصه:
«والجواب: إننا نلاحظ: أنّ عبد المطلب قد سار في إيمانه سيراً تكاملياً.. فنجده في أوّل أمره يسمي أبناءه بـ«بعد مناف» ومناف إسم صنم،
و«عبد العزى» والعزى كذلك، ولكنه يترقى ويتقدم حتى يبلغ به الأمر حداً من التسليم والإيمان بالله أن أرعب إيمانه هذا أبرهه صاحب الفيل كما يذكره المؤرخون.. وقد بلغ الحد الإيماني الأعلى بعد ولادة حفيده محمد (صلى الله عليه وآله) حيث سمع ورأى الكثير من العلامات الدالة على نبوّته باُم عينه وشهد وعاين الكثير من الكرامات والدلالات القطعية..
وعلى هذا فلا مانع من أن يكون اعتقاده أولاً: أنّه يرى لنفسه الحق في تصرف كهذا. ونذر كهذا، ولم يكن مستهجناً لدى العرف آنئذ.
أضف إلى ذلك أنّه لم يثبت عدم جواز نذر كهذا في الشرايع السابقة، فقد نذرت امرأة عمران ما في بطنها محرراً لخدمة بيوت الله، وامر الله تعالى نبيه إبراهيم بذبح ولده إسماعيل».
ولا ندري أيّاً من هذا الكلام نردّ، وأية فقرة لا تتهاوى أمام قليل من التأمل، وقد قيل «لابد للفارس من كبوة»، ولا يصح مبارزة الكلام الأعزل من سلاح البرهان كهذا الكلام، ولكنه أمر أضطررنا إليه، ولنبدأ مما إنتهى إليه:
أمّا قوله: أنّه لم يثبت عدم جواز نذر كهذا في الشرايع السابقة، فهل جميع جزئيات الحياة واردة في الشرايع السابقة إلاّ هذه، فيستدل عليها باصالة البراءة؟ ثم إنّ الثابت حرمة القتل لا النذر بالقتل، وكذلك حرمة الخمر لا النذر بشرب الخمر، وحرمة السرقة، لا حرمة النذر بذلك، فلو نذر السرقة والزنا والخيانة لأضحت حلالاً، وهكذا تكون المحرمات والكبائر حلالاً بمجرد النذر، بل تكون واجبة، لأنه يجب الوفاء بالنذر، ولم يرد في القرآن ولا في سائر الشرايع حرمة نذر المعصية، وهنيئاً لأصحاب الكبائر نعيمهم!!
ثم إن قياسه قتل النفس المحترمة على نذر امرأة عمران ما في بطنها لخدمة بيوت الله لهو قياس يتعجب منه أبو حنيفة، فأين هذا من ذاك، وأين قتل الولد من جعله خادماً لبيت اللّه.
وأمّا قوله، أنّه يرى لنفسه الحق في تصرف كهذا، فكل القتلة واللصوص وقطاع الطرق والعواهر يرون لأنفسهم الحق في تصرفاتهم، ولا نعلم الفرق بينها.
وقوله: إن ذلك لم يكن مستهجناً لدى العرف، لعجيب، فما هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، فإذا لم تدرك فطرة الناس في جميع الاعصار قباحة قتل النفس المحترمة فماذا تدرك بعد ذاك؟ مع أنّ الكثير ممن كانوا معه قد نهوه ومنعوه عن هذه الجريمة حتى اجبروه أن يحتكم إلى كاهنة، كما تقول الروايات، ثم اين الدليل على هذا الادعاء، هل هو فيوأد البنات؟ فهو أيضاً كان مستهجناً فطرياً، إلاّ أن ظروف العرب القاسية قد تجبرهم على وأد البنات لا قتل الأولاد من دون سبب.
أمّا حديثه عن السير التكاملي لعبد المطلب فهو ثالثة الاثافي، وكأنه يوافق ضمنياً على شرك عبد المطلب ويقرّ بعبادته للوثن في بداية الأمر، ولهذا سمّى اسم أولاده عبد مناف وعبد العزّى، وكذلك أراد التضحية بولده عبد الله فداء للصنم، ثم يتكامل فجأة وبعد أن تجاوز السبعين إلى ذلك المؤمن الذي يقف أمام أبرهة، وهذا التكامل التدريجي!! حصل في سنة واحدة أو ثلاث منذ أن أراد ذبح عبدالله للصنم حتى ولادة النبي (صلى الله عليه وآله) في عام الفيل، لأنّ الروايات تؤكد أنّ عبد الله بلغ مبلغ الرجال حينما أراد أبوه ذبحه فالى ساعة الذبح كان عبد المطلب باقياً على شركه وهو حينئذ قد تجاوز السبعين، وبعد أن ذبح مائة من الإبل زوج ابنه عبد الله من آمنة. وبعد سنة او أقل يتكامل إيمان هذا الشيخ من تحت الصفر إلى درجة الغليان!.
وإذا لم يوافق السيد على الذبح أمام الصنم بحجة أنّه أعلى شأناً من ذلك، فلماذا قبل هذا الشأن ولمّح إلى شركه في شبابه وكهولته؟
أمّا سبب التسمية فإنّ أسماء الأصنام لعلها كانت في السابق يقصد بها الخالق جل وعلا أو صفاته أو أسماء لأولياء، ثم سميت بها الأصنام تبركاً كما يذكر السيد الطباطبائي في الميزان عن ابن عباس أن أسماء الأصنام في زمن نوح كانت اسماء رجال صالحين، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم ففعلوا وكما هو الحال في تماثيل بودا.
ولماذا لا نحمل عمله هذا على التقية؟ فبحكم كونه زعيم قريش عليه أن يتظاهر بأنه منهم، فلو علموا به إنساناً موحداً لرفضوه وحاربوه، وخسر النبي (صلى الله عليه وآله) أعظم كفيل له، وهكذا صنع أبو طالب، فلا شك في إيمانه وإسلامه عند الشيعة، إلاّ أنّه كان يتّقي منهم تقاة للحفاظ على النبي (صلى الله عليه وآله)، ولماذا لا نقول أن بعض أولاده غيّروا أسماءهم تبعاً للبيئة كما يحصل هذا الأمر كثيراً؟ وكل هذه الاحتمالات أهون من الطعن على عبد المطلب وطرح الروايات الأكيدة على طهارته وعلو درجته، مضافاً إلى الأدلة العقلية على طهارة آباء النبيين وإيمانهم، واجماع الطائفة.
قال الشيخ الطوسي:
«اعتقادنا في اباء النبي (صلى الله عليه وآله) أنّهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبدالله...».
ويقول العلامة المجلسي:
«اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم على أنّ والدي الرسول وكل أجداده إلى آدم (عليه السلام)كانوا مسلمين، بل كانوا من الصديقين: أمّا أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين، ولعلّ بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية أو مصلحة دينية» وهذه الرواية في قصة نذر عبد المطلب هي السبب في طعن أهل السنة في عبد المطلب وإيمانه، يقول أحمد حسين المصري في كتابه «محمد نبي الإنسانية».
«.. وما مرّ بنا من تاريخ عبد المطلب يقطع بأنه كان وثنياً مشركاً ككل مشركي مكة، فقد رأينا!! كيف يوشك أن يذبح ابنه تحت أقدام هبل، وكيف يلجأ إلى العرافة ليستفتيها ويستقسم بالأزلام...».

ـ من كتاب "منهاج الرسل"



#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد كتب الدعاء والزيارة
- من أدلة عدم وجود الله ... دليل وجود الشر
- التفسير التاريخي لظاهرة الايمان بالله
- حقيقة الوحي
- دور المرجعية في عصر الحداثة
- العقلانية في الفقه
- محاضرة العقلانية في عصر الحداثة
- محاضرة العقلانية في الاخلاق
- محاضرة اعرف نفسك
- نقد الحر العاملي ومصنفاته
- محاضرة كيف نعرف الدين الحق؟
- محاضرة المنهج الهيرمنيوطيقي للمثقفين
- محاضرة العقلانية في الشعائر والطقوس
- القراءة المنسية ... مراجعة لنظرية «العلماء الأبرار» القراءة ...
- نقد أحاديث تفسير القرآن
- نقد الشيخ الصدوق وكتبه
- نقد العلامة المحدث محمد باقر المجلسي
- الشيخ الكليني وكتابه الكافي
- القرن التاسع عشر وإستقلال علم النفس ... المدرسة التجريبية
- الديمقراطية والمعنوية


المزيد.....




- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - مهزلة نذر عبد المطلب