أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي - طلعت رضوان - الأسياب الثقافية والاجتماعية للتحرش الجنسى















المزيد.....

الأسياب الثقافية والاجتماعية للتحرش الجنسى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4021 - 2013 / 3 / 4 - 22:12
المحور: ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي
    


أعتقد أنه يجب أنْ يسبق الاجابة عن هذه الأسباب السؤال التالى : لماذا يكون التحرش الجنسى فى بعض الدول ولايكون فى دول أخرى؟ فالدراسات والأبحاث الميدانية أكدتْ أنّ دول الشمال الأوروبى تكاد تنعدم فيها هذه الظاهرة، ثم يليها الغرب الأوروبى ، ثم الجنوب الأوروبى. وكذلك اليابان ، بينما ينتشر التحرش فى أغلب دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. هذه الحقيقة تضع الباحث أمام ظاهرة غاية فى التناقض بين الشعارات والواقع : فالدول العربية التى يعتنق أغلب مواطنيها الإسلام ، هى أكثر الدول (وفق الدراسات والأبحاث الميدانية) التى تنتشر فيها هذه الظاهرة. وبعد أنْ تكون المادة الإمبيريقية تحت نظر الباحث يبدأ التعرف على أسباب التحرش فى مجتمعه.
فى مصرظهرت بدايات التحرش فى الثمانينيات من القرن العشرين ، وانشغل الإعلام وقتها بالشاب الذى حاول التحرش بفتاة بها إعاقة جسدية فى ميدان العتبة داخل الأتوبيس. ثم اختفتْ الظاهرة نسبيًا لعدة سنوات إلى أنْ عادتْ على استحياء مع بداية الألفية الثالثة ، ثم تفاقمتْ بعد ثورة شعبنا فى شهرطوبة/ يناير2011. ولكن المُلفت للنظر أنه طوال الثمانية عشر يومًا الأولى قبل أنْ يستولى العسكر على الحكم ، لم تشهد مصر كلها حادثة تحرش واحدة ، لا فى ميدان التحرير، ولا فى أى ميدان من ميادين محافظات مصر، بينما بدأ التحرش بعد أنْ تولى المجلس العسكرى الحكم ، ووفقـًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية، فإنّ التحرش كان مُتعمدًا من ضباط وجنود الشرطة العسكرية والبوليس الذين يرتدون ملابس مدنية. ووصل الأمر لدرجة انتهاك حرمة الناشطات السياسيات عندما تولى الضباط والجنود تعريتهن فى الميادين العامة ، ثم كارثة (كشف العذرية) داخل معتقلات الشرطة العسكرية. وللأمانة فإنّ تعرية الناشطات حدث أيام حكم مبارك على سلم نقابة الصحفيين . ولكن عام 2013هو الذى شهد المزيد من ظاهرة التحرش بعد تصاعد المد الثورى من أبناء الجيل الجديد ، هذا الجيل الذى تجاوز سياسات وأفكار الجيل السابق من الحركة الوطنية ، ومن هنا أدرك الإسلاميون الذين يحكمون مصرحاليًا خطورة هذا الجيل الجديد ، الذى تكاد تكون نسبة الفتيات متساوية مع نسبة الفتيان ، فكان مخطط التيار الدينى الفاشى هو تشويه هذا الجيل الجديد ، بزعم وجود تحرش جنسى بينهم ، وكانت الأكذوبة الفاضحة عندما اعتدى الإسلاميون على المتظاهرين أمام قصر الرئاسة وهدموا خيامهم وسرقوا مُتعلقاتهم الشخصية ، يومها زعموا أنهم عثروا داخل الخيام على بعض وسائل منع الحمل . والسؤال الذى تغاضتْ عنه الثقافة المصرية السائدة البائسة والإعلام هو: هل يقبل العقل الحر هذا الزعم الكاذب والمفضوح؟ وهل هؤلاء الشباب من العته والخبل والحماقة لهذه الدرجة وهم يتوقعون الاعتداء عليهم من الشرطة ومن الإسلاميين فى أى وقت؟
أما إذا استبعدنا الحديث عن التحرش خلال فترة المد الثورى ، وعدنا إلى الجذور الاجتماعية والثقافية للظاهرة ، فأول ما يُلفت النظر أنّ التحرش فى مصر قبل يوليو52 لم يُشكل ظاهرة عامة ، بل يذهب ظنى أنّ شعبنا لم يرتكب هذا الفعل الشائن . وعن هذه الظاهرة ذكر عالم الاجتماع الكبير د. سيد عويس أنه عندما جاء إلى القاهرة فى أربعينيات القرن الماضى ، كان الشباب يُغازلون الفتيات فى الشارع بكلمات رقيقة مثل ((بنرمى السلام على الجمال)) أو((يا حلو صبّح يا حلو طل)) والتعبير الأخير تحوّل إلى أغنية شهيرة غناها المطرب الشعبى محمد قنديل . فكانت الفتاة أو السيدة ترد وهى تبتسم ((عيب.. إختشى)) وينصرف كل إلى حاله. وما ذكره د. سيد عويس تكرّر فى فترة الخمسينيات والستينيات وهو ما شاهدته أنا بنفسى . إذن نحن أمام ظاهرة غاية فى التعقيد والتناقض : فى الزمن الذى لم يكن للأصوليين سيطرة كاملة على المجتمع ، لم يحدث تحرش جنسى ، بينما العكس بعد أنْ ركبوا كرسى عرش مصر. مع ملاحظة أنه فى فترة الخمسينيات والستينيات كانت الفتيات والسيدات ترتدين المينى جيب والميكروجيب وتعتززن بشعورهن ، وفى الصيف تردين بلوزات نصف كم ، وتنزلن البحر بالمايوهات ، وفى حفلات أم كلثوم (وهى مسجلة لمن يود التأكد) كانت السيدات تجلسن بشعورهن وترتدين فساتين السهرة ، مع ملاحظة أنهن كنّ أنيقات محترمات ، ومع ذلك لم تشهد خلال تلك الفترة ظاهرة التحرش. هذا الرصد يقودنا إلى البُعد الثقافى ، فكلما كان المجتمع يتمتع بالحرية الشخصية ، كلما انعدمتْ كل أشكال الاعتداء على الآخر، ومن بينها التحرش . كما أنّ المناخ الثقافى الذى يحرص على عدم التفرقة بين الأنثى والذكر، كلما كانتْ العلاقة بينهما علاقة سوية ، والعكس صحيح . فمن بين الكوارث الثقافية إشاعة ظاهرة الفرق بين الجنسيْن ، ودعوات الفصل بينهما فى مدرجات التعليم ، من الحضانة حتى التعليم الجامعى . فكلما نشأ الجنسان فى مناخ ثقافى يُكرّس لحقيقة أنه لا فرق بينهما من المنظور الإنسانى (وليس البيولوجى) كلما كان الاحترام بينهما هو السائد والقاعدة وليس الاستثناء والعكس صحيح . وهنا تبرز أهمية النظرة العامة للمرأة، هل هى إنسان مثلها مثل الرجل أم مجرد موضوع للفراش كما ينظر إليها التراث العربى الإسلامى؟ وفى هذا الجانب الثقافى تبدو الأهمية القصوى لدور التعليم والإعلام . فإذا كان هذا الدور مع ترسيخ الحقيقة العلمية التى تؤكد أنّ المرأة إنسان فاعل فى الجتمع (ثقافيًا وعلميًا) وأنها أثبتتْ كفاءتها فى شتى مناحى الحياة ، وأنّ الكثيرات أسهمن فى العلوم الطبيعية والإبداع الشعرى والروائى ، والفقيرات عملن فى المصانع والحقول إلخ وأنّ الأبحاث العلمية أثبتتْ أنّ (عقل) المرأة لا يختلف عن عقل الرجل ، وأنّ قدرتها على تحمل الصعاب لا تختلف عنه كذلك . وأنّ المرأة هى الأم والزوجة والأخت إلخ ، وأنّ من يعتدى على أى سيدة يجب عليه توقع (وفقـًا لعلم الاحتمالات) أنْ يحدث نفس الشىء مع أمه أو أخته إلخ. أما لو ركز التعليم والإعلام على ترسيخ الحط من شأن المرأة باعتبارها أقل من الرجل عقليًا وكفاءة إلخ فى هذه الحالة يترسّب فى عقل (الذكر) منذ نشأته آفة (الاستباحة) فطالما تلبسه اليقين بالأفضلية على الأنثى ، فإنه يُبيح لنفسه (وفقـًا لعلم النفس) ازدرائها وبالتالى يدخل فى حالة لا شعورية بحقه فى الاعتداء عليها ، سواء بضربها لو كانت زوجة أو التحرش بها لو كانت غريبة عنه.
أما عن تأثير العوامل الاجتماعية (مستوى المعيشة ، مستوى التعليم ، البيئة إلخ) فلا يستطيع أحد إنكار دورها ، وإنْ كنتُ أعتقد أنّ هذا الدور يتشكل وفق المناخ الثقافى ، وعلى سبيل المثال فإنّ الفقراء فى مصر قبل يوليو52 لم يتحرّشوا بالفتيات ، لا فى الجامعة ولا فى الشوارع ، بينما أولاد الأغنياء فى وقتنا الراهن يتحرشون بهن. كما أنّ الزى لا يدخل فى الاعتبار، بدليل الحالات التى رصدتها منظمات حقوق الإنسان للتحرش بفتيات محجبات ومنقبات. كما أنّ دورالبيئة (المقارنة بين مجتمع المدينة والريف) نسبى ، فالفضيلة قد تكون فى الريف أكثر من المدينة ، وهذا ما لاحظه أحد قراء صحيفة الأهرام فى سلسلة مقالات بدأتْ فى 24فبراير1915 بين فتاة وفتى . وفى أحد هذه المقالات ردّ الفتى على المحافظين الذين ينصحون بمحاربة الرذيلة ويُهاجمون دعاة السفور. وتعجّب من الذين يطلبون أنْ نـُربى الفتاة على مبادىء الحرية ولا نحترم حريتها. وأنْ نـُعلمها العفاف ولا نعتقد فى عفافها. وكان المحافظون يُروّجون لمقولة أنّ بديل الحجاب هو السفور على النمط الأوروبى ، فكتب ((إنّ البديل هو السفور على نمط فلاحات القرى . ولا أظن أنّ هناك من يدّعى أنّ الفساد منتشر فى القرى ونساؤها سافرات ، انتشاره فى المدن ونساؤها محجبات . وإذا كان الإسلام أمر بالحجاب ، فإنما أمر به فى القرون الوسطى ، ونحن اليوم فى القرن العشرين . ويجب أنْ نـُراعى أحوال الزمان والمكان فى تطبيق أحكام الشرائع والقوانين))
قد يحتج البعض بأنّ عدم القدرة على الزواج بسبب الفقر، يدفع بعض الشباب إلى التحرش بالفتيات. وهذه الحجة يجب أنْ تؤخذ بشكل نسبى ، بمعنى أنها ليستْ قاعدة ، والدليل على ذلك أنّ عدد المُتحرشين قياسًا على عدد السكان ينفى دور الفقر، فإذا كان المُتحرشون بالعشرات أو حتى بالمئات فإنّ الفقراء بالملايين . كما أنه إذا كان بعض المُتحرشين من الفقراء ، فإنّ البعض الآخر من أولاد الأثرياء ، كما أوضحت التحقيقات فى حادثة التحرش بإحدى المطربات أمام سينما ميامى فى عيد الفطر منذ حوالى ثلاث سنوات ، إذْ تبين أنّ معظم الشباب الذين تحرشوا بالمطربة من أثر ثرية ، وهذا يعود بنا إلى البُعد الثقافى باعتباره أهم العوامل على ترسيخ قيمة الفضيلة واحترام خصوصية الآخر، أو العكس عندما يُركز على الاقصاء والتمييز، وأنّ الذكر أفضل من الأنثى . وأنّ المحجبة أفضل من التى تـُطلق شعرها للشمس وللهواء. وأنّ المُخمّرة أفضل من المُحجبة. وأنّ المنقبة أفضل من المُخمّرة. وأنّ من ترفض الخروج من البيت عملا بنص قرآنى ((وقرن فى بيوتكن)) أفضل من كل سيدات كوكبنا الأرضى .
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 9مارس 1932 واستقلال الجامعة
- كارثة تأجير الآثار المصرية
- الجلطة السياسية بين الشعب والسلطة
- اللغة المصرية أم لغات العالم
- أنور عبد الملك : ماركسى بعمة إسلامية
- هل يمكن الجمع بين التراث والحداثة ؟
- تاريخ اليهود المصريين بين لغتىْ العلم والسياسة
- الزراعة ونشأة الحضارة المصرية
- جدل الواقع مع التراث العربى فى رواية (رحلة الضباع)
- حسين بيومى : مثقف من طراز فريد ونادر
- الفولكلور المصرى ومقاومة الاستبداد
- آليات الليبرالية ومبادىء الاشتراكية
- لماذا لا يحتفل الإسلاميون بنبيهم العربى ؟
- لماذا تعريب مصر وليس تمصير العرب ؟
- الربيع العربى بين الوهم والحقيقة
- مؤامرة إنجليزية إيطالية لسرقة واحة مصرية
- عبد الغفار مكاوى والبحث فى جذور الاستبداد
- عودة اليهود والاستيطان الإسرائيلى لمصر
- نجح الإسلاميون فيما فشل فيه الإنجليز
- الدستور وكارثة تعريب العلوم


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي - طلعت رضوان - الأسياب الثقافية والاجتماعية للتحرش الجنسى