أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - محمد نجيب بين سجن الواقع ورحابة الخيال















المزيد.....

محمد نجيب بين سجن الواقع ورحابة الخيال


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4044 - 2013 / 3 / 27 - 22:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محمد نجيب بين سجن الواقع ورحابة الخيال

اللواء محمد نجيب (1901- 1984) هوالواجهة التى تستـّرخلفها ضباط يوليو52نظرًا لكبر سنه (51سنة) وقت إنقلابهم بينما هم كانوا فى أوائل الثلاثينيات. صدّق نجيب مزاعمهم بتغيير المجتمع نحوالديمقراطية. وبعد أنْ غدروا به اكتشف الخديعة فكتب فى مذكراته (طردنا ملكا وجئنا بثلاثة عشرملكا) (كنتُ رئيسًا لمصر- المكتب المصرى الحديث- عام 84- ص201) ويعترف بمرارة (الحقيقة تقتضى أنْ أقول أننى أول من أطلق عبارة الضباط الأحرارعلى التنظيم الذى أسسه عبدالناصر. وأنا الآن أعتذرعن هذه التسمية، لأنها لم تكن اسمًا على مُسمى، فهؤلاء لم يكونوا أحرارًا وإنما كانوا أشرارًا، وكان أغلبهم- كما اكتشفتُ فيما بعد- من المُنحرفين أخلاقيًا واجتماعيًا، وأنهم كانوا فى حاجة إلى قائد كبير، ليس فى الرتبة فقط ، وإنما فى الأخلاق أيضًا حتى يتواروا وراءه ويتحركون من خلاله، وكنتُ أنا هذا الرجل) (91) ويعترف بأنّ (لفظ انقلاب هواللفظ المستخدم فيما بيننا) (145) وبعد أنْ نفذ دوره ركله الضباط بكل قسوة وحدّدوا إقامته فى الاستراحة الريفية للسيدة زينب الوكيل (زوجة مصطفى باشا النحاس) بالمرج. وتحديد الإقامة الجبرى هواسم الدلع للاعتقال الذى بدأ فى نوفمبر54واستمرحتى أكتوبر83)
تجربة نجيب مع الضباط وضربه بمعرفة ضباط أصغرمنه واعتقاله لمدة29سنة + التركيب النفسى والعقلى لشخصيته، تلك التجربة اكتملتْ لها عناصرالدراما السينمائية والروائية، لذا كانت فرحتى وأنا أقرأ عملا إبداعيًا (أعاد تركيب الصورة) ونقلها من زنزانة الواقع إلى رحابة الفن على أجنحة الخيال بسماواته المفتوحة إلى واقع افتراضى مُتخيّل، رغم أنّ منصة انطلاقه هى الواقع الأرضى كما ذكرماركيزبحق، وهوما فعله الأديب محسن يونس فى روايته (حرامى الحلة- شطحة روائية لوقائع إقامة جبرية- دارالأدهم للنشرعام 2012)
لجأ المُبدع إلى الفانتازيا لإعادة تركيب الصورة، فخلق شخصية (طنيب النينوالحرامى القرارى) الذى صورله خياله أنّ بالقصركنزًا ، ولكنه يُفاجأ بقول العسكرى الحارس بأنّ القصرله (تاريخ) والتاريخ هوالكنز، يسخرالحرامى من هذا الكلام، وتزداد سخريته ودهشته عندما يرى القطط والكلاب فى حضن (سى نجيب) ويتكلم معهم ويردون عليه فى حواركأنما بشرمع بشر، فيقول (يظهرأنا دخلتْ قصرمسحور) خاصة عندما طلبتْ القطة الرمادية من نجيب أنْ يقف أمام المرآة حتى لاينسى شكل البشر. فى هذا المشهد الافتتاحى عندما رأتْ القطط والكلاب الحزن على وجه سى نجيب قالت له القطة: اطمئن سوف تحظى بإحدى وعشرين طلقة فى الهواء. فى إيحاء ساخرمما فعله ضباط يوليوعندما أطلقوا 21طلقة فى وداع الملك فاروق، وأنّ محمد نجيب وافق على هذا الاجراء وفق ماذكره فى مذكراته (ص125)
وعندما كتب نجيب على جدارالحائط : إذا عرفتَ عدوك عرفتَ كل شىء، سخرتْ القطط والكلاب منه وقال له كلب (نخاف أنْ تتحول إلى مجرد كاتب لعبارات خائبة على حيطان بائسة) وهذا الكلب الحكيم هوصوت ضميرالأحرارالذين تعاطفوا مع نجيب وانتقدوا تناقضاته إذْ قال له ((سى نجيب.. أنتَ كنت مع الديمقراطية بعد نجاح حركتكم. والضباط يختلفون معك ويقولون بالعدالة الاجتماعية. أليس كذلك؟) فردّ نجيب (وجهات نظر) ولكن الكلب الحكيم لم ينخدع بهذا الرد المُراوغ فقال (وماذا تفعل العدالة الاجتماعية وأنا مُكمم الفم لا أملك من حريتى شيئا.. كأنك ترعى عبيدًا) أما القطة الرمادية فواجهتْ نجيب بهذا الرد الحاسم ((أيها الدكتاتورلن أمكث فى بيتك ثانية واحدة)) كان المُبدع موفقا عندما أطلق على هذه القطة صفة (الرمادية) فالرواية تتناول من خلال مأساة نجيب العلاقة الجدلية بين التعددية والأحادية التى لاتعترف إلاّبالمطلق (أبيض أوأسود) وهوما أكد عليه المبدع من خلال الحكايات التى ترويها القطة الرمادية إذْ عندما قال لها كلب من الكلاب (زملاؤكِ ينكرون وجودكِ) حكتْ سبب وجود اللون الرمادى بين القطط فقالتْ (تخوّف كل من اللون الأبيض واللون الأسود بعد أنْ تزوجا من أنْ تكون الذرية مُنحازة لأحدهما دون الآخر، فتأتى إما سوداء أوبيضاء. جاءتْ الذرية لونا لم يعرفه أى منهما من قبل) انزعج الزوجان فى البداية (وبعد فترة عاونتها الطبيعة على خيانة الخوف لأنّ الطبيعة تزداد عنادًا أمام من يُحاول إقصاء ابن من أبنائها)) وتختتم القطة الحكيمة حكايتها بقولها أنّ فى هذا اللون الخلاص (لأى ابن من أبناء الطبيعة يخاف من الأسود بقدرما يخاف من الأبيض)
القطة الحكيمة كان فى ذهنها وهى تحكى هجوم الضباط على قصرالمرج ونهب ما فيه من تحف بخلاف التخريب المتعمد. وكذا مشهد الضباط وهم يلطمون العسكرى سائق السيارة على وجهه. فى تلك اللحظة سألتْ القطة: ماذا خلف الشمس يا سى نجيب. لماذا الناس يرتعبون من هذه العبارة؟ ولأنّ نجيب كان يخشى الخروج من القصرأوحتى فتح النوافذ، لذا قال له الكلب الأسود : سى نجيب افتح النافذة. أعلن عن وجودك يا رجل. وفى مشهد افتراضى تخيله المبدع فإنّ نجيب يأخذ القطة فى نزهة فإذا بالناس يبتعدون عنه خشية أنْ يراهم أحد معه فقالت القطة: هربو كى لايُدان أحد بتهمة عُلم ولم يُبلغ. يرتبط بهروب الناس منه خطة مُتخيلة تـُمكن نجيب من الهرب. ثم ينقلنا المبدع من هذه الفرضية المُتخيلة إلى شخص نجيب الحقيقى، إذْ أنّ القطة رأته وهويكتب فى مذكراته (كيف يجتمع الاستبداد مع العدل؟) فى هذه الإشارة إحالة إلى ما فعله نجيب (الواقعى) عندما صدّق على رغبة ضباط يوليوبإعدام الشابيْن الصغيريْن محمد البقرى ومصطفى خميس فى أحداث دنشواى أغسطس 1952لذا نرى القطة الرمادية فى الرواية تقول (أنت من صدّق على حكم الاعدام سى نجيب)) وعندما رأى شخصيتيْن مُتخيلتيْن قال (أنتَ خميس.. وأنتَ محمد البقرى.. أنا آسف)) فتكون رسالة المبدع استحالة الجمع بين العدل والاستبداد ، ورغم ذلك كتب كثيرون من المستفيدين من الحكم الدكتاتورى عن (العادل المستبد) فى تبريرالاستبداد دون مراعاة للتناقض بين المعنييْن.
محمد نجيب (الواقعى) استمرأ السلطة. وصدّق نوايا الضباط نحوالديمقراطية. ولكنه لم يتخذ أى موقف جاد لمواجهتهم رغم حب الشعب له، بل إنه شارك الضباط فى بعض جرائمهم ، ومع ذلك كان مصيره تحديد إقامته لذا قال له الكلب الحكيم (كيف كان حال مصرلو لم يزيحوك؟ ألم يكفك أنك كنت الواجهة البراقة؟ فلما استنفدت الغرض تخلصوا منك) تخيّل المبدع وهو يُعيد رسم الشخصية أنّ نجيب بحكم خبرته وسنه استوعب الدرس فقال لأصدقائه القطط والكلاب : أنا كلما أدرتُ مؤشرالراديو، وجدتُ أغانى تؤسطرالهراء وتبشربفتوحات الوهم وكأنهم يقولون : النفاق لامناص منه. ويتذكرأنّ اللغة السائدة فى راديوالحكومة والصحف والتعليم تـُدغدغ مشاعرالشعب ، فاستطاع غريمه (عبدالناصر) أنْ يحصد غرام الناس وولعهم به. ويتعجب بسذاجة قائلا : ماذا لوتركونى أعيش فى بيتى بالزيتون واحدا من الشعب؟ ونظرًا لهذه السذاجة فإنّ الحية المتربعة فوق الكتب قالت له (أنا أعرفك سى نجيب . كأنّ السنين معك تأكل بعضها . أنتَ فلتة بين من جلس على الكرسى فى مصر) فتكون إجابته (تقولين أنّ السنين تأكل بعضها . يا ليتها تفعل ذلك . أقول لكِ قولا آخر. السنون قصيرة ولكن الأيام طويلة. أفكرفى الانتحار حتى أتغلب على مللها) وعندما تلتهم الحية فأرًا كان بوسعه الهرب ولكنه لم يفعل، يتعجب نجيب فتقول له (أعرف أنك تتساءل لماذا لم يهرب الفأر. أقول لك لاتجعل من نفسك ضيّق الأفق . لن يقبل الماضى أسئلة الحاضر. ولن يقبل الحاضرإجابات الماضى) وإذا كان نجيب يرى أنّ ما حدث معه خيانة فإنه تحالف مع الخيانة. كأنّ الخيانة هى تبرير وجوده.
يتذكرنجيب حرب 56، 67ورفض عبدالناصرطلبه بأنْ يكون مجرد جندى فى الجيش للدفاع عن مصر. إزاء هذه الحسرة، فإنّ الحرامى القرارى يُخفف عنه مرارته قائلا : أنتَ عشتَ هزيمة 56 وهزيمة 67 التى سموها نكسة. وسقوط الجمهورية العربية المتحدة التى كانت حلم صاحبك. وعند وصولك لعمرالتاسعة والستين يموت عبدالناصرفى الثانية والخمسين. ورأيتَ نصرأكتوبر واغتيال السادات. إيه رأيك يا خوى يا طويل العمر؟ مش برضوإنتَ دوبتهم فى عرق الصحة؟
وإذا كان المُبدع أقام عالمًا افتراضيًا بحوارالكلاب والقطط مع نجيب يتناص مع الواقع التاريخى، فإنه ضفرهذا العالم بالموروث الشعبى فنجد قطة تقول لأختها التى هدّدتْ بترك معتقل المرج : أكل ومرعى وقلة صنعه. والحرامى القرارى يتحول إلى هواء ويقول عن نجيب (دا اللى عبدالناصرشاله. والنبى باين عليه راجل طيب. لكن أنا مالى بالخناقه اللى حصلتْ بينهم. إنْ شاالله يموتو بعض. وعلى رأى المثل: العروسه للعريس والهجص للمتاعيس) ويؤمن ب (الحظ) فى مصيربعض الناس فيجعل من الكسيح بطل عدو. ومن الأعمى مصلحًا للساعات. والمبدع هنا يُعيد صياغة مثل مصرى شهير(الحظ لما يواتى يخلى الأعمى ساعاتى)
كما فى أعماله السابقة جمع محسن يونس فى هذه الرواية بين الفانتازيا والواقع فى جديلة متناسقة، فحقق أهم شروط الإبداع : المتعة الفنية مع إحكام البناء الروائى.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطور دراماتيكى فى نقابة الصحفيين
- العلاقة العضوية بين الحداثة والديمقراطية
- متعلمون محسوبون على الثقافة المصرية
- الأهرام وحضارة البناء والتشييد
- حوار بين حواء وآدم عام 1915
- الأسياب الثقافية والاجتماعية للتحرش الجنسى
- 9مارس 1932 واستقلال الجامعة
- كارثة تأجير الآثار المصرية
- الجلطة السياسية بين الشعب والسلطة
- اللغة المصرية أم لغات العالم
- أنور عبد الملك : ماركسى بعمة إسلامية
- هل يمكن الجمع بين التراث والحداثة ؟
- تاريخ اليهود المصريين بين لغتىْ العلم والسياسة
- الزراعة ونشأة الحضارة المصرية
- جدل الواقع مع التراث العربى فى رواية (رحلة الضباع)
- حسين بيومى : مثقف من طراز فريد ونادر
- الفولكلور المصرى ومقاومة الاستبداد
- آليات الليبرالية ومبادىء الاشتراكية
- لماذا لا يحتفل الإسلاميون بنبيهم العربى ؟
- لماذا تعريب مصر وليس تمصير العرب ؟


المزيد.....




- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - محمد نجيب بين سجن الواقع ورحابة الخيال